رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الله يشدد إرميا النبي: 19 لِذلِكَ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: «إِنْ رَجَعْتَ أُرَجِّعْكَ، فَتَقِفْ أَمَامِي. وَإِذَا أَخْرَجْتَ الثَّمِينَ مِنَ الْمَرْذُولِ فَمِثْلَ فَمِي تَكُونُ. هُمْ يَرْجِعُونَ إِلَيْكَ وَأَنْتَ لاَ تَرْجعُ إِلَيْهِمْ. 20 وَأَجْعَلُكَ لِهذَا الشَّعْبِ سُورَ نُحَاسٍ حَصِينًا، فَيُحَارِبُونَكَ وَلاَ يَقْدِرُونَ عَلَيْكَ، لأَنِّي مَعَكَ لأُخَلِّصَكَ وَأُنْقِذَكَ، يَقُولُ الرَّبُّ. 21 فَأُنْقِذُكَ مِنْ يَدِ الأَشْرَارِ وَأَفْدِيكَ مِنْ كَفِّ الْعُتَاةِ». يجيب الله على إرميا بخصوص الأسئلة السابقة، قائلًا: "إن رجعت أُرجعك فتقف أمامي، وإذا أخرجت الثمين من المرذول فمثل فمي تكون. هم يرجعون إليك وأنت لا ترجع إليهم" [19]. إن كان إرميا النبي قد شعر أن جرحه دائم وبلا شفاء، فإن الله يقدم له الحل أو الدواء، وهو: "إن رجعت أرجعك فتقف أمامي" [19]. كأنه يقول له: أنت لي، ولك حق الوقوف أمامي لتمتع بحضرتي وتحمل قوتي، لكنك بأفكار اليأس تراجعت عني قليلًا... إرجع إليّ، فإن مكانك ينتظرك، أشتاق أن أراك واقفًا أمامي، تتمم رسالتك التي دُعيت إليها وتتمتع بإكليلك الذي أعددته لك. تمس هذه الإجابة حياة كل مؤمن تراجع عن الله في ضعفٍ أو بسبب خطيته، لكن يبقى الله يدعوه للعودة إليه، فإن له موضعه في حضن الآب. بلا شك لم يتراجع إرميا عن رسالته تمامًا، فقد عاش مخلصًا لها، لكن ربما مرت به لحظات ضعف كإنسان. إن كان جرح إرميا في الواقع هو جراحات الشعب، حاسبًا كل ما يسقط تحته شعبه كأنه هو ساقط تحته، لذا يمكن تفسير قول الرب هنا هكذا. إن كنت تشعر بأن جراحات الشعب هي جراحاتك التي بلا شفاء، فإن توبتهم ورجوعهم كأنها توبتك ورجوعك أنت، لتقول مع المرتل: "يرد نفسي، يهديني إلى سبل البر من أجل اسمه" (مز 23: 3). هذا هو سر تعزية إرميا: رجوع الناس إلى الله وحملهم روح الإفراز بين ما هو ثمين وما هو مرذول، أي التمييز بين كلمة الله (الحق) وكلام الأنبياء الكذبة، بهذا يقفون أمام الله وتصير أفواههم كفم الله نفسه، فيحسب كأن إرميا نفسه قد رجع إلى الله وصار كفم الله، يحمل كلمته كسفيرٍ له، يتحدث باسمه ويعلن إرادته. يقول الله لإرميا: "إن رجعت أرجعك فتقف أمامي" [19]، يصير إرميا كرئيس بيت إبراهيم الذي رجع إليه ومعه رفقة زوجة لإسحق ابنه. هكذا يريد الله منَّا أن نعود إليه دائمًا حاملين معنا عروسًا مقدسة لإسحق الحقيقي، ربنا يسوع المسيح. يقول العلامة أوريجينوس: [لأن الجراحات لا تبقى على الدوام إنما تعبر وتنتهي، "لذلك هكذا قال الرب: إن رجعتَ أُرجعك فتقف أمامي". هذه العبارة موجهة إلى الذين يدعوهم