رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الطفل بين والديه فى السنوات الخمس الأولى
يكتسب الحديث عن هذا الموضوع أهمية خاصة نظراً لأن شخصية الطفل تتكون فى هذه السنوات (أو بمعنى أدق: 80 % من شخصيته وميوله واتجاهاته) لا سيما وأن الكثير من الأمهات والآباء لم يؤهلوا تربوياً لكيفية التعامل مع أولادهم فى تلك السنوات الحرجة، يغمرونهم بالحب والتدليل أحياناً بالتأديب والتأنيب القاسى أحياناً اخرى.. ولا شك أن تربية الطفل هى أهم وأخطر مسئولية، إذ يكون المولود مثل عجينة جاهزة للتشكيل، طيعة بين أيدى المسئولين عنها، ولذلك يقال أن البيئة هى القالب الذى ’يصبّ فيه الإنسان !. ويحتار الأب والأم، فإذا أغدقوا العطايا فقد يصبح الطفل مدللاً أو منحلاً، وإذا قصروا معه قد يصير محروماً، وإذا قسوا عليه - بحجة رغبتهم فى أن يصبح قوياً - يفقد ثقته فى نفسه، وإذا تركوه حراً دون مراقبة فقد ينحرف ولا يعتمد عليه مستقبلاً، وإذا تركوه يخرج كثيراً فقد يجمع ما لا يحبون من خبرات، وإذا أبقوه بينهم أكثر الوقت صار قزماً بلا خبرة حياتية، أما الجمع بين هذه المتناقضات والتنقل الحكيم بين هذه السياسات وتلك - بشكل مدروس - فهو أمر يحتاج إلى حكمة من الله .. لذلك يقول البسطاء فى موروثاتهم الشعبية "هذا من ربى" يقصدون أن النتائج الرائع لتربية أولادهم هي عطية من الله وليس حكمة بشرية. ولذلك يجب أن يصلي الآباء والأمهات كثيرا من أجل تربية أولادهم. الأطفال عطية من الله: يقول عنهم جبران خليل جبران ُمخاطباً أولياء أمورهم: أولادكم ليسو ملكاً لكم، هم عطية من الله .. وأنتم ليسوا إلا السهام التى انطلق بها أولادكم إلى الحياة. والطفل - لاهوتياً – يحمل صورة المسيح (وذلك عقب معموديته) وهو أمانة بين أيدينا "البنون ميراث من عند الرب" (مزمور 3:127 ) ولذلك فهم ليسوا – أى الأولاد - شيئاً يقولب ولكنهم كيان يحترم .. وليس من اللائق أو من العدل كذلك أن تشكل الأم طفلها حسبما تريد ليكون نسخة منها .. فقد تريده طبيباً لُينسب تفوقه لها فتكون "أم الدكتور" لا سيما فى القرى والمجتمعات البسيطة، أو ضابط شرطة لتعوض نقص ما عانته خلال سنواتها المبكرة .. أو ليكن مهندساً أسوة بإبن جارتها أو صديقتها أو قريبتها. بل على الأب والأم مساعدة الابن فى اكتشاف اتجاهاته وتشجيعة فى إضرامها، فمحبتهم له ليست أنانية بحيث يصبح هو أداة لإرضاء ذواتهم، بل محبة باذلة يضحون هم من خلالها لتحقيق أمانيه هو، وما تربيتهم له ونصحهم بل وعقابهم، إلاّ ليصبّ فى مصلحته هو أولاً، وإذا تفوّق وحقق آماله فإن فرحتهم هم، هي مشاركة له فى فرحه، فقد وضعوا كل امكانياتهم (الروحية والنفسية والمادية والجسدية) تحت تصرفه. متى تبدأ علاقة الوالدين بالإبن ؟ تبدأ علاقة الأم بطفلها منذ أن كان جنيناً، ويتاثر فى تلك الشهور بأمه بشكل كبير من حيث علاقتها به نفوراً أم اشتياقاً، هل انتظروه بشغف شديد أم جاء قبل الوقت الذى خططوا له أى جاء دون رغبة منهم، ويطلق على الطفل فى مثل هذه الحالة unwanted child "طفل غير مرغوب فيه" ويتأثر بحالة الأم النفسية والتى تتأثر بدورها بطبيعة علاقتها بزوجها لا سيما خلال تلك الشهور الأولى، ويكون للطعام والراحة والرياضة دوراً كبيراً فى حياة الجنين "وبعد تلك الأيام حبلت أليصابات .. وأخفت نفسها خمسة أشهر" (لوقا 24:1) كانت تلك الشهور بمثابة خلوة روحية، ومن ثم فإن علاقة الأم والأب بالكنيسة ومخدعهما وسلوكهما الروحى سيكون لها تأثيرا بلا شك على الجنين، وعندما نشير إلى شراكة الأب مع الأم فى هذا الأمر، فنحن لا نذكر ذلك كنوع من المجاملة للزوج أو عدم التجاهل، وانما من منطلق الحقيقة الكنسية والكتابية أن اثنيهما (الأب والأم) قد صارا واحداً من خلال سر الزيجة. مشاكل الولادة: بعد أن قضى الطفل تسعة أشهر فى مكان آمن يحصل فيه ببساطة وهدوء ودون أدنى مجهود على الغذاء والأكسجين، يخرج إلى الخارج حيث المكان مختلف، وسيحتاج إلى جهد لتحصيل ذلك، وحالما يخرج يصرخ ليس كما قال البعض بسبب أن كمية ضخمة من الأكسجين تدفقت إلى رئتيه واصطدمت بالأحبال الصوتيه فصرخ، وانما هناك ما يسمى بـ "صدمة الولادة" birth trauma أو الصدمة النفسية psycho trauma وهى ناتجة عن تمزق رباطات الطفل بالأم، ويحتاج إلى أيام لكى يستقر، ويؤكد علماء النفس أن صدمة الولادة تؤثر سلبياً على كل من الأم والطفل وتترك آثاراً لمدة طويلة .. وقد يتعرض الطفل لمشاكل صحية ناتجة عن تلف المخ لنقص الأوكسجين، أو الضغط الشديد على الجمجمة فى مرورها من عظام حوض الأم، أو الضغط بواسطة الآلات (مثل جفت الولادة وغيرها) .. ولا شك أن هناك فروقا بين ولادة سلسة واخرى متعثرة، من جهة تأثر شخصية الطفل واستقراره النفسى، لا سيما فى البداية. الإنسان أضعف الكائنات وأطولها طفولة: يولد الطفل وكأنه ولد قبل موعده .. فهو ما يزال فى احتياج إلى أمه جسدياً (ليرضع) ونفسياً (ليشعر بالدفء والأمان) وعصبياً (ليشعر بالإستقرار) إذاً فهو لا يعتمد على نفسه ولا يقوم بوظائفه البيلوجية بإرادته، ولا الحركة الإرادية الواعية فيعتمد على من حوله، ولا شك أن الذين يحصلون على احتياجاتهم ببساطة يكونون مستريحين سعداء، بعكس الآخرين .. هذا ويحتاج الرضيع إلى اسبوعين تقريباً حتى يستعيد توازنه ووزنه الذى فقد منه الكثير نتيجة الولادة، ولكن القلق الزائد والحماية المفرطة over protection قد تعوق نموه وتؤثر فى بنائه النفسى. ولكنه من مميزات طول فترة طفولته، مقارنة بالكائنات الأخرى – والتى تولد معتمدة على نفسها منذ البداية- أنها تجعل الرضيع الإنسانى يكتسب خبرات الأم حيث يسهم ذلك فى قيامه بدوره فى الحياة. ومن الأمور الهامة تلامس الأم مع طفلها عقب الولادة وذلك ليقظته الشديدة (مقابل نومه الكثير بعد ذلك) وكذلك تعامل الأب معه فى الساعات الأولى، حيث عدلت الكثير من المستشفيات فى موقفها تجاه ذلك، فلم تعد تحجز الطفل فى أماكن منفصلة بعيداً عن الأب. ونسمع عن الطبيب الذي اشتكى له العاملين بالمستشفى من طفل دائم البكاء دونما سبب واضح، وإذ الكتشف الطبيب أن الطفل محروم من الحنان كتب في الروشتة: نصف ساعة حنان ثلاث مرات يومياً وبعد عدة أيام هدأ واستقرت نفسه. ونقرأ في الكتاب المقدس أنه عندما قدم التلاميذ أطفالاً إلى السيد المسيح احتضنهم وباركهم.. مراحل نمو الانسان بشكل عام: يرى علماء التربية أن الإنسان يمر بثماني مراحل من حيث تأثرة وتأثيره، فإن كانت حياته تتسم بثلاثة مراحل في هذا الصدد وهى:- 1- الطفولة (مرحلة التلقي) 2-الشباب (مرحلة التفاعل) 3- النضج والاكتمال (مرحلة التأثير والاضافة) إذا: فهو متلقٍ ومتفاعل وفاعل... ولكن ومع شئ من التفصيل يمكن تقسيم حياته إلى المراحل الثمانية الآتية: 1- مرحلة المهد: وتسمى مرحلة الثقة، والمقصود بها السنتين الأوليتين في حياته، ونتيجة الرعاية الشديدة يثق في نفسه وفي الآخرين والعكس صحيح. 2- مرحلة الحضانة: وتسمى مرحلة الاستقلال، حيث خرج من الحضن والبيت واختلط مع الآخرين وعندما بدأ المشى أصبح كائنا له كيان مستقل ولم يعد "كمّاً موضوعاً على السرير"، فقد صار له قدمان، وأسنان ولسان وأيدي، يعبر بكل ذلك عن استقلاله. وتأتي أهمية هذه المرحلة في تكوين شخصية مستقلة يظهر استقلالها في الكبر، وإلا لصار تعلق الأولاد بأمهاتهم طفولياً حتي بعد الزواج !. 3- مرحلة ابتدائى: وتسمى "مرحلة الإنجاز" يتعلم فيها مبادئ العلوم ويحصل على درجات وتقدير، فإذا ُاحبط في هذه المرحلة يأتي معقداً والعكس صحيح. 4- مرحلة إعدادي: وهي مرحلة الايمان والتسليم والحفظ والبطولات... والمثل العليا. 5- مرحلة ثانوي: وهي مرحلة الذات، تحدث فيها التغيرات الجسدية، ويميل فيها الآباء والأمهات إلى التفاهم معه وموآخاته، ويتعرض في هذا السن للعادات والتدخين والشللية. 6- مرحلة جامعة: وفيها يبدأ الاختلاط والصداقات الناضجة نسبياً.. فتكثر الاتصالات.. والعلاقات والتفكير في الارتباط...الخ. 7- مرحلة التخرج وحتى سن الأربعين: وهو سن الخصوبة والعطاء والنجاح والعمل والزواج والانجاب، والخدمة والترشيح للكهنوت.. وهي أغنى سنوات العطاء والتأثير... 8- مرحلة مابعد الـ 40: وتسمّى سن التماسك والخبرة، حيث أصبح الإنسان يمتلك رصيداً من الخبرة الجيدة ويصبح من ثم مرجعاً (روحيا، اجتماعياً، سياسياً.. الخ). "وأما يسوع فكان يتقدم في الحكمة والقامة والنعمة عند الله والناس" (لوقا 2: 52) ولكن الذي يعنينا هنا مرحلتي المهد والحضانة (السنوات الخمس الأولي) فعند الشهر السابع يبدأ في نطق بعض الحروف، وعند الشهرين التاسع والعاشر يبدأ بنطق بعض الكلمات، وفي المدة (من 15 شهرا إلى عامين) يبدأ باستخدام بعض الجمل.. ويبدأ في التحرك والفضول، يريد اكتشاف الأشياء، في تحدي لأمه التي كانت تحمله فيدفعها عنه رغبة في الأنفصال عنها !، وإن كان يظل ملتصقاً بها إذ يلعب عند قدميها ويقلق إذا بعدت عنه أو رأي غريباً.. ولكنه قليلاً قليلاً يتعرف إلي آخرين وان كان يسرع دائماً إلي الأم يرغب في متابعتها له وبقاؤها إلي جواره. فعندما يبدأ الطفل في التعلم على "المشاية" فإنه يتعلّم بذلك أن يصبح شخصاً وكياناً داخل المسكن وليس مجرد كماً موضوعاً على السرير، يحملونه ويطعمونه ويقلبونه كيفما شاءوا وينقلونه من موضع إلى آخر، وبعدما كان هناك في المسكن زوج وزوجة يمتلكان في ذلك المسكن شيئاً اسمه طفل، أشبه باللعبة !! الآن أصبح هناك ثلاث شخصيات أو ثلاث كيانات !! ويبدأ الطفل في مرحلة ما قبل المدرسة في الاستقلال عن امه، حيث يبدأ في اكتشاف العالم المحيط به معتمدا علي نفسه، وهي مرحلة الفطام النفسي وفيها يتحكم في التبول والتبرز، في هذه السن تحدث له تكثر حوادثه نتيجة لمس شئ ساخن أو السقوط من مكان مرتفع أو بعض الجروح... وبدلاً من الخوف من أذيته يجب تهيأه المسكن له وعمل الاحتياطات لحركته الكثيرة. كما تتسم مرحلة الحضانة (قبل المدرسة) بالعناد.. والاكثار من استخدام لفظة (لا!!) ويحتاج