رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
خلاص من فرعون لكي نثبت في الإيمان ونمارس الحب، يلزمنا أن نمتلئ رجاءً في الرب، بتذكرنا معاملاته السابقة معنا، لذا يقول: لَمْ يَذْكُرُوا يَدَهُ يَوْمَ فَدَاهُمْ مِنَ الْعَدُوِّ [42]. مع أنه لم يكن من السهل نسيان أعماله، لكن الخطية أتلفت ذاكرتهم من جهة إحسانات الله وبركاته عليهم. وقد جاءت الوصية: إنما احترز واحفظ نفسك جدًا لئلا تنسى الأمور التي أبصرت عيناك، ولئلا تزول من قلبك كل أيام حياتك" (تث 9:4). لهذا يقول الرسول بولس الذي لم يفارق الصليب قلبه ولا ذاكرته: "أنتم الذين أمام عيونكم قد رُسم يسوع المسيح بينكم مصلوبًا" (غل 1:3). حَيْثُ جَعَلَ فِي مِصْرَ آيَاتِهِ، وَعَجَائِبَهُ فِي بِلاَدِ صُوعَنَ [43]. يذكرهم بالضربات التي حلت بفرعون وشعبه بسببهم داعيًا إياها آيات وعجائب. إذْ حَوَّلَ خُلْجَانَهُمْ إِلَى دَمٍ، وَمَجَارِيَهُمْ لِكَيْ لاَ يَشْرَبُوا [44]. تحول نهر النيل بقنواته (مجاريه) من عطية إلهية لحياة المصريينإلى دمٍ يعلن عن غضب الله، ويبث بين المصريين روح الرعب والهلاك. كان المصريون يعبدون نهر النيل كإله واهب الحياة، فصار مصدر نجاسة (الدم)، ومصدر موت! أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ بَعُوضًا فَأَكَلَهُمْ، وَضَفَادِعَ فَأَفْسَدَتْهُمْ [45]. هاجمتهم أسراب البعوض لتحول حياتهم إلى عذابٍ، لم تخف هذه الأسراب جيش فرعون ولا أسلحته، ولا ارتبكت أمام سلطانه وجلاله. عوض اصطياد السمك من نهر النيل فاض بالضفادع التي هاجمت كل موضع، تدخل إلى حجرات النوم كما إلى موائد الأكل. حتى الضفادع التي قتلوها إذ جُمعت في أكوامٍ أنتنت، وتفشى المرض بسببها. أَسْلَمَ لِلْجَرْدَمِ غَلَّتَهُمْ، وَتَعَبَهُمْ لِلْجَرَادِ [46]. هاجمت الحشرات نباتاتهم، وما فضل عن حشرة التهمته غيرها. هكذا ذهب تعبهم هباءً، صارت محصولاتهم مأكلًا للجراد وغيره من الحشرات. أَهْلَكَ بِالْبَرَدِ كُرُومَهُمْ، وَجُمَّيْزَهُمْ بِالصَّقِيعِ [47]. كانت الكروم شراب الأغنياء والجميز طعام الفقراء، وكأن هذه الضربة قد أصابت الأغنياء والفقراء معًا في أكلهم وشربهم. نزول البرد والصقيع ليس بظاهرة مألوفة في مصر، لكن الله يغير نواميس الطبيعة لتأديب الأشرار. وَدَفَعَ إِلَى الْبَرَدِ بَهَائِمَهُمْ، وَمَوَاشِيَهُمْ لِلْبُرُوقِ [48]. ماتت المواشي بسبب غضب الطبيعة على الإنسان في شره، التي هاجت لتصيب البهائم بالبرد والبروق. أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ حُمُوَّ غَضَبِهِ سَخَطًا وَرِجْزًا وَضِيقًا، جَيْشَ مَلاَئِكَةٍ أَشْرَارٍ [49]. أرسل الله الملاك المهلك لقتل أبكار المصريين، إذ قتل فرعون ورجاله الأطفال الذكور للعبرانيين. * يرى النبي حزقيال (حز 1:10) رؤية: ملك العظمة جالسًا على عرشه العالي العظيم، وموضع العرش فوق النجوم، ويشبه عرش الأعلى مقامًا. لصانع الفخار سلطان على الطين، فيصنع من كتلة واحدة إناءً للاستعمال الرفيع، وآخر للاستعمال الوضيع. فماذا إذًا إن كان الله وقد شاء أن يُظهر غضبه ويعلن قدرته، قد احتمل بكل صبرٍ آنية غضب معدة للهلاك وذلك بقصد أن يعلن غنى مجده في آنية الرحمة التي سبق