|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مزمور 119 (118 في الأجبية) - قطعة ط - تفسير سفر المزامير 9 - ط خير لي أنك أذللتني [65 - 72]إن كانت الوصية -في عينيْ المرتل- تهيئ المؤمن للعرس السماوي، وتحول كل زمانه -حتى نصف الليل- إلى حياة شكرٍ وتسبيحٍ، فإنه يحتاج إلى يدّ الله المترفقة والمؤدبة في نفس الوقت لكي تدفعه إلى طلب وصاياه. في هذا الاستيخون يرى المرتل تناغمًا بين لطف الله وتأديباته، ففي رعايته الفائقة لأولاده يحول مضايقات الأشرار إلى بنيان نفوس أولاده، ويحسبها تأديبات لنموهم. 1. غاية لطف الله 65،66. 2. التأديب الإلهي وحفظ الوصية 67. 3. التأديب والشكر 68. 4. بين تأديبات الله وظلم المتكبرين 69-72. من وحي المزمور 119 (ط) 1. غاية لطف الله "خيرًا صنعت مع عبدك يا رب بحسب قولك. صلاحًا وأدبًا ومعرفة علمني، فإني قد صدقت وصاياك" [65-66]. كانت إحساسات النبي أن الله يصنع معه خيرًا، حتى إن بدى له كأنه في مرارة. فهو الله صانع الخيرات، يقدم لنا أفضل مما نستحق، يحبنا ويرعانا حتى إن بدت رعايته حازمة، ويخطط دائمًا لخلاصنا ونمونا ومجدنا. يرىالقديس أغسطينوس أن الكلمة اليونانية المترجمة "خيرًا" تعني "عذوبة" أو "حلاوة"، حيث يعطي الرب عذوبة للنفس عند ممارستها للخير وطاعتها للوصية. يمكننا القول أن ما يصنعه الله مع عبده، حتى السماح بالضيقات والمذلة يحمل عذوبة روحية لم يدرك ثمارها وغايتها. لكن بعض المترجمين فضلوا كلمة "خيرًا"، لأن العذوبة يُمكن استخدامها حتى للملذات الجسدية والشهوات الشريرة. * أظن أنه لا يُفهم من هذه الكلمات: "تتعامل بعذوبة مع عبدك" سوى: "جعلتني أشعر بلذة فيما هو صالح". عندما ابتهج بالصلاح، هذا عطية عظيمة من قبل الله. أما عندما يُمارس العمل الصالح الذي تأمر به الشريعة، خوفًا من العقاب، لا بسبب عذوبة البرّ، أي عندما يخاف الإنسان الله ولا يحبه، فهو يمارس عمل العبيد لا الأحرار (يو35:8؛ 1يو18:4). القديس أغسطينوس * الله إله لطيف وصارم كما يقول الرسول بولس (رو 22:11). اللطف نحو الذين يظلون ثابتين في الإيمان، والصرامة تجاه الذين يبتعدون عن الإيمان.إذ كان القديس ثابتًا في الإيمان، قال: "خيرًا صنعت مع عبدك". بقوله: "مع عبدك" يريد أن يوضح أن لطف الله وصلاحه لا يتمتع بهما أحد مصادفة، وإنما الذي يخدمه، وبقوله "حسب قولك" يوضح أن لطف الله إنما يقدم للإنسان بهدفٍ وباعثٍ رشيدٍ. لرغبته في معرفة العلامة الحكيمة والرشيدة لهذا اللطف لا يطلب معلمًا آخر سوى الله الذي يعلمه... "صلاحًا وأدبًا ومعرفة علمني" [66]. إنه يدعو الفضائل الأدبية (كالتواضع والعفة والقناعة) أدبًا. ويدعو الفضيلة العقلية معرفة، كقول سليمان الحكيم في سفر الأمثال: "خذوا تأديبي لا الفضة، والمعرفة أكثر من الذهب المختار" أم 10:8. هكذا ينتفع بمكاسبٍ عملية (أدبًا) وعقلية (معرفة). العلامة أوريجينوس * ترجم سيماخوس "خيرًا صنعت..." "حسنًا صنعت مع عبدك"... ليدرك الإنسان المثقف بالإلهيات العمل الإلهي معه فيعرف أن لطف الرب إنما يأتي على الذين يجعلون الرب أمامهم، فيتأهلون لحمل لقب "عبيد" الرب.