|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
* ألا ترونه بالحق قد جاء إلى أقصى الفقر المدقع، حتى يستحيل أن تجدوا شخصًا تقارنونه به؟ لأنه كيف يمكن أن يوجد من هو أكثر فقرًا من إنسانٍ عارٍ ليس لديه سقف يأوي تحته؟ نعم، ولم يكن في قدرته أن يتمتع حتى بالأرض بل جلس في مزبلة. لهذا حينما تجدون أنفسكم قد بلغتم إلى الفقر، تأملوا آلام البار، وللحال تقومون وتنفضون عنكم كل فكر للقنوط. تبدو هذه المحنة للبشر القاعدة لكل الآلام مجتمعة معًا. أما المحنة الثانية التي تليها، بل بالحري تسبقها فهي أحزان الجسد. من صار هكذا معاقًا مثله؟ من احتمل مرضًا كهذا؟ من قبل أو سمع عن أحدٍ سقط تحت أحزانٍ عظيمة هكذا؟ لا أحد. كان جسمه يبلى قليلًا قليلًا، وسيل من الدود يصدر عن أعضائه من كل جانب، يفيض هذا السيل الجارف بلا توقف، وتحيط به الرائحة النتنة بقوة، ويتدمر الجسم شيئًا فشيئًا، وجعل الفساد مع عفونة كهذه طعامه مرًا، وصار الجوع بالنسبة له غريبًا وفذًا. لم يكن قادرًا أن يتمتع حتى بقوتٍ يُقدم له، إذ يقول: "أرى طعامي قد صار كريهًا" (7:6). حينما تسقط تحت ضعفٍ يا إنسان، تذكر ذاك الجسم المقدس. فقد كان جسدًا مقدسًا وطاهرًا حتى وهو مُصاب بجراحات كهذه... لكن قد يقول أحد، كانت له تعزية عظيمة وراحة، إذ عرف أن الله هو الذي جلب هذه المتاعب عليه. هذا في الواقع يجعل اضطرابه أشد وأكثر ارتباكًا، أن الله البار الذي خدمه بكل وسيلة دخل في حرب معه... يقول: "تستذنبني لكي تتبرر أنت" (8:40). إذ شعر بالذنب قال: "وضعت يدي على فمي. مرة تكلمت، فلا أجيب، ومرتين، فلا أزيد" (5:40). مرة أخرى يقول: "بسمع الأذن قد سمعت عنك، والآن رأتك عيني. لذلك أرفض وأندم في التراب والرماد" (5:42-6). لكنك إن كنت تفكر أن في هذا كفاية للتعزية، فإنك قادر أن تختبر ذات التعزية. وإن كنت لا تعاني شيئًا من هذا من يدي الله، بل من غطرسة البشر، فلتشكر الله ولا تجدف على ذاك القادر أن يمنعهم بالحق. وإن كان قد سمح لهم بذلك فلأجل امتحانك، فمن يتألم بالآلام من يدي الله يُكلل. هكذا أنت أيضًا تُكلل، لأنك تحتمل المصائب بتقوى، تلك التي جلبها الناس عليك، شاكرًا ذاك القادر أن يصدهم عن ذلك، لكنه لم يرد ذلك . القديس يوحنا الذهبي الفم |
|