الرب إلى التوبة والرجوع إليه. لكن يبدو لي أن هناك شيئًا من الغموض في كلمة "أرجعك". فإنه ما من أحد "يرجع" إلى موضع لم يكن موجودًا فيه من قبل، لكن ارجاع الشخص أو الشيء يكون إلى مكانه الطبيعي. فعلى سبيل المثال، حينما يُبتر أحد أعضاء جسمي يحاول الطبيب أن يعمل له عملية إرجاع وإعادة إلى مكانه الأصلي. كذلك حينما يوجد مثلًا إنسان خارج وطنه، لأسباب عادلة أو ظالمه ثم يصدر الأمر برجوعه، فإنه يرجع إلى بلده. كأن الله يقول لنا هنا، نحن الذين بعدنا عنه: أنه إذا رجعنا إليه فسوف يرجعنا إلى مكاننا الطبيعي معه. هذه إذًا هي كلمات الوعد الإلهي لنا. وكما هو مكتوب في سفر أعمال الرسل: "إلى أزمنة رد كل شيء، التي تكلم عنها الله بفم جميع أنبيائه القديسين منذ الدهر" (أع 21: 3)، ولإلهنا المجد الدائم إلى أبد الآبدين. آمين ]. "وإذا أخرجت الثمين من المرذول فمثل فمي تكون" [19]. إخراج الثمين من المرذول يعني إخراج نفوس مقدسة مبررة كانت قبلًا مرذولة بسبب خطاياها، فإنه ليس أعظم من أن يهتم إنسان بخلاص إخوته ويحولهم من الانحطاط بالخطية إلى التمتع ببر المسيح. * لكي تعرفوا كم هو أمر عظيم أن تربح خلاص الآخرين جنبًا إلى جنب مع خلاصك اسمع ما يقوله النبي في شخص الله: "وإذا أخرجت الثمين من المرذول فمثل فمي تكون" [19]. لكن ما هو هذا؟ من يقود قريبه من الخطأ إلى الحق أو من الشر إلى الفضيلة، مثل هذا الإنسان يتشبهبيقدر ما تسمح القوة البشرية... إنه يخلصهم من أنياب الشيطان. * إن تحدثت لأجل تصحيح قريبك يكون لك لسان كلسانه (المسيح) والله نفسه يقول: "وإذا أخرجت الثمين من المرذول فمثل فمي تكون" [19]. عندما يكون لسانك مثل لسان المسيح، عندما يكون فمك مثل فم الآب، عندما تصير هيكلًا للروح القدس.أي كرامة تعادل هذه الكرامة؟! حتى إن كان فمك مصنوعًا من الذهب أو الحجارة الكريمة فهل يتلألأ مثل الآن، عندما يشع بزينة الوداعة. ماذا نشتهي أكثر من فم لا يعرف أن يشتم بل يتدرب على أن يبارك؟ * تأملوا أية كرامة يسمو إليها من يحسب خلاص أخيه ذات أهمية قصوى، فإن مثل هذا الإنسان يتشبه بالله قدر إمكانية قوة الإنسان. اسمع ما يقوله الله خلال نبيه: "إذا أخرجت الثمين من المرذول فمثل فمي تكون" [19]. ما يقوله هو أن من له غيرة على خلاص أخٍ ساقطٍ في طرق الإهمال، من يسرع ويخلص أخاه من أنياب الشيطان، مثل هذا الإنسان يمتثلبي قدر ما تستطيع القوى البشرية. ماذا يعادل هذا؟ هذا أعظم من كل الأعمال الصالحة. هذا هو قمة كل فضيلة. القديس يوحنا الذهبي الفم * لا يقف شيء ما مقابل النفس ولا حتى العالم كله.