الذات في الخدمة
+++++++++++
إن الشيطان إذا وجد الإنسان حريصاً يقهر ذاته في كل ملاذ الجسد ، قد يحاول أن يدخل معه في حرب أخري ، لكي يجعل للذات مجالاً للظهور في محيط الخدمة !
وما أسهل أن يجد الإنسان في الخدمة مجداً وظهوراً واشباعاً للذات .
ما أسهل أن يتخذ إنسان العظة لعرض معلوماته ، والإعلان عن مواهبه ومعارفه ، حتى إن كان كل ما يقوله بعيداً كل البعد عن خلاص النفس وعن موضوع العظة ! ويقف الشيطان ضاحكاً راضياً عن العظة التي تهلك الواعظ ، ولا تفيد أحداً من الموعوظين !
ما أسهل أن الخادم يربط المخدومين بشخصه وليس بالله . أو يكون منهم فريقاً يناصره إذا تعب . وهنا تبدو الذات واضحة .
أما الروحيون فهم ليسوا كذلك .
العظة بالنسبة إليهم هي محاولة مخلصة للدخول إلى أعماق النفس لأجل تطهيرها وتقريبها إلى الله ، بترك خطاياها ، وبمحبة الخير والله ، أياً كانت اللغة أو الأسلوب .
فالمهم هو الهدف الروحي .
شتان بين عظة يخرج منها السامعون قائلين [ هذا واعظ علامة ] وبين عظة يخرجون منها قائلين نريد أن نتوب ...
ذاته الواعظ أو المعلم أو الكارز ، ليست هي الهدف ، إنما الهدف هو خلاص النفس . والواعظ الناجح هو الذي يكسب نفوساً للرب ، وليس الذي يكسب تقديراً شخصياً من سامعيه ... وما أجمل قول المرنم في المزمور :
" ليس لنا يارب ليس لنا . لكن لاسمك القدوس أعط مجداً " ( مز115 : 1 ) .
العظة هي أن نكشف للموعوظ ذاته وحروبه : ونعلمه كيف يدين ذاته وكيف ينتصر عليها : لا أن نقدم له معلومات لا يدان في اليوم الأخير على جهله أياها !
ولو أن كل واعظ نقي عظته من الذات ، وركزها على خلاص الآخرين ، لكسبنا للملكوت كسباً عظيماً ...
" ينبغي أن ذاك يزيد . وإني أنا أنقض " ( يو3 : 30 ) .
وهكذا كان يوحنا يحول كل محبة الناس إلى المسيح ويختفي هو . إنه لم يأت ليشهد لنفسه ، وإنما " ليشهد للنور ، ليؤمن الكل بواسطته " ( يو1 : 7 ) .
جاء يعد الناس لاستقبال المسيح ، ويهيئ له شعباً مستعداً ( لو1 : 17 ) وينجح يوحنا في رسالته لاختفاء ذاته . ونسجل هنا حقيقة هامة :
هناك أمران تنجح الخدمة بهما :
1 ـ أن يكون الله هو الهدف .
2 – وإن يكون الله هو الوسيلة ولا تكون الذات هدفاً ولا وسيلة .
ذلك لأن كثرين يعتمدون على ذاتهم في الخدمة اعتماداً أساسياً ، على ذكائهم ومعلوماتهم وتأثيرهم الشخصي كما يعتمدون على شهرتهم وهيبتهم في قبول الناس لتصرفهم ولكلامهم .. ! وأين الله ؟
وإذ لا يدخل الله في الخدمة ، تفشل وتظهر الذات . وإذ تقل الصلاة في الخدمة ، تضع لأن الله لم يباركها .
إن خدمة الروحيين لها طابعها الخاص : تشعر فيها أن الله هو الي يعمل . وهو الذي يبارك كل خطوة وأنها ليست نتيجة فلان أو فلان ...
لذلك يوجد أيضاً السلام في محيط الخدمة ، وتوجد المحبة أيضاً والتعاون . وليس فقط كل واحد يختفي لكي يظهر الله ، إنما أيضاً يختفي لكي يقدم غيره من الخادمين على نفسه .
أما إن وجد في الخدمة بولس وأبولس . فهنا توجد الذات . وتوجد معها الشقاقات ( 1كو3 : 3 ، 4 ) .
ولهذا نصح السيد المسيح تلاميذه بأن يبعدوا الذات عن محيط الخدمة ، حينما فكروا من يكون الأول فيهم . وقال لهم :
" لا يكون هكذا فيكم ، بل من أراد أن يكون فيكم عظيماً ، فليكن لكم خادماً كما أن ابن الإنسان لم يأت ليخدم بل ليخدم . ويبذل نفسه فدية عن كثيرين " ( مت20 : 26 – 28 ) .
وما أجمل قول الشيخ الروحاني :
[ كل مكان حللت فيه . كن صغير أخوتك وخديمهم ]
إن محبة الرئاسة حرب شديدة قد تعمل على إفساد الخدمة . وكذلك التنافس ومحبة الظهور . وكلها ناتجة عن الذات .
وهذه كلها عالجها السيد المسيح بمبدأ " المتكأ الأخير " لو14 : 10 ) .