رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
كتاب انطلاق الروح لقداسة البابا شنودة الثالث 1- الانطلاق من معرفة الخطية أن تحدثنا عن انطلاق الروح، فلعله يقف أمامنا هذا السؤال. من أي شيء تنطلق الروح؟ ونجيب بأن الروح وهي علي الأرض، تجاهد لكي تنطلق من أشياء كثيرة، سوف يحدثك عنها هذا الكتاب.. غير أن هناك شيئًا آخر مهما حاولت الروح أن تنطلق منه علي الأرض، فلا أظن أنها تستطيع!.. ربما الانطلاق منه هو إحدى المتع التي ننالها في الأبدية.. فما هو هذا الشيئ؟ أنه: الانطلاق من معرفة الخطية. عندما خلق الله الإنسان الأول، خلقه بسيطًا نقيا لا يعرف خطية علي الإطلاق، ولا تفاصيل الخطايا، ولا أسماءها.. كان كذلك، قبل أن يأكل من شجرة معرفة الخير والشر.. كان في براءة الأطفال، وربما أكثر... ولذلك حينما اغريت حواء من الحية، ما كانت تعرف.. كذبت عليها الحية وقالت "لن تموتا".. وقالت {تصيران كالله..} {تك5:3}. وحواء ما كانت تعرف أن هناك شيئًا اسمه الكذب. وما كانت تشك في صدق الحية، لأنها ما كانت تعرف الشك. كان آدم وحواء لا يعرفان سوي الخير فقط. أما الشر، فما كان يعرفانه. ولكنهما لما أكلا من الشجرة دخلتهما معرفته. دخلت إلي الإنسان معرفة جديدة، هي معرفة الخطية. بل معارف أخري عديدة، عكرت صفو النقاوة الطبيعية الأولي، ينطبق عليها قول الحكيم: "الذي يزيد علما، يزيد حزنًا" {جا18:1}. ولعل أول شيء عرفه آدم، أنه عرف أنه رجل وأن حواء امرأة، وبدأت معرفة الجنس تدخل إلي ذهنه، ثم إلي مشاعره وعرف أن هذا شيء يخجل منه، فبدأ يغطي نفسه. ثم عرف الخوف، فبدأ يختبئ وراء الأشجار. وبمرور الوقت بدأ الإنسان يعرف خطايا عديدة جدًا. وأصبحت هذه المعرفة راسخة في ذهنه، تثير عليه حروبا روحية في بعض الأوقات. وإن لم يقع في هذه الخطايا، قد يقع في إدانة غيره عليها. وأصبح الإنسان يعيش في ثنائية الخير والشر، الحلال والحرام. فمتي يتخلص من هذه الثنائية؟ ومتي يرجع عقله إلي نقاوته؟ ومتي تزول من ذهنه معرفة الشر. سواء أكانت وصلت إليه عن طريق العقل، أو عن طريق الخبرة، والممارسة؟ متي يتخلص من تذكار الشر الملبس الموت؟.. لا أظن ذلك يحدث علي الأرض إطلاقًا، إنما يحدث في الأبدية حسبما قال القديس بولس الرسول حينما كان "يسكب سكيبا ووقت انحلالة قد حضر" قال لتلميذه تيموثاوس. {وأخيرًا قد وُضِعَ لي إكليل البر} {2تى8:4}. أخيرًا سيتكلل الإنسان بالبر... البر الذي لا يعرف خطية، والبر الذي لا يعرف خطية.. يتكلل بالقداسة التي بدونها لا يعاين أحد الرب. ولكن متي؟ يجيب الرسول مكملًا حديثه عن أكليل البر " الذي يهبه لي في ذلك اليوم الرب الديان العادل. ليس لي فقط، بل لجميع الذين يحبون ظهوره أيضًا".. إكليل البر هذا، هو الشهوة التي تنطلق إليها الروح.. أما علي الأرض، فإننا كل يوم نخطئ، وفي كل يوم نحتاج إلي توبة. ولا يوجد إنسان بلا خطية، ولو كانت حياته يومًا واحدًا علي الأرض... متي ننطلق حقًا من معرفة الخطية؟ ولا نعرف إلا الله وحده وما يحيط به من نور، ليست فيه ظلمة البتة.. سيكون لك حينما نلفظ ثمرة معرفة الخير والشر التي أكلها أبوانا في ذلك الزمان. وحينئذ نعود إلي رتبتنا الأولي.. بل أننا في الأبدية، سنكون في حالة أفضل من حالة آدم في الفردوس. فآدم وحواء كانا في حالة بر، مع إمكانية السقوط. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و الكتب الأخرى). أما في الأبدية فسوف نتكلل بالبر، البر الذي لا توجد فيه أية إمكانية للسقوط. فأن كنا سنصير في حالة أفضل من حالة الإنسان الأول قبل السقوط، فعلي الأقل سنشابهه في البراءة والنقاوة والبساطة وعدم معرفة الخطية. سننسى الخطية بكل صورها وكل تفاصيلها وكل ذكرياتها. ولا تبقي في أذهاننا إلا إيجابية الحياة الروحية، في محبة الله، والتأمل في صفاته الجميلة، والتأمل في السماويات، وما لم تره عين، أو تسمع به أذن، أو يخطر علي قلب بشر. بهذا تكون الروح قد وصلت إلي قمة انطلاقها. أما هنا علي الأرض، فأقصى ما تصل إليه الروح هو الانطلاق من سيطرة الخطية والمادة والجسد، لكي تحيا طليقة (تُعتَق من عبودية الفساد، إلي حرية مجد أولاد الله) {رو21:8}. هل شعرت أن روحك وصلت إلي هذه الحرية؟ هل الحرية هي انطلاق الروح. انطلاقها من كل قيد يعوق وصولها إلي الله.. وكيف ذلك؟ هنا وأتركك أمام هذه التأملات التي كتبت غالبيتها في بداية الخمسينات، قبل دخولي إلي الرهبنة... |
