رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
بطرس الذي مجد المسيح وإن كنا لا نتفق مع بعض من يعتقدون في شفاعة بطرس أو أي قديس آخر، إذ أن الشفيع الوحيد هو الرب يسوع المسيح، لكننا لا نستطيع أن نغفل البتة أن هذا الرسول مجد سيده تمجيدًا عظيمًا ولعنا نتابع ذلك في أكثر من وضع : مجد الاعتراف وهو الاعتراف العظيم الذي اعترف فيه بطرس بلاهوت المسيح، وبشخصيته العجيبة المنقطعة النظير، وقد يكون من المناسب أن نتحدث عن مكان الاعتراف، ونعني به قيصرية فيلبس الواقعة على بعد خمسة وعشرين ميلاً إلى الشمال الشرقي من بحر الجليل، وكانت المدينة قبلاً تدعى بايناس على اسم إله الرعاة عند اليونانيين، ومن المثير أن هيرودس الأكبر الذي بنى هيكل الله في أورشليم، هو الذي بنى في تلك المدينة هيكلاً من الرخام الأبيض لعبادة قيصر، وجاء ابنه فيلبس ليوسع المدينة ويجمل الهيكل، ويطلق عليها قيصرية فيلبس تيمنًا باسم القيصر، ولتمييزها عن مدينة قيصرية القائمة على ساحل البحر الأبيض المتوسط، عند هذا المكان، والوثنية تطل بوجهيها التقليديين، الوجه اليوناني في «بان» إله الرعاة، والوجه الروماني في عبادة قيصر، وفي أربعة عشر هيكلاً وثنيًا كانت منتشرة هنا وهناك، وعلى الخط الفاصل بين الوثنية في قوتها وحماقتها، واليهودية التي توشك شمسها على الأفول ألقى المسيح سؤاله العجيب الخالد : «من يقول الناس إني أنا» وقد أوقف السؤال التلاميذ أمام أعمق تأمل يمكن أن يواجهوه، وعليه تبني المسيحية بأكملها، إلى كل الأجيال، وهنا يأتي اعتراف بطرس عجيبًا ومثيرًا وملهبًا لكل المشاعر. وقد صعد بطرس بهذا الاعتراف إلى ما وراء العقل البشري الذي لا يمكن مهما أوتى من حكمة أو إدراك أن يبلغ كنه المسيح العجيب. قال السيد إنه لا يمكن أن يكون من دم ولحم، أو بمعنى آخر نتاج فكر إنسان، بحكمته البشرية، أو فلسفته العميقة، ففلاسفة الدنيا كلها لا يستطيعون إلا أن يتخبطوا في مفهوم الشخص العجيب. وقد بدا هذا من أقوالهم، فالمسيح إما هو يوحنا المعمدان على حد ما اتجه هيرودس الملك الذي قتله، أو هو واحد من أعظم الأنبياء القدامي كإيليا الذي يعدونه زعيم الأنبياء، وينتظر اليهود إلى اليوم عودته من السماء، أو إرميا وكان الشبه عظيمًا بين نبي الأحزان والمسيح المتألم، أو أنه واحد من أعظم أنبياد العهد القديم يعود مرة أخرى إلى الحياة، كما كان شائعًا عند اليهود!! لم يخط أحد خطوة أخرى وراء هذا، لكن بطرس خطا الخطوة المذهلة، إذ لمع أمام عينيه الإعلان الإلهي البعيد العميق الغائر في بطن الأزل، وصاح «أنت هو المسيح ابن الله الحي» (مت 16 : 16). ومن اللازم أن نشير إلى أن هذا ليس مجرد حديث عن المسيا، فقد قال نثنائيل من قبل عن السيد : «أنت ابن الله أنت ملك إسرائيل» لكن إعلان الله لبطرس كان أول وأعظم ومضة من النور عن شخص ابن الله العجيب، وكان أشبه بالشعاع الأول من نور الشمس، وهي تأخذ سبيلها إلى الشروق لتخرج الإنسان من الظلام إلى نور النهار الباهر!! لقد رأى بطرس النور واستقبله بالفرح العميق، وتوالت بعد ذلك الأشعة الساطعة حتى جاء بولس ليقول : «عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد» وما من شك في أن بطرس بلغالقمة هناك، وكانت كلماته هتاف المسيحي في كل العصور والأجيال، وتحيته