في ذلك إلي السياسة لا إلي القهر، فقد اتضح أن الشخصيات العنيفة مرت بطفولة قاسية (مثل التوربيني سفاح أطفال الشوارع). إذ أن الخبرات الصدمية في هذا السن تحدد سمات شخصيته، مثل العناء والعدوان السلبي والإنشغال الشديد بالنظافة والوسواس والتناقض الوجداني الخ. وهو يحتاج كثيرا إلى التشجيع، فالتشجيع يبني ثقة الأطفال في أنفسهم ويفجر طاقاتهم وينميهم، وإذا كان العقاب ضروريا عند الخطأ فإن المكافأة والتشجيع أهم بكثير إذ أنه طريقة بناءة وإيجابية في التربية، لذلك يقول شكسبير: احتفظ بتفاحة إلى جانب العصا لتكافي بها من يجيب، ويقول بنيامين ويست أنه دخل المطبخ ذات يوم مع شقيقته وعبث بعلبة الألوان فاندلق بعضها على الأرض ومن ثمّ تناول فرشاة ورسم بالألوان وجه شقيقته، ولكنه ما أن سمع وقع أقدام أمه حتى انكمش خوفا من العقاب، أما هي فما أن وقع بصرها على ما رسمه حتّى احتضنته وقبّلته، يقول أن هذه القبلة صنعت مني رسّاماً. تجدر الإشارة أيضا إلى أن الطفل في سنواته الخمس الأولى لا يدرك معنى التسامح واللطف والغفران، ومن ثمّ فإذا اعتاد الأطفال الآخرون على ضربه وأذيته دون أن يبدي حراكا، أو قابل ذلك بالانكماش والخنوع فمن المؤكد أنه سيصبح جباناً انهزاميا، بل لعله من المناسب أن يتعلم – على نحو ما – كيف يرد وكيف تتكون لديه الشجاعة للمواجهة، فما أن يتخطى السادسة أو نحو ذلك حتى يبدأ في استيعاب مفاهيم اخرى مثل اللطف والغفران ولكن عن وعي ومقدرة وليس عن ضعف كمن يؤثر السلامة !! ومع ذلك أتذكر أنه من الدروس الأولى التي تلقناها في خدمة الطفولة هي استخدام المفردات الإيجابية مع الطفل في السنوات الأولى، فلا تقال مثلاً لفظة "كذب" وانما يقال بدلاً منها: "عدم الصدق" ويقال عدم الأمانة بدلا من السرقة، وهكذا يتم ترسيخ المفردات الإيجابية لدى الطفل. التأثير الروحي للأب والأم علي الطفل: "إذ أتذكر الايمان العديم الرياء الذي سكن أولاً في جدتك لوئيس وأمك أفنيكي ولكني موقن أنه فيك أيضا" (2 تي 5:1) لعل اكثر ما يجعل البعد الروحي قوياً عند الأطفال، هو أن يضع الأبويين نفسهيما مع أطفالهما بين يدى الله خاضعين له، ونجد مثالاً لذلك في اصطحاب العذراء ويوسف النجار للطفل يسوع في زيارتهما السنوية إلي الهيكل (لوقا 2: 42-51)، وفي العهد القديم نقرأ نفس الشئ عن صموئيل الطفل مع والدية حنة وألقانة (صموئيل أول 1: 21-28). ويؤثر في الطفل جداً حضور الأهل ونمط حياتهم والمناخ الذي يشيعونه من حولهم - والناتج عن طبيعة شخصيتهم - هذا يعطي لأقوالهم وأفعالهم وقعاً غير الذي شاؤوه وقصدوه !!، وتجدر الملاحظة هنا أن الطفل يتعرف علي الله من خلال أبويه، فخبرة الالتصاق الحميمي بالله يأخذها من الأم "مثل طفل تعزيه أمه أعزيكم أنا يقول الرب" (إشعياء 13:66) "يا أورشليم يا أورشليم.. كم من مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولم تريدوا" ( متى 37:23، لوقا 34:13). وأول اختبار يتلقاه الطفل لحب الله ورعايته يتلقاه من خلال الحب الوالدي الممنوح له مجانا، ومن هنا نفهم العبارة الشائعة التي يرددها الطفل مع من حوله "بابا يسوع... ماما العذراء". هناك تأثير سري لحياة الوالدين علي الأولاد، فالطفل ينطبع فيه" نموذج حياة" الوالدين، لذلك اعتبر الكتاب المقدس الاسرة "أيقونة