08 - 01 - 2014, 03:35 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب انطلاق الروح لقداسة البابا شنودة الثالث
الانطلاق لمعرفة الله أعترف أمامك يا رب أن اتجاهي في الكتابة كان ينبغي أن يتغيَّر. وأعترف في خجل أمامك أنني كثيرا ما حدثت الناس عن الفضيلة، وقليلًا ما حدثتهم عنك، بينما ينبغي أن تكون أنت الكل في الكل.... غير أنني لكي أتحدث عنك، لابد أن أعرفك. وكيف أعرفك وأنا إنسان محدود؟! بل كيف أعرفك وأنت غير المُدْرَك، وغير المفحوص، أنت النور الذي لا يُدنى منه، ولا يستطيع إنسان أن يراه ويعيش...؟! ولقد حاولت أن أسأل قديسيك الذين عرفوك، أو الذين عرفوا عنك {بعض المعرفة} فاقتربت إلي بولس الرسول الذي صعد إلي السماء الثالثة، وسألته عنك فقال أن الذي سمعه ورآه أمور {لا ينطق بها، ولا يسوغ لإنسان أن يتكلم عنها} {2كو4:12}. وكذلك يوحنا الحبيب الذي رأى بابا مفتوحًا في السماء، وشاهد عرش الله، لم يشرح لنا رؤياه إلا في رموز لا يمكن أن تعطي الصورة الذاتية للحقيقة كما هي.. وأحيانا أسأل نفسي: أهي كبرياء منى أن أحاول أن أعرفك بينما ما أزال جاهلا بحقيقة نفسي، وما أزال جاهلا بكثير من الأمور البشرية والمادية؟ أن كنت لم أعرف كنه ذاتي، فكيف أعرف خالق هذه الذات؟ وأن كنت لم أعرف بعد سماءك وملائكتك، فكيف أعرف ذاتك الإلهية. كل ما أعرف عنك، هو ما تكشفه لنا من ذاتك. وأنت لا تكشف لنا إلا ما تستطيع ذاتنا أن تحتمله. لأنك أن كشفت لنا أكثر، ستقف طبيعتنا البشرية مبهورة في دهش، وقد وقف عقلنا عن الفهم، وعجزت مفرداتها اللغوية عن التعبير، وتعترف أن ما تراه هو من الأمور التي لا ينطق بها. وأنا أحاول في معرفتك أن أخرج عن نطاق الكتب بكل ما فيها من عمق، بل أن أخرج أحيانًا عن حدود معرفة العقل، لكي أعطى للروح في انطلاقها مجالها الواسع الذي تفوق فيه في قدراتها وفي مواهبها، وفي معرفتها.. كما أنها تقاسى كثيرًا من ضباب هذا الجسد المادي. أترانا يا رب سنعرفك أذن في الملكوت الأبدي؟ وسننظرك حينذاك وجها لوجه كما قال عبدك بولس؟ أراني حقا حائرا أمام عبارة {وجهًا لوجه}. أننا في الملكوت علي الرغم من القيامة الممجدة، وما سنلبس من أجساد نورانية روحانية، لابد أن سنظل – كما نحن – بشرًا محدودين... ستكشف لنا شيئاَ عن ذاتك لم نكن نعرفه في العالم، فنسر بذلك ونفرح، ثم تكشف لنا أكثر فأكثر، على قدر ما نحتمل. وقد تكشف لنا أكثر فتصرخ نفس كل واحد منا وهي مريضة حبا {كفانا كفانا}.. وتظل أنت توسع في قلوبنا، وتوسع في أرواحنا لنستوعب عنك المزيد.. وتظل أنت يا رب كما أنت... غير محدود،.. ونظل نحن – كما نحن – على الرغم من اتساعنا، محدودين، نعرف عنك بعض المعرفة.. ويطول بنا الزمن في الأبدية. ونحن نستمتع بمعرفتك، نذوق وننظر ما أطيب الرب، ونكشف كل حين شيئًا جديدًا عنك، فنتغذّى بهده المعرفة الحلوة المشبعة ولكننا لا يمكننا أن نلم بك كلك. أذن متي نعرفك المعرفة الحقيقية ؟ يجيب ربنا يسوع ويقول "هذه هي الحياة الأبدية، أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك..."... أذن فمعرفتك ليست موضوع سنين أو أيام، وإنما طريقها هو الأبدية كلها، الأبدية التي لا تنتهي.. أن كان الأمر هكذا في الأبدية، فماذا نقول أذن عن جهالتنا علي الأرض؟ أحقا نحن نعرف شيئًا؟ لذلك أتوسل إليك أيها الخالق العظيم، أن تعذرني أن كنت أحدث الناس عن الفضيلة أكثر مما أحدثهم عنك. فذلك يرجع إلي سببين: السبب الأول: هو أنني لا أعرف. كل ما أعرفه هو أنني أصلى إليك أن تكشف لي شيئًا عن ذاتك، وما تكشفه لي أخبر الناس به، لكي يجربوا مذاقة الملكوت علي الأرض. والسبب الثاني: هو أنني عندما أحدثهم عن الفضيلة إنما أريدهم أن يعدوا قلوبهم لمعرفتك. أريدهم أن يرفعوا البخور عشية وباكر على هذا القلب حتى يستحق أن تقدم عليه السرائر الإلهية. ونحن بذاتنا لا نعرف، لكننا نريد بنعمتك – أن نعد ذواتنا لمعرفتك، وهذه المعرفة تأتي منك أنت، بما تكشفه لنا، ولا تأتي بمجهود عقولنا، ولا حتى بمجهود أرواحنا. أن كل جهاد عقولنا وأرواحنا – مع ضرورته – أنما يدخل في حقيقته تحت معني الصلاة أو التوسل، لكي يملأ السحاب البيت، وتشتعل النار في العليقة، ويكشف الرب ذاته.. وحينئذ يسجد القلب في خشوع، ويرتل في شكر: {أعطيتني علم معرفتك}. هذه المعرفة الإلهية هي اللؤلؤة الكثيرة الثمن، التي من أجلها باع التاجر كل أمواله واشتراها. ولعله من الأموال التي باعها، ما نكنزه في عقولنا من معارف بشرية متعددة تشغل كل أوقاتنا حتى لا نتفرغ لمعرفتك أنت، وحتى لا نجلس مع مريم عند قدميك تسكب في قلوبنا ذلك الماء الحي، الذي كل من يشربه لا يعود يعطش أيضًا... ليتنا نسعي إلي هذه المعرفة، ونطلبها بكل قلوبنا، ونجدها في داخلنا، في عمق أعماقنا، حيث تسكن أنت، وحيث هيكلك المقدس الذي تدشن يوم المسحة المقدسة منك. |
||||
08 - 01 - 2014, 03:37 PM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب انطلاق الروح لقداسة البابا شنودة الثالث
التحرر من القيود كانت الساعة السابعة مساء، والسكون يخيم علي أرجاء المكان، حين بدأت وأبي الراهب نضرب بأقدامنا في رمال الصحراء، نتمشى حينا ونقف حينا آخر، متأملين في موضوعات أسمى من أن يكتبها قلم بشري.. وقد طال بنا التجوال ونحن لا ندرى، أو نحن لا نود أن ندرى، حتى استقر بنا المطاف أخيرًا علي عتبة الدير، فجلسنا نناقش موضوع: انطلاق الروح.. التحرر من القيودرواسب وقيود: لست أعنى انطلاق الروح من الجسد، ذلك المعنى الذي قصده سمعان الشيخ حين قال "الآن يا رب أطلق عبدك بسلام حسب قولك". أنما أعنى انطلاق الروح وهى ما تزال في الجسد، انطلاقها من كل ما يحيطها من رباطات وقيود، حين يبدأ السلام الكامل ويعيش الإنسان في حرية أولاد الله. أترى يا أخي العزيز الطفل بعد عماده وروحه حرة طليقة كما أوجدها الله فيه، ثم أتعرف ماذا حدث لها؟! لقد أرسب عليها العالم والعرف والبيئة رواسب عدة، وتقيدت من جراء ذلك وغيره بقيود كثيرة تعوق انطلاقها إلي حيث تريد ان تذهب لتتحد بالله وتثبت فيه، وكل ما يبحث عنه أولاد الله هو انطلاق الروح من كل هذا: انطلاقها من قيود العالم والبيئة، وانطلاقها أيضًا من قيود الحس والحكمة البشرية. وهنا التفت الأب الراهب وقال: هل يحسب البعض أن السيد المسيح عندما قال: {إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأطفال لن تدخلوا ملكوت السموات} كان يقصد: أن لم تصغروا وتصيروا مثل الأطفال {كلا. بل كان يود أن يقول: {أن لم تكبروا في الروح جدًا حتى تصيروا مثل الأطفال فلن تدخلوا ملكوت السموات}؟ قيود الحس: وقف أمام القديس مقاريوس الكبير راهب حاربه البر الذاتي حتى ظن أنه تخلص من الزنا وحب المال والغضب، فسأله الأب القديس عما يشعر به إذا رأى امرأة: فقال أعرف أنها امرأة ولكني أهرب لئلا أشتهيها. فسأله أيضًا عن شعوره إذا رأى مالا ملقى في الصحراء، أيستطيع أن يفرق بينه وبين الحصى؟! فأجاب بأنه يستطيع ذلك ولكنه يمنع نفسه من محبة المال، وسأله القديس ثالثًا عن شعوره إذا أهانه أحد، فأجاب بأنه يحس أنه أهين ولكنه لا يبيت الغيظ في قلبه. وهنا التفت القديس إلي الراهب وأخبره أنه ما يزال تحت الآلام. وأنه في حاجة إلي جهاد أكثر. وبدأ يعظه.. إنها قيود الحس يا صديقي القارئ التي تجعل المرء يفرق بين الرجل والمرأة، المتقدمة في السن والفتاة الشابة، وبين الفتاة "الجميلة" و"غير الجميلة". أنها قيود الحس أيضًا التي تجعله يفرق بين النقود والحصى... وماذا أذن عن الإهانة والمديح؟ ذهب أحد الرهبان إلي القديس مقاريوس وطلب منه نصيحة، فأمره القديس أن يذهب ويمدح الموتى فذهب ومدحهم فلم يرد عليه منهم أحد، فأمره القديس أن يذهب ويشتد عليهم في القول، ففعل ذلك فلم يرد عليه أحد. فقال القديس للراهب: وهكذا أنت ما دمت قد مت عن العالم فيجب أن تشبه هؤلاء الموتى، لا تتأثر في شيء، وإنما سيان عندك أن مدحك الناس أو ذموك.. وفي أحدى المرات أحضر أحد الأثرياء هبة مالية إلي الدير لتفرق علي الرهبان، ولكي يقدم رئيس الدير لهذا الثرى عظة عملية، وضع المال جانبا وأمر بدق الناقوس فأجتمع الرهبان، فطلب إليهم الأب الرئيس أن يصنعوا محبة ويأخذوا ما يحتاجونه من هذا المال، ولم يأخذ أحد منهم شيئًا رغم الإلحاح الشديد، تأثر الرجل الثرى جدًا، وطلب أن يترهب.. أن العالم يا آخى الحبيب والجسد أيضًا قد أرسب على إحساساتنا رواسب عديدة كان من نتائجها أن أشياء عالمية كثيرة مادية وجسدية أصبحت تبدو لنا في صورة أجمل من غيرها وأكثر جاذبية وأعمق أثرًا في النفس. وعندما تسموا الروح، وعندما تنطلق إلي حد ما مما يعرقل طريقها من القيود، عند ذلك سيرقى إحساسها جدًا، أو قل ستنطلق من الحس العالمي، وتفهم الأمور بإدراك روحي آخر. هل إذا طال بك السفر بعيدًا عن أسرتك، ثم قابلتهم بعد هذا الفراق الطويل فعانقوك في محبة وفي شوق زائد، هل وسط تلك المحبة التي سبحت فيها روحك، ستحس أن أباك الرجل يختلف عن أمك المرأة، وأخيك الفتى، وأختك الفتاة. وهل عامل الإنقاذ في الحرائق أو حوادث الغرق يحس أن الجسم الذي يحمله منقذا إياه من الهلاك، هو جسم فتى أو فتاة، أو رجل أو امرأة؟! كلا بل أؤكد لك انه لو أحسن شيئًا من هذا لعرض نفسه للموت هو ومن يعمل علي إنقاذه. ألا ترى أذن أن الروح تسمو على الحس، وأن هناك أوقات يتعطل فيها الحِس كليًا أو جزئيًا لانهماك الروح فيها هو أعظم..؟ وهكذا أنت في حياتك الروحية عليك أن تتخلص بقدر الإمكان من قيود الحس. وعندئذ ستنظر إلي الأمور بمنظار آخر: سوف لا تحاربك الشهوة، شهوة العين أو شهوة الجسد أو شهوة المال أو شهوة الناس أو تعظم المعيشة. بل تكون كملائكة الله في السماء تنظر إلي كل شيء بتلك {النظرة البسيطة} التي قال عنها السيد المسيح في عظته علي الجبل: {إن كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيرًا} {مت22:6}. علي أن هذه الأفكار لم تكن موضوع الحديث بين أبى الراهب وبيني، فقد كنا نتكلم فيما هو أعمق من هذا، في موقف الحس عند تفهم الإلهيات والتأمل فيها: أن الأحساس الجسدي جسدي ومحدود لذلك فهو لا يستطيع أن يفحص الله الروح غير المحدود. ثم أن الحس البشرى عرضه للخطأ، وكثيرًا ما يخطئ في التمييز بين الخطأ والصواب. لقد رجع التلاميذ الي السيد المسيح فرحين وقالوا له: {حتى الشياطين أيضًا تخضع لنا باسمك} فرد عليهم السيد: {لا تفرحوا بهذا} {لو10: 17، 20} إذ أن إحساسهم كان خاطئًا. أنظر أيضًا إلي القاتل الذي ثأر لنفسه أو أنتقم لشرفه، ألا يغمره أحساس بالرضى كأنه أتى عملًا جليلًا. أنه حس خاطئ. وأنت كذلك يا أخي المحبوب قد تراودك في صلواتك وخلواتك وتأملاتك أحساسات كثيرة: أمتحنها جيدًا فقد تكون أحساسات بشرية غير سليمة.. وحاول أن تطلق روحك من قيود الحس. بقى أن أقول لك الإحساس بالعالم وموجوداته يتعطل عند الاستغراق في الإلهيات. كانت حنه تصلي في الهيكل. كانت منسكبة النفس أمام الله فلم تشعر بما يدور حولها حتى أن عالي الكاهن حسبها سَكرَى فقال لها: {إلي متى تسكرين. قومى انزعى خمرك عنك}.{1صم1: 13، 14}. وهكذا أنت: أن كنت منصرفا بكليتك إلي الصلاة أو التأمل فسوف لا تشعر اطلاقًا بما يدور حولك. قد يتكلم البعض إلي جوارك وقد تقوم ضجة. وقد تتهادى مناظر كثيرة، وأنت لا تدرى عن كل ذلك شيئًا لأنك منهمك في أمور أخرى في عالم الروح. أن حسك معطل نسبيا لأن روحك؟ لا أدري، ولكني أعلم أن القديس يوحنا القصير كانت تمر عليه في تأملاته فترات يتكلم فيها الناس إليه فلا يسمع صوتهم ولا يدرى ماذا يقولون، ويسأله السائل مرة أخرى فيجيبه القديس {ماذا تريد يا ابني؟} ويكرر السائل طلبه ولا يسمعه القديس أيضًا. لأن روحه منشغلة بأشياء أخرى أهم وأعمق وألصق بالسمع والذاكرة. وكانوا يسألونه أحيانًا أسئلة فيجيبهم عنها بتأملات لاهوتية لا علاقة لها بما يسألونه عنه، لأنه لم يسمع ما قالوه. كانت روحه منطلقة من الحس.... |