للسيد الذي جاء ليقوض الوثنية وليخرج باليهودية من منعطفها الصغير المحدود إلى رحاب الأمم في مواكب التاريخ، ومرة أخرى يعود الصراع بين الفكر الكاثوليكي والبروتستانتي حول تطويب المسيح لبطرس، فإذا ذكرنا أن المسيح استعمل لفظ بطرس «بتروس» ولكنه استعمل لفظًا آخر وهو «بترا» والفرق بين اللفظين واضح، قال المسيح : «أنت بطرس Petros ويعني حجرًا أو قطعة صغيرة من الصخرة، وقد جاء في الياذة هوميرس عندما رمى أجاكس حجرًا على هيكتور، أما بترا فمعناها صخرة كما جاءت في الأوديسة Petra وقيل إن بوليفيموس جعلها على باب مغارته، وكانت من الفخامة بحيث أن اثنتين وعشرين عربة كما تقول الأساطير، لم تستطع تحريكها.. وقد قال القديس أوغسطينوس إن الصخرة تشير إلى المسيح وكأنما يقول لبطرس : «أنت بطرس وعلى أنا باعتباري الصخرة سأبني كنيستي وسيأتي اليوم الذي تكون فيه عظيمًا في هذه الكنيسة مكافأة لإيمانك» ومن هنا فإن الفكر البروتستانتي يعتقد أن لاهوت المسيح وإيمان بطرس به هو الصخرة التي تبني عليها الكنيسة فالله هو الصخر الوحيد : «هو الصخر الكامل صنيعه» (تث 32 : 4).. «لأنه ليس كصخرنا صخرهم» (تث 32 : 31).. «وليس صخرة مثل إلهنا» (1صم 2 : 2).. إن بطرس يمكن أن يكون حجرًا في هذه الكنيسة، ولكنه لا يمكن أن يسلب مركز الله فيها : «فإنه لا يستطيع أحد أن يضع أساسًا آخر غير الذي هو يسوع المسيح» (1كو 3 : 11).. وعندما قال المسيح لبطرس : «وأعطيك مفاتيح ملكوت السموات. فكل ما تربطه على الأرض يكون مربوطًا في السموات، وكل ما تحله على الأرض يكون محلولاً في السموات (مت 16 : 19).. قال نفس الشيء للكنيسة كلها : «الحق أقول لكم كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطًا في السماء، وكل ما تحلونه على الأرض يكون محلولاً في السماء» (مت 18 : 18) ولم يكن «الحل» و«الربط» جديدًا على أذهان التلاميذ إذ كان تعبيرًا شائعًا في حكم الكاهن على النجس والطاهر عندما يتقدم إليه الأبرص مثلا ليحكم بطهارته أو نجاسته، وهو ما تحكم به الكنيسة المسيحية في الخطأ والصواب، كما حكمت في مجمعأورشليم فرفعت نير الناموس الطقسي عن أعناق المؤمنين، والامتناع فقط «عما ذبح للأوثان وعن الدم والمخنوق والزنا» (أع 15 : 29).. وهو ما يحكم به في القبول في عضوية الكنيسة أو منعها بالنسبة للمؤمن أو غير المؤمن، والتائب وغير التائب.. أو في لغة أخرى إنه حكم تقرير،وليس حكم إنشاء، فالكاهن قديمًا لم يكن حرًا ليحكم في ضربة البرص كما يشاء، بل هو مأمور بأن يفحص الضربة ليراها تنتشر أو تأخذ في الشفاء إذ هي لسعة كمدت وليست برصًا،. . وخادم الله لهذا ليس حرًا في أن يفتح السماء أو يقفلها في وجه الإنسان، بل هو مأمور أن يطبق قاعدة الإنجيل على كل ما يرى، ويحكم إذا كان متمشيًا مع الحق الإلهي أو مناقضًا له!! ومن المؤسف أن تفسير الكنيسة الذي عاش فترة طويلة خاطئًا بلغ من البشاعة حتى إنه حرق أعظم القديسين أمثال سافونا رولا وجون هس وردلي ولايثمار، وترك الخطاة والأثمة والملوثين ليكونوا القضاة الحاكمين! على أي حال لقد مجد بطرس السيد باعترافه العظيم بلاهوت المسيح، وكان بوقًا ومتحدثًا باسم التلاميذ والكنيسة جميعًا في كل التاريخ!! مجد العطاء وقد أدرك بطرس أن المسيحية قبل وبعد كل شيء مانحة باذلة