فأعدها للمجد (رو 21:9-23). وبالإضافة إلى ذلك، يرسل الله ملائكة إلى قديسيه، لتملأهم بالحياة الطيبة والسلام، بينما يرسل إلى العصاة القساة حميم غضبه، وسخطه وغيظه، ويطلق عليهم ملائكة الهلاك (مز 49:78). لا داعي أن نتكلم بإسهاب على كيف يقف الشيطان ضد الخير والسلام . القديس غريغوريوس أسقف نيصص * لن يوقع الله عقابه وجزاءه على بابل من خلال خدامه، بل هو بنفسه يؤدي لها جزاءها. أريد أن أضيف شيئًا على ذلك، وهو أن الله لا يعاقب الجميع بنفسه، لكنه أحيانًا يرسل وسطاء، سواء لتنفيذ العقاب، أو لمنح الشفاء من خلال الألم، كما نرى في المزامير: "أرسل عليهم حمو غضبه سخطًا ورجزًا وضيقًا" (عن طريق) جيش ملائكة أشرار" (مز 78: 49). بالنسبة لهؤلاء، لم يؤدِ لهم الله جزاءهم بنفسه، لكنه استعان بملائكة أشرار ليقوموا بتنفيذ مهمة العقاب. قد يستعين الرب كذلك بملائكة أطهار لمعاقبة بعض الناس. لكن يحدث في بعض الأحيان أن الرب يرفض الاستعانة بهؤلاء الوسطاء، ويوقع العقوبات بنفسه، كما هو الحال بالنسبة لبابل. عندما تكون الجروح طفيفة وقابلة للشفاء السريع، يكتفي الطبيب بإرسال تلميذه أو مساعده، وعن طريقه يعالج المريض. قد يحدث أحيانًا أن يكون المريض محتاجًا لبتر أحد أعضائه ولاستخدام المشرط، مع ذلك أيضًا لا يذهب إليه الطبيب بنفسه، بل يختار واحدًا من مساعديه قادرًا على القيام بهذا العمل، فيرسله ليعالج المريض. لكن حينما تكون الجروح غير قابلة للشفاء، يكون المرض قد انتشر في جميع أجزاء الجسم، بحيث يصل المريض إلى درجة كبيرة من الخطورة، هنا لا يتطلب الأمر يديّ التلميذ أو المساعد، إنما يحتاج إلى يدي المعلم نفسه، فيقوم الطبيب بالتصدي لهذا الجرح المميت بنفسه. بالمثل حينما تكون الخطايا صغيرة، لا يوقع الله على الخطاة عقابهم بنفسه، لكنه يستخدم الوسطاء، أما إذا كانت الخطية خطيرة جدًا كما هو الحال هنا بالنسبة لمدينة بابل، يسرع الرب بتوقيع الجزاء عليها بنفسه . العلامة أوريجينوس مَهَّدَ سَبِيلًا لِغَضَبِهِ. لَمْ يَمْنَعْ مِنَ الْمَوْتِ أَنْفُسَهُمْ بَلْ دَفَعَ حَيَاتَهُمْ لِلْوَبَإِ [50]. * إن الملائكة الذين جلبوا موت أبكار المصريين دعاهم أشرارًا، ولكن ليس بمعنى أنهم أشرار طبعًا، بل لأنهم أتوا بغضب الله على الأشرار، كما أن يوم الدينونة دعاه هذا النبي ذاته يومًا شريرًا، لأنه يأتي بعقوبات الله على غير التائبين، لذلك ترجم سيماخوس هذه الكلمة: "ملائكة مؤذين". الأب أنثيموس الأورشليمي وَضَرَبَ كُلَّ بِكْرٍ فِي مِصْرَ. أَوَائِلَ الْقُدْرَةِ فِي خِيَامِ حَامٍ [51]. لقد حلّ الغضب بهم على درجات لعلهم يتوبون. حرمهم تارة من ماء الشرب، وأخرى أزعجهم بالضفادع، وثالثة ضرب مواشيهم ومحاصيلهم، وأخيرًا أخذ أبكارهم دون استثناء، فدخل الحزن إلى كل بيتٍ، من قصر فرعون إلى الأسير في داخل السجن. * يعامل الله الذين يؤدبهم بلطفٍ ورحمةٍ كثيرة، لأنه يبتدئ بالضربات عن ذنوبهم... لذلك أمات بهائم المصريين، ولما رآهم لم ينصلحوا ضرب أبكارهم. لو أنهم تابوا بالضربة الأولى لما ضربهم بالثانية. الأب أنثيموس الأورشليمي * بقوله: "في مساكن حام"، يخبر بأن مصر هي من قسم حام بن نوح، ونصيب له. الأب أنثيموس الأورشليمي |
|