رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
* مقدمة في الركابيين: لم يكن الركابيون أصلًا من جماعة إسرائيل بل كانوا من قبيلة القينيين. كلمة "قيني" اسم سامي معناه "حداد"، والقين باللغة العربية معناها "الحداد". لهذا يُظن أن القينيين كانوا حدادين لإسرائيل. لكن هذا القول مشكوك فيه، إذ قيل: "لم يوجد صانع في إسرائيل" (1 صم 13: 19). انضم القينيون إلى الإسرائيليين وهم صاعدون من مصر إلى أرض كنعان (قض 4: 11)، وأظهروا لهم عطفًا جزيلًا، وهذا أسس علاقات ودية بين الشعبين، ويبدو أنهم اعتنقوا معتقدات إسرائيل الدينية، ورافقوهم إلى أرض الموعد. صاروا من أحلاف إسرائيل ولا سيما يهوذا. أُحصوا مع سبط يهوذا في (1 أي 2: 55). يرى البعض أن عدة شعوب تسمّوا بهذا الاسم: 1. أحد الشعوب التي كانت موجودة في أرض كنعان يوم دُعي إبراهيم (تك 15: 19). 2. كان يثرون أو رعوئيل حمو موسى كاهن مديان يدعى القيني (قض 1: 16)، كما يُدعى المدياني (عد 10: 9). هذا يدل على أن القينيين كانوا يسكنون في مديان عند خليج العقبة على ما يُظن. ومديان هو من نسل إبراهيم من قطورة (تك 25: 2). وقد خرج أبناء حوباب ابن حمى موسى من أريحا مدينة النخل (قض 1: 16) مع بني يهوذا إلى البرية التي في جنوب عراد وسكنوا هناك مع الشعب. أما حابر القيني فقد انفصل عن قبيلته ورحل إلى الشمال قرب قادش، وكان على الحياد بين إسرائيل وأعدائهم. لكن إذ لجأ سيسرا رئيس جيش يابين إلى خيمته استقبلته ياعيل زوجته هذه التي قتلته وهو نائم في الخيمة (قض 4: 11، 17، 5: 24). وأما الآخرون فقد ظلّوا في أماكنهم في أقصى الجنوب، لأنه لما ذهب شاوللكي يضرب عماليق أوصى القينيين أن ينزلوا من وسط العمالقة لئلا يلحقهم أذى الحرب وهم فعلوا معروفًا مع إسرائيل عند صعودهم من مصر (1 صم 15: 16)، وكانوا أصدقاء لداود وأرسل إليهم هدايا من الغنيمة (1 صم 30: 29). 3. هناك قينيون رآهم بلعام ساكنين بين الصخور يأسرهم فيما بعد أشور، إذ يقول: "ليكن مسكنك متينًا، وعشك موضوعًا في صخرة، لكن يكون قايين للدمار، حتى متى يستأسرك أشور؟" (عد 24: 21-22). هذا جعل البعض يظنون أن القينيين كانوا يسكنون في مدينة البترا (الصخرة)، التي بيوتها منحوتة في الصخر. وربما كان هؤلاء بقايا القينيين المذكورين في سفر التكوين (تك 15: 19). نخلص مما سبق أن الركابيين ينتسبون إلى يثرون حمى موسى. هذه العائلة التي انسلخت من مديان وارتبطت بموسى، فبعد أن عاد يثرون إلى أرضه بعد أن زار موسى والشعب في البرية (خر 18: 27) سأل موسى حوباب أن يكون للشعب بمثابة عيون ليقودهم في ارتحالهم في البرية (عد 10: 29-32) وعلى الرغم من رفضه لكن أولاده ساروا بإيمان في خطوات شعب الله (قض 4: 11، 1 صم 15: 16). وهم في هذا يشبهون راحاب التي كانت من أريحا وتركتها لتقيم مع شعب الله حيث التصقت بيهوذا، وراعوث الموآبية التي تركت شعبها وآلهتها لتلتصق بإله نعمى، وبوعز الذي من سبط يهوذا أيضًا. هكذا صعد بنو القيني من أريحا مدينة النخل (قض 1: 16) مع (تث 34: 3، 2 أخ 28: 15) ليقيموا مع بني يهوذا جنوب عراد. بيت الركابيين مجتمع ديني، عبارة عن عشيرة أو جماعة تُنسب إلى يوناداب بن ركاب الذي ظهر في أيام إيليا وكان رئيس أحد فروع قبيلة القينيين، ولعله تأثر إلى حدٍ كبيرٍ بتعاليم إيليا. وإذ رأى أن تيار الفساد قد تعاظم جدًا، خصوصًا في المملكة الشمالية التي كانت خاضعة لنفوذ ايزابل وأخاب السيء، تسرب اليأس إلى نفسه، وأصبح الجو كله مسمومًا وخانقًا، ووباء الفساد وحُمى النجاسة في ازدياد مضطرد. أعطت شجاعة يوناداب بن ركاب الركابيين مكانة ممتازة، فقد خرج لملاقاة ياهو بن نمشى بعد مسحه ملكًا على إسرائيل حيث أباد ياهو بيت آخاب الشرير سنة 480 ق.م، وبينما كان ياهو منطلقًا إلى السامرة التقى بيهوناداب بن ركاب فباركه، وقال له: هل قلبك مستقيم نظير قلبي مع قلبك؟ فقال يهوناداب: نعم نعم (2 مل 10: 15)، فهتف ياهو فجأة: "هات يدك"، فناوله إيَّاها وأصعده إلى المركبة قائلًا: هلمَّ معي وانظر غيرتي للرب. من هنا نستنتج أن ياهو كان يعرف يهوناداب جيدًا باعتباره رجلًا مكرسًا لعبادة الرب وكارهًا لعبادة الأوثان لأنه لم يختلط بعبدة البعل في هيكل السامرة قبل قتلهم. أما غاية ياهو فكانت التخلص من كل الذين يعترضون مطامعه فقط، فتعامل مع الشر حسبما يناسب مطامع قلبه، لذلك نراه يقضي على بيت آخاب وخطاياه ولا يتعرض مطلقًا لخطايا بيت يربعام. لقد هدم بيت البعل، لكنه أبقى عجول الذهب. لقد أشهر حربه ضد أعداء الرب مندفعًا بميوله الشخصية ولم يكن يُبالي بشريعة الرب، لذلك نقرأ: "ولكن ياهو لم يتحفظ للسلوك في شريعة الرب إله إسرائيل من كل قلبه، لم يحد عن خطايا يربعام الذي جعل إسرائيل يخطئ" (2 مل 10: 31). أما يهوناداب فلما رأى ياهو يسير في طريق بيت يربعام انسحقت روحه فيه بسبب هذه الإهانات الموجهة إلى الرب، وقاده ذلك إلى أن يلزم نفسه بلون من الحياة يشهد بحكمه الأدبي على الشر وعلى رفضه لأن يمتع نفسه بمباهج الحياة أو حتى لأن يكون مواطنًا في تلك الأرض التي جعلت عبادة الرب مستحيلة بدون النعمة الإلهية. ولما قُسمت البلاد بين الأسباط بقيت هذه الفرقة تمارس حياتها البدائية الصحراوية بعيدًا عن الحضر، وتمسكت بمبدأ عدم شرب الخمر. ولعلها كانت تتمسك أيضًا بالعبادة الأصلية البسيطة كما كان الإسرائيليون في البرية، أي في خيمة الاجتماع دون الهيكل. وقد خشوا إدخال أي شيء حديث على العبادة القديمة، لذلك كان وجودهم في أورشليم كلاجئين فقط. في عصر إرميا يبدو أنهم استقروا في مرتفعات يهوذا، وكان نظامهم في الحياة كما فرضه يهوناداب: تقديس النظام البدوي، وعدم الزراعة، مع الامتناع التام عن شرب الخمر. وعلى هذا يجيء الأصحاح 35 (إر 35) والمتضمن لحادثة بيت الركابيين في ترتيب أدبي جميل لعمل مباينة بين الشعب المتمرد الذي لم يسمع لوصايا الرب إلهه خاصة بعتق العبيد رفقائهم (إر 34) وبين بيت الركابيين الذين أطاعوا وصية أبيهم. إذ كان بنو ركاب أناس إيمان، مخلصين وأمناء، فاستخدمهم الله مثلًا... كانت الفرصة سانحة لهم أن يشربوا خمرًا في أحد المخادع في الخفاء، لكن الوصية بالنسبة لهم لها قوتها في حياتهم الخفية. |
|