|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
اتضاع المخلص وتمجيده: 1 اِسْمَعِي لِي أَيَّتُهَا الْجَزَائِرُ، وَاصْغَوْا أَيُّهَا الأُمَمُ مِنْ بَعِيدٍ: الرَّبُّ مِنَ الْبَطْنِ دَعَانِي. مِنْ أَحْشَاءِ أُمِّي ذَكَرَ اسْمِي، 2 وَجَعَلَ فَمِي كَسَيْفٍ حَادٍّ. فِي ظِلِّ يَدِهِ خَبَّأَنِي وَجَعَلَنِي سَهْمًا مَبْرِيًّا. فِي كِنَانَتِهِ أَخْفَانِي. 3 وَقَالَ لِي: «أَنْتَ عَبْدِي إِسْرَائِيلُ الَّذِي بِهِ أَتَمَجَّدُ». 4 أَمَّا أَنَا فَقُلْتُ: « عَبَثًا تَعِبْتُ. بَاطِلًا وَفَارِغًا أَفْنَيْتُ قُدْرَتِي. لكِنَّ حَقِّي عِنْدَ الرَّبِّ، وَعَمَلِي عِنْدَ إِلهِي». 5 وَالآنَ قَالَ الرَّبُّ جَابِلِي مِنَ الْبَطْنِ عَبْدًا لَهُ، لإِرْجَاعِ يَعْقُوبَ إِلَيْهِ، فَيَنْضَمُّ إِلَيْهِ إِسْرَائِيلُ فَأَتَمَجَّدُ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ، وَإِلهِي يَصِيرُ قُوَّتِي. 6 فَقَالَ: «قَلِيلٌ أَنْ تَكُونَ لِي عَبْدًا لإِقَامَةِ أَسْبَاطِ يَعْقُوبَ، وَرَدِّ مَحْفُوظِي إِسْرَائِيلَ. فَقَدْ جَعَلْتُكَ نُورًا لِلأُمَمِ لِتَكُونَ خَلاَصِي إِلَى أَقْصَى الأَرْضِ». 7 هكَذَا قَالَ الرَّبُّ فَادِي إِسْرَائِيلَ، قُدُّوسُهُ، لِلْمُهَانِ النَّفْسِ، لِمَكْرُوهِ الأُمَّةِ، لِعَبْدِ الْمُتَسَلِّطِينَ: «يَنْظُرُ مُلُوكٌ فَيَقُومُونَ. رُؤَسَاءُ فَيَسْجُدُونَ. لأَجْلِ الرَّبِّ الَّذِي هُوَ أَمِينٌ، وَقُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ الَّذِي قَدِ اخْتَارَكَ». في الأصحاح السابق كان الحديث موجهًا إلى بيت يعقوب المدعوين باسم إسرائيل (إش 48: 1)، أما الحديث هنا فموجه إلى الأمم، إذ يقول: "اسمعي ليّ أيتها الجزائر، واصغوا أيها الأمم من بعيد" [1]. فقد دُعِي الأمم "جزائر الأمم" (تك 10: 5)، إذ كانوا يتطلعون إلى جزائر البحر الأبيض المتوسط بكونها المناطق البعيدة الغربية والغريبة عن إسرائيل؛ وقد دَعَى الأمم "من بعيد" لأنها لم تدخل في شركة مع إسرائيل. يتحدث السيد المسيح المخلص إلى الأمم معلنًا الآتي: أ. مدعو من البطن: "الرب من البطن دعاني" [1]. يظن بعض الدارسين أن المتحدث هنا باسم إسرائيل بكون الله اختار شعبه قبل أن يوجد، وهو في صلب إبراهيم وفي أحشاء سارة؛ وظن البعض أنه كورش الذي أختاره الله لتحقيق رسالته قبل أن يوجد؛ لكن الواضح أن الحديث هنا باسم السيد المسيح، كلمة الله المتجسد؛ فقد كرز رئيس الملائكة جبرائيل للعذراء بميلاده قبل أن تُحبل به ودُعى يسوع لأنه يُخلص شعبه من خطاياهم (مت 1: 21)، لذا قيل "من أحشاء أمي ذكر أسمي" [1]. ب. صاحب سلطان: "وجعل فمي كسيف حاد" [2]. وقد قيل عن السيد المسيح: "وسيف ماضِ ذو حدين يخرج من فمه" (رؤ 1: 16)، كما قيل عنه أنه كان يتكلم كمن له سلطان وليس كالكتبة والفريسيين (مت 7: 29). لقد دخل المعركة ضد عدو الخير إبليس بكلمته التي هي كسيف ذي حدين (عب 4: 12). ج. اختفاء سرّ المسيح وعمله الخلاصي الإنجيلي ودعوته الأمم للإيمان وراء ظلال الناموس الموسوي والنبوات، إذ يقول "في