رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مصير الخائن يهوذا إن كان مصير هذا الخائن جاء في لُغَة صلاة، غير أن المسيح الكلي الحب، الذي يريد أن الجميع يخلصون وإلى معرفة الحق يُقْبِلون، لا يشتهي هذا المصير لخائنه. قدَّم المُخَلِّص الحب حتى للذي خانه، لكن الأخير اختار أن يكون في صُحْبَة الشيطان، أي الشرير، وتحت سلطانه. فما حلَّ به وبأُسْرَتِه ليس إلا ثمرة طبيعية فاسدة لما اختاره بإرادته. اختار لنفسه اللعنة، والْتَحَفَ بالشر. فَأَقِمْ أَنْتَ عَلَيْهِ شِرِّيرًا، وَلْيَقِفْ شَيْطَانٌ عَنْ يَمِينِهِ [6]. إذ تسلل روح الخيانة إلى فكر يهوذا وقلبه بسبب محبته للمال، أو لأنه لم يحتل المركز الأول بين التلاميذ، أعطى للشيطان أن يحتل مركز القيادة في أعماقه، وعوض أن يرى الرب عن يمينه يقدسه، ترك إبليس يحتل هذا المركز ليوجهه كيفما شاء. قيل عنه إنه شيطان (يو 6: 70)، كما قيل عنه: "دخله الشيطان" (يو 13: 27). سلَّم نفسه لهذا العدو، فقاده مسرعًا به إلى دماره. جعله يمارس الشر بجسارة، وبعد سقوطه فيه حطَّمه باليأس. * من يرفض الخضوع للمسيح يستحق أن يسيطر الشيطان (الشرير) عليه. القديس أغسطينوس * "فأقم أنت عليه شريرًا". إذ صليتُ عنهم وأنا على الصليب، وهم رأوا جراحاتي، وأعطيتهم الفرصة للتوبة، لكنهم ليسوا تائبين، ولا يريدونني ملكًا عليهم، فليكن الشيطان ملكًا عليهم. إنهم لا يريدون الملك يسوع، فليكن لهم الملك باراباس. باراباس الذي اسمه يعني "ابن الأب"، أي ابن الشيطان. * وقف الشيطان عن يمين يسوع لكي يتهمه. على أي الأحوال فإن هذا المزمور لا يعني أن الشيطان يريد مقاومة يهوذا، بل هو بالفعل قد انتصر عليه. في زكريا يريد الشيطان أن يقاوم يمين يسوع (زك 3: 1-3)، أما هو فهو بالفعل ساد على يمين يهوذا. القديس جيروم * قول النبي هذا... ليس هو دعاء ضد يهوذا الخائن، ولا ضد الذين صلبوا المسيح، لكنه نبوة وعِلْم سابق فيما عتيد أن يكون لهم بسبب خبثهم... أما قوله "ليقف شيطان عن يمينه"، فمعناه إن كان ليهوذا مفاخر ومواهب رسولية التي هي كرامة اليمين، فهذه المفاخر يقف عليها الشيطان، أي يُتلفها ويفسدها. الأب أنسيمُس الأورشليمي إِذَا حُوكِمَ، فَلْيَخْرُجْ مُذْنِبًا، وَصَلاَتُهُ فَلْتَكُنْ خَطِيَّةً [7]. ليس ليهوذا حجة يعتذر بها عما فعله عندما يقف في يوم الدينونة، فإنه حتى وإن لم يعرف لاهوته، لكنه رأى عجائبه، كما أحسن إليه بمواهبٍ مثل سائر الرسل، ولا كان عن احتياجٍ ماديٍ، لأن الصندوق كان في عُهْدته. إذ ارتكب الخطية بجسارته وقف أمام ضميره يحاكم نفسه، فخرج مذنبًا، وعوض تقديم صلاة ندامة وتوبة مع رجاء في مخلصه، تسلَّط عليه اليأس، فسقط في خطية أبشع: عدم الإيمان بالمخلص! * "فصلاته تكون خطية". لأن الصلاة لا تكون بارة ما لم تكن بالمسيح، ليس فقط لا