أظن أن قرار رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون فى أول إبريل من هذا العام بمراجعة فلسفة ونشاط جماعة الإخوان المسلمين لم يكن مفاجئاً، إذ هو يدخل فى مسار تاريخى بدايته عام 1919 عندما أعلن وزير الدفاع ونستون تشرشل أنه «مع علاقتنا القوية بعشرين مليوناً من المسلمين فى الهند تصبح بريطانيا قوة إسلامية» وهى تستند فى ذلك إلى سياستها المؤسسة على شعار رومانى قديم «فرِّق واحكم» فيما مارسته من تفرقة بين المسلمين والهندوس فى الهند. وفى يوليو من عام 1922 اعترفت بريطانيا بابن سعود حاكماً على شبه الجزيرة العربية، وكان حاكماً أصولياً ملتزماً بالوهابية، أى ملتزماً بابن تيمية الرافض لإعمال العقل فى النص الدينى، ومع ذلك كان متميزاً بمساندته للحكومة البريطانية فى عداوتها للشيوعية ومنعها من تغلغل روسيا فى الشرق الأوسط وآسيا الوسطى. وفى مايو 1942 أخبرت السفارة البريطانية الحكومة المصرية بأن تمنح جزءاً من المعونة المالية المخصصة لحزب الوفد لجماعة الإخوان المسلمين مع ملاحقة العناصر الخطرة فى الجماعة وقتلهم إن لزم الأمر بشرط «الرحمة عند القتل»، والتصريح لحسن البنا بإصدار جريدة لنشر المبادئ الديمقراطية. والمفارقة هنا أن جماعة الإخوان كانت تضمر عداء للغرب بوجه عام ولبريطانيا بوجه خاص، وكانت على يقين بأن المحور بقيادة هتلر هو المنتصر فى الحرب العالمية الثانية، ومن ثم تصبح هى القوة السياسية الوحيدة المتحكمة فى السياسة المصرية. ومع ذلك فقد كانت المخابرات البريطانية على وعى بهذه المفارقة، ولكن ما كان يضعف من أمر هذه المفارقة هو تقييم المخابرات لحسن البنا بأنه قائد ضعيف، ومن ثم يمكن إزاحته عند الضرورة وبلا مقاومة. وإثر انتهاء الحرب العالمية الثانية واجهت بريطانيا ثلاثة تحديات كل منها يحدث اهتزازاً لمكانتها: الإفلاس المالى مع أزمة اقتصادية، وبزوغ حركات قومية تطالب باستقلال المستعمرات، وصعود قوتين عظميين هما الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتى. وإزاء هذه التحديات الثلاثة لم يكن لدى بريطانيا سوى التلاعب بالأديان فى الشرق الأوسط وجنوب آسيا وذلك بتأسيس إسلام أصولى. ومن هنا دعت إلى تقسيم الهند إلى دولتين: الهند وباكستان. وفى أغسطس 1947 صدر قرار بمولد دولة جديدة اسمها باكستان ومعناها «أرض الأنقياء»، وتعداد سكانها ثمانون مليوناً، وبذلك تعتبر أكبر دولة إسلامية وأكبر خامس دولة فى العالم وتقع فى شمال الهند ومتاخمة لحدود أفغانستان. وقيل عند تأسيسها إنها لن تكون إلا مجرد دولة إسلامية لتفريخ الأصوليين الذين يقال عنهم إنهم متطرفون ومجاهدون. وإثر تأسيس باكستان اندلعت انتفاضة يهودية ضد الاحتلال البريطانى لفلسطين. وهنا يقول المؤرخ البريطانى مارك كورت فى كتابه المعنون «وثائق سرية عن تواطؤ بريطانيا مع الإسلام السياسى» (2010) عن هذه الانتفاضة إنها بداية تشكيل الشرق الأوسط، إذ صدر قرار الأمم المتحدة فى نوفمبر 1947 بتقسيم فلسطين، وفى مايو 1948 أعلنت إسرائيل تأسيس دولتها، ثم قامت الحرب الأولى بين العرب وإسرائيل، وكان من شأنها أن ضمت إسرائيل أراضى أخرى. والمفارقة هنا أنه فى عام 1949، أى بعد عام من تغلغل اليهود فى فلسطين، دعا ملك الأردن عبدالله إلى تأسيس وحدة إسلامية من شاه إيران وملك العراق ورئيس تركيا لمحاربة الشيوعية. وهنا سؤال لابد أن يثار: هل كانت الدعوة إلى محاربة الشيوعية تغطية على تغلغل اليهود فى فلسطين أم كانت تمهيداً لدعوة دول أخرى للانضمام إلى أولئك الأربعة لمحاربة الشيوعية؟ وإذا كانت أمريكا هى فى مقدمة هذه الدول فماذا كانت استجابتها؟ وما يهمنى فى هذين السؤالين هو السؤال الخاص عن كيفية استجابة أمريكا.