ظل يده خبأني" [2]. لعله عَنَى بهذا القول أيضًا ما حدث في طفولته حيث ثار هيرودس عليه وأراد قتله فأرسل الآب ملاكًا ليوسف يأمره بالهروب إلى مصر. لقد صار الكلمة جسدًا، ابن الله صار ابنًا للبشر، لهذا في اتضاعه سار في طريقنا كواحد منا يرعاه الآب بحمايته كما في ظل يده، وهو قادر أن يأمر الطبيعة فتهلك هيرودس وكل مقاوميه. "وجعلني سهمًا مبريًا (لا يصدأ)، في كنانته أخفاني" [2]. بكونه كلمة الله فهو سهم لا يصدأ، اختفى وراء الظلال والرموز حتى جاء ملء الزمان فأعلن ذاته خلال الصليب كسهم صُوِّبَ ضد إبليس وجنوده فجردهم من سلطانهم وأشهرهم جهارًا ظافرًا بهم (كو 2: 15). إنه السهم القاتل للشر، وواهب جراحات الحب الإلهي للنفوس المؤمنة التي تصرخ "إنيّ مريضة حبًا" (نش 2: 5؛ 5: 8). * يعلمنا الكتاب المقدس أن الله محبة (1 يو 4: 8)، فقد صوّب ابنه الوحيد "السهم المختار" [2] نحو المختارين، غارسًا قمته المثلثة في روح الحياة. رأس السهم هو الإيمان الذي يربط ضارب السهم (المسيح) بالمضروبين به، وكأن النفس ترتفع بمصاعد إلهية، فترى في داخلها سهم الحب الحلو يجرحها، متحلية بالجروح.... إنه جرح حسن، وألم عذب، به تخترق "الحياة" النفس. القديس غريغوريوس النيسي * إن التهب أحد ما في أي وقت بالحب الصادق لكلمة الله، إن تقبل أحد الجراحات الحلوة التي لهذا "السهم المختار" كما يسميه النبي، إن كان قد جُرح أحد برمح معرفته المستحقة كل حب حتى أنه يحن ويشتاق إليه ليلًا ونهارًا، فلا يقدر أن يتحدث إلاَّ عنه، ولا ينصت إلاَّ إليه، ولا يفكر إلاَّ فيه، ولا يميل إلى أية رغبة أو يترجى سواه، متى صار الأمر هكذا تقول النفس بحق: "إنيّ مجروحة حبًا". أنها تتقبل جرحها من ذاك الذي قيل عنه "جعلني سهمًا مختارًا، وفي جعبته يخفيني" [2]. يليق بالله أن يضرب نفوسنا بجرح كهذا، يجرحها بمثل هذه السهام والرماح، يضربها بمثل هذه الجراحات الشافية. العلامة أوريجانوس *ليت غير الأصحاء يُجرحون، فإنهم إذ يُجرحون حسنًا يصيرون أصحاء. ليقل هؤلاء إذ صاروا مقيمين في الكنيسة جسد المسيح مع الكنيسة: "إنيّ مجروحة حبًا" (نش 2: 5)LXX. القديس أغسطينوس يتساءل البعض: من هو عبده إسرائيل؟ أنه السيد المسيح الذي جاء من اليهود، وقبل بإرادته العبودية مع أنه مساوٍ للآب في الجوهر (في 2: 7). جاء كعبد ليرفع العبيد فيّه إلى البنوة لله، بهذا مجّد الآب وتمجّد هو أيضًا خلال الضعف، إذ يقول الرسول: "وإذ وُجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب، لذلك رفَّعه الله أيضًا وأعطاه اسمًا فوق كل اسم، لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض، ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب" (في 2: 8-11). في لحظات الآلام حين ظهر رب المجد كما في ضعف قال: "أنا مجدتك على الأرض، العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته، والآن مجدني أنت أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذي كان ليّ عندك قبل كوْن العالم" (يو 17: 4-5). إن كان الصليب عارًا وضعفًا من الخارج