رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
من هو الله ومن هو الإنسان الَّذِينَ يَعْرِفُونَ إِلَهَهُمْ (دا 11: 32) لا يوجد كتاب أعطانا المعرفة الحقيقية عن الله الحي الحقيقي إلا الكتاب المقدس، وحي الله الفريد، الذي يحكي لنا عن أمرين هما: من هو الله؟ ومن هو الإنسان؟ والله سُرَّ أن يعلن عن ذاته في العهد القديم، وإن لم يكن إعلانًا كاملاً عن كل صفاته. فقد كان الله يسكن - بحسب تعبير الملك سليمان - في الضباب (1مل8: 12)، وبحسب قول إشعياء: «حَقًّا أَنْتَ إِلَهٌ مُحْتَجِبٌ يَا إِلَهَ إِسْرَائِيلَ الْمُخَلِّصَ» (إش45: 15). وبرغم الإعلان الجزئي عن ذاته وعن صفاته في العهد القديم، لكنه كان إعلانًا صحيحًا عن ذات الله. وعندما جاء الرب يسوع، أعلن لنا - في شخصه وفي أعماله - مَنْ هو الله، وكما قال الكتاب: «اَللَّهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلاِبْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ» (يو1: 18). وكم نشكر الله لأجل الإعلان الكامل الواضح عن الذات الإلهية، فلا يمكن أن نُسَرّ بعلاقة أو شركة مع إله مجهول. كما عبر أحد الأفاضل: “إن الإله المجهول لا يمكن أن يُعبَد أو يُخدَم أو يُكرَم أو حتى نثق فيه”. والكتاب المقدس مليء بأمثله تَقَويّه عن قديسين عاشوا مع الله عن قرب، وعرفوا من هو إلههم. وهذه المعرفة لم تكن معرفه عن الله فقط، بل هي معرفة الله، هي معرفة عملية اختبارية، كما قال دانيآل «أَمَّا الشَّعْبُ الَّذِينَ يَعْرِفُونَ إِلَهَهُمْ فَيَقْوُونَ وَيَعْمَلُونَ» (دا11: 32). وكم تنطبق هذه الآية على دانيآل نفسه، الذي عرف إلهه معرفة عملية، وعلى الكثيرين من القديسين والأفاضل في كل الكتاب. ومن الأمثلة المُشرِّفة لشخص عرف من هو إلهه موسى رجل الله، الذي قال عنه الكتاب «عَرَّفَ مُوسَى طُرُقَهُ» (مز103: 7). والمقصود بالمعرفة العملية هي الإدراك الواعي لمَنْ هو الله الذي نتعامل معه؛ مَنْ هو في ذاته، وفي صفاته، وفي طرقه، كما أعلنها الكتاب المقدس. وهذه المعرفة الاختبارية والتي تأتي عن طريق القرب الخاص من الله والعشرة معه، هي التي طبعت طابعها على أولئك الأتقياء فقادتهم إلى حياة القوة والعمل «أَمَّا الشَّعْبُ الَّذِينَ يَعْرِفُونَ إِلَهَهُمْ فَيَقْوُونَ وَيَعْمَلُونَ»، وقادتهم إلى حياة الثقة والاتكال «وَيَتَّكِلُ عَلَيْكَ الْعَارِفُونَ اسْمَكَ، لأَنَّكَ لَمْ تَتْرُكْ طَالِبِيكَ يَا رَبُّ» (مز9: 10)، وقادتهم إلى الالتجاء إلى الرب ساعة الأزمات والمخاطر «لأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِي أُنَجِّيهِ. أُرَفِّعُهُ لأَنَّهُ عَرَفَ اسْمِي. يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبُ لَهُ. مَعَهُ أَنَا فِي الضِّيقِ. أُنْقِذُهُ وَأُمَجِّدُهُ» (مز91: 14، 15). فقد قال الحكيم: «اِسْمُ الرَّبِّ بُرْجٌ حَصِينٌ، يَرْكُضُ إِلَيْهِ الصِّدِّيقُ وَيَتَمَنَّعُ» (أم18: 10)، وهذا ما جعل الملك حزقيال يسرع إلى هذا الاسم ويقول لله: «يَا رَبَّ الْجُنُودِ، إِلَهَ إِسْرَائِيلَ الْجَالِسَ فَوْقَ الْكَرُوبِيمِ، أَنْتَ هُوَ الإِلَهُ وَحْدَكَ لِكُلِّ مَمَالِكِ الأَرْضِ. أَنْتَ صَنَعْتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ» (إش37: 16)، بل وجَعلت إيليا يقول بثقة: «حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ الَّذِي وَقَفْتُ أَمَامَهُ، إِنَّهُ لاَ يَكُونُ طَلٌّ وَلاَ مَطَرٌ فِي هَذِهِ السِّنِينَ إِلاَّ عِنْدَ قَوْلِي» (1مل 17: 1). وكم كان يحلو لأولئك القديسين أن يخاطبوا الرب بالقول «إِلَهِي»، وهذه الكلمة تعبِّر عن العلاقة الخاصة والقرب والمعرفة الاختبارية، فقد قالها كالب في يومه (يش14: 8)، وتغنى بها داود «مُرَنِّمِ إِسْرَائِيلَ الْحُلْوِ» (مز63: 1)، وهتف بها دانيآل بصوت عالٍ أمام الملك داريوس (دا6: 22)، وطمأن بها بولس قلوب الخائفين معه في السفينة حينما قال: «لأَنَّهُ وَقَفَ بِي هَذِهِ اللَّيْلَةَ مَلاَكُ الإِلَهِ الَّذِي أَنَا لَهُ وَالَّذِي أَعْبُدُهُ ... لِذَلِكَ سُرُّوا أَيُّهَا الرِّجَالُ، لأَنِّي أُومِنُ بِاللَّهِ أَنَّهُ يَكُونُ هَكَذَا كَمَا قِيلَ لِي» (أع27: 23-25). كم يفرح قلب إلهنا ويُسرّ عندما يرى أتقياء «يَعْرِفُونَ إِلَهَهُمْ»، لأنه «هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ: لاَ يَفْتَخِرَنَّ الْحَكِيمُ بِحِكْمَتِهِ، وَلاَ يَفْتَخِرِ الْجَبَّارُ بِجَبَرُوتِهِ، وَلاَ يَفْتَخِرِ الْغَنِيُّ بِغِنَاهُ. بَلْ بِهَذَا لِيَفْتَخِرَنَّ الْمُفْتَخِرُ: بِأَنَّهُ يَفْهَمُ وَيَعْرِفُنِي أَنِّي أَنَا الرَّبُّ الصَّانِعُ رَحْمَةً وَقَضَاءً وَعَدْلاً فِي الأَرْضِ، لأَنِّي بِهَذِهِ أُسَرُّ (بهذه المعرفة العملية)، يَقُولُ الرَّبُّ» (إر9: 23، 24). ولكي نتمتع بهذه المعرفة الخاصة عن الله علينا أن نلتصق يوميًا بكلمة الله، لأن من يجهل الكتاب المقدس هو بكل تأكيد يجهل إله الكتاب المقدس. قال الحكيم «إِنْ طَلَبْتَهَا كَالْفِضَّةِ، وَبَحَثْتَ عَنْهَا كَالْكُنُوزِ، فَحِينَئِذٍ تَفْهَمُ مَخَافَةَ الرَّبِّ، وَتَجِدُ مَعْرِفَةَ اللَّهِ» (أم2: 4، 5). أيها الأحباء: إننا نشتاق إلى التعرف على اسم الرب بصورة خاصة بأن نعرف صفاته وطبيعته، فنحب ما يحب، ونكره ما يكرهه الرب. وهذا الأمر يتطلب منا الخضوع والطاعة واتباع