||||
08 - 01 - 2014, 03:38 PM | رقم المشاركة : ( 4 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب انطلاق الروح لقداسة البابا شنودة الثالث
الانطلاق من الحكمة البشرية أيضًا والآن، ماذا أقول؟هل أقول أن تنطلق الروح من نطاق الحكمة البشرية أيضًا؟ يخيل إليَّ أنني أود أن أقول هذا {ألم يجهل الله حكمة العالم} {لأن الرب يعلم أفكار الحكماء باطلة {لأن حكمة هذا العالم هي جهالة عند الله} لأنه مكتوب {الآخذ الحكماء بمكرهم} {1كو1: 20، 3: 20، 19}. علي الرغم من أن العقل البشري – منذ وجوده – قاصر ومحدود، إلا أنه كان في حالة أفضل يوم خلق الله العالم ونظر إلي كل ما عمله فإذا هو حسن جدا.. ولكن الخطية والعالم وما ورثناه عن القدامى من أفكار وأبحاث وخبرات وعادات وتقاليد ونظم وشكليات. كل ذلك أرسب علي العقل البشرى رواسب كثيرة حتى أصبح – زيادة على قصوره – معرضا للخطأ في كثير من أحكامه. وهكذا لا يستطيع وحده أن يفهم الله أو يفحصه، والذين يظنون أنهم حكماء وعقلاء ويعتمدون على حكمتهم وعقلهم هم أبعد الأشخاص عن الروحيات والإلهيات. وهكذا قال معلمنا بولس الرسول: {وكلامي وكرازتي لم يكونا بكلام الحكمة الإنسانية المقنع بل من الله.. لا بأقوال تعلمها حكمة إنسانية بل بما يعلمه الروح القدوس قارنين الروحيات بالروحيات} {1كو2: 4، 12، 13}. أرأيت يا أخي الحبيب بطلان الحكمة البشرية.. فهل يلغى الله الحكمة علي وجه العموم، كلا. بل يؤيدها. وهكذا يقول معلمنا بولس في نفس رسالته: {لكننا نتكلم بحكمة بين الكاملين، ولكن بحكمة ليست من هذا الدهر ولا من عظماء الدهر الذين يبطلون، بل نتكلم بحكمة الله في سر}. لذلك إذا أردت لروحك أن تفهم مقاصد الله، فأطلقها أولا من حكمتك البشرية، وقف أمام الله جاهلًا فارغا من كل علم وفهم، حينئذ ستمتلئ بالمعرفة الروحية الكاملة، وليست المعرفة البشرية القاصرة {لأن الروح يفحص كل شيء حتى أعماق الله. أليس هذا ما يعنيه معلمنا بولس الرسول إذ يقول: {إن كان أحد يظن أنه حكيم بينكم في هذا الدهر فليصر جاهلا لكى يصير حكيمًا} {1كو18:3}. تقدم إلي السيد المسيح رجل ذو يد يابسة بطلب الشفاء فأمره السيد أن يمد يده فمدها فصارت سليمة {مت12: 10، 13}. وتؤخذ هذه الحادثة دليلا على قدرة السيد وهذا صحيح، ولكن لها وجهًا آخر وهو تحطيم نطاق الحكمة البشرية. لو كان هذا الرجل متمسكًا بالحكمة البشرية لجادل السيد في الأمر: {كيف أمد يدا يابسة؟ هل اليد اليابسة تمتد. ولو كانت تمتد فما حاجتي إلي الشفاء؟ اشفني أولا ثم أمدها} أما هذا الرجل فصار جاهلًا لكي يصير حكيما. فتجاهل الحكمة البشرية التي لا تؤمن بامتداد اليد اليابسة. والتي لا تؤمن لا بانتقال الجبل من موضعه، ولا يمشي الرجل على الماء، ولا بعد التفكير في الغد.. إنها الحكمة البشرية التي جعلت الناس يضعون الله تحت المجهر هو وصفاته وتعاليمه!. وهى {الحكمة} التي جعلت البعض يقبلون من الإنجيل ومن قوانين الكنيسة ما يرونه بأفكارهم صحيحًا، ويرفضون ما لا يتفق ومنطقهم العقلي.. أما أولاد الله فيتناولون كل شيء ببساطة وبغير تعقيد تريدنا يا رب أن نمشي في البحر الأحمر؟ سنمشى إذن لأنك لابد تشق لنا فيه طريقا فلا نغرق. هناك أسطورة تقول ان البحر الأحمر لم ينشق عندما ضربه موسى بعصاه، وإنما انشق حالما رفع أول رجل قدمه ليضعها في الماء: إنها مجرد أسطورة ولكنها تحمل في طياتها معنى ساميا من معاني الروح. |
||||
08 - 01 - 2014, 03:40 PM | رقم المشاركة : ( 5 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب انطلاق الروح لقداسة البابا شنودة الثالث
نطاق الجدران الأربع أود أن أخبرك الآن أن الروحيات في الصحراء والجبل لها طابعها الذي يختلف عن طابع الروحيات في المدينة فمن أهم القيود التي تتعب العابد في المدن، هي نطاق الجدران الأربع.. ولقد جربت هذا بنفسي، كنت منذ سنوات في معسكر في ألماظة وهى بقعة صحراوية تقع على بعد أميال من ضاحية مصر الجديدة. وكنت متعودا أنا وأحد أخوتي من مدارس الأحد أن نصعد على أعلى رابية في تلك الصحراء لنقضى وقتا في الصلاة والتأمل. وكانت مصر الجديدة، تلك الضاحية الفخمة في مبانيها وشوارعها وتنظيمها وسكانها أيضًا، تظهر لنا على بعد كشيء ضئيل تافه على مرمى النظر في خط الأفق. ولم يكن يبدو منها غير بعض أضواء بسيطة: لعاملين بسيطين هما عامل البعد وعامل الارتفاع. وكنا نشعر أن روح كل منا انطلقت من احترام الطول والعرض والارتفاع، والفخامة والضخامة. والتنميق والترويق، وتساوى أمامها القصر العالي والبيت الصغير، إذ لا يبدو شيء من كليهما. بل كنا نشعر بسعادة ولذة روحية ونحن جالسان على الرمل فوق تلك الرابية المرتفعة، سعادة لم نجدها في المدن في يوم من الأيام. وفي عطلة من المعسكر رجعنا إلي القاهرة وأقول لك الحق يا أخي الحبيب أنني انزعجت من هذه العاصمة الصاخبة. وكنت أسير في الشوارع وفي رأسي وإذني بركان ثائر من ضجيج الناس وصوت السيارات والترام ووسائل المواصلات المتعددة. وعرفت وسط هذا الصخب أنني لست بقادر أن أفكر تفكيرًا منطقيا مرتبا متلاحقا، كما كنت أفعل فوق الرابية المرتفعة. وعندما أغلقت علي باب مخدعي ووقفت للصلاة، لم أستطيع أن أصلي، كانت الجدران الأربع التي للغرفة بمثابة حاجر منيع يفصلني عن التمتع بالله. وأقول لك في صراحة أنني خرجت من غرفتي دون أن اصلي وسرت بعيدًا بعيدًا أبحث عن فضاء هادئ مرتفع لا أرى فيه إمامي الأبنية والمنشآت، وتصغر فيه نواحي العمران والمدينة، وبعد حوالي الساعة من السير وجدت مكانا فيه شيء ضئيل مما أطلب، وهكذا رجعت إلي منزلي ضيق النفس مشتاقًا إلي رابيتي المرتفعة مرة أخري... وانقضت أشهر المعسكر ورجعنا إلي العاصمة، ووجدت نفسي مضطرًا إلي تعود الصلاة بين الجدران الأربع. ولكن ذكريات تلك الرابية المرتفعة ما زالت خالدة أمام عيني حتى اليوم، ولكي أحصل علي جانب من التعويض كنت – بعد أن أنتهي من درسي في مدراس الأحد، أصعد وأخوتي الشبان إلي سطح الكنيسة المرتفعة لنلقي نظرة علي القاهرة، فنراها أيضًا في ظلمة المساء شيئًا ضئيلًا لا تبدو منه إلا أشباح أبنية تلمع فيها تلك النقط البيضاء المضيئة. أن روحك يا أخي الحبيب تود أن تنطلق هي أيضًا كالطير من غصن إلي غصن، تود أن تصير كالملائكة الذين يسبحون في السماء بغير روابط أو قيود. وأن لم تستطع هذا باستمرار، فلا أقل من تهيئة فرص في بعض المناسبات... إن هذا يجعلني أتخيل التأمل أغزر وأوفر بالنسبة إلي البحار والفلاح وسكان الجبل وساكن الصحراء.. ويخيل إلي أننا سنصير كذلك عندما نتخلص من نطاق الجسد ونصعد إلي فوق، حيث الله والملائكة والقديسون. وقد تناولت هذا الموضوع مع أبي الراهب، فحدثني عن اختبار روحي آخر، حكي لي كيف انفرد في قلايته ثمانية وعشرين يوما في مستهل حياته الرهبانية. قابعا بين الجدران الأربع، لا يري أنسانا ولا يتصل بإنسان، مجاهد في صراع عنيف بينه وبين الله ونفسه، وكيف كانت تلك الحقبة من الزمن فترة {غربلة} قاسية لنفسه، استطاعت فيها الروح أن تنطلق شيئا فشيئًا من قيودها الكثيرة إلي الله، وتغصب منه الوعود اغتصابًا... وبعد ذلك خرج الراهب من قلايته وقد تساوت أمامه الجدران واللاجدران... وهنا أقدم لك في هذا الموضوع مرحلة من مراحل الروحانية أسمي وأعمق. كانت المرحلة الأولي هي التبرم بالجدران الأربع، أما هذه فهي مرحلة عدم الإحساس بالجدران الأربع ، حيث تجلس في غرفتك. وتستغرق في صلاتك أو تأملاتك أو قراءاتك، حتى لا تعود تشعر بكل ما حولك، وإنما تعيش في عالم آخر يسمو علي الحس، لا تعرف فيه هل أنت في غرفتك أم في فضاء الدير، هل قلايتك لها جدران أن ليس لها، بل أقول أنك في تلك الحالة لا تستطيع أن تميز هل انتقلت إليك السماء وأنت علي الأرض، أم انتقلت وأنت علي الأرض إلي السماء؟ بل دعني أهمس في أذنك يا أخي الحبيب أن هناك أشخاصا لم يستطيعوا أن يدركوا – في حالات كهذه – هل هم في الجسد أم خارج الجسد كما حدث للقديس بولس الرسول، وكما روي عن القديس يوحنا الأسيوطي والشيخ الروحاني أيضًا. يتدرج بي هذا الموضوع، موضوع انطلاق الروح من المكان إلي تأمل آخر متعلق به وهو {الرؤي}. سمعنا في هذا الأمر من قبل عن اختبارات القديسين يوحنا الحبيب والقديس بولس الرسول، ويعوزنا الوقت أن استرجعنا اختبارات الأنبا انطونيوس والأنبا شنوده وغيرهما من القديسين الذين انطلقوا من أماكنهم وعاشوا بالروح في أجواء وبيئات أخري رأوا فيها أشياء عجيبة لا ينطق بها. أنما أذكر هنا قصة رواها لي أحد أخوتنا الأحباء عن كاهن ممتلئ بالروح كان واقفا يصلي في المذبح فلما وصل في صلاته إلي عبارة {ورفع نظرة إلي فوق..} رفع نظره هو أيضًا، وسادت الكنيسة فترة من الصمت العميق، ومرت دقيقة ودقيقتان ودقائق كثيرة والكاهن القديس ناظر في صمت إلي فوق في دهشة وذهول، وطال الوقت جدًا والشعب يتأمل كاهنه المبارك في صمت، وبعد فترة أخفض الكاهن بصره، وأكمل صلاته في عمق وحرارة دون أن يحس فترة الصمت التي مرت به، ولما أخبره أحد خواصه – بعد القداس – بما حدث وطلب منه إيضاح الأمر، اضطرب ولم يجِب، ولما أكثر عليه الإلحاح قال انه نظر إلي فوق فإذا بالكنيسة وكأنها بلا قبة ولا سقف، وإذا به يتأمل سلما طويلا يصل المذبح بالسماء. فتأمله لحيظات كأنها جزء من الدقيقة ثم أكمل صلاته... يتحدثون بعد ذلك عن الرهبنة كطريق إلي الخدمة، وما أري الرهبنة إلا طريقا إلي السماء تساعد فيه الخلوة والتأملات والجهاد المستمر علي دوام انطلاق الروح حتى تتحد بالله. |
||||
08 - 01 - 2014, 03:41 PM | رقم المشاركة : ( 6 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب انطلاق الروح لقداسة البابا شنودة الثالث
أعظم من السماء والأرض لم أكن في هذه المرة سائرا في الصحراء ولا جالسًا علي عتبة الدير وإنما مع أبي الراهب أمام مغارته في الجبل، نتابع حديثنا الماضي عمن هو: أعظم من السماء والأرض.. الروح التي تود أن تنطلق يا أخي الحبيب هي الروح التي تدرك تماما قدر ذاتها، والتي تعرف أنها عظيمة بهذا المقدار كله، وأنها أكبر وأكبر جدًا من أن يذلها الجسد أو تذلها البيئة أو يذلها الشياطين. ولكي أعطيك فكرة عن هذا الأمر، يليق بنا جدًا يا حبيب الله أن نبحث الأمر معا، ونتذكر الماضي والحاضر والمستقبل أيضًا، حتى ندرك أية قوة مخبأة فينا ونحن لا ندري. نتذكر أن الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي خُلِقَ علي صورة الله ومثاله {تك 1: 27}، فإن طلب أليك أن تعرف ذاتك، فقل في قوة وثقة {أنا صورة الله}. وأنت – كصورة الله – قد كتب لك الخلود. فمن المحال أن تفني. وهل يعقل أن يفني شخص علي مثال الله الخالد؟! إذن فأنت أعظم من الجبل الشامخ ومن البرج الضخم، أعظم من الشمس الملتهبة ومن القمر المضيء. أعظم من الصحراء الواسعة ومن السهل الفسيح. أعظم من الذرة المحطمة ومن كل قوات الطبيعة علي الإطلاق. فكل هذه الأشياء تزول، لأن السماء والأرض تزولان كما يقول الكتاب {مت 24: 35}. وأما أنت فلك الحياة الأبدية كما وعدك السيد المسيح {يو14:4} أنت يا صورة الله. |
||||
08 - 01 - 2014, 03:42 PM | رقم المشاركة : ( 7 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب انطلاق الروح لقداسة البابا شنودة الثالث