يوسابيوس القيصري لخص المرتل كل خبرة حياته في العبارة: "خيرًا صنعت مع عبدك" حياته من كل جوانبها الروحية والأسرية وفي العمل حتى الجسدية يتلمس فيها يدّ الله صانع الخيرات، الذي لا يكف عن أن يحوِّل كل شيء حتى مقاومات الأعداء إلى خيرنا، لنقول مع يوسف الحكيم: "أنتم قصدتم لي شرًا، أما الله فقصد به خيرًا" تك20:50.إذ سبق فرأى في الله عريسًا لنفسه، ونصيبها الأبدي، الآن يراه صانع خيرات معه، يتعامل معه شخصيًا، محولًا شدائده إلى ما هو لخيره، فصارت مراثيه تسابيح مفرحة. مرة أخرى يؤكد أن ما يتحقق إنما يقوم على وعود الله الصادقة: "بحسب قولك صلاحًا وأدبًا ومعرفة علمني، فإني قد صدقت وصاياك" [66]. من جهتنا إن فعلنا كل ما أُمرنا به نقول "إننا عبيد بطالون" لو10:17، أما ما نناله من بركات فهي لأمانة وعود الله السخية. خشي المرتل لئلا يظن في الله إنه قاسٍ أو عنيف حينما يسمح له بتجربة قاسية، لهذا مع تصديقه وصايا الله ووعوده، يطلب منه ألا يكف عن أن يعلمه: "صلاحًا وأدبًا ومعرفة" [66]. كأنه يقول: أراك وسط ضيقاتي الله الصالح المؤدب واهب المعرفة! أية معرفة تمتع بها المرتل وسط ضيقاته؟ عرف أن الله صالح، أنقذه من التراخي والكسل والآنحراف بالتأديبات أو دخوله في حالة تذلل. لقد هزته عواصف التجارب لا لتحطمه بل لترده إلى صوابه بحفظ الوصية. يرى القديس إكليمنضس الإسكندري في هذه العبارة سمو المعرفة بشكل واضح: [سمو المعرفة واضح كما وضعه النبي في الكلمات: "صلاحًا وأدبًا ومعرفة"، حيث يقدمها كما في درجة عالية كأساس يقود إلى الكمال1.] * "فلهذا حفظت وصاياك". إذ انهمكت وتأملت بحكمة في الوصايا التي وهبتني إياها آمنت بها حتى حفظتها. امنحنى إذن الحكمة بتعليمي الصلاح والأدب والمعرفة. تتفق هذه الطلبة مع القول: "يا ابني إن رغبت في الحكمة احفظ الوصايا، فيهبها لك الرب" ابن سيراخ 33:1. القديس ديديموس الضرير أدرك المرتل أن الفهم هو عطية إلهية، إذ يقول: "عبدك أنا، فهمني" [125]. لهذا لا يكف عن الصراخ إلى الله كي يعلمه ويهبه معرفة متزايدة، كما يقول "صلاحًا وأدبًا ومعرفة علمني" [66].* يصلي من أجل هذه الأمور لكي تزداد وتكمل. فإن الذين قالوا "يا رب زد إيمإننا "لو5:17 كان لهم إيمان. مادمنا نعيش في هذا العالم فإن هذه الكلمات تعطينا تقدمًا. لكنه يضيف كلمة "فهمًا" أو كما وردت في أغلب النسخ "أدبًا2 discipline". الآن فان كلمة "أدبًا" كما جاءت في اليونانية... تُستخدم في الكتاب المقدس حينما يُفهم التعليم من خلال الضيق، وذلك مثل: "الذي يحبه الرب يؤدبه ويجلد كل ابن يقبله" عب 6:12. في أدب الكنيسة يُدعي "أدبًا". تُستخدم هذه الكلمة في اليونانية في الرسالة إلى العبرانيين حيث يقول المترجم (اللاتيني): "ولكن كل تأديب discipline في الحاضر لا يُرى أنه للفرح بل للحزن" عب11:12. لذلك ذاك (المرتل) الذي يتعامل معه الله بعذوبة، بمعنى الذي برحمته يبث فيه البهجة في عمل الصلاح لا يكف عن الصلاة باستمرار حتى تنمو فيه هذه العطية، فتهبه أن يحتقر كل الملذات الأخرى بالمقارنة بها، بل ويكون