رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
لا تحبوا العالم _ القديس أغسطينوس لا تحبوا العالم القديس أغسطينوس يوجد نوعان من المحبة: محبة الله، ومحبة العالم.إذا ملكت فينا محبة العالم، لن يوجد موضع لمحبة الله فينا. أطردوا محبة العالم من قلوبكم لتسكن فيكم محبة الله. أفسحوا الطريق لما هو أفضل. كفوا عن محبة العالم وسوف تبدأ محبة الله أن تسكن فيكم. إذا أفرغتم قلوبكم من المحبة الأرضية سوف ترتوون من المحبة الإلهية. وتبدأ المحبة المسيحية تسكن فيكم، والتي لا يمكن أن ينبع منها أي شيء شرير. اسمعوا إذاً لكلمات يوحنا، فهو ينظر إلى قلب الإنسان كأنه حقل. لكن بأي حال يجده؟ إذا وجد غابات وأدغال يقتلعها، وإذا وجده نظيفاً يبدأ في زراعته. أنه يريد أن يزرع فيه شجرة، شجرة المحبة النقية. وأي غابة يريد أن يقتلعها؟ غابة محبة العالم وشهوته. لنستمع إلى يوحنا مقتلع الأدغال: "لا تحبوا العالم، ولا الأشياء التي في العالم. إن أحب أحد العالم فليست فيه محبة الآب" (1 يو 2) لقد سمعتم: "إن أحب أحد العالم فليست فيه محبة الآب". أيها الأخوة، لا يقل أحد في قلبه أن هذا أمر غير صحيح، فهو كلام الله، لقد تكلم الروح القدس من خلال الرسول. وكلامه هو الحق بعينه: "إن أحب أحد العالم فليست فيه محبة الآب". هل ترغبون في محبة الآب لكي تشتركوا في ميراث الابن؟ إذاً لا تحبوا العالم. أطردوا محبة العالم الشريرة حتى تمتلئوا بمحبة الله. أنتم أوعية، لكنكم مازلتم أوعية ممتلئة. أسكبوا الذي فيكم لكي تتقبلوا ما ليس فيكم. حقاً أخوتنا (الموعوظين) ولدوا الآن ثانية من الماء والروح، ونحن أيضاً قبل عدة سنوات ولدنا ثانية من الماء والروح. حسن لنا جداً أن لا نحب العالم، وإلا تحولت الأسرار المقدسة فينا إلى دينونة بدلاً من أن تكون وسائل تساعدنا على الخلاص. لكي تكون لكم قوة الخلاص، يجب أن يكون فيكم جذر المحبة، حتى تنالوا قوة الصلاح، ولا تكونوا مسيحيين بالشكل الخارجي فقط. الشكل جميل، والشكل مقدس، لكن أية نتيجة يمكن أن ينجزها الشكل إن لم يتمسَّك بالجذر (المحبة)؟ ألا يلقى الغصن المقطوع في النار؟ ليكن لكم الشكل، لكن بثبات في الجذر. وكيف يمكنكم الثبات في الجذر بحيث لا تُقتلعوا؟ بالتأصل في المحبة كما يقول بولس الرسول: "وأنتم متأصلون ومتأسسون في المحبة" (أف 3). كيف يمكن أن تتعمق المحبة بين أدغال محبة العالم الكثيفة؟ أقتلعوا الأدغال. أنتم سوف تضعون بذرة قوية في الداخل، لا تدعوها تُزرع في أرض تخنقها. لكي ينقي قلوبكم قال يوحنا هذه الكلمات: "لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم. أن أحب أحد العالم فلن تثبت فيه محبة الآب". "لأن كل ما في العالم شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة". ثلاثة أمور قال عنها أنها ليست من الآب بل من العالم. "والعالم يمضي وشهوته أما الذي يصنع مشيئة الله فيثبت إلى الأبد". لماذا لا نحب الأشياء التي خلقها الله؟ ما الذي تريده؟ أن يكون لك الأشياء الزمنية ومع الزمن تفنى معها، أم أن لا تحب العالم وتحيا إلى الأبد مع الله؟ الأشياء الفانية كالنهر يجرف الإنسان أمامه، أما ربنا يسوع المسيح مثل شجرة مغروسة على مجاري المياه. أخذ جسداً ومات وقام ثانية وصعد إلى السموات. لقد أراد أن يزرع نفسه - إذا جاز التعبير - بجانب نهر الأمور الفانية. هل التيار يطيح بك ويسحبك بشدة؟ تمسك بالخشبة. هل محبة العالم تصيبك بالدوار؟ تمسك المسيح. فهو لأجلك صار زمنياً لكي تصير أنت خالداً، صار زمنياً وهو الأبدي. لقد أخذ شيء من الزمن لكنه لم ينقص شيئاً من أبديته. أما أنت فقد ولدت زمنياً والخطيئة جعلتك زمنياً. أنت صرت زمنياً من خلال الخطية، وهو صار زمنياً من خلال الرحمة التي تغفر خطايانا. ما أبعد الفرق بين الشخص المسجون وبين الذي قام بزيارته. حين يذهب شخص في وقت ما لزيارة آخر مسجون نراهم الاثنين داخل السجن، ولكن ما أبعد الاختلاف بينهما. واحد منهم قضيته تكبله وتشدّه إلى أسفل، أما الآخر بسبب إنسانيته وعطفه ذهب إلى هناك. نحن بذنوبنا صرنا إلى حالة الفناء، وهو برحمته جاء إلى أسفل. لقد دخل إلى الأسر كمخلص وليس كمسجون. سفك الرب دمه لأجلنا وأعطانا خلاصاً، وحوَّل رجاءنا إليه. وبينما نحن نَحمِل الفناء في أجسادنا إلا أننا واثقين بنوال الخلود الآتي، الأمواج تتقاذفنا وسط البحر إلا أن مرساة الرجاء مُثبتَّة على الشاطئ. ليتنا لا نتمسك بمحبة العالم ولا الأشياء التي في العالم، وهذه هي الأشياء التي في العالم: شهوة الجسد، وشهوة العيون، وتعظم المعيشة. هذه هي الأشياء الثلاثة، لئلا يقول أحد ما: "الأشياء التي في العالم خلقها الله، أي السماء والأرض والبحر والشمس والقمر والنجوم وكل زينة السموات، وزينة البحر من مخلوقات وزواحف، وزينة الأرض من حيوانات وأشجار وطيور. كل هذا في العالم وقد خلقها الله. لماذا إذا لا نحب ما خلقه الله؟". ليسكن الروح القدس فيكم حتى تروا أن كل هذه الأشياء صالحة، لكن ويل لكم إن أحببتم هذه الأشياء المخلوقة وتركتم الخالق! هذه الأشياء جميلة في أعينكم، ولكن ما أبعد الفرق بين جمالها وجمال خالقها. ليتكم تنتبهون يا أحبائي. نوصيكم حتى لا يخدعكم الشيطان بأفكاره قائلاً: "إستمتعوا بخليقة الله. وهل خلق الله هذه الأشياء إلا للاستمتاع بها؟". هكذا يتسمَّم فكر الإنسان فيهلك وينسى خالقه، وباستخدامه للأشياء المخلوقة بطياشة لا باعتدال يحتقر خالقه. لأجل ذلك يقول الرسول: "اتقوا وعبدوا المخلوق دون الخالق الذي هو مبارك إلى الأبد آمين" (رو 1). الله لا يمنعك من أن تحب هذه الأشياء، بل يمنعك أن تتعلق بها بهدف تحقيق اللذة والسعادة، إلا أننا نستحسنها ونمدحها لكي نحب خالقها. تماماً يا أخوتي، مثل عريس يقدم خاتم الزفاف لعروسه، وحينما تتسلم العروس الخاتم تتعلق به وتحبه أكثر من العريس الذي قدمه لها وصنعه خصيصاً من أجلها، ألا تكون روحها الآن قد زنت فيما يتعلق بعطية العريس ذاتها، بالرغم من أنها أحبت عطية العريس؟ لا شك، عليها أن تُحب ما قدمه لها العريس، لكن إذا قالت: "هذا الخاتم يكفيني، ولا أريد أن أرى وجه العريس الآن"، فأي نوع من النساء يمكن أن تكون هذه العروس؟ من منا لا يمقت هذه الحماقة؟ من منا لا يدين هذا القلب الزاني؟ تحبين الذهب بدلاً من الإنسان، تحبين الخاتم بدلاً من العريس؟ إن كان فيكم هذا الفكر أن تحبوا الخاتم بدلاً من العريس، وتودون أن لا تروا وجه العريس، فهو إذاً قد أعطاكم مهر إرتباط لهذا السبب: أن يكسب لا تعهدكم بل كرهكم. لكن العريس بالطبع يعطي المهر لكي يصير به محبوباً. هكذا أعطاكم الله كل هذه الأشياء. أحبوا من صنع كل هذا. وهو يود أن يعطيكم أكثر، يود أن يعطيكم ذاته. لكن لو أحببتم هذه الأشياء التي خلقها الله وأهملتم الخالق وأحببتم العالم، ألا تعتبر محبتكم هذه زنى. كلمة "العالم" تطلق ليس فقط على هذه الخليقة التي صنعها الله، السموات والأرض والبحر، الأشياء المنظورة وغير المنظورة، ولكن سكان العالم أيضاً نسميهم "العالم"، تماماً مثلما نطلق لفظ "البيت" على الجدران وأيضاً على الذين يسكنون داخلها. وأحياناً نمدح البيت وننتقد الساكنين فيه، فنقول: "أنه بيت جميل لأنه مُزين ومزخرف بشكل جميل"، وأحياناً نقول أنه بيت جميل ونقصد أنه لا يوجد داخله أي إنسان سيء الخلق أو منحرف. لا تصدر فيه أعمال الظلم أو السلب أو الاضطهاد، فنحن هنا لا نكرم أو نمدح المبنى، بل الذين يقطنون فيه، هكذا نطلق كلمة "بيت" على هذا وذاك. هكذا الذين يحبون العالم، بهذه المحبة يكونون ساكنين في العالم، بينما الذين تتعلق قلوبهم بالسماء يكونون ساكنين في السماء بينما أجسادهم تسير على الأرض، إذاً فمن يحبون العالم ندعوهم "العالم". هؤلاء تكون هذه الأشياء الثلاثة في حياتهم: شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة، لأنهم يشتهون أن يأكلوا ويشربوا ويتزوجوا ويتمتعوا بهذه اللذات. ألا توجد حدود معينة مسموح بها في التعامل مع هذه الأشياء؟ وعندما يقول لا تحبوا هذه الأشياء، فهل يقصد أن لا نأكل أو نشرب أو ننجب الأولاد؟ هذا المعنى غير مقصود هنا. ولكن كل شيء بمقدار، كما وضع لنا الخالق، بحيث لا تُحبوا للاستمتاع ما يجب أن تحبوه للإستخدام، حتى لا تقيدكم هذه الأشياء بمحبتكم لها. لنفترض أنه ليس لنا المال الضروري لكي نعيش، لكي نأكل ونشرب. ماذا تفعلون إذا كان لا يمكن أن تحصلوا على هذه الأشياء إلا عن طريق الخطية؟ أليس من الأفضل أن تعطوا محبتكم لذلك الذي لا يمكن أن تفقدوه بدلاً من أن تفقدوا حياتكم بالخطية؟ ترون مكسب الذهب لكن لا ترون ضياع الإيمان. هذا هو ما قال عنه الرسول أنه "شهوة الجسد"، الشهوة وراء هذه الأشياء التي تنتمي للجسد مثل الطعام والجنس وكل الأمور التي تشابه ذلك. "وشهوة العيون"، يدعو كل فضول بشهوة العيون. ما أوسع نطاق حب الفضول! فهي تظهر في المسارح والمعارض، في طقوس الشيطان، وعند السحرة، وأعمال الشعوذة والدجل، أنه الفضول وشهوة العيون. هذه الأمور أحياناً تُحارب حتى خدام الله، فيتمنوا أن يصنعوا المعجزات ليجربوا الله هل يسمع صلواتهم لصنع المعجزات. أنه الفضول. هذا هو شهوة العيون. "ليس من الآب". إذا أعطى الله لك القدرة على صنع المعجزة فلتتمها لأنه أراد ذلك. عندما فرح الرسل أن الشياطين تخضع لهم، قال لهم الرب: "لا تفرحوا بهذا أن الأرواح تخضع لكم، ولكن أفرحوا بالحري أن أسماءكم كتبت في السموات" (لو 10). بهذا يجب أن يفرح التلاميذ، وأن تفرحوا أنتم أيضاً. الويل لكم إن لم تكن اسماءكم مكتوبة في السموات. هل أقول الويل لكم إن لم تقيموا موتى؟! هل أقول الويل لكم إن تمشوا على الماء؟! هل أقول الويل لكم إن لم تخرجوا شياطين؟! إن أُعطيت لكم الموهبة استخدموها باتضاع لا بإفتخار. لأن - كما قال الرب - الأنبياء الكذبة أيضاً "يصنعون آيات وعجائب" (مت 24). ليتنا نتخلى عن طموحات هذا الدهر الزائل، لأن طموحات هذا الدهر هي العظمة والافتخار. إذ يريد الشخص أن يتفاخر ويتباهى بذاته، فيظن ذاته عظيماً بسبب بعض الغنى أو بعض القوة. هذه هي الأمور الثلاثة، ولا يوجد شيء يختبر الجشع البشري غير هذه الأمور: شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة. وهذه الثلاثة تعرض لها الرب حينما جربه الشيطان. تعرض الرب للتجربة بشهوة الجسد حين قيل له: "إن كنت ابن الله فقل أن تصير الحجارة خبزاً"، حين جاع بعد صوم طويل. لكن كيف صدَّ الرب المُجرب وعلَّم جنوده فنون الحرب؟ لاحظوا ماذا قال له: "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله". وتعرض أيضاً لتجربة شهوة العيون بشأن معجزة، حين قال له: "اطرح نفسك إلى أسفل لأنه مكتوب أنه يرسل ملائكته ليحملونك على أيديهم لئلا تصدم بحجر رجلك". وقد قاوم الرب المجرب ولم يصنع المعجزة، لأنه لو صنعها لكان يبدو أنه اذعن للشيطان أو صنعها كنوع من لفت النظر. لأنه يصنع المعجزة كإله وقتما يريد، لكي يشفي الضعفاء. لأنه لو كان قد صنع المعجزة هنا لكان يُظن أنه يريد فقط عمل المعجزة، ولئلا نظن ذلك لاحظوا كيف أجاب حتى حين تتعرضون لتجربة مشابهة تجيبون بنفس الكلمات: "أذهب عني يا شيطان لأنه مكتوب لا تجرب الرب لهك"، أي أنني إذا فعلت ذلك أكون كمن يُجرِّب الله. لقد قال ما يريد أن تقولوه أنتم. قد يجربكم العدو قائلاً: "أي نوع من الرجال أنت؟ أي نوع من المسيحين أنت؟ هل صنعت حتى الآن ولو معجزة واحدة؟ هل قام أحد من الأموات بصلواتك؟ هل شفيت أحد المرضى؟ إذا كنت شخص على قدر ما من الأهمية يجب أن تصنع بعض المعجزات". عليك أن تجاوبه قائلاً: "مكتوب لا تجرب الرب إلهك"، لذلك سوف لا أجرب الرب إلهي، كما لو أنني أكون فقط من خاصته حينما أصنع المعجزات، وإن لم أصنع معجزة لا أكون من خاصته. فما معنى كلماته: "أفرحوا إن اسماءكم كتبت في السموات" وكيف تجرب الرب بتعظم المعيشة؟ حين أخذه ابليس إلى مكان عال وقال له: "أعطيك كل هذه إن خررت وسجدت لي". من قمة المملكة الأرضية، أراد الشيطان أن يجرب ملك الدهور، ولكن الرب خالق السموات والأرض سحق الشيطان تحت أقدامه. ما هي الفائدة التي عادت علينا من نصرة الرب على الشيطان؟ لقد أراد بإجابته أن يعلمنا أن نجاوبه قائلين: "مكتوب للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد". إذا تمسكت بهذا، لن تبق فيك شهوة جامحة نحو العالم. وبالتالي لن تُستعبد لشهوة الجسد أو شهوة العيون أو تعظم المعيشة. وسوف تفسح مكاناً لمحبة الله. لأنه إذا وجدت محبة العالم، لن توجد محبة الله. تمسَّك بشدة بمحبة الله، وكما أن الله أبدي تمكث أنت أيضاً في الأبدية. لأن كل إنسان يكون مثل محبة قلبه. هل تحب التراب؟ سوف تكون تراباً. هل تحب الله؟ ماذا أقول؟ هل تكون إلهاً؟ لا أتجرأ أن أقول ذلك من عندي. بل لنسمع قول الكتاب: "أنا قلت أنكم آلهة وبنو العلي كلكم" (مز 82). لذلك، إذا كنتم تريدون أن تكونوا آلهة وبنو العلي، لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم. إن أحب أحد العالم فليست فيه محبة الآب. لأن كل ما في العالم شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة، ليس من الآب بل من العالم (أي من الناس الذين يحبون العالم). والعالم يمضي وشهوته أما من يصنع إرادة الله فيثبت إلى الأبد". |
17 - 01 - 2015, 11:38 AM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: لا تحبوا العالم _ القديس أغسطينوس
شكرا يا سوسو
لا تحبوا العالم _ القديس |
||||
|