أنت ملك الأرض وما عليها أنت يا أخي العظيم المخلوق الإلهي الوحيد، أنت – من دون الأرض وما تحتها وما عليها – المخلوق الذي أعطاه الله – كما أعطي الملائكة – موهبة العقل وموهبة النطق، والذي أُعْطِيَ أن يعرف الله ويتعبد له. أنت الذي جعل اله مسرته فيك، وهذه الطبيعة كلها التي تظنها أحيانا أعظم منك، ما خلقها الله إلا لتكون في خدمتك، فتسخرها جميعا حسب إرادتك ووفق سلطانك..... وهكذا خلق الله أولا كل شيء، ثم أوجدك أخيرًا، لتكون ملكا علي كل ما خلقه من قبل، تكون ملكًا علي طيور السماء وسمك البحر وحيوانات البرية وعلي كل الأرض {تك1: 26 و28} أنت يا من تستضعف ذاتك وتخاف من الصقر والحوت والأسد وأشباهها، من عبيدك الضعفاء الذين كانوا في خدمتك في يوم ما.. لا تظن أنك كنت هكذا قبل الخطيئة فقط، أنما كان الأبرار في كل العصور لهم هذه الهيبة وهذا السلطان أيضًا: أن شمشون قاضي إسرائيل ضرب الشبل بيده فوقع صريعا، دانيال كان في جب الأسود ولم تضره الأسود في شيء، يونان ابتلعه الحوت وأخرجه دون أن يقوى علي ايذائه، والثلاثة الفتية دخلوا في أتون النار بردا وسلاما.. ومثل هذا يقال في العهد الجديد. أيضًا علي القديس مرقص وأسده، وعلي القديس بولس الذي نشبت أفعى كبيرة في يده فنفضها إلي النار ولم يتضرر بشئ ردئ. حتى تعجب الناس وقالوا {هو اله} {أع82: 3- 7} أنه أنت الذي أعطيت سلطانا أن تدوس الحيات والعقارب وكل قوة العدو {من صلاة الشكر}. آه يا أخي الحبيب لو عرفت قدر روحك، هذه التي تحبسها بخطيتك في سجن من الذلة والجبن والخوف، وهي – من وراء قضبان سجنك – تتطلع إلي مجدها السالف وتود انطلاقًا، لو سمحت أنت لها. |
||||
08 - 01 - 2014, 03:43 PM | رقم المشاركة : ( 8 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب انطلاق الروح لقداسة البابا شنودة الثالث
أنت المخلوق الإلهي أنت {يا جبار البأس} مخلوق إلهي، أنت الذي قال له الله الابن أثبت في وأنا فيك كما يثبت الغصن في الكرمة {يو4:15}. وأنت الذي يقرع الله علي بابك ويود أن تفتح له فيدخل ويتعشى معك وأنت معه وعندك يصنع منزلا {يو23:14}. أنت الذي طلب منه أن يسعى ليصير مثل الله، كما يظهر قول السيد له المجد {كونوا كاملين كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل }. أنت الشخص الذي وجد الله لذة في أن يدعوه ابنه.. أنت الذي صب الرب ماء وغسل رجليك ومسحهما بالمنشفة التي كان متزرا بها. أنت الذي قال الرسول عن أعضاء جسدك أنها أعضاء المسيح {1كو15:6}..!! أنت الوحيد الذي قيل عند أنك هيكل الله وروح الله يسكن فيك {1كو16:3}. أنت الذي تشتهي الملائكة أن تكون مثلك، يا من أنت وحدك تتناول جسد الرب ودمه الطاهرين، يا من قال الرب أنه يريدك أن تكون واحد فيه وفي الآب {يو21:17}. |
||||
08 - 01 - 2014, 03:45 PM | رقم المشاركة : ( 9 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب انطلاق الروح لقداسة البابا شنودة الثالث
أنت الذي تخدمه الملائكة ملاك الرب حال حول خائفية وينجيهم {مز7:34}. ألم تر يا أخي المحبوب كيف أرسل الرب ملاكين لإنقاذ لوط من سدوم، وكيف أرسل ملاكه فسد أفواه الأسود أمام دانيال، وكيف قال أليشعلتلميذه: {لا تخف لأن الذين معنا أكثر من الذين علينا… وفتح الرب عيني الغلام فأبصر وأذا الجبل مملوء خيلا ومركبات نار {2مل6: 15 –17}" وكيف أحضر ملاك الرب طعامًا لإيليا وهو نائم تحت الرتمة فقام إيليا وأكل وشرب وسار بقوة تلك الأكلة أربعين يوما {1مل19: 5- 9} وكيف حمل ملاك الرب حبقوق ليقدم طعامًا لدانيال في الجب {دا 14: 35- 38}.. ويعوزني الوقت أن أحدثك يا حبيب الرب عن الخدمات التي قدمها الملائكة لك ولأخوتك، وعن اهتمامهم بك، وشفاعتهم فيك أنك مخلوق مهم. |
||||
08 - 01 - 2014, 03:46 PM | رقم المشاركة : ( 10 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب انطلاق الروح لقداسة البابا شنودة الثالث
أنت الذي دُعيت إلهاً أنت يا أخي المحبوب الشخص الذي دعي إلهًا من الله والناس.. {ألم أقل أنكم آلهة، وبني العلي تدعون} {مز7:82}. وقال الله من قبل لموسى: {أنا جعلتك إلهًا لفرعون} {خر1:7}. ليس المقصود طبعا الألوهة كالله، وإنما السيادة. وأيا كان معني هاتين العبارتين فإنهما تدلان بلا شك علي المكانة الكبرى التي لك عند الله يا أخي الحبيب. |
||||
|