رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
خدمة المحبة وغسل الأرجل (ع 1 - 17): 1 أَمَّا يَسُوعُ قَبْلَ عِيدِ الْفِصْحِ، وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّ سَاعَتَهُ قَدْ جَاءَتْ لِيَنْتَقِلَ مِنْ هذَا الْعَالَمِ إِلَى الآبِ، إِذْ كَانَ قَدْ أَحَبَّ خَاصَّتَهُ الَّذِينَ فِي الْعَالَمِ، أَحَبَّهُمْ إِلَى الْمُنْتَهَى. 2 فَحِينَ كَانَ الْعَشَاءُ، وَقَدْ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي قَلْبِ يَهُوذَا سِمْعَانَ الإِسْخَرْيُوطِيِّ أَنْ يُسَلِّمَهُ، 3 يَسُوعُ وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّ الآبَ قَدْ دَفَعَ كُلَّ شَيْءٍ إِلَى يَدَيْهِ، وَأَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَرَجَ، وَإِلَى اللهِ يَمْضِي، 4 قَامَ عَنِ الْعَشَاءِ، وَخَلَعَ ثِيَابَهُ، وَأَخَذَ مِنْشَفَةً وَاتَّزَرَ بِهَا، 5 ثُمَّ صَبَّ مَاءً فِي مِغْسَل، وَابْتَدَأَ يَغْسِلُ أَرْجُلَ التَّلاَمِيذِ وَيَمْسَحُهَا بِالْمِنْشَفَةِ الَّتِي كَانَ مُتَّزِرًا بِهَا. 6 فَجَاءَ إِلَى سِمْعَانَ بُطْرُسَ. فَقَالَ لَهُ ذَاكَ: «يَا سَيِّدُ، أَنْتَ تَغْسِلُ رِجْلَيَّ!» 7 أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: «لَسْتَ تَعْلَمُ أَنْتَ الآنَ مَا أَنَا أَصْنَعُ، وَلكِنَّكَ سَتَفْهَمُ فِيمَا بَعْدُ». 8 قَالَ لَهُ بُطْرُسُ: «لَنْ تَغْسِلَ رِجْلَيَّ أَبَدًا!» أَجَابَهُ يَسُوعُ: «إِنْ كُنْتُ لاَ أَغْسِلُكَ فَلَيْسَ لَكَ مَعِي نَصِيبٌ». 9 قَالَ لَهُ سِمْعَانُ بُطْرُسُ: «يَا سَيِّدُ، لَيْسَ رِجْلَيَّ فَقَطْ بَلْ أَيْضًا يَدَيَّ وَرَأْسِي». 10 قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «الَّذِي قَدِ اغْتَسَلَ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ إِلاَّ إِلَى غَسْلِ رِجْلَيْهِ، بَلْ هُوَ طَاهِرٌ كُلُّهُ. وَأَنْتُمْ طَاهِرُونَ وَلكِنْ لَيْسَ كُلُّكُمْ». 11 لأَنَّهُ عَرَفَ مُسَلِّمَهُ، لِذلِكَ قَالَ: «لَسْتُمْ كُلُّكُمْ طَاهِرِينَ». 12 فَلَمَّا كَانَ قَدْ غَسَلَ أَرْجُلَهُمْ وَأَخَذَ ثِيَابَهُ وَاتَّكَأَ أَيْضًا، قَالَ لَهُمْ: «أَتَفْهَمُونَ مَا قَدْ صَنَعْتُ بِكُمْ؟ 13 أَنْتُمْ تَدْعُونَنِي مُعَلِّمًا وَسَيِّدًا، وَحَسَنًا تَقُولُونَ، لأَنِّي أَنَا كَذلِكَ. 14 فَإِنْ كُنْتُ وَأَنَا السَّيِّدُ وَالْمُعَلِّمُ قَدْ غَسَلْتُ أَرْجُلَكُمْ، فَأَنْتُمْ يَجِبُ عَلَيْكُمْ أَنْ يَغْسِلَ بَعْضُكُمْ أَرْجُلَ بَعْضٍ، 15 لأَنِّي أَعْطَيْتُكُمْ مِثَالًا، حَتَّى كَمَا صَنَعْتُ أَنَا بِكُمْ تَصْنَعُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا. 16 اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ لَيْسَ عَبْدٌ أَعْظَمَ مِنْ سَيِّدِهِ، وَلاَ رَسُولٌ أَعْظَمَ مِنْ مُرْسِلِهِ. 17 إِنْ عَلِمْتُمْ هذَا فَطُوبَاكُمْ إِنْ عَمِلْتُمُوهُ. ع1: المقصود مساء الخميس، وهو عالم، بلاهوته، أن وقت تسليمه قد أتى. ويلاحظ هنا المقابلة مع ما ذكره القديس يوحنا سابقا، ومرارا، في كل مرة كان يحاول اليهود القبض على يسوع، لم ينجحوا، بالرغم من وجوده وسطهم، وذلك لأن ساعته لم تأت بعد. أما هنا، فيعلن لنا معرفة المسيح للوقت المحدد، ويمهدنا نحن للمرحلة الأخيرة في حياة المسيح على الأرض. واستخدم أيضًا كلمة انتقاله بدلًا من كلمة موته، كتعبير لاهوتي