وصايا الرب وأحكامه، كما قال الكتاب «لِنَعْرِفْ فَلْنَتَتَبَّعْ لِنَعْرِفَ الرَّبَّ»، أو كما جاءت في ترجمة داربي “سنعرف، سنتتبع لنعرف الرب” (هو6: 3). فعلينا أن نتتبع كل ما أعلنه الله عن ذاته في كلمته فنتعلم دروسًا عن شخصه وصفاته من خلال سَرد أحداث وقصص وشخصيات الكتاب، وسياسته مع شعبه القديم ومع الأمم والممالك والإمبراطوريات، فنتعلم دروسًا نافعة عن شخصه، في لطفه وصدقه وقداسته وسلطانه وحكمته السرمدية ومواقيته الدقيقة التي لا تخطئ. ومن خلال العلاقة اليومية مع الرب سننمو في معرفة الله (كو1: 10)، وهذه المعرفة تجعلنا نخاف اسمه ونوقّره كما قال الرب عن لاوي «فَاتَّقَانِي، وَمِنِ اسْمِي ارْتَاعَ هُوَ» (ملا 2: 5)، ونكون مِنْ أولئك الذين يتقون اسم الرب (ملا 4: 3)، بل وأيضًا مِنْ «الْمُفَكِّرِينَ فِي اسْمِهِ» (ملا 3: 16)، ونحب اسمه الكريم (مز69: 36). ومما لا شك فيه أن هذا الأمر سينعكس حتمًا على حياتنا العملية، فنسير في هذا العالم ونحن نعلم اختباريًا من هو الله الذي نعبده، فنختبر كل يوم شيئًا جديدًا عن صلاحه، فنطمئن له ولا نجزع مما تحمله الأيام لنا، وندرك أنه مصدر للخير والصلاح، ولا يفكر من جهتنا إلا كل أفكار الخير والسلام (إر29: 11). ونعيش ونحن واثقون في حكمته التي لا تُخطئ، فهو الإله الحكيم وحده، وفي أمانته التي تجعله لا يغير ما خرج من شفتيه (مز89: 34)، وفي رحمته التي هي لا تزول والمحيطة بنا (مز32: 1؛ مرا3: 23). ونتمتع بثبات محبته في عالم لا يعرف شيئًا عن الثبات والاستقرار. ونراه في نعمته كإله كل نعمه. وفي كل أمور حياتنا - عندما يسمح لنا بصعاب وضيقات - نراه كالإله القدير الذي لا يعسر عليه أمر، والإله كلي السلطان الذي يسيطر على كل الأحداث والأشخاص والظروف، ليُجبرها أن تعمل معًا لخير قديسيه (رو8: 28). ونعيش أمامه كالإله القدوس الذي يكره الشر والنجاسة فنُكمِّل القداسة في خوف الله، ونكون في مخافته اليوم كله. ونحيا بالاستقامة أمامه لأنه بار ويحب الاستقامة (1أخ29: 17)، ويحكم بغير محاباة فنعيش زمان غربتنا بخوف «لأَنَّ الرَّبَّ يَفْحَصُ جَمِيعَ الْقُلُوبِ، وَيَفْهَمُ كُلَّ تَصَوُّرَاتِ الأَفْكَارِ» (1اخ 28: 9)، وهو الذي «يَعْرِفُ خَفِيَّاتِ الْقَلْبِ؟» (مز44: 21). ما أروع المسيحية في إعلانها الكامل الواضح عن شخص الله، وما أحلى هذا الإله الذي أعلنه لنا الكتاب المقدس، الذي تحلو لنا العشرة معه، والتلذذ به، والقرب منه، فهو جدير بأن نعبده ونُجِلّه ونطمئن له. امنحنا يا إلهنا أن نقترب منك يومًا فيومًا، فنعرفك أكثر وأكثر، وننمو كل يوم في معرفتك، فما أحلى حياة تقضي بقربك والتلذذ بذاتك وسجاياك. |
|