رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
كيف يكون المسيح إنسانًا ثم تعبدونه وتقولون عنه إنه إله المجتمع: كيف يكون المسيح إنسانًا ثم تعبدونه وتقولون عنه إنه إله. المسيحي: إن كان المسيح هو كلمة الله فهو بالضرورة يحمل صفات الله لأن المشابهة قائمة بين الله وكلمته. فإن كان النور الصادر من الشمس يحمل صفات الشمس، والكلمة المولودة من العقل تحمل صفات العقل. فهكذا كلمة الله يحمل صفات الله لأنه مولود منه وأصلًا قائم فيه. فإن كان الله جوهره روحي بعيد عن المادة وغير محدود وموجود في كل مكان وأزلي وأبدى. فهكذا كلمة الله جوهره بالضرورة روحي أيضًا وغير محدود وموجود في كل مكان وأزلي وأبدى. أما ظهوره في شخص المسيح بالجسد من القديسة مريم فهو أمر حادث له في زمان هذا العالم من أجل رسالة معينة للبشرية كلها هي رسالة الخلاص. كما أن تجسده لم يحد من لاهوته ولم يغير من صفاته الإلهية، لأن اللاهوت لا يُحد وصفاته لا تتغير. وإن كان كلمة الله يحمل صفات الله فهو صورة الله. لأنه كما أن الكلمة المولودة من العقل الإنساني هي صورة طبق الأصل للعقل الذي ولدها. وكل من يريد أن يرى العقل يراه في كلمته، لأنه قد يصمت الإنسان برهة ولا تعرف ما يدور في عقله ولكنه بمجرد أن يتكلم يتضح مكنون عقله وما يخفيه داخله. لذلك فإنه يمكن الحكم برجاحة العقل أو عدمها من كلام الإنسان. فهكذا كلمة الله هو صورة الله ومن يراه يكون كأنه قد رأى الله. وهذا ما رأيناه في المسيح حسب شهادة الكتاب له أنه صورة الله (فى2: 6). وإن كان كلمة الله هو صورة الله بالحقيقة فهو يمثل شخص الله أيضًا ولكن كواحد معه وليس كأحد غيره. لأنه كما نقول إن نور الشمس يمثل الشمس لأنه مولود منها وغير منفصل عنها. ونقول عن الكلمة إنها تمثل العقل لأنها مولودة منه وغير منفصلة عنه، هكذا كلمة الله نقول عنه إنه يمثل شخص الله لأنه مولود منه وغير منفصل عنه وواحد معه، والواحد مع الله إله، والمولود من إله هو إله. فلا غبار إذًا على القول إن السيد المسيح إله. هذا هو التوضيح الأول لألوهية السيد المسيح. ونذكر هنا بالمناسبة عبارة الكاتب الفيلسوف محمد سيد محمد عن كلمة الله(1) التي قال فيها "في البدء كانت الكلمة ومنها جاء الإنسان. الإنسان تلك الكلمة الملغزة والمحيرة التي تُحَوِّل وتُغَيّر وتُعيد التكوين حيث الوجود الأول والعقل الأول" فنراه في هذه العبارة الموجزة يربط بأسلوب رائع واستتار مدهش بين الكلمة والعقل الأول وبين الكلمة والوجود الأول وبين الكلمة والخلق وبين الكلمة والأزلية، وما يحيط الكلمة من سرية باعتبارها لغزًا محيرًا مما يعنى أن الكلمة أزلي مصدره العقل الإلهي وهو الخالق. أما كونه سرًا يحيطه الغموض والحيرة فقد انكشف سره بظهوره للعالم متجسدًا في شخص السيد المسيح الذي تعترف به جميع الديانات أنه كلمة الله. وهذا ما يقرره الإنجيل في قوله "في البدء كان الكلمة وكان الكلمة الله. كل شيء به كان. وكوِّن العالم به. ولم يعرفه العالم. والكلمة صار جسدًا وحل بيننا ورأينا مجده" (يو 1: 1 14). ليس هناك تأكيد أكثر من هذا لألوهية السيد المسيح! أما التوضيح الثاني لألوهية السيد المسيح فهو أنه بجانب حقيقة جوهره الروحي ككلمة الله واتصافه بالصفات الإلهية، فهناك أيضًا حقيقة أعمال عجائبه ومعجزاته. وهى أعمال الله ذاته. فالمسيح له المجد أظهر سلطانه على إعطاء الحياة بإقامته الموتى، وأظهر قدرته كخالق عندما خلق عينين من الطين للمولود أعمى من بطن أمه، وعندما خلق من الماء خمرًا ومن الخمسة أرغفة والسمكتين طعامًا لخمسة عشر ألف نسمة، وأظهر سلطانه على إبراء الأجساد مما فسد فيها بشفائه البُرص وكافة المرضى بمختلف الأمراض، وأظهر قدرته على إبراء النفوس والعقول بشفاء المجانين ومن يلقون بأنفسهم في الماء