فجاءوا إلى مارة. ولم يقدروا أن يشربوا ماء من مارة لأنه مُر ... فأراه الرب شجرة فطرحها في الماء فصار الماء عذباً ( خر 15: 23 ـ25)
شجرة في مارة؟ يا للعجب! هل في صحراء جرداء وبجوار مياه مُرّة قاتلة يمكن أن تكون هناك شجرة؟! ألا تحتاج الشجرة الطبيعية لتربة أرضية صالحة تمد فيها جذورها؟ وألا تحتاج لمياه صالحة تروي بها حياتها؟ فكيف وُجدت وعاشت حيث لا تربة ولا مياه؟
لا تفسير لهذا إلا أن هذه الشجرة ليست من الأشجار الطبيعية التي نعرفها، فهي لا تحتاج للارض لتمد فيها جذوراً، إذ أن جذورها في السماء. ولا تحتاج لمياه من أسفل لتروي حياتها، إذ أن ارتواءها ينبع من فوق. نعم، فهذه الشجرة ليست سوى رمز لحياة واحدة فريدة ظهرت على الأرض من ألفي عام. حياة وُلدت وعاشت في كل ما هو مُغاير لطبيعتها، فلقد كان صاحبها طوال الوقت مُهان النفس (لا إكرام)، مكروه الأمة (لا حُب)، عبد المتسلطين ( لا تقدير). لقد قال عنه النبي واصفاً نظرة الله لحياته بالمقابلة مع مَنْ حوله بالقول «نبت قدامه كفرْخ، وكعرق من أرض يابسة». ومع هذا إذا تأملت هذه الحياة ستجدها دائماً مزدهرة مُثمرة كشجرة مورقة تعطي ثمرها في أوانه وورقها لا يذبل، بل كل ما تصنعه ينجح.
لقد عاشت هذه الحياة على الأرض، لكنها كانت مستقلة تماماً عن إمدادات الأرض؛ لقد كان ينهل من نبع سماوي يرويه فلم يذبل أو يضعف أبداً ... هذه هي حياة المسيح المورقة المُثمرة البديعة، والتي يريدنا الله أن نحوّل أعيننا إليها عندما نكون في مارة، فنرى أن ظروفه كانت أقسى جداً من ظروفنا. فقد كان رجل أوجاع ومُختبر الحَزَن، ومع هذا لا تجده يوماً واحداً فقد فيه فرحه أو سلامه، ذلك لأنه كان ينهل يومياً بل وفي كل حين من نبع لا ينضب في السماء.
ولكن هل تُقطع تلك الشجرة وهي الوحيدة في هذه الصحراء الجرداء؟ هل تُقطع الشجرة التي أورقت وأثمرت وأينعت بدون تربة أو مياه؟ نعم تُقطع «يُقطع المسيح وليس له» ( دا 9: 26 )، تُقطع لكي تُصلح المياه فترُوى وتنبت غيرها ملايين الأشجار. وكأن الله يريد أن يقول للمؤمن في مارة؛ إني أريدك أن تتغلغل في معنى موت المسيح على الصليب، بل تحمل ذات الصليب. انظر إليه قبل الصليب وهو يصلي: «يا أبتاه ... لتكن مشيئتك»، هذا هو الخضوع في قمة استعلانه في حياة الإنسان