مستعدًا لاحتمال أي نصيب من الآلام من أجلها. هكذا بطريقة صحية يُضاف التأديب إلى العذوبة. هذا التأديب يلزم ألاَّ يُرغب فيه ويُصلي من أجله لأجل قياس قليل من النعمة والصلاح، أي من الحب المقدس، بل من أجل قياس عظيم هكذا حتى لا ينطفئ بواسطة التأديب... القديس أغسطينوس 2. التأديب الإلهي وحفظ الوصية "قبل أن أتواضع (أذلل) أنا تكاسلت، فلهذا حفظت أنا كلامك" [67]. كثيرون يتذللون أثناء الضيق فيعرفون أنفسهم، ويدركون ضعفهم، ويتضعون أمام الله، ويمارسون عبادته بإخلاص وفي جدية. وربما بغير الضيق ما كانوا يتمتعون بهذا كله. لقد اختبر داود النبي نفسه ذلك، ففي فترات ضيقه كان ملتصقًا جدًا بالله، وكان قلبه أيقونة حيَّة لقلب الله. أما وقد بنى له قصرًا وترك قيادة المعركة لغيره وتمشى على السطح انحرف إلى سلسلة من الخطايا وكاد يهلك لو لم يُرسل له الله ناثان النبي لإيقاظه، ثم لحقته المتاعب والضيقات بلا توقف. * يقول إنه بسبب الخطايا التي سبق فارتكبتها يذلني الله بتأديبه، لهذا احتاج أنا الذي سُلمت إلى التأديب إلى التعلم لكي أفهم أن ما لحق بي من مذلة إنما كان لأجل الصلاح والتأديب. البابا أثناسيوس الرسولي * يوجد سببان لحكم الله عليه هكذا، إذ يوقع على البعض عقوبة بسبب أخطائهم، وعلى آخرين لكي يمتحنهم ويعلن استحقاقهم. إذ يعلم المرتل موقفه السيء يعترف إنه قد أخطأ، ومع هذا يقول: "حفظت أنا كلامك". فمع أنني تذللت بسبب ارتكابي الخطية، إلا أنني تخلصت من المذلة لأنني حفظت قولك وأنجزته باستقامة.القديس ديديموس الضرير * يقول أوريجينوس وثاؤدورس: إننا نخطئ بفكرنا قبل سقوطنا في المعصية التامة التي تذلنا وتخضعنا للشيطان، فنتصور الخطية في خيالنا، ونقبلها في ذهننا... بهذا نفتح المجال لدخولها.أنثيموس أسقف أورشليم * من الصالح لأواني الرحمة أن تشعر أنه بطرح الكبرياء تُحب الطاعة، ويهلك البؤس ولا يعود مرة أخرى.القديس أغسطينوس يبدو أن الأوريجانيين قد أساءوا فهم هذه العبارة وغيرها مثل قول المرتل: "اخرج نفسي من الحبس" مز7:142 فقالوا إن النفس أخطأت وضلت لذلك دُفنت في جسد بشري كعقوبة لها1. 3. التأديب والشكر مادام تأديب الله لنا نابع عن صلاحه وحبه لنا، كي يدفعنا إلى حفظ وصاياه عوض عصياننا، لهذا نشكره على كل ما يحل بنا، حاسبين تأديباته عطية من قبل عنايته الإلهية. عوض التذمر نقدم شكرًا له، وعوض الاعتراض على أحكامه نطلب أن يعلمنا حكمته. "صالح أنت يا رب، فبصلاحك علمني حقوقك" [68]. * يقول البعض "حلو أنت يا الله" [68] أو "صالح أنت يا الله"، كما سبق لنا معالجة هذه الكلمة، "فبعذوبتك علمني أحكامك". بالحق يرغب أن يمارس برَ الله، إذ يرغب في ذاك الذي يقول له: "حلو أنت يا رب". القديس أغسطينوس * بفحصي لذاتي أعرف أنني أخطأت فعلًا، وبإدراكي لصلاحك أعرف أنك صالح وعندك الصلاح، لذلك أطلب أن أتعلم منك حقوقك وأحكامك أنت لا أحكام آخر غيرك.القديس ديديموس الضرير يرى يوسابيوس القيصري أن الكلمة اليونانية لا تعني أن الصلاح مجرد سمة وإنما تمس جوهر الله بكونه هو الصلاح في ذاته. يعرف المرتل ذلك جيدًا، أن الله هو الصلاح، ومع هذا فهو يحتاج إلى الله لكي يرشده بنفسه ويعلمه أحكامه وحقوقه ويتفهم الصلاح.