رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
صرت عارًا عندهم صورة لذاك الغني الذي افتقر بإرادته لكي يُغْنِينَا، وجُرح لكي يشفي جراحات نفوسنا. قَبِلَ أن يصير عارًا وموضع سخرية، لكي ننعم بشركة أمجاده الأبدية. أَمَّا أَنْتَ يَا رَبُّ السَّيِّدُ، فَاصْنَعْ مَعِي مِنْ أَجْلِ اسْمِكَ. لأَنَّ رَحْمَتَكَ طَيِّبَةٌ نَجِّنِي [21]. يتحدث هنا الابن الكلمة إلى الآب باسمنا ولحسابنا بكونه شفيعًا لنا. إن كان الشرير لا يعرف إلا الخبث والكذب والقسوة، ويجد مسرته في تحقيق شهوته هذه، فالله الصالح يجد مسرته في الحب والرحمة. إذ قَبِلَ السيد المسيح الصليب بإرادته، فإنه وهو قادر أن يقوم من الأموات، يطلب من الآب أن يُخَلِّصَه، لكي فيه نلجأ إلى الآب فيقيمنا مع مسيحنا. يرى القديس أغسطينوس أن المُتَحَدِّث هنا هو الابن الذي يقول للآب "اصنع معي"، وأن عمل الآب والابن واحد، يعملان معًا بالرحمة نحو آنية الرحمة (رو 9: 23). ويرى أيضًا أنها تعني: كن معينًا لي. فإن كان الابن قد أخذ شكل العبد، فإنه يطلب عون الآب. فهو بكونه الله لا يحتاج إلى عونٍ، إنما وهو في شكل العبد يطلب ذلك. * كما أن المُتَشَفِّع عن المُذنِب يقول للمتأذي: أنا أخطأت، وأنا أسأت إليك، فأعفِ عني، كذلك ربنا عندما قَبِلَ أن يولد كإنسانٍ ويُختتن ويرضع واتَّخذ كل ما للإنسان ماعدا الخطية وصام وصلَِّى وقرَّب ذبائح لله. الأب أنسيمُس الأورشليمي * انظروا إلى تعقله، تطلعوا إلى تواضعه. فمع أن لديه ما يكفي من الأُسس ليطلب (لنفسه الانتقام من المولعين بتدبير المكائد)... إلا أنه يكف عن هذا مُلْتَجِأً فقط إلى حنو الله، بالقول: "اصنع معي من أجل اسمك". وكأنه يقول: "ليس لأني مُسْتَحِقٌ ذلك، وإنما من أجلك أنت، ومن أجل حبك ورحمتك، إذ أنت محب ورحوم هكذا". القديس يوحنا الذهبي الفم فَإِنِّي فَقِيرٌ وَمِسْكِينٌ أَنَا، وَقَلْبِي مَجْرُوحٌ فِي دَاخِلِي [22]. كان قلب داود مُنْسَحِقًا بالأحزان، وجاء رب داود "رَجُل أحزان" (إش 53: 3)، ليس من جُرِحَ مثله، لأنه حَمَلَ كل جراحاتنا وهو القدوس البار. إنه مجروح أيضًا في بيت أحبائه (زك 13: 6). * يقول الرب إنه فقير لكي يُعَزِّي الفقراء. صار فقيرًا مع الناس لكي لا ييأس أحد من خلاصه بسبب فقره. "وقلبي مجروح في داخلي"... قلبي مُمَزَّق من الحزن. القديس جيروم * ألا ترونه مرة أخرى يتوسل لأجل إنقاذه، وليس من أجل استحقاقه أو برِّه، وإنما لأنه قد سقط تحت شرورٍ لا تُحصَى؟ القديس يوحنا الذهبي الفم كَظِلٍّ عِنْدَ مَيْلِهِ ذَهَبْتُ. انْتَفَضْتُ كَجَرَادَةٍ [23]. كان داود النبي مِثْل متجولٍ لا مقر له إلى زمان طويل، ولم يكن لربه موضع يسند رأسه فيه (مت 8: 20). حين فُحِصَ السيد المسيح لكسر ساقيه مقل اللصين دهشوا أنه هكذا مات سريعًا. انتفض كجرادة، ليس لها مسكن ولا عش ولا موضع راحة. تتحرك جماعات الجراد حسبما يوجهها الريح، وأخيرًا تقذف بها الرياح في بحر فتغرق أو في برية فتهلك. هكذا في ميلاده لم يكن له بيت يولد فيه، وفي موته لم يكن له قبر، إنما قدَّم نيقوديموس قبره الجديد لدفنه. يرى القديس أغسطينوس أن الجرادة هنا تشير إلى تلاميذه أو أعضاء جسده الذين هربوا عند لحظات الصلب كالجرادة التي تنتقل من موضع إلى آخر. * "انتفضت" [23]، كيف ذلك؟ اضطهدوني، ورذلوني. طردوني من الناصرة، وذهبتُ إلى كفرناحوم. طُرِدتْ من كفرناحوم، وذهبتُ إلى بيت صيدا، وطُرِدتُ من هناك، وذهبتُ إلى أورشليم. أردتُ أن أُقيمَ مع شعبي، ومن هناك طردوني خارجًا. عاملوني كما لو كنتُ سربًا من الجراد. ماذا فعلتُ؟ هل غضبتُ؟ هل دافعت عن نفسي؟ هل لعنتهم؟ هل تركتهم؟ لا، لم أفعل شيئًا من هذا. ماذا فعلتُ؟ صليت لأجلهم. القديس جيروم * الجراد المُعَد للخطاة المستحقين التأديب يُعتَبَر بحق طعامًا لائقًا للتوبة. لذلك الخاطئ المتوجه من مكان الخطية إلى مكان التوبة، يطير إلى السماء على أجنحة المغفرة. كان النبي يُعَلِّم هذا عندما قال: "كظل عند المساء، انتفضت كجرادةٍ". الأب بيتر خروسولوجيوس أسقف رافينا رُكْبَتَايَ ارْتَعَشَتَا مِنَ الصَّوْمِ، وَلَحْمِي هُزِلَ عَنْ سِمَنٍ [24]. إنها صورة للسيد المسيح الذي نُقِلَ من دارٍ للمحاكمة إلى دار أخرى، سواء دينية أو مدنية؛ لم يأكل ولم يشرب، بل كان صائمًا، حتى لم يحتمل أن يحمل صليبه، فسقط تحته. * "ركبتاي ارتعشتا من الصوم، ولحمي هزل من الزيت" [24]. ألا ترون الأسلحة التي أعدَّها ضد المكائد والقسوة الموجهة ضده؟ القديس يوحنا الذهبي الفم * "ركبتاي ارتعشتا من الصوم". لتسترحْ يا راهب في صومك، فإن الرب نفسه صام... الجنود الذين لهم قلوب حُرَّة بالصوم هم الجنود الذين يحبهم المسيح. الصوم هو طعامنا ووسيلة قوامنا. كيف هذا؟ لأنه بالصوم توجد نصرة، وبالنصرة يُقام احتفال. يفتخر الرسول ليس في كثرة الخيرات، بل في ضعفه. "حينما أنا ضعيف، فحينئذ أنا قوي" (2 كو 12: 10). القديس جيروم * نعرف مما تَقَدَّم أنه عديدة هي الوسائل التي ننال بها مغفرة خطايانا، حتى أن ما من أحد يشتاق نحو خلاص نفسه يتطرق إليه اليأس، لأنه يرى أنه مدعو للحياة بأدوية كثيرة هذا عددها! إذا كنتَ تحتج أنه بالنسبة لضعف الجسد لا تستطيع أن تتخلص من خطاياك بممارسة الصوم، ولا تستطيع أن تقول مع المرتل داود: "ركبتاي ارتعشتا من الصوم، ولحمي هزل عن سِمَنٍ" (مز 24:109)، ولا أن تقول أيضًا معه: "إني قد أكلتُ الرماد مثل الخبز، ومزجتُ شرابي بدموعٍ" (مز 9:102)، إذن عِوض هذا استبدله بجزيل الصدقات . الأب بينوفيوس وَأَنَا صِرْتُ عَارًا عِنْدَهُمْ. يَنْظُرُونَ إِلَيَّ، وَيُنْغِضُونَ رُؤُوسَهُمْ [25]. ليس من كُيِّل له من تعييرات مثل السيد المسيح. * "صرت عارًا عندهم" خلال موت الصليب. "المسيح افتقدنا من لعنة الناموس، إذ صار لعنة لأجلنا" (غل 3: 13). "ينظرون إليَّ، وينغصون رؤوسهم". لأنهم يتطلعون إلى صليبه دون نظرهم إلى قيامته. تطلعوا حين كانت ركبتاه ضعيفتين، ولم يروا جسده وقد تغيَّر. القديس أغسطينوس * هذا هو اتجاه الأشرار، فإنهم لا يتركون البار يُعَمِّق روح التكريس فقط، وإنما يواصلون على التوبيخ والاستخفاف والمقاومة ضده. القديس يوحنا الذهبي الفم * "وأنا صرت عارًا عندهم". حقًا لقد دعوني سامريًا وسخروا بيّ. "ببعلزبول رئيس الشياطين يُخرِج الشياطين" (لو 11: 15). "أليس هذا ابن النجار؟ ونحن عارفين إخوته" (راجع مت 13: 55-56). "يا ناقض الهيكل وبانيه في ثلاثة أيام" (مر 15: 29). مرة أخرى: "لنرى هل يأتي إيليا ويُخَلِّصه" (مت 27: 49). إنه ينادي إيلي، إيلي، أي ألهي إلهي، وظنوا أنه ينادي إيليا. انظروا جهالة اليهود! هل ابن الله يستجدى عونًا من إيليا؟ "ينظرون إليّ، وينغضون رؤوسهم" لماذا ينغضون رؤوسهم في سخرية؟ لأنهم بالفعل نفضوا الغبار من أقدامهم. القديس جيروم * فيما يتعلق باللصيْن اللذيْن صُلِبَا مع يسوع، فقد كُتِبَ عنهما: "أُحصِيَ مع أثمه" (إش 23: 12). كلاهما كانا أثيميْن، لكن أحدهما لم يظل هكذا. واحد منهما بقي أثيمًا إلى النهاية رافضًا الخلاص. بالرغم من أن يديه كانتا موثقتيْن، فقد أطلق لسانه بالتجديف. فكانا يسبه مع اليهود الذين كانوا يَعْبُرون ويَهزون رؤوسهم ساخرين بالمصلوب، مُحققين المكتوب: "ينظرون إليّ، وينغضون رؤوسهم" (مز 109: 25) . القديس كيرلس الأورشليمي |
|