جديد، يوضح ماهية الموت الجسدي في مفهوم أبناء الله، أنه انتقال من حياة لحياة أخرى. وهذا ما استخدمته الكنيسة في صلواتها، إذ تقول: "لا يكون موت لعبيدك، بل هو انتقال." ويختم القديس يوحنا كلامه بكشف السر وراء ما سوف يُقْدِمُ المسيح عليه من آلام وعذاب وصلب، وهو حبه الأبدي والغير محدود لخليقته المزمع أن يفديها. ولعلنا نلاحظ أن القديس يوحنا هو أكثر من تكلم عن الحب الإلهي، وكأنه أكثر التلاميذ معرفة بقلب المسيح. وهذا حقيقي، فطبيعته الرقيقة جعلته أكثر التصاقا بالرب يسوع. فكان أكثر إدراكا لحبه، والتعبير عنه. † والدعوة لنا جميعا، لنتمتع بهذا الحب الفائض، والمتاح لكل منا، إذا أراد. ع2: أي عند وقت عشاء الفصح اليهودي، وقبل إتمامه. "ألقى الشيطان": توضح لنا دور الشيطان في الإثارة، والتحريض على إتمام الشر؛ ولكنه اختار النفس الضعيفة التي ستستجيب لمشورته. فهو يحاول مع الجميع، ولكن الإرادة الإنسانية مسئولة عن السقوط، أو المقاومة. ولعل القديس يوحنا يصور لنا أن المائدة الواحدة احتوت قلب الله المحب إلى المنتهى، وقلب الإنسان الشرير المزمع أن يسلمه. ع3: يكرر القديس يوحنا كلمة "عالم" في إشارات واضحة وقوية عن لاهوت المسيح. وتعبير "دفع كل شيء إلى يديه": فيه معنيان: الأول: هو السلطان الكامل للمسيح، والمساوى تمامًا لسلطان الآب. الثاني: تمهيد لما سوف يقوم به الإله. فبنفس هاتين اليدين، المدفوع لها كل سلطان الآب، سوف ينحنى السيد، ويغسل بهما أرجل التلاميذ. "من عند الله خرج": أي بتجسده الذي أخلى فيه ذاته، وأخفى مجده. ولكن خروجه ليس معناه أنه تركه، فهو متحد فيه باللاهوت. "وإلى الله يمضى": أي العودة إلى مجده في حضن الآب. ولكنه أيضًا لن يتركنا بعمله ورعايته لنا، وإن كان سيختفى عن عيوننا بجسده. ع4-5: قام بعد إعداد العشاء، وقبل الشروع في أكله، أخذ صورة العبد المتأهب لعمل متدنٍ، فيخلع ثيابه باتضاع ويربط وسطه بمنشفة، ليُقْدِمَ على عمل ليس لإنسان أن يفهمه أو العقل أن يستوعبه... أي البدء في غسل أرجل تلاميذه، وهو عمل ترفضه النفس الإنسانية العادية. التراب الذي في الأرجل يرمز للخطايا، وغسلها بالماء يشير للمعمودية والتوبة، وذلك بيد المسيح التي ستصلب على الصليب وتفدى الإنسان. ع6-7: قد يكون المسيح بدأ يغسل أرجل التلاميذ، الذين أخذتهم الدهشة دون تعليق منهم، إلى أن أتى إلى بطرس، أو قد يكون بدأ ببطرس -كرأي القديس أغسطينوس- الذي أبدَى تعجبه ورفضه للفكرة، وعبّر عن ذلك بسؤال استنكارى: هل أنت، يا سيدى البار، تغسل أرجل خاطئ مثلى؟! وهذا يذكرنا بموقف المعمدان، عندما تمنّع عن عماد المخلّص عند ذهابه إليه. ولكن إجابة المسيح، في الحالتين، كان فيها إصرار وحسم، لا يخلوان من رقة، لإتمام قصده. لأن ما أراده المسيح بغسل الأرجل، لم يفهمه بطرس في وقته... ولكن، ما هذا الذي لم يكن يفهمه؟ الدرس الثاني: فهو عدم الإدانة. فإزالة الأوساخ معناها مساعدة الإنسان في التخلص من الخطية، بأن يكون لنا عمل إيجابى معه، وليس الاكتفاء بالإشارة نحو اتساخه، كما فعل اليهود بالمرأة الممسكة في زناها (ص 8: 1-11). ولعظمة ما صنع السيد المسيح مع البشرية كلها في شخص تلاميذه، رتبت الكنيسة في صلواتها طقس لقان خميس العهد، الذي تعيد به لأذهاننا كل هذه الدروس، فيقف الكاهن أو الأسقف أو الأب البطريرك، ويأتزر - متشبها بسيده - بمنشفة، ويبدأ بغسل أرجل الشمامسة والشعب، ويساعده باقي الكهنة في نفس