شتان بين المعرفة العقلية المجردة أن الله صلاح وحب، وبين أن يكشف الله لنا عن صلاحه وحبه ولطفه، فنذوق ونختبر الله عمليًا في حياتنا. الله الكلي الصلاح يُحول نفوسنا الفاسدة إلى شركة طبيعته! هذا ما يبعث فينا روح الشكر والتسبيح لله "الصلاح". بمعنى آخر لسنا نسبحه بأفواهنا ونشكره بألسنتنا، إنما تسبحه قلوبنا وتتغنى به طبيعتنا بشركتها في حياته وتمتعها بخبرة صلاحه فيها! مع كل معرفة صادقة يمتلئ القلب فرحًا واللسان تسبيحًا، ومع كل جهالة تمتلئ النفس تذمرًا ويضيق القلب جدًا... لهذا لا يخجل المرتل من أن يطلب على الدوام: "علمني". 4. بين تأديبات الله وظلم المتكبرين تسبح نفوسنا صلاح الله الذي يجدد طبيعتنا بعمل نعمته مستخدمًا اللطف كما الحزم، الحنو كما التأديب. فإن معاملاته معنا غير معاملات الناس، خاصة معاملات المتكبرين معنا. الرب يؤدب خلال أبوته الحانية أما المتكبرون فيبثون روح الظلم. "كثر على ظلم المتكبرين، وأنا بكل قلبي أبحث عن وصاياك" [69]. إن كان ظلم المتكبرين قد انهال على المرتل حتى صار ككومة عظيمة، لكن هذا كله لم يفقده البحث عن وصايا الله بكل قلبه، علة هذا خبرته بعذوبة الوصية. * يقول: على أي الأحوال إذ يتزايد الظلم لا تبرد فيَّ المحبة (مت12:24). كأنه يقول: الذي فيه عذوبة الله يتعلم برّ الله. فبالنسبة لوصايا ذاك الذي يعيننا بقدر ما تكون عذبة يحب الله ويطلبها، لكي يتممها عندما يتعرف عليها، ويتعلمها بممارسته إياها، فإنها تُفهم بأكثر كمالٍ عندما تُمارس. القديس أغسطينوس * كلما اصطف إنسان بار إلى جانب الله امتلأ فيه سلام الرب، وفي نفس الوقت يكثر ضده المتكبرون كمصارعين أقوياء؛ هؤلاء يبتغون له الشر، سواء كان هؤلاء بشرًا أو قوات شريرة. على أي الأحوال، عندما يحدث هذا لا يمتنع البار عن حفظ وصايا الله بكل قلبه حتى يمكنه أن يفهمها ويتممها. يتحول قلب هؤلاء المتكبرين من اللطف والحنان إلى القساوة. وكما يقول المرتل: "تجبن مثل اللبن قلبهم، وأنا لهجت بناموسك" [70]. قبل الكبرياء كان قلبهم لينًا ووديعًا وصالحًا حتى يمكن مقارنته باللبن الذي يغذّى. لكنهم إذ لبسوا الكبرياء تصلب قلبهم وتقسى، وتحول اللبن إلى "جبن" (في صدرهم). وكما يقول المرتل: "قلبهم السمين قد أغلقوا، بأفواههم قد تكلموا بالكبرياء" مز 10:17. ويقول إشعياء النبي: "غلظ قلب هذا الشعب" إش 10:6. ربما أراد هذا النص القول بإننا كما نستخدم ثدييْ الأرض كأكثر الأعضاء خصوبة وجمالًا هكذا قلب الحكماء مثل ثديين مملوئين لبنًا يغذى من يرغب فيه. "اللبن العقلي العديم الغش" 1بط 2:2. لكن إذا ما تحول هذا الإنسان إلى الشر يتجبن فيهم ما كان لهم من لبن جيد، لذلك يقول المرتل: "تجبن مثل اللبن قلبهم" [70]. وإذ يحدث هذا لدى المتكبرين يقول البار: "كثر على ظلم المتكبرين، وأنا بكل قلبي أبحث عن وصاياك... وأنا لهجت بناموسك". العلامة أوريجينوس * الذين يظهرون الكبرياء يدبرون ضدي كل أنواع المكائد، ومع هذا لم أنجذب إلى الفساد والطغيان معهم، لأنني اتبعت وصاياك.