والنار، وأظهر سلطانه على الطبيعة بأمره الرياح وأمواج البحر لتهدأ فكانت تطيعه، وأظهر سلطانه على أشجار ونباتات الأرض فلعن شجرة التين المورقة فجفت في الحال، وأظهر سلطانه على قوى الجاذبية حيث أخضع مياه البحر له كأنها أرضٌ ليمشى عليها، وأظهر سلطانه على الزمان والمكان عندما رآه الجمع الذين كانوا معه واقفًا على شاطئ البحيرة الذي وصلوا إليه ولم تكن له وسيلة لتنقله إليهم، وأظهر سلطانه على الشياطين فكان يأمرها بأن تخرج من الناس فكانت تطيعه. وظهرت الحكمة الإلهية من فمه الطاهر منذ طفولته عندما حاجج شيوخ اليهود في المجمع في أورشليم، وعندما كان يعظ كانت الجموع تبهت من تعاليمه. كذلك له سلطان دينونة البشر يوم يبعث الناس من القبور في يوم الحشر الذي هو يوم الدينونة. وإن كان قد ظهر بصورة إنسانية بين البشر لكنه أخذ هذه الصورة بطريقة معجزية خارقة للطبيعة بخلاف جميع البشر مما يشير إلى طبيعته الإلهية. وإن ذاق الموت كباقي البشر لكنه نقض أوجاعه وقام من القبر ظافرًا بإرادته وسلطان لاهوته. وإذ لم يكن له أن يبقى على الأرض بعد أن أنهى رسالته عليها بتتميمه خلاص العالم صعد جسديًا إلى السماء،والعالم كله ينتظر مجيئه ثانية من السماء لدينونة جميع البشر. فمن يكون المسيح إذًا بعد إيضاح كل هذا السلطان وهذه القدرة له سوى أنه الله الظاهر في الجسد؟ وأين يذهب العقل لكي يبحث عن براهين في الوجود أكثر من هذه ليستدل بها على ألوهية السيد المسيح! وسوف لا تجد البشرية بعد انتهاء الدينونة حاكمًا وملكًا عليها سوى المسيح نفسه، وسوف لا تجد إلهًا تعبده إلا من أدانها بالعدل وبسلطان ألوهيته. إذًا نحن لا نعبد إنسانًا جعلناه إلهًا ولكننا نعبد إلهًا صار إنسانًا لأجلنا. والذي يدعو إلى الاستغراب في إنكار ألوهية السيد المسيح أن اليهودية والمسيحية والإسلام تعترف بجوهر لاهوته ككلمة الله، وأن به خلق الله العالمين وكل ما فيها، وأن جوهره روحي نازل من السماء مملوء من نور الحكمة والحياة، وتجسده الذي صار به إنسانًا يمشى بين البشر سر فائق ظهر في الحبل به وولادته من العذراء القديسة مريم خلافًا لما يجرى مع سائر البشر. ولذلك صارت العذراء مريم أفضل نساء العالمين، لأنها استحقت أن تحبل وتلد كلمة الله الأزلي بالجسد. والذي بتجسده صارت له أمومة أرضية ولكن ليست له أبوة جسدية. إلا أنه قد يتلاشى هذا الاستغراب عندما ندرك العلة عند من ينكرون لاهوت المسيح، وهى رفضهم عطية الخلاص الذي قدمه الله للعالم بتجسد كلمته يسوع المسيح حسب ما تنبأ به الأنبياء من قبل مجيئه بأجيال كثيرة. لذلك ننتقل إلى أمر أكثر غرابة وهو كيف ترفض النفس عطية إلهية قدمها الله لها مجانًا من أجل تطهيرها وتقديسها وإعدادها للبنوة الإلهية والمواطنة السماوية! سعيدة هي النفس التي تتخلى عن كبريائها الفكري والإحساس ببرها الذاتي لأن الله حينئذ يفتح بصيرتها لتدرك احتياجها لخلاص الله في المسيح. ومن ثم يصبح التجسد الإلهي أمامها ضرورة يحتاج لها العالم وبذلك ينبغي عليها أن تسعى لكي تنال خلاصها فيه. إن هذه النفس تظن أنها تدافع عن الله وعن كرامته عندما ترفض حقيقة تجسده وحقيقة آلامه وصلبه، ولكنها في الواقع تعاند إرادة الله التي تعرف أنها كانت أمرًا مقضيًا. وقد تممها الله من أجلها بالذات لكسر كبرياء برها الذاتي وهى لا تدرك هذا. والله قادر وحده أن يفتح بصيرتها لتدرك سر خلاصها فيه. أما من جهتي فبعد إعلان المسيح ذاته لي، واعتراف الكل بأنه كلمة الله، وأنه نزل من السماء وتجسد وتأنس، وعمل أمام عينيَّ كل أعمال الله، وقام بتحريري وخلاصي، وقدم لي حياة أبدية. كيف لا أقر وأعترف به إلهًا فاديًا ومخلصًا. وكيف لا أعبده من كل قلبي؟ _____ الحواشي والمراجع :(1) مقال تحت عنوان: الإنسان واللغة - الأهرام في 16/11/2001. |
|