معطية إذ تدرك كلمة سيدها المبارك القائل : «مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ» (أع 22 : 35)، ومع أن بطرس كان لا يملك حسب الظاهر ما يمكن أن يعطيه أو يقدمه، لكنه كمسيحي أدرك أنه يستطيع أن يقدم ما يعجز عنه الآخرون، وهل رأيت حديثه مع الشحاذ الأعرج المقعد عند باب الجميل : «فتفرس فيه بطرس مع يوحنا وقال انظر إلينا، فلاحظهما منتظرًا أن يأخذ منهما شيء» (أع 3 : 4).. لقد رأى بطرس في المشلول المحتاج العالم كله على أبواب خدمته، وهو ينتظر شيئًا. وقد قدم له الشيء الذي لا يملكه آخر، وهو أعظم شيء يمكن أن يقدم للإنسان البائس على الأرض : «فقال بطرس ليس لي فضة ولا ذهب ولكن الذي لي فإياه أعطيك. باسم يسوع المسيح الناصري قم وأمش. وأمسكه بيده اليمنى وأقامه ففي الحال تشددت رجلاه وكعباه، فوثب ووقف وصار يمشي ودخل معهما الهيكل وهو يمشي ويطفر ويسبح الله» .. (أع 3 : 6-8) لست أعلم من هو الراهب الذي سار مع أحد الباباوات، وكان يريه كنوز الكنيسة العظيمة، وقال البابا : لقد مضى العهد الذي قال فيه بطرس : «ليس لي فضة ولا ذهب»!!.. وقال الراهب على الفور قد تملكون الفضة والذهب، ولكنكم لا تستطيعون أن تقولوا للمقعد : «ولكن الذي لي فإياه أعطيك : باسم يسوع المسيح الناصري قم وأمش» كان اسم المسيح عند بطرس أعظم وأجل وأمجد من كل كنوز العالم، ... وقد قدمه للرجل المريض فشفاه، وأعطاه الرجاء في حياة حرة كريمة نافعة مناضلة متحركة... وأعطاه أكثر من ذلك إيمانًا قويًا بسر الحياة في الاسم العجيب المبارك اسم المسيح!! مجد الكرازة لقد أدرك من الدقيقة التيترك فيها شباكه القديمة، أنه أصبح صيادًا من نوع آخر، صيادًا لنفوس الناس ليسوع المسيح، كان رجلاً لا يتعب في استخدام الشبكة، ولكنه أدرك بأن شبكته مرتبطة بكلمة المسيح، لقد تعب ذات مساء الليل كله، ولكن المسيح أمره على غير المألوف أن يلقي الشبكة على الجانب الأيمن، وأطاع، وصرخ مذهولاً - بعد الطاعة - بما يتجاوز فكره وخاطره وهو يقول : «اخرج من سفينتي يارب لأني رجل خاطيء» (لو 5 : 8).. وما أكثر ما نطق في حضرة المسيح بما لا يعي من فرط ذهوله واندهاشه، ولم يخرج المسيح من سفينة حياته قط، بل سار بها في بحر العالم يـرفع علم الصليب فوقها، لأن «لـيس بأحد غيره الخلاص» (أع 4 : 12).. وكان وفير المحصول، حصد يوم الخمسين مابدا مذهلاً أمامه، إذ كان فوق كل تصور وخيال، لقد كانت الباكورة ثلاث آلاف نفس في يوم واحد، وهو شيء يبدو مهولاً وعجيبًا، إذ أن أي راع لو كسب ثلاثين عضوًا كل عام في كنيسته، بذلك يعتبر نفسه ناجحًا، فإنه في حاجة إلى مائة عام ليصل إلى ما وصل إليه بطرس في يوم واحد!! ولكنه روح الله في قدرته الكاملة والذي يستطيع أن يحقق في يوم واحد. مالا يمكن تحقيقه في مائة عام في مكان واحد، أو كما قال هو في رسالته الثانية : «ولكن لا يخف عليكم هذا الشيء الواحد أيها الأحباء أن يومًا واحدًا عند الرب كألف سنة وألف سنة كيوم واحد» (2 بط 3 : 8). مجد الشهادة يعد نيومولر من أعظم القادة المسيحين في العصر الحاضر، ولقد تحدى هذا الرجل الجستابو والنازي، وعندما ضيق هتلر الخناق على الكنيسة، كان هو أشجعمن وقف في وجهه، ولقد زج به في السجن بعد عظة كان عنوانها : «الله فو هرري» إذ كان الناس قد جعلوا من