12 - 05 - 2012, 08:27 AM
|
|
|
..::| VIP |::..
|
|
|
|
|
|
ثمار التوبة وعلاماتها
بقلم: البابا شنودة الثالث 11\4\2010
كيف تعرف أنك قد تبت؟
وكيف يعرف الغير توبتك؟ إن التوبة ليست مجرد عمل قلبي, إنما هناك أعمال وثمار تليق بها, كما قيل من ثمارهم تعرفونهم. فما هي هذه الثمار التي تدل علي أن الإنسان تائب.
أول علامة للتوبة هي الاعتراف بالخطأ. وأول مرحلة لذلك هي أن تعترف بينك وبين نفسك بأنك قد أخطأت, ولكي تصل إلي ذلك عليك أن تحاسب نفسك بدقة, وتشعر في أعماقك باقتناع كامل بأنك قد أخطأت, لأنه بدون هذا لاتكون توبة. وصدق ذلك القديس الذي قال احكم يا أخي علي نفسك قبل أن يحكموا عليك. فالذي لايدين نفسه ولايحكم عليها. لايحدث أنه يقف أمام الله معترفا بخطيئته طالبا المغفرة, فالإنسان التائب يشعر أنه أخطأ إلي الله, بكسره لوصاياه, وبخيانته لقلب الله الحنون العطوف الذي تولاه بالعناية والرعاية والحب والستر ولكنه مع ذلك أحب الخطية أكثر من محبته الله!. والذي يعترف بينه وبين نفسه أنه قد أخطأ لايجوز له أن يبرر ذاته, أو يدافع عن نفسه أو يلصق مسئولية أخطائه للآخرين. والتائب الذي يشعر بأنه في خطيئته قد أساء إلي غيره, فإنه في توبته يجب ان يذهب إلي من أذنب إليه ويحاول أن يرضي قلبه من جهته ويصالحه. لأنه لايليق بالتائب أن تكون هناك نفوس متضايقة منه وهو لايعبأ! وكيف يطلب من الله المغفرة, بينما هناك نفوس أخري تشكوه إلي الله؟!
هناك أمران يمنعان من التوبة ومن الاعتراف بالخطأ, هما الأعذار والبر الذاتي.. كأن يعتذر الإنسان بضعفه, أو بضعف الطبيعة البشرية عموما, أو بشدة الحروب الخارجية, أو أنه ارتكب الخطيئة عن جهل أو نسيان, أو كان فيها ضحية لغيره وبذلك يلصق المسئولية بغيره أو أنه يتهم القادة الدينيين بعدم رعايتهم له. بل اكثر من ذلك كله يعاتب الله سبحانه, لأنه لم يرسل إليه معونة تمنعه من السقوط. أما التائب الحقيقي فيقف أمام الله كمذنب لايبرئ ذاته. أما الأعذار فإنها تحاول أن تغطي علي الخطية أو تخفف من ثقلها, لا أن تتوب عنها.. أما البر الذاتي فهو أخطر, لأنه ينكر وجود الخطيئة أصلا. إنه أخطر من الاعذار التي تعترف بوجود خطيئة, وإنما تحاول أن تهرب من مسئوليتها أو تقلل منها. وعجيب أن الهاربين من مسئولية أخطائهم: إن واجههم احد بخطاياهم يجادلون كثيرا ولا يعترفون.
إن الأخطاء التي نعترف بسقوطنا فيها, هي التي نتوب عنها ونطلب عنها مغفرة. ولسنا نندم فقط علي الخطايا التي نعرفها ونعترف بها, بل نحتاج أيضا أن نندم علي خطايا أخري يكشفها الله لنا فيما بعد, أو تنكشف لنا من خلال قراءتنا الروحية, أو مانسمعه من العظات ومن أفواه المرشدبن فنبدأ أن نتوب عنها. وهكذا ننمو في توبتنا. لأن مقايسنا الروحية تصبح أكثر حساسية وموازيننا الروحية تصبح اكثر دقة. فلا نعرف فقط أخطاءنا, إنما بالأكثر نشعر بثقل هذه الخطايا وبشاعتها. ومن الجائز أن فضائلنا التي نفتخر بها الآن نلوم ذاتنا بسببها فيما بعد بسبب صآلتها وتفاهتها وضعف مستواها, كلما تتسع أمامنا الآفاق الروحية. خير لنا مادمنا في الجسد, ومادامت أمامنا فرصة للتوبة, أن نعترف بأننا أخطأنا ونتوب قبل أن يغلق الباب.