العمل. فنتذكر ما عمله لنا السيد، ونفهم أيضًا أن الله أقام الأساقفة والكهنة كرعاة وخدام، من أجل خدمة شعبه وتوبته في المقام الأول. ع8: ورغم ظهور فضيلة اتضاع بطرس وخجله في هذا الرفض، ولكنها كانت في غير محلها، لأنه لم يدرك المعنى الروحي. ولهذا، أوضح المسيح لبطرس أن ما يقوم به، ليس عملا اختياريا يحق لبطرس فيه أن يقبل أو يرفض، بل يتوقف عليه كل شيء. فهذا الغسيل يرمز للتطهير الآتي بدم المسيح، ومن يرفض ليس له نصيب مع المسيح نفسه، أي لا خلاص خارج دم المسيح. ع9: فوجئ بطرس بإجابة المسيح، فما كان منه سوى أن طلب بالأكثر، أن يشمل الاغتسال جسده كله، معلنا أنه لا يريد أن يكون هناك شيئًا واحدا يفصله عن المسيح. ع10-11: "الذي قد اغتسل": تعني اغتسال المعمودية، المبنى على الإيمان بقدرة دم المسيح على التطهير من كل الخطايا. فمن اغتسل، لا يحتاج للاغتسال ثانية -أي إعادة المعمودية- ولكنه يحتاج لغسل رجليه فقط... وهذا ما تعلّمه أيضًا الكنيسة لأولادها، فإن سر المعمودية لا يعاد، حتى لو ترك الإنسان الإيمان وعاد إليه مرة أخرى... أما عملية غسل الأرجُل -أي سر التوبة والاعتراف- فالإنسان يحتاجها دوما، فالأرجل ترمز للنفس التي تحيا في العالم وتتجول فيه، فتتسخ بكثير من الخطايا، وهي دائما في حاجة لاغتسال التوبة. ويضيف السيد المسيح، بعلمه السابق، إشارة خفية ليهوذا مسلمه، إذ أعلن طهارة التلاميذ كلهم دون واحد. ع12: "أتفهمون":مما لا شك فيه أن ما صنعه الرب، كان أبعد ما يكون عن تصور التلاميذ؟ ولولا حديث الرب الحاسم مع بطرس، ما كانوا سمحوا له بغسل أقدامهم، فاستخدم المسيح الأسلوب الاستفهامى كمقدمة لحديث تعليمى. ع13: هي استكمال لهذه المقدمة في تثبيت حقيقة، وهي أنه السيد المعلم الحقيقي، الواجب الاحترام والتقدير. ع14-15: هنا يأتي جوهر التعليم لما قام به الرب يسوع. فإذا كان السيد والمعلم صنع هكذا، فكم بالحرى يصنع العبد مع أخيه... فإذا صنع العبد مع أخيه هكذا، لا يحسب له فخرا، إنما هو اقتداء بالمعلم الأعظم. ومن حسب نفسه فينا سيدا ومعلما وليس عبدا، فعليه أيضًا أن ينحنى مغلوبا من حب المسيح له، واتضاعه العجيب في غسل أرجل الجميع. والغسل هنا ليس حرفيا، بل يحمل في مضمونه كل فضائل المسيحية من احتمال وبذل وإنكار للذات. وعندما يقول المسيح: "أنتم يجب عليكم"، صار هذا إلزاما لنا وليس اختيارا أو فضلا منا، أي أنها وصية واجبة التنفيذ، ولكنها تحتاج منا جميعا إلى إخلاء للذات وانسحاق حقيقي. ع16-17: يؤكد الرب مرة أخرى أنه ما دام العبد ليس أفضل من سيده، فعليه ألا يخجل أو يستنكف من أن يقوم بما قام به السيد. ويعلن السيد المسيح أيضًا تميّز المُرسِل عن الرسول، في إشارة واضحة لعمل الخدمة في كنيسته، فهو الراسل والداعى الخادم لخدمته، فصار على الخادم أن يتشبه باتضاع من أرسله في خدمته، مع احتمال مخدوميه والصبر عليهم. ويختم المسيح تعليمه هنا، بتوضيح الفرق بين أن يفهم الإنسان شيئًا ويدركه، وبين أن ينفذه في حياته، فالمكافأة والإكليل هنا يُحسبان، ليس لمن يعرف الوصية منذ حداثته (مت 19: 20)، بل لمن يجاهد ضد نفسه ليحيا بها. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
ابن الله في لاهوته وأزليته وغسل الأرجل |
يسوع وبطرس وغسل الأرجل |
في العليّة – أحداث خميس الأسرار وغسل الأرجل |
خدمة غسل الأرجل |
يوم الخميس يوم السر العظيم - سرّ الإفخارستيا وغسل الأرجل (موضوع متكامل) |