تمحو الخطية، بل تصير خطية... لو أنه بعد خيانته وندمه صلَّى بالمسيح لطلب المغفرة؛ ولو طلب المغفرة لكان له رجاء؛ ولو كان له رجاء لكانت له الرحمة، وبالتالي ما كان قد شنق نفسه في يأسٍ. القديس أغسطينوس * لا تدعه يدخل إلى قاعة المحكمة، بل يدخل إلى الدينونة، فإنه حيث توجد مشاورات قضائية، فيكون الأمر غير أكيد، أما إذا كانت هناك دينونة فيكون الحكم قد صدر فعلًا ونُشِرَ. "لتكن دعواه القضائية باطلة". فإن ندامة يهوذا كانت أشر من خطيته. كيف هذا؟ بأن شنق نفسه. هذا الذي خان الله صار شانقًا نفسه... لقد قاوم الرب بالأكثر بشنقه نفسه أكثر من خيانته له. كان يجب أن تكون صلاته توبة، لكنها تحوَّلتْ إلى خطية. القديس جيروم * كل مؤمنٍ بالمسيح يُمَكِّن قلبه من ذكر شر من أساء إليه، يلعن نفسه في صلاته، لأنه كلما صلَّى يمارس خطيئة. وعن مثله يقول داود النبي في المزمور: "تكون صلاته خطية" (مز 109: 7). لأنه إذا صلَّى يقول: "اغفر لي كما غفرت لمن أساء إليّ" (مت 6: 12)، وهو لم يغفر له . القديس مار أفرام السرياني * لنحذر من أن نطلب ما لا يجوز طلبه، فماذا ينفعكم لو طلبتم من الله الآب السماوي موت أعدائكم؟! ألم تسمعوا عمَّا ورد في المزمور متنبئًا عن نهاية يهوذا الخائن المؤلمة إذ يقول: "وصلاته فلتكن خطيَّة" (مز ١٠٩: ٧) فإن طلبتم الإثم لأعدائكم، فصلاتكم تكون خطيَّة عليكم . * لكن الكثيرين يسألون مالا ينبغي أن يسألوا، غير عالمين ما هو مناسب لهم. ينبغي أن يَحذر المصلي من أمريْن: ألا يسأل ما لا ينبغي سؤاله، وألا يسأل من لا ينبغي أن يُطلب منه. فينبغي أن لا نطلب شيئًا من الشيطان أو الأوثان أو الأرواح الشريرة. بل ينبغي أن نطلب كل ما نطلبه من الرب إلهنا يسوع المسيح، الله أب الأنبياء والرسل والشهداء، من أبي ربنا يسوع المسيح، من الله خالق السماء والأرض والبحر وكل ما فيهم. ونحذر من أن نطلب منه مالا ينبغي طلبه. فإن كان ينبغي أن نطلب الحياة ماذا ننتفع من طلبها من الأوثان التي لا تسمع ولا تنطق؟ وأيضًا ماذا ينفعكم إن طلبتم من الله الآب الذي في السماوات موت أعدائكم؟ ألم تسمعوا وتقرأوا في المزمور ما تنبئ به عن نهاية يهوذا الخائن المؤلمة إذ يقول: "وصلاته فلتكن خطية" (مز 109: 7)، فإن طلبتم الإثم لأعدائكم تكون صلاتكم خطية. القديس أغسطينوس * كيف تتجاسر على ملك الملوك ورب الأرباب أثناء الصلاة بعدم الوقوف في مكانٍ واحدٍ بأدبٍ وخشوعٍ، وتتمشى من اليمين إلى الشمال، لتنظر المارين والذاهبين؟ اعلمْ يا هذا أن صلاتك هكذا لا تُعَد صلاة، وهي التي قال عنها النبي: "صلاته فلتكن خطية" (مز 109: 7). القديس يوحنا الذهبي الفم * مَزْج بيلاطس دماء الجليليين بذبائحهم (لو 13: 1-5)، له تفسير رمزي، إذ يبدو أنه يشير إلى الذين تحت سلطان إبليس يُقَدِّمون ذبيحة دنسة، فإن صلاتهم تصير خطية (مز 109: 7). وذلك كما كُتِبَ عن يهوذا الخائن الذي في وسط الذبائح خطَّط لخيانة دم المسيح . القديس أمبروسيوس * من يمارس الندامة دون إمكانية تصحيح الخطية لا ينتفع شيئًا. إن أخطأ إنسان ضد أخيه بطريقة يمكن بها إصلاح الخطأ يمكن الغفران له. أما إن بقيتْ أثار الخطية، فيصير ندمه باطلًا. هذه الحقيقة يُطَبِّقها المرتل بخصوص يهوذا الكلي البؤس، إذ يقول: "لتكن صلاته خطية" (مز 109: 7). القديس جيروم لِتَكُنْ أَيَّامُهُ قَلِيلَةً، وَوَظِيفَتُهُ لِيَأْخُذْهَا آخَرُ [8]. لا نعرف إلى أي مدى عاش يهوذا بعد تسليم سيده وخيانته له. هل شنق نفسه في يوم صلب السيد المسيح أم بعده بأيام قليلة. لكن كل ما نعرفه أنه لم يحتمل الحياة بعد ارتكابه هذه الجريمة، فأسرع برد الفضة وشنق نفسه، وتحقق فيه قول المرتل: "لتكن أيامه قليلة". طرد نفسه بنفسه من العمل الرسولي، وترك مكانه لآخر. وقد تحقق ذلك كما ورد في أعمال الرسل (أصحاح 1). صار يهوذا مثلًا خطيرًا للإنسان الشرير، فمهما طالت أيام حياته تُحْسَب أيامه قليلة، لأنها لا تحقق الرسالة اللائقة، ويخرج من العالم صفر اليدين، ليس لديه ما يُقَدِّمه أمام الديان! * إن أيام يهوذا هي الأيام التي ينيرها ربنا الذي هو شمس البرّ، فهذه الأيام قد قلَّت منه. الأب أنسيمُس الأورشليمي * لقد صارت أيامه قليلة، أما لياليه فازدادت، لأنه أُخِذَ من الحياة في منتصف أيامه. عَبَرَتْ الشمس عن حياته، بينما اكتنفته الظلمة. "ووظيفته ليأخذها آخر". أُعلن تفسير ذلك بوضوح في أعمال الرسل (1: 20)... إن كان يهوذا قد فقد وظيفته كرسولٍ، ليحذر الكاهن والأسقف لئلا يفقدان هما أيضًا خدمتهما. إن كان الرسول قد سقط فبأكثر سهولة يسقط الراهب. القديس جيروم لِيَكُنْ بَنُوهُ أَيْتَامًا، وَامْرَأَتُهُ أَرْمَلَةً [9]. لا نسمع شيئًا عن أُسْرَة يهوذا؛ غالبًا لم يكن متزوجًا وليس لديه أبناء. فماذا يعني المرتل عن بنيه الأيتام وامرأته الأرملة؟ يرى بعض الآباء أن الأبناء يشيرون إلى ثمر الجسد والروح. يهوذا لم يحمل ثمر الإيمان الحي، لأنه أعطى القفا لله، ورفض أن يقبله أبًا. وحُرِمَ من العُرْس السماوي، فصار متيتمًا ونفسه مُتَرَمِلة! ولعل الأبناء هنا يشيرون إلى من كانوا ملتصقين به ويعتمدون عليه كأبٍ، أما زوجته فهي مجمع السنهدرين الذي تطوع لخدمته في تسليم السيد المسيح. إن كان الله يؤكد أن كل إنسانٍ مسئول عن خطاياه، فلا يحمل الابن إثم أبيه (حز 18: 19) فلماذا تحل اللعنة على أبناء هذا الشرير وزوجته؟ يجيب القديس يوحنا الذهبي الفم: [يدعو هنا الذين يشتركون معه في الشر أبناء، فقد اعتاد الكتاب المقدس كما ترون أن يدعو من يرتبطون معه بالقرابة كما الذين يرتبطون معه بالشر أبناء له، حتى وإن كانوا ليسوا أبناء بالطبيعة. ذلك كما يُقال: "أبناء إبليس" (يو 8: 44). فاليهود لم يكونوا أبناء إبليس بالطبيعة. كيف يمكن أن يكونوا هكذا، بينما هو غير مادي (جسمي) وهم ملتحفون بالجسد؟ ومع هذا فقد اقتنوا هذه القرابة بمشاركتهم له في الشر. هكذا أيضًا رفض نسبهم كأبناء لإبراهيم، قائلًا: "لو كنتم أولاد إبراهيم، لكنتم تعملون أعمال إبراهيم" (يو 8: 39). حقيقة أن الابن لا يُعاقَب من أجل الأب، ولا الأب لأجل الابن هو أمر واضح لكل أحدٍ فوق كل شيءٍ. هذا وضعه الناموس بوضوح، الاستثناء هو إن قام الأب بتربية ابنه في الشر، عندئذ يُعَاقَب الأب ليس من أجل الابن، وإنما من أجل تهاونه في تربيته كما حدث مع عالي (1 صم 3: 13).] يرى القديس جيروم أنه لم يُذكَرْ في أي موضع عن يهوذا الخائن أنه كان متزوجًا وله أولاد. لكن زوجته هي المجمع الذي أخذ من يهوذا المهر، الذي هو الثلاثين من فضة، ثمن الخيانة. كما يرى أن اليهود الذين لم يؤمنوا بالسيد المسيح ولا تابوا بعد صلبه قد صاروا أبناء هذا الخائن. * من تظنون هم بنو يهوذا؟ اليهود... "وامرأته أرملة". المجمع الذي كان أولًا عروس الله، والذي قيل عنها: "أعطيتها كتاب طلاقها، ورددتها وقلت لها ارجعي إليّ" (راجع إر 3: 8-12). هذا المجمع طلَّقه المُخَلِّص، وصار امرأة يهوذا الخائن. وماذا حدث؟ لم تستلم المهر، بل ردته لرجلها (يهوذا). القديس جيروم * أنهم كأيتام ليس لهم مُعِين، ولا حارس، فيزدادون وسط اضطرابهم وعوزهم. القديس أغسطينوس * إن أولاده التي هي أفكاره قد تغرَّبتْ عن أبيها الذي هو المسيح، وصارت مثل الأيتام، وفقدت نفسه اقترانها بالمسيح، وصارت مُتَرَمِّلة من عناية الله. الأب أنسيمُس الأورشليمي * لقد ساد الرياء العالم؛ وها هو يزحزح الفضيلة حتى كاد يمحو ذِكْرَها من الوجود... يرتكب المراؤون المُنْكَرات في الغالب لأجل الطمع والربح القبيح. وهاكم يهوذا الاسخريوطي مثل لذلك. فإنه حينما طلب أن يُباع الطيب كان قلبه يفكر في سرقة الثمن (يو 12: 6). وقبل أن يُقبِّل سيده متظاهرًا بمحبته كان متفقًا أن يُسَلِّمَه بهذه القُبْلة (لو 22: 47-48)، حتى استحق اللعنات الهائلة من فم النبي، وهي: "ليقف شيطان عن يمينه. إذا حوكم فليخرج مذنبًا، وصلاته فلتكن خطية..." (مز 109: 6-19). القديس يوحنا الذهبي الفم ليَتِهْ بَنُوهُ تَيَهَانًا وَيَسْتَعْطُوا، وَيَلْتَمِسُوا خَيْرًا مِنْ خِرَبِهِمْ [10]. ماذا يقصد بهؤلاء الأبناء الذين يتشردون ويبلغون إلى الاستعطاء؟ أ. ربما يعني الأبناء ليس حسب الجسد، وإنما من يتعهدهم ويكرز لهم. هؤلاء الذين سبق فكرز لهم قد تعثروا بسبب خيانته لسيده. فصاروا كمن تشردوا روحيًا، وصاروا في عوزٍ. ب. جاءت هذه النبوة كتحذير لكل مؤمن، إن ما يفعله إن كان في الرب أو ضد الإيمان له فاعليته في حياة أولاده وبناته. فالإنسان عادةً لا يخاف من أية ضيقة تحل به قدر ما يخاف من حلولها على نسله، لأنهم في عينيه - حتى إن كان شريرًا - أثمن وأعز منه لديه. يرى القديس جيروم أن بنيه هم اليهود الذين فقدوا الغِنَى الروحي، ولم يعد لهم أنبياء ولا كهنة ولا ذبيحة، صاروا ساقطين بمعنى الكلمة. لِيَصْطَدِ الْمُرَابِي كُلَّ مَا لَهُ، وَلْيَنْهَبِ الْغُرَبَاءُ تَعَبَهُ [11]. من هو المُرابي الذي يضع يده على كل ما لدى الإنسان الشرير، ومن هم الغرباء الذين ينهبون تعبه، إلا إبليس وجنوده. إنهم يستخدمون كل مواهب الإنسان وطاقاته وقدراته حتى عواطفه لحساب مملكة الظلمة. يرى الأب أنسيمُس الأورشليمي أن مرابي اليهود هم الجند الرومان الذي نهبوا أعمالهم الظاهرة واقتسموها كما اقتسموا ثياب السيد المسيح عند صلبه، ونهبوا أيضًا أموالهم. لاَ يَكُنْ لَهُ بَاسِطٌ رَحْمَةً، وَلاَ يَكُنْ مُتَرَغِّفٌ عَلَى يَتَامَاهُ [12]. إذ لا يرحم الشرير نفسه ولا يبالي بأبديته، لا يتوقع أن يجد من يترفق به أو يعطف عليه. وإذ يسلك بنوه على منواله في طريق الشر، يصيرون كأيتام ليس من يُقَدِّم لهم معروفًا. * "لا يكن له باسط رحمة، ولا يكن مترغف على يتاماه". في ذلك الحين لم يكن لدى اليهود من يعينهم. أجبني أيها اليهودي. لقد كنتَ في بابل، وكان لك هناك أنبياء: دانيال وحزقيال، وماذا كان حالك إلا أنك عابد أصنام؟ كنتَ في السبي لمدة سبعين عامًا وبعد ذك عدت إلى بلدك. تطلع الآن... لماذا ليس نبي مُرسل إليك؟ القديس جيروم لِتَنْقَرِضْ ذُرِّيَّتُهُ. فِي الْجِيلِ الْقَادِمِ لِيُمْحَ اسْمُهُمْ [13]. انقراض الذرية هنا يشير إلى أن الشرير وإن كان يزهو سريعًا غير أن ثمره الشرير لا يدوم طويلًا. فالحق أقوى من الباطل، والنور يُحَطِّم الظلمة ويُبَدِّدها. يرى القديس جيروم أن هذا تحقق بواسطة تيطس القائد الروماني حيث استولي على أورشليم وقام بتخريبها. لِيُذْكَرْ إِثْمُ آبَائِهِ لَدَى الرَّبِّ، وَلاَ تُمْحَ خَطِيَّةُ أُمِّهِ [14]. الإنسان المُقَدَّس في الرب لا يخشى الخطية الجدية، ولا يئن من خطايا أسلافه، إذ يرى على الصليب قوة الذبيحة الغافرة للخطايا. أما الشرير، فبِشَرِّه لا ينتفع من عمل الفداء، لأن شروره وعصيانه امتداد لما فعله أسلافه. يرى البعض أن والدي يهوذا كانا لصيْن، وقد علَّماه ودرَّباه على السرقة . * لقد أخطأوا في البرية، والرب غفر لهم. الآن ينسبها إليهم التي ارتكبوها، لأنهم صلبوا الرب... "ولا تُمحَ خطية أمه". من هي أم يهوذا؟ أورشليم التي فرحتْ بالدم، التي قتلت الأنبياء والرب نفسه. القديس جيروم لِتَكُنْ أَمَامَ الرَّبِّ دَائِمًا، وَلْيَقْرِضْ مِنَ الأَرْضِ ذِكْرَهُمْ [15]. إذ لا يُظهِر الإنسان رحمة لا يتوقع أن يجد رحمة. حقًا مسيحنا يشتاق أن يُقَدِّم رحمة لكل إنسانٍ حتى بالنسبة لمضطهديه، لكن من لا يحمل في قلبه رحمة لا يقدر أن يَتَقَبَّلَ رحمة المسيح، ولا أن يتفاعل معها. * "لتكن أمام (عين) الرب دائمًا". بالقول "دائمًا" يعني أنها بلا مغفرة، هنا وفي الحياة العتيدة. القديس أغسطينوس مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ أَنْ يَصْنَعَ رَحْمَةً، بَلْ طَرَدَ إِنْسَانًا مِسْكِينًا وَفَقِيرًا، وَالْمُنْسَحِقَ الْقَلْبِ لِيُمِيتَهُ [16]. من هو الإنسان المسكين والفقير والمنسحق إلا السيد المسيح الذي من أجلنا افتقر، ولم يكن له أين يسند رأسه، وقد طلب اليهود صلْبه وموته. هذا كله قلبه لكي يغنينا بفقره، ويحيينا بموته. ويرى القديس أغسطينوس أن السيد المسيح صار مستعطيًا (متسولًا)، يطلب من المرأة السامرية: "أعطيني لأشرب" (يو 4: 7)، ويقول على الصليب: "أنا عطشان" (يو 19: 28) وذلك من أجل خلاصنا. * "من أجل أنه لم يذكر رحمة". من الأفضل فَهْم "لم يذكر" أنها بخصوص الشعب (اليهودي)، فإنهم إن كانوا قد قتلوا المسيح كان يليق بهم أن يذكروا هذا في توبةٍ، ويتعاملون مع أعضائه بالرحمة، هؤلاء الذين أصروا على اضطهادهم. القديس أغسطينوس * "من أجل أنه لم يذكر أن يظهر رحمة". تعلموا ما هو لطف الرب! إنه يرى يهوذا قادمًا مع الحراس والعسكر، رآه قادمًا ومعه العصي، ويقدم قُبْلَة. جاء ليخون الرب، والرب يقدم قبلَّة، حتى أن ذاك الذي فيه خوف السيد يُقهَر بالحنو. "بل اضطهد إنسانًا مسكينًا وفقيرًا". من هو هذا إلا الغني الذي افتقر لأجلنا (2 كو 8: 9). دعا الرب نفسه مُعْدَمًا وشحاذًا، فمن من حقه أن يفتخر بثروته؟ لتتعزى أيها الفقير، فالرب فقير معك. "ومنسحق القلب ليميته". ماذا يعني بالمنسحق القلب ليميته؟ نفس ما يُقال في الإنجيل: "نفسي حزينة حتى الموت" (مت 26: 38). وأيضًا: "يا أبتاه، إن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس" (مت 26: 39). أو ربما تعني: كنتُ حزينًا وكنتُ في ألمٍ عميق من أجل مُضْطَهِدي، لأنهم يرفضون أن يتوبوا. كنتُ مُعَلَّقًا على الصليب وبدمي غسلتُ أدناسهم، وهم يرفضون الندمة. هذا هو حزني وانكسار قلبي إنني عاجز عن أن أُخَلِّص الذين يضطهدونني. القديس جيروم * هذه هي علامة القسوة المتناهية، علامة الوحشية الشديدة عندما لا يُصدِر فقط خططًا، وإنما يمارس هذا ضد من كان حاله يحتاج إلى من يرحمه ويحنو عليه. مثل هذا الشخص في الواقع ينحدر إلى ضراوة الوحوش المفترسة - أو بالحري يبرهن على أنه أبشع منها. الهمجية -فوق كل شيء- هي ممارسة لطبيعة الحيوانات الوحشية. أما هذا الشخص فصادر النبل لممارسة الشر... بينما لدى الوحوش نوعًا من الحب والحنو على من هم من ذات فصيلتها وعلى علاقة بها. مثل هذا لا يحترم الطبيعة العامة، بل يأخذ موقفًا مضادًا ومنحرفًا، بينما كان يلزم أن يُظهِر الرحمة والرفق والإصلاح. القديس يوحنا الذهبي الفم وَأَحَبَّ اللَّعْنَةَ فَأَتَتْهُ، وَلَمْ يُسَرَّ بِالْبَرَكَةِ، فَتَبَاعَدَتْ عَنْهُ [17]. المبدأ الإلهي كما ورد في المزامير: "يعطيك الرب حسب قلبك". فمن يشتهي البركة ينالها، ومن يُسَر باللعنة للآخرين إنما يكيلها لنفسه لا للغير. إن كان هذا المزمور يُحسَب مزمور لعنة ضد الشرير المُصَمِّم على شره، فإن هذه اللعنة ليست شهوة قلب المرتل، بل هي ثمرة طبيعية للفساد الذي يجلبه الشر. فلا نعجب إن قيل عن الشرير: "وأحب اللعنة فأتته، ولم يُسَر بالبركة فتباعدت عنه" [17]. حقًا إن للخطية لذَّتها وجاذبيتها بالنسبة للشرير، فيُحبها ويَقْبَل لعنتها، ولا يستعذب العشرة مع الله، بل يستثقلها، فلا يُسَر بالبركة الإلهية التي تود أن تقتنيه ويقتنيها، لكنه إذ يرفضها لا تلزمه، بل تبتعد عنه. * أحب يهوذا اللعنة، سواء بسرقته من الصندوق أو بيعه وخيانته للرب، وأحَب الشعب اللعنة علانية، عندما قالوا: "دمه علينا وعلى أولادنا" (مت 27: 25). "ولم يُسَر بالبركة، فتباعدت عنه". هكذا بالحقيقة كان يهوذا، إذ لم يحب المسيح، الذي فيه البركة الأبدية، والشعب اليهود يقرون بالأكثر رفضهم للبركة، الذين قيل لهم بذلك الذي استنار بالرب: "ألعلكم أنتم تريدون أن تصيروا له تلاميذ؟" (يو 9: 27). القديس أغسطينوس * إن آراءهم وأفكارهم وأعمالهم كلها ملعونة. واللعنة شملتهم مثل الثوب الذي يشمل الجسد كله. وتشدهم كما تشد المنطقة الجسد وتحضره. وهذا منذ الوقت الذي صلبوا فيه المسيح إلى الأبد، إن لم يتوبوا ويرجعوا إلى الله بالإيمان. الأب أنسيمُس الأورشليمي * "وأحب اللعنة، فتحل عليه؛ ليس لديه وقت للبركة، فتبتعد عنه" [17] بعد أن طلب (المرتل) حلول كوارث عليه، يظهر أنها ليست من عنده، وإنما مصدرها الشرير نفسه وأصلها منه، رافضًا بأعماله نعمة الله، جالبًا على نفسه الأسى من عند الله . القديس يوحنا الذهبي الفم * يا أولادي، هذا لكي لا يعترض أحدٌ على أنّ الله كان قد قرّر أن تُعطَى المقدرة للشيطان، لأنه منذ البدء كان قد منحه قدرةً فائقةً، وما أعطاه له لم يستردّه منه، ولكن ذاك الذي نال هذه المقدرة هو الذي تركها تضيع ليستبدلها بقدرةٍ شريرة. إنه لم يُكتَب أنه رفض البركة، والله أبعدها عنه، بل: "لم يُسَرّ بالبركة، فتباعدت عنه" (مز 109: 17). إذن، لا تظنوا أنّ الله هو منشأ الشرور، لأنّ هذا سيكون لدينونتكم. ولكنّ الشيطان هو الذي اختار بنفسه المقدرة الشريرة والله لم يعرقله. ولهذا أيضًا قيل: "وأحبّ اللعنة فأتته" (مز 109: 17)، وليس أنّ الله هو الذي أعطاها له. القديس برصنوفيوس وَلَبِسَ اللَّعْنَةَ مِثْلَ ثَوْبِهِ، فَدَخَلَتْ كَمِيَاهٍ فِي حَشَاهُ، وَكَزَيْتٍ فِي عِظَامِهِ [18]. من ينشغل باللعنة، ويطلب الشر للغير، يظن أنها كثوب يرتديه متى أراد ويخلعه بإرادته. هنا يحذرنا المرتل أن من يرتدي هذا الثوب لا يلتصق به فحسب، بل ولا يقدر أن يخلعه متى أراد. إنها