مَجْدي ورافعُ رأسي
أَمَّا أَنْتَ يَا رَبُّ فَتُرْسٌ لِي. مَجْدِي وَرَافِعُ رَأْسِي. بِصَوْتِي إِلَى الرَّبِّ أَصْرُخُ، فَيُجِيبُنِي مِنْ جَبَلِ قُدْسِهِ ( مز 3: 3 ، 4)
هوذا واحد من أولاد الله في شدة وكَرب، تغمره سلسلة من الأزمات الخانقة. فابنه المحبوب ”أَبْشَالوم“ يقوم عليه ويفتن عليه المملكة، ويغتصب منه العرش ( 2صم 15: 12 ). و”أَخِيتُوفَل“ مُشيره وموضع ثقته ينضم إلى الفتنة، ويطلب قتله ( 2صم 15: 12 ، 13). وهكذا خرج داود و«كان يصعد باكيًا، ورأسهُ مُغطى، ويمشي حافيًا» ( 2صم 15: 30 ). ولكن مهما يكن ظلام الأيام، ومهما يكن شر الأعداء الثائرين، ومهما تكن ضخامة الحيَل الشيطانية، فالله نفسه «تُرْسٌ» للمؤمن ( مز 3: 3 ). والكلمة «تُرْسٌ» هنا تَرِد في الأصل بمعنى: ”تُرْسٌ محيطٌ“؛ أي حِمى يحيط بالمؤمن من كل جانب. حِمى تام ودفاع كامل. هكذا قال الله قديمًا لأبرام: «لا تخف يا أبرام. أنا ترسٌ لكَ» ( تك 15: 1 ). ويتغنى موسى في نشيده الوداعي: «مَن مثلكَ يا شعبًا منصورًا بالرب؟ تُرس عونِك وسيفِ عظمتكَ فيتذلل لك أعداؤك، وأنت تطأ مرتفعاتهم» ( تث 33: 29 ).
والرب ليس ترسًا فقط، بل هو أيضًا «مَجْدٌ»؛ «مجدي ورافع رأسي»، إذ من الرب استمد داود كرامته المَلَكية، وهو يعلم أن الله لا بد وأن يرُّد له كرامته وعزته. فإن المؤمن الواثق بالرب يستطيع أن يخاطبه قائلاً: «أنت يا ربُّ ... مجدي»، تمامًا كما كان المجد يضيء قديمًا للشعب في ذات السحابة التي كانت تظللهم. ومن ثم يقدر أن يزيد على هذا قوله: «ورافع رأسي». فليست الكبرياء هي التي تمنح القديس رأسًا مرتفعًا، رمز العزة والكرامة، ولا حتى مجرد الشجاعة الطبيعية، بل إدراكه الحقيقي لله «أهيه» الكائن إلى الأبد. الاسم الذي حمله موسى قديمًا إلى قومه قائلاً: «أهيه أرسلني إليكم»، وما في ذلك الاسم من مدلول القدرة على الخلاص. ومن هنا استطاع داود أن يصرخ إلى الرب، واثقًا أنه يُجيبه من «جبل قُدسهِ» كناية عن ”صهيون“ مقر التابوت، باعتبارها المركز الذي فيه يمارس الرب سيادته الأرضية ( مز 2: 6 ).
بيد أن هذا ليس معناه أنه قد نجا من الضيق، فقد كان داود هاربًا من ”أَبْشَالوم“، طريد البرية، يتعقبه أعداؤه، لكنه يحدثنا في هذا المزمور كيف استطاع أن يستودع أمره لله. وإنه أمر عظيم أن نفعل ذلك في تجاربنا، فلا نعتز بقوة نتصوَّرها في نفوسنا فنستند عليها، أو إمكانيات نعتمد عليها، بل نستودع الكل بين يدي إلهنا القادر على الخلاص من كل الضيقات.