الأب ثيؤدوريت * كثير من الماكرين الذين سخطوا على وصاياك، والذين يستخدمون كلمات كثيرة ليحطموا وصاياك (في حياة مؤمنيك)، هؤلاء اتعبونى بسبب ظلمهم، مستخدمين كلمات مخادعة، قادرة أن تبعد غير الثابتين في الرب عن وصاياك، لكنني في غيرتي واشتياقي نحو هذه الوصايا بكل قلبي حفظتها. لهذا فإنني إذ تأملت خلال هذه التجربة القاسية جمال وصاياك أدنت جميع الذين يريدون إبادة هذه الوصايا.القديس ديديموس الضرير * يقول لقد بلغت عجرفتهم وكبرياؤهم إلى الحد الذي فيه غلظ قلبهم وتجبن بسبب طابعهم المادي.البابا أثناسيوس الرسولي * بعدما سقاهم معلموهم "اللبن العقلي العديم الغش" 1 بط 2:2، لم يستطيعوا أن يهضموه، بل تراكم وتخثر وتجبّن فيهم... أما أنا فأتلذذ بشريعتك. أُظهر كل غيرتى حتى أفهمها، لأن حكمتها ليس فقط تبدد الضباب، وإنما تحطم أيضًا غلاظة الطبيعة المادية.القديس ديديموس الضرير إن كان الأشرار المتكبرون يبذلون كل الجهد ليحطموا ارتباطي بالوصية، مستخدمين كل خداعٍ وظلمٍ، لكنهم يفقدون اللبن العديم الغش ليتجبّن في صدورهم ويفسد، أما بالنسبة لي فتصرفاتهم تدخل بي إلى المذلة والآنسحاق فأتعلم بالأكثر فرائض الله."خير لي إني تذللت لكي أتعلم فرائضك" [71]. ربما كان الأشرار يستهزئون به قائلين إنهم يعيشون في رفاهية، ينجحون في كل طرقهم، أما هو فحياته كلها متاعب وضيقات، مع ذلك كان يحبهم، عالمًا بأن طريق الضيق يدخل به إلى المعرفة الإلهية. * إذ يتقبل التجارب القاسية والصعوبات التي اعتاد أن يطلق عليها "تذللًا" يقول هذه الكلمات (خير لي إني تذللت) التي تعني: "لذلك أُسر بالضعفات والشتائم والضرورات والاضطهادات والضيقات لأجل المسيح (أنظر 2 كو 10:12)، حتى انني إذ احتمل هذه الآلام أتأهل لتعلم فرائضك. فإنه لن يستطيع أحد أن يعرف فرائضك ما لم يتذلل، محتملًا آلامًا عديدة. العلامة أوريجينوس * هذه الضيقات نافعة للقديسين حتى يمارسوا الاعتدال والاتضاع، فلا ينتفخون بصنعهم المعجزات والآيات الصالحة، لهذا يسمح الله بها لتحقيق هذا الهدف. إننا نسمع داود النبي وبولس يقولأن نفس الشيء. الأول يقول: "خير لي أن أكون في تعبٍ لكي أتعلم فرائضك" [71]، والأخير يقول: "اختطفت إلى السماء الثالثة"، وذهبت إلى الفردوس... "لئلا أفتخر من فرط الإعلأنات أُعطيت شوكة في الجسد، ملاك الشيطان ليلطمني" (2كو 2:12، 4، 7). القديس يوحنا ذهبي الفم * إن كان التأديب للعظماء والصالحين عظيمًا (صالحًا)، كم بالأحرى يكون بالنسبة لنا2؟! القديس يوحنا الذهبي الفم * إذا ما انتاتبنا الضيقات، فلنشكر، فهذا يقربنا لله كما لو كان مدينًا لنا. لكن حينما نشكر ونحن في ترف نكون نحن المدينين ومطالبين بإيفاء الدين... حينما نال حزقيا بركات وتحرر من النكبات ارتفع قلبه عاليًا، وحينما ألمّ به المرض تذلل واتضع فصار قريبًا من الله1. القديس يوحنا الذهبي الفم يختتم المرتل حديثه عن التأديب بتقديره العظيم للشريعة الإلهية أو الوصية التي نتعلمها خلال دخولنا في الضيق والألم، يدعوها "ناموس فمه"، لأن عذوبة الوصية مصدرها أنها حديث شخصي بين الله والمؤمن، يتحدث معه كما لو كان فمًا لفمٍ. يقول المرتل: "ناموس فمك خير لي من ألوف ذهب وفضة" [72]. يتساءل القديس يوحنا الذهبي الفم: هل كان القديس بطرس فقيرًا حينما لم يكن له ذهب ولا فضة ليعطي المقعد؟ * هذا يعنى خير لي الناموس الصادر عن فمك؛ الذي هو المسيح. إني أستهين بالقطع الذهبية والفضية المتألقة لكي أتلذذ بناموس فمك وأتنعم به. يمكننا القول بأن "ناموس الفم" هو ترتيب الكلمات الصادرة عن فم الله: الكلمات الأولى قيلت للمبتدئين، بينما الكلمات التالية قيلت لمن تسلم الأولى حتى يبلغوا الكمال. العلامة أوريجينوس * يقول النبي أنه بالنسبة له خير له شريعة فم الله أكثر من كل شهوات العالم، مشيرًا إلى الشهوات بالقطع الذهبية والفضية المتألقة. القديس أغسطينوس * بالتفسير الرمزي، الفضة تمثل العقل، والذهب يشير إلى الروح، فمع وجود آلاف من القطع الذهبية والفضية التي يستخدمها المجادلون بحكمة العالم في مدارس الفلسفة، إلا أن الذي يعيش الحكمة الإلهية والحق الإلهي يقول: "ناموس فم الرب خير لي". حقًا إن الناموس الصادر عن فم الله هو وحده الذي يمكنه أن يقدم المكسب الحقيقي للذين يتمسكون به.القديس ديديموس الضرير ألوف الذهب أو الفضة قد تضيع أو تسرق أو تمثل خطرًا على حياة صاحبها أما ناموس فم الرب فيقدم غِنى ثابتًا إلى الأبد، لا يستطيع أحد أن ينتزعه منا. بين مضايقات الأشرار وتأديبات الله قلنا أن الأشرار يلقون بحبالهم على أولاد الله لكي يمنعوا عنهم كل منفذ للخلاص، لكن الله في اهتمامه بأولاده يحول هذه المتاعب إلى بركة لنموهم، يحولها إلى تأديبات إلهية لبنيانهم. 1. ملخص حياة المؤمن كلها هي "خيرًا صنعت مع عبدك" [65]؛ هذا هو حكم القلب النقي الذي يعبّر عن شكره لله في كل الأحوال، واثقًا "أن كل الأشياء تعمل معًا للخير للذين يحبون الله" رو 28:8. 2. يستخدم الله التأديبات لينزع عنا الكسل ويحثنا على حفظ الوصية [67]، وقد طلب المرتل مع ثقته في صدق أحكام الله أن يعلن الله عن صلاحه كمؤدبٍ وأن يقدم له معرفة وسط الضيقات [66]. 3. خلال المعرفة الصادقة الإلهية لا نتذمر بسبب الضيقات بل نشكر الله على رعايته، واثقين في حكمته، قائلين له: "حلو أنت يا رب!" [68]. 4. لا تخف من مضايقات المتكبرين، فقد قيل: "كل آلة صُورت ضدكِ لا تنجح، وكل لسان يقوم عليكِ في القضاء تحكمين عليه" إش 17:54. من وحي المزمور 119(ط) يدك تترفق بي حتى في تأديبي! * في تأديبك لي تقدم لي معرفة بناءة، فأتعرف على صلاحك الفائق، تستخدم تأديباتي لبنيان نفسي والدخول إلى الكمال! * إن كان التأديب نافعًا كدواء للعظيم في الآنبياء، فكم يكون نافعًا لضعفي؟! * بتأديبباتك تكشف عن خطاياي فأتذلل أمامك، فاعترف بها وأقدم توبة. بتأديباتك تسندني فأحفظ وصاياك. * حلو أنت يا الله وصالح حتى عند تأديبك لي. تأديباتك لي تبعث فيَّ حياة الشكر لا التذمر. أسبحك لا بلساني فحسب بل وبكل قلبي. * إذ أشكرك ياإلهي وقت الضيق تحسبني دائنًا، فترد الشكر ببركات لا حصر لها . وإذ أشكرك وقت الترف إنما أرد ما عليّ من دين! |
|