تتسلل من الخارج إلى أعماقه حتى تبلغ أحشاءه، بل وعظامه. إنها لن تفارقه ما لم يطلب نعمة الله لكي تعينه وتنشله. * أظْهَرَ أنه يعمل الشر ببهجة، ويُخَزِّن اللعنة لنفسه، أي العقوبة الأبدية، كما أن البركة أبدية. فالأعمال الشريرة حاليًا هي مسرته تفيض كماءٍ في أحشائه، وزيتٍ في عظامه، وهي تأخذ طابع اللعنة، لأن الله يُعَيِّنها عذابات لمثل هؤلاء الناس. القديس أغسطينوس * "ولبس اللعنة مثل ثوبٍ، فدخلت كمياه في حشاه، وكزيتٍ في عظامه" [18]. يشير في هذه العبارة إلى قسوة الأسى، ودوام الجزاء، مُعْلِنًا أن الشرور تصدر منهم ومن اتجاههم في حالة كل الذين ينبذون الأعمال الصالحة خلال أعمالهم وتصرفاتهم، بينما يتورطون في نوال الجزاء. القديس يوحنا الذهبي الفم لِتَكُنْ لَهُ كَثَوْبٍ يَتَعَطَّفُ بِه،ِ وَكَمِنْطَقَةٍ يَتَنَطَّقُ بِهَا دَائِمًا [19]. إذ تحل اللعنة بالإنسان المُصِر على شره وخبثه، تلتصق به كثوبٍ دائمٍ. يظن حين يخلعها أنه تعرَّى، وكأن اللعنة تصير بالنسبة له للسترة والكرامة، لا يريد الخلاص منها، وهي لا تريد مفارقته. يرى القديس أغسطينوس أن الثوب المذكور سابقًا [18] هو الثوب الداخلي tunic، والثوب المذكور هنا cloak هو العبادة الخارجية. وكأن اللعنة تحل به من الداخل والخارج. * يتمنطق الناس لكي يتهيأوا بالأكثر للعمل دون أن تعوقهم ثيابهم. فهو يمنطق نفسه باللعنات، ويخطط للشر ليمارسه بكل حرصٍ، وليس كدافع مفاجئ له، وإنه يتعلم أن يفعل الشر بهذه الطريقة، فيكون دومًا مستعدًا لارتكابه. القديس أغسطينوس * "لتكن له كثوبٍ يتعطف به، وكمنطقة يتنطق بها دائمًا" [19]... ما يعنيه هو هذا: يمسك الشر بهم (بالأشرار) فلا يستطيعون إحداث أي تغيير، وإنما على العكس يثبت فيهم بقوةٍ ولا يتحرك. القديس يوحنا الذهبي الفم هَذِهِ أُجْرَةُ مُبْغِضِيَّ مِنْ عِنْدِ الرَّب،ِّ وَأُجْرَةُ الْمُتَكَلِّمِينَ شَرًّا عَلَى نَفْسِي [20]. أجرة الخطية موت، فمن يصنع الشر، مُبْغِضًا الرب نفسه، ماذا يقتني سوى هلاكه. لقد أبغض يهوذا دم المسيح الثمين واستهان به، فلم يجد الدم الذي يغفر له خطاياه. يرى القديس أغسطينوس أن هذا هو "عمل"، وليس "هذه أجرة"، فإنه بقوله يلبس اللعنة، ويفيض ماءً وزيتًا ويتمنطق بمنطقة، هذه كلها أعمال تنتج لعنات أبدية. * لقد أضاف هذا ليُظهِر أنه يعاقب الشر ويُصلِح الأشرار، وأن هذا الحُكْم لا يخُص (شرير مُعَيَّن) بل كل الذين يرتكبون ما سبق الإشارة إليه... هذه العقوبة تحلُّ على الذين يقاومونني، المولعين بتدبير المكائد، والمحاربين لي، والمتكلمين بالشر عليّ . القديس يوحنا الذهبي الفم |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
مزمور 109 | مصير هذا الخائن جاء في لُغَة صلاة |
لم يكن يهوذا هو الخائن |
يهوذا الخائن |
يهوذا الخائن |
يهوذا الخائن |