يُلقي متى الإنجيلي مسؤولية الْعَمَى على البشر، لا على الله، حيث أنَّ عدم تمييز سرّ المَلكوت في يسوع يزيد الْعَمَى عن رؤية هذا المَلكوت "لأنهم لا يَسمَعون ولا هم يَفهَمون". إذ يتقرّر الدخول إلى المَلكوت أو الانفصال عنه بقبول شخص يسوع وتعليمه بالأمثال أو برفضهما، وليس هناك من مجال للحياد. كما كان في زمن أشعيا كذلك في زمن الرَّبّ، أغمض اليهود عيونهم عن الحقِّ الرُّوحي. فمن لم يكتشف سر المَلكوت في يسوع، زاد عَمَى على عَمَى، لانَّ الدُّخول إلى المَلكوت أو الابتعاد عنه يتقرران في قلب السَّامعين: من رفض شخص يسوع وتعليمه رفض المَلكوت، ومن تقبل يسوع تقبّل المَلكوت. ليس هناك موقف حيادي: إمَّا أن نختار الخلاص، وإمَّا الهلاك. "وأَمَّا أَنتُم، فَطُوبى لِعُيونِكم لأَنَّها تُبصِر، ولآذانِكم لأَنَّها تَسمعَ". فنحن نبصر حين نؤمن، ونسمع حين نطيع. الذين يفتحون قلوبهم على الكَلِمة، يسمعونها ويفهمون، ويلتزمون بطريق الله، ويدخلون في هذا السِّر ويحملون ثمرًا. غير أنَّ الكَلِمة تبقى لغزًا لا مفهومًا للذين ينغلقون عليها، فيعيشون حياة سطحيِّة أو يظلُّون عبيد أهوائهم.