الكنيسة" فالأب يمثل دور الكاهن، مثلما كان رب الاسرة قديماً هو كاهنها، وما تزال الكنيسة ترى الزوج كاهناً من خلال الكهنوت العام "وجعلنا ملوكاً وكهنة لله أبيه" (رؤيا 6:1) ولذلك فهى تضع عليه" برنس الكهنوت" خلال طقس الزيجة المقدس، فهو سيقود المذبح العائلي في الصلاة والتسبيح والكتاب المقدس وعرض سير القديسين والاهتمام بالاحتفالات الليتورجية والأصوام، لا سيما واذا كان هناك مخدعاً في المسكن يوفر الخصوصية. إن الحياة التعبدية والقدسية للأبوين هي البيئة والتربة الغنية لتنشئة الطفل المسيحي الحقيقي، بل أن تربية الأولاد كما يقول القديس يوحنا ذهبي الفم هى عملية لاهوتية!! لأننا تسلمناه – من المعمودية - على صورة الله. كما يعكس الطفل صورة والديه علي مفهومه عن الله: سليمة أو مشوهة!!. "ثم نزل معهما وجاء الى الناصرة وكان خاضعا لهما" (لوقا 2: 51) ولأن الطفل يكتسب الخبرة عن طريق الحواس، فإن المدخل لعالم الطفل هو حواسه وجسده، وليس عقله ومنطقة مثل الكبار، يفهم ويحس اليد الممدودة والحضن الدافئ والقبلة علي الخد، يحس الأصوات والألوان والحركات والرائحة والطعم ويكتسب من خلال ذلك كله خبراته الخاصة، هكذا تصبح الكنيسة مشبعة ومفرحة للطفل!! ففيها الماء والبخور والشموع و ملابس الكاهن وتقبيل الصليب ولمس الأيقونات والتناول ولقمة البركة "وقدموا إليه أولاداً لكي يلمسهم.. فاحتضنهم ووضع يديه عليهم وباركهم" (مرقس 16،13:10). ولا شك أن النفس مثل شريط التسجيل الحساس - لا سيما في سنوات الطفل الأولى - تلتقط كل فكرة وحركة وشعور، تخزنه بدقة بالغة، لتستعيده وقتما تشاء. * ولكن يجب الحذر من الخلط بين الوالديين والله، فقد يحدث أن يرسي الأبويين سلطتهم الوالدية من خلال التخويف من الله! محاولين التأكيد على القول الشائع أن "رضى الوالدين من رضى الله" !! مثل قولهم إذا فعلت ذلك فلسوف يغضب الله، وإذا لم تفعل ذاك يعاقبك الله، واذا كسرت هذه سوف يخنقك الله، وإذا لم تجلس بوقار إلي المائدة فسوف تغضب منك ملائكة المائدة، فيتولد لدى الطفل شعور بان الله وملائكته يصعب إرضاؤه ! ، لذلك فإننا في التربية الكنيسة نركز علي أن الله هو محب البشر، تجسد ليفدينا. محبتنا لأولادنا بين الامتلاك والاطلاق: تتسم العلاقة بين الوالدين والأبناء في الشعوب العربية للأسف بسمتين، هما السلطوية والحماية المفرطة، وكلاهما خطر، فإن حب الله للإنسان هو "حب بلا تدليل" حب حازم وحزم حانٍ.. فالحماية المفرطة تولد شخصاً غير مستقل ولا يمكن الاعتماد عليه، أما السلطوية والقهر فإنها تولد قزماً غير واثق من نفسه وبلا شخصية. كما أن الافراط سواء في التشجيع أو التبكيت ينتج شخصية غير متوازنة، يسمون هذا النوع من الحب بالحب الخائب، فجميع المشاكل والعقد النفسية التي يعاني منها الكبار، تكونت فيهم في السنوات الخمس الأولى من حياتهم، والعثرة والجروح النفسية والقهر وسوء المعاملة والحرمان والمحاباة والتسلط. في حين أثمرت التربية الراقية الواعية، والتي تمت تحت عيني الله شخصيات رائعة ونماذجاً أثرت الكنيسة والمجتمع والحياة العامة. ان الأطفال هم أعظم قوة في العالم، أعظم من الصواريخ والذرة وسبائك الذهب وآبار البترول "وكان الصبي ينمو ويتقوى بالروح ممتلئا حكمة وكانت نعمة الله عليه" (لوقا 2: 40). |
|