الفوهرر هتلر سيدهم وإلههم، والكنيسة المسيحية منذ تاريخها الأول تذخر بالشجعان الأبطال الذين لا يخيفهم سجن أو اضطهاد أو تعذيب بل يقولون مع بطرس ويوحنا : «لأننا نحن لا يمكننا أن لا نتكلم بما رأينا وسمعنا» (أع 4 : 20).. «فأجاب بطرس والرسل وقالوا ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس، إله آبائنا أقام يسوع الذي أنتم قتلتموه معلقين إياه على خشبة هذا رفعه الله بيمينه رئيسًا ومخلصًا ليعطي إسرائيل التوبة وغفران الخطايا. ونحن شهود له بهذه الأمور والروح القدس أيضًا الذي أعطاه الله للذين يطيعونه» (أع 5 : 29-32).. ومع أننا لا نعلم بالضبط الأماكن التي تنقل فيها بطرس كارزًا وشاهدًا ليسوع المسيح، ولكن من الواضح أنه وعظ في أورشليم وأنطاكية، ومن المتصور أنه ذهب إلى كورنثوس حيث كانت هناك جماعة ترتبط به وتتعصب لشخصه عندما انقسمت الكنيسة إلى جماعات وأحزاب، ومن المعتقد أيضًا أنه ذهب إلى روما، والكنيسة الكاثوليكية تعتقد أنه أول أسقف لروما، ولكن الفكر البروتستانتي لا يشاطرها هذا الرأي إذ أن بولس كان تواقًا إلى الذهاب إلى رومية، وكان من عادة بولس الأكيدة أنه لا يعمل على أساس آخر، ومن غير المتصور أن يذهب بولس إلى كنيسة يؤسسها بطرس، ويعيش خادمًا لها حسب الإتجاه الكاثوليكي وتقليده، بل إن الكثيرين يعتقدون أن هذه الكنيسة لم ينشئها رسول أو تلميذ من تلاميذ المسيح الأثنى عشر، بل أنشأها المضطهدون الذي تشتتوا ليجولو مبشرين بالكلمة، وكان عدد كبير منهم يقصد روما، والآخذون بهذا الفكر يرجحون أن بطرس ذهب إلى روما لمدة قصيرة، ويقول القديس مكاريوس إن بطرس صلب في روما بعد أن زارها لمدة شهور لتفقد المسيحيين هناك، وكان ذلك إبان اضطهاد نيرون القاسي الشديد، وقد قيل إن زوجة بطرس استشهدت قبله، وإنه شجعها على الموت من أجل المسيح، كما قيل أيضًا إن المسيحيين شجعوه على الابتعاد عن روما، وإنه أخذ سبيله ذات مساء إلى طريق ابيان الشهير، وظل سائرًا الليل كله، ولكنه في الصباح الباكر، عند شروق الشمس، أبصر شخصًا مهيبًا أمام عينيه، وإذ عرف أنه المسيح صاح : «كوفادس (إلى أين) يا سيد» وجاءه الجواب : «إن لي تلميذًا كان هناك ثم هرب!! وأنا ذاهب لأخذ مكانه، وأصلب مرة ثانية نيابة عنه» وصرخ بطرس : «لا ياسيد أنا عائد».. وعاد ليموت مصلوبًا، وعندما أرادوا أن يصلبوه قال إنه شرف لا أستحقه أنأموت مصلوبًا مثل سيدي، ولكني أرجو أن أصلب وقدماي إلى أعلى ورأسي إلى أسفل، لأني أضأل من أن أكون كسيدي!! ونظر إلى روما وهو يقول : «عما قريب تتحولين أيتها الهياكل الوثنية المتعالية إلى معابد للمسيح» وقال للجماهير المحتشدين : «إن أولادكم سيكونون خدامًا للمسيح.. ها نحن نموت يا روما من أجل أن تخلصي، ويسيطر عليك روح المسيح!! ولسوف يجيء قياصرة ويذهبون ولكن مملكة المسيح ستظل ثابتة صامدة على مدى الأجيال!» وذهب الشاهد ليكون واحدًا من الشهداء الخالدين على مر الأزمان وتوالى الحقب والقرون في كل التاريخ!! |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
بطرس هو الذي أخذ إعلانًا من الآب أن المسيح هو ابن الله الحي |
الايمان بألوهة المسيح الذي اعترف به بطرس |
ثم ما الذي عمله المسيح ليشفي حماة بطرس؟ |
بطرس الذي صنعه المسيح |
بطرس الذي اكتشفه المسيح |