فإن قدمت كنزًا بلا حدود للفقراء، فلا يساوي هذا العمل تغيير نفسٍ واحدة. هكذا يقول الله: "إذا أخرجت الثمين من المرذول فمثل فمي تكون" [19]. يا له من عمل صالح عظيم أن تترفق بالفقراء، ولكن ليس شيء يعادل انتزاعهم من الخطأ. من يفعل هذا يمثل بولس وبطرس . * أيَّة بركة لا يجتنيها ذاك الشخص الذي ينفع نفوسًا كثيرة يشفيها من الآن حتى مجيء المسيح؟! أقم حصنًا ضد الشيطان، فإن هذه هي الكنيسة. * إن تحدثت بما فيه إصلاح قريبك تنال لسانًا كذاك اللسان (لسان الله) . القديس يوحنا الذهبي الفم "وأجعلك لهذا الشعب سور نحاسٍ حصينًا، فيحاربونك ولا يقدرون عليك، لأني معك لأخلصك وأنقذك يقول الرب. فأنقذك من يد الأشرار، وأفديك من كف العتاة" [20-21]. هنا يقدم الله لإرميا وعودًا بتجديد قوته. في (إر 1: 18) أقامه الله مدينة حصينة وعمود حديد وأسوار نحاس، وهنا يجعل منه سور نحاس حصينًا لا تستطيع زوابع الأشرار أن تصدمه، ولا مقاومتهم أن تهزه. إنه ليس فقط ينقذه وإنما يفديه، أي يدفع عنه الدِّية ليحرره. هكذا يعطي الله لإرميا ضمانًا لسلامه ولحريته، بل ولمساندة الآخرين. إن كان الله قد أقام إرميا النبي ليبكت الخطاة فليذكر إرميا أنه هو نفسه محتاج إلى الخلاص والفداء! هذا ومن جانب آخر حين أعلن إرميا لله إيمانه أنه يذكره ويتعهده وينتقم له من مضطهديه [15]، جاءت الإجابة الإلهية: "أنقذك من يد الأشرار، وأفديك من كف العتاة!" كأن الله يجيبه: لا تتطلع إلى إمكانياتك البشرية المجردة، ولا تنظر على أعدائك، بل إلى عملي معك وبك وفيك... إني أنقذك من يد الأشرار وأفديك من كف العتاة. يحدثنا سفر إرميا النبي عن الرب بكونه الفادي من كف العتاة (إر 15: 21) والولي الذي له حق الفكاك (إر 31: 11)، الولي القوي (إر 50: 34). يذكرنا بالدور الذي قام به بوعز الذي قام بواجبه نحو راعوث، حيث قام وهو الولي بالفكاك، فتزوجها وأنجب منها وقدم من ممتلكاته لها ولنسلها. ويلاحظ في الولي الذي يقوم بالفكاك الآتي: أ. الولي الذي له حق الفكاك ذو قرابة. هكذا وهبنا ربنا يسوع المسيح حق القرابة له، إذ اشترك معنا في اللحم والدم نظيرنا (عب 2: 14). ب. أن يكون قادرًا أن يفدى ويخلص، وقد دفع ولينا دمه الثمين فداء عنا (مز 49: 8، كو 8: 9، مز 13: 46). ج. لم يشترِ بوعزِ الميراث فحسب بل اشترى راعوث، لا لتصير له جارية بل عروسًا تشاركه حياته، مكانها في أعماق قلبه. بهذا لم تعد الأرملة غريبة الجنس (الموابية) التي تلتقط من الحقل، وإنما العروس المتحدة معه التي تسكن في قلبه. صار لها لا سنابل الحق التي كان الحصادون ينسلونها لها، بل الحصاد كله، وصاحب الحصاد نفسه. صار بوعز غناها وثروتها. هكذا صار لنا مسيحنا غنانا. د. يلتزم الولي بالحماية، فهو يفدي ميراثه بالقوة (إش 63: 1-6؛ رؤ 14: 14-20)، هكذا يربط مسيحنا العدو ويخلصنا من العدو من قبضته (مت 12: 29) . |
|