ابراهيم عيسى | الرؤساء مايعملوش كده!

[Mary Naeem]

ابراهيم عيسى | الرؤساء مايعملوش كده!

رجل بلا حول ولا قوة أمام جماعته يثرثر بكلام كثير بلا أى معنى بل وبلا أى هدف إلا أن تخرج كلمات من فمه يملأ بها هواءً ووقتًا. هكذا بدا محمد مرسى فى حواره مع التليفزيون الرسمى وقد فقد حتى القدرة على الدفاع عن إعلانه الفرعونى، ولم يقل جملة مفيدة مفهوم لها طول من عرض، فالرجل ليس له فى الإعلان الفرعونى إلا التوقيع عليه، بينما جاء طبْخه وإقراره من مكتب الإرشاد. طبعًا دعك من الإخوان ورد فعلهم على الحوار، فهؤلاء لا يسمعون إلا من يطيعون ولا يناقشون ما يقوله، بل يتلقونه ويهللون للغث كما للثمين ما دام يخرج من فم سيدهم ومرشدهم، لكن الحاصل أن مرسى لم يكن أكثر مما يجيده خطيب جمعة يخطب فى زاوية على ترعة فى قرية بالشرقية، حتى إنه لم يجهِّز للخطبة موضوعًا، ولم يذاكر لها، بل حمل ورقة بثلاثة أرقام عن عدد قضايا الكسب غير المشروع وكلها قبل حكمه تقريبًا، وقضايا المال العام وكلها إنجاز عبد المجيد محمود، لكن مرسى بفخر الفلاحين على قدرتهم على الذهاب بك إلى البحر وترجع عطشان، امتلك جرأة أن يقول أى كلام ما دام يعرف أنه لا يخاطب المعارضين، ولا يسعى إلى رضاهم، بل يخاطب جماعته ومحدودى العقل ممن يمكن أن يصدّقوا هذا اللا شىء الذى قاله. تَهرَّب مرسى وهرب فارًّا من الإجابة عن إضراب القضاء، ولم يدفع تهم الملايين الذين خرجوا ضده فى المظاهرات، ولم ينطق بحرف فى مواجهة بيان المحكمة الدستورية الساطع، ولم يقل كلمة ذات معنى عن المؤامرة الوهمية التى يروِّج لها، بل اعترف أنه لا يملك أدلة ولا وثائق، فهى مؤامرة من اختلاق مكتب الإرشاد ولجنته المعنية بصناعة الأكاذيب والشائعات، فالرجل يشوِّش وخلاص، ويدخل بمقعد الرئيس إلى منطقة التلسين على الناس دون دليل ولا حتى قرينة، وهى مسألة لا تليق بمَن جلس على مقعده الرئاسى وسط هذا الديكور المدهب البلدى والألوان الفجة، وبإخراج تليفزيونى تشم فيه رائحة النفتالين! نفى مرسى أن يكون ديكتاتورًا بأنه مش معقول يبقى ديكتاتورًا (يا للهول من هذه القدرة على الإقناع!)، ونفى أنه فتَّت وقسَّم البلد وأشعل الفتنة واستبعد الحرب الأهلية بين الشعب، لأن المصريين مايعملوش كده، اقتداءً بالفنان محمد عبد المطلب حين قال حكمته الشهيرة «الناس المغرمين مابيعملوش كده»، ودعا كل الناس أن تحضن كل الناس، وملأ الحوار بأحضانه، حتى نستغرب تجاوز رقابة التليفزيون لكل هذه الأحضان فى برنامج واحد، وزعم فرحًا مبتهجًا أنه لا يرتدى القميص الواقى، بينما يقف خلف عشرات من ضباط الحراسة، وقال كلامًا بلا روح ولا رائحة -لا، ربما له رائحة لا تُطاق- عن معاناته من الديكتاتورية فى النظام السابق، والحقيقة أن هذا لا يمنع إطلاقًا تحوُّله فعلًا إلى ديكتاتور، ويتشبَّه هو وجماعته بالرئيس مبارك وحزبه ويتحوَّل من سجين إلى سجَّان، وليس فى هذا شىء غريب لا فى تاريخ ولا فى علم النفس ولا فى علم اللوع، ثم إن كثيرين ممن عانوا من ديكتاتورية مبارك يقفون فى ميدان التحرير الآن يهاجمون ديكتاتورية مرسى، بل أظن أن عددًا وافرًا من معارضى مبارك لم يكونوا فى حالة قلق على أرواحهم وحياتهم وقتها، كما هم الآن حين يعارضون مرسى. ثم أكثر الأمور استخفافًا صمَّم عليها مرسى فى حواره بأنه «سعيد قوى» بالمظاهرات ضده، وأن هذا تعبير عن الحرية التى نعيشها كأننا نعيشها من فضلة خيره، وكأننا نتظاهر كى نسعد سيادته، وكأنه لا يرى من المظاهرات غضبها ورفضها ومعارضتها، وهو التفافُ ريفىٍّ إخوانىٍّ مُتَذاكٍ يتخيّل نفسه يحاضر فى درس مع الأطفال الذين يجندهم الإخوان له فى الزقازيق. الدكتور محمد مرسى كلما نطق وكلما قرَّر أثبت لنا أنه ليس لنا ولا يتعامل كرئيس لكل المصريين، بل هو لا يرى المصريين أصلًا ولا يسمعهم، بل يسمع خطباء المساجد المنافقين الذين يتجوَّل بينهم كل جمعة، بل يغطس فى مخططات جماعته وأجندتها، وهى عليها الأمر وهو عليه التنفيذ. ومرسى مصمم على أن يدوس القانون ويخرق الدستور وينتهك استقلال القضاء ويشق وحدة المصريين، ويفجّر الدم بين أفراد الشعب ولا تأخذه فى ذلك ذرة تردد، فهو السامع المطيع لجماعته التى يعيش لها وبها وفيها. خلاص.. خلصت القصة، ولا طاعة له علينا.