لكنه مجد من الداخل. يقول العلامة أوريجانوس: [لا نتردد في القول بأن صلاح المسيح يظهر بطريقة أعظم وبالنور الإلهي... لأنه "وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب" (في 2: 6-8)]. الصليب أيضًا مجد لأنه صالح الآب مع البشر، وفتح أمامنا باب الفردوس لنشارك الرب مجده ونعيش معه نُسبحه مع السمائيين. يرى البعض أن ما قيل هنا أيضًا يُخص الكنيسة المختفية في المخلص بكونها إسرائيل الجديد هذه التي تمجد الله خلال قبولها شركة الآلام والصلب مع مسيحها فتنعم بقوة قيامته وبهجتها، لهذا استحقت أن تسمع الصوت الإلهي: "أنت عبدي إسرائيل الذي به أتمجد". أما هي ففي آلامها تقول: "عبثًا تعبتُ باطلًا وفارغًا أفنيتُ قدرتي، لكن حقي عند الرب وعملي عند إلهي" [4]. ه. نجاح رسالة السيد المسيح في ضمه الأمم إلى الإيمان: إن كان السيد قد ظهر على الصليب في ضعف حتى فارقه الجميع، إذ جاء إلى خاصته وخاصته لم تقبله (يو 1: 11)، صار مجروحًا في بيت أحبائه (زك 13: 6)، فقال: "عبثًا تعبتُ باطلًا، وفارغًا أفنيتُ قدرتي" [4]؛ هذا هو مظهر الصليب الخارجي، أما عمله الداخلي فيعلنه الآب بقوة قائلًا للمصلوب: "قليلٌ أن تكون ليّ عبدًا لإقامة أسباط يعقوب، وردّ محفوظي إسرائيل، فقد جعلتُك نورًا للأمم لتكون خلاصي إلى أقصى الأرض" [6]. وكأنه يقول للابن المصلوب: إن عملك الفدائي لا يمكن أن يُحد ثمره في حدود شعب معين وإنما يمتد إلى أقصى الأرض فتكون نورًا للأمم وسرّ الخلاص الإلهي لكل البشر. عندما حمل سمعان الشيخ الطفل يسوع قال: "لأن عيني قد أبصرتا خلاصك الذي أعددته قدام جميع الشعوب، نور إعلان للأمم ومجدًا لشعبك إسرائيل" (لو 2: 30: 31). كما قال بولس وبرنابا: "لأنه هكذا أوصانا الرب، قد أقمتك نورًا للأمم لتكون أنت خلاصًا إلى أقصى الأرض" (أع 13: 46-47). يقول العلامة أوريجانوس: [لو لم يصر عبدًا ما كان يقيم أسباط يعقوب ولا يغيّر قلب إسرائيل المشتت، ولما صار نورًا للأمم لخلاص أقصى الأرض]. جاء مسيحنا نورًا للشعوب والأمم؛ النور الحقيقي الذي يضيء كل إنسان آتِ في العالم (يو 1: 9)، يدعونا من الظلمة إلى النور (1 بط 2: 9) حتى نسلك في النور ونصير أبناء للنور وأبناء للنهار (1 تس 5: 5)، بل ونصير نورًا للعالم (مت 5: 14). بهذا يتحقق قول إشعياء النبي: "لا تكن لك بعد الشمس نورًا في النهار، ولا القمر ينير لك مضيئًا، بل الرب يكون لك نورًا أبديًا وإلهك زيتًا؛ لا تغيب بعد شمسك، وقمرك لا ينقص لأن الرب يكون لك نورًا أبديًا" (إش 6: 19-20). يُضيء المخلص -نور الأمم- على النفس بكونها عروسه فتُدرك خفيات الحكمة (أي 11: 6). * ربي وإلهي... يا نور نفسي! لا تتوقف قط عن إنارة خطواتي...! إلهي... أنت رجائي... بدون نورك -الذي به نُعاين كل شيء- يصعب علينا أن نكتشف مناورات الشيطان وحيله. * أنت هو الكلمة القائل: "ليكن نور"، فكان نور. قل هذه العبارة الآن أيضًا حتى تستنير عيناي بالنور الحقيقي، وأميزه عن غيره من النور؛ فبدونك كيف أقدر أن أميز النور عن الظلمة، والظلمة عن النور؟! القديس أغسطينوس |
|