والتائب الذي يشعر ببشاعة الخطية, يشعر أيضا بالخجل منها, وكأنه يقول لنفسه كيف أمكن أن أسقط وأصل إلي هذا المستوي؟! أين كان عقلي وأين كان ضميري؟ كيف ضعفت وكيف استسلمت؟! إنه يخجل من خطيئته التي تتعب ذاكرته وتطارده, كأنها سياط من نار تلهب ضميره. إنه يخجل من محبة الله له, وكيف أنه قابل محبة الله بالجحود والنكران وبالخيانة أيضا!.
ويخجل أيضا من ان الله كان يراه في سقطاته, الله الكلي القداسة والكمال.. ويخجل من طول أناة الله عليه وكيف صبر عليه! ويخجل من أرواح القديسين والملائكة, الذين كانوا يرونه في سقطته ويتعجبون ويصلون من أجله لكي يقوم.. بل يخجل أيضا من أرواح أقربائه وأصدقائه الذين انتقلوا من هذا العالم, وكيف أنهم لابد يتعجبون من حالته.. بل يخجل أيضا من اعدائه الذين يشمتون به إن عرفوا سقطاته.. بل يخجل من وعوده التي وعد بها الله من قبل, وكيف أنه حنث بكل عهوده.
وفي خجله من خطاياه تصغر نفسه في عينيه لسبب مايراه من سقوطها وضعفها. لكل ذلك نحن نطوب التائبين الذين يشعرون بالخزي من خطاياهم.
ومن علامات التوبة الحقيقية:الندم وتحمل آلام وخز الضمير وتبكيته, وكذلك قبول العقوبات التي يفرضها علي نفسه أو التي تفرض عليه من المجتمع فيقبلها برضا وبغير تذمر ولاشكوي, وهو شاعر أنه يستحق كل هذا. وازدياد ندم الإنسان وألمه علي خطاياه السابقة إنما يدل ذلك علي حساسية في قلبه المرهف وضميره الدقيق. وصدق القديس أنطونيوس الكبير حينما قال: إن ذكرنا خطايانا, لايذكرها لنا الله, وإن نسينا خطايانا يذكرنا بها الله. نعم اذكر خطاياك لكي تعرف ضعفك فتحترس وتدقق فيما بعد. واذكرها لكي تعرف كم غفر الله لك في توبتك. وبندمك ولومك لنفسك علي خطاياك, تصل إلي حالة من الاتضاع, التي تبكت بها نفسك علي سقوطها, ولايعود قلبك يرتفع وتتكبر وبلومك لنفسك ومعرفتك بضعفها, تقتني الشفقة علي المخطئين.
ومن علامات التوبة إصلاح نتائج الخطأ. الإنسان الذي ظلم غيره من قبل من المفروض في توبته أن يرد إليه اعتباره. والذي سرق من أحد يجب عليه أن يرد المسروق بقدر استطاعته والذي شهر بغيره وأساء إلي سمعته ينبغي عليه أن يصلح ذلك أيضا.
وإن كان إصلاح نتائج الخطية غير ممكن, فعلي الأقل يجب أن تنسحق النفس لهذا السبب إذا ارتكب الإنسان خطايا من الصعب علاج نتائجها.
إن التائب الحقيقي الذي شعر بضعفه لايركز علي خطايا غيره, إنما علي خطاياه وحده, كذلك ينبغي أن يغفر لغيره ما أساء به إليه, كما غفر الرب له.
|