عندما يقرأ ذاك الإسرائيلي الذي بحسب الجسد هذه الأسفار (التاريخية) ذاتها قبل مجيء ربنا يسوع المسيح، لا يفهم منها شيئاً إلا الحروب وسفك الدماء، ومن جراء ذلك كانت أرواحهم أيضاً تُستحّث نحو الوحشية المفرطة وتتغذى دائما بالحروب والصراعات. ولكن بعدما سكب حضور ربي يسوع المسيح نور المعرفة السلامية في قلوب البشر - إذ أنه هو ذاته "سلامنا" (أف 14:2) بحسب قول الرسول - يعلمنا الرب السلام من هذه القراءة ذاتها التي للحروب، لأن السلام يرجع إلى النفس إذا تم طرد أعدائها - الخطايا والرذائل - منها.
هكذا وبالتالي، وفقاً لتعاليم ربنا يسوع المسيح، عندما نقرأ بالفعل هذه الأمور، فإننا أيضاً نُجهز أنفسنا ونستيقظ للمعركة، لكن معركتنا ضد الأعداء "التي تخرج من القلب"، "لأن من القلب تخرج أفكار شريرة، قتل، زنى، فسق، سرقة، شهادة زور تجديف" (مت 15)، وضد الخصوم الأخرى المماثلة المحاربة لنفوسنا. وبإتباع ما تعرضه علينا هذه الأسفار (التاريخية)، نحاول إن أمكن أن لا نترك وراءنا شيء بحيث لا يبقى شارداً ولا نسمة (يش 40:10). لأننا إذا ربحنا التسلط على هذه الأعداء، سوف نتسلط أيضاً وبجدارة على "سلاطين الهواء" (أف 2:2)، ونطردهم من مملكتهم، إذ أنهم كانوا قد تجمعوا في داخلنا على عروش من الرذائل.
ما لم تكن هذه الحروب المادية تحمل صورة ورمز الحروب الروحية، لا أظن أن أسفار التاريخ اليهودي كانت ستسلم قط لتلاميذ المسيح بواسطة الرسل - الذين جاءوا لكي يعلموا السلام - بحيث يمكن قراءتها في الكنائس. لأنه ما الفائدة من هذا الوصف للحروب بالنسبة لأولئك الذين يقول لهم يسوع: "سلاماً أترك لكم. سلامي أعطيكم" (يو 14)، وللذين أوصوا بواسطة الرسول وقيل لهم: "لا تنتقموا لأنفسكم" (رو 12)، وأيضاً: "لماذا لا تظلمون بالحري؟ لماذا لا تسلبون بالحري؟" (1 كو 6).
باختصار، الرسول بولس وهو عالم أنه ليس علينا الآن أن نشن حروباً مادية، بل يجب أن تُبذل حروب النفس ضد الخصوم الروحية، يعطي الأوامر كقائد عسكري لجنود المسيح، قائلاً: "البسوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا أن تثبتوا ضد مكايد إبليس" (أف 6). ومن أجل أن يكون لدينا أمثلة لهذه الحروب الروحية من الأعمال القديمة، أراد الرسول أن تتلى علينا تلك القصص البطولية في الكنائس، بحيث إن كنا أشخاص روحيين - نقرأ أن "الناموس روحي" (رو 14:7) - يمكننا مقارنة الروحيات بالروحيات (1 كو 2: 13) في الأمور التي نسمعها. ويمكننا بذلك أن ننتبه - عن طريق تلك الشعوب التي حاربت بشكل ظاهر ضد إسرائيل المادية - لمقدار شدة أسراب القوات المعادية من بين الأجناس الروحية التي تدعى "أجناد الشر الروحية في السماويات" (أف 6)، والتي تثير الحروب على كنيسة الرب، التي هي إسرائيل الحقيقية.