|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
“أعطوه خلاً ممزوجاً بمرارة ليشرب” (مت27: 34) لما وصلوا إلى المكان المعروف بالجلجثة، وهو الذى يدعى مكان الجمجمة، أعطوا يسوع “خلاً ممزوجاً بمرارة ليشرب. ولما ذاق، لم يرد أن يشرب” (مت27: 34). كانت العادة أن يشرب المحكوم عليه بالصلب كمية كبيرة من الخل الممزوج بالمرارة، وذلك قبل أن تبدأ عملية دق المسامير الرهيبة فى يديه وقدميه. كان المقصود بذلك هو تخدير أعصاب المصلوب لتخفيف شعوره بالآلام المبرحة، أثناء ثقب يديه ورجليه بالمسامير الضخمة التى تخترق الجلد واللحم والأعصاب، وتخترق الأربطة التى تضم عظام المعصمين والقدمين. وكذلك لتخفيف شعوره بالألم أثناء تعليقه على الصليب، إذ يصير جسده بكل ثقله محملاً على جراحات هذه المسامير.. ولما ذاق السيد المسيح هذا المزيج المخدّر، امتنع عن الشرب، لأنه أراد أن يتحمل الآلام كاملة بلا مخدر.. ليوفى العدل الإلهى حقه.. ليدين الخطية فى الجسد.. ليشفى الإنسان من لذة الخطية المهلكة. بجراحاته شفينا من وجع الخطية، أو بتعبير أوضح من لذة الخطية التى تأسر الإنسان وتسيطر عليه. هذه الآلام التى احتملها مخلصنا هى آلام مخلصة ومحيية، وكان قد وضع فى قلبه أن يشرب الكأس -كأس الآلام- كاملة، كما استلمها من يد الآب فى البستان. وكما وعد الآب فى طاعته الكاملة له.. هكذا فعل ولم يقبل الهروب من الآلام بكاملها بأية صورة من الصور. إن طاعة الوصية لم تكن لتكلف الإنسان أكثر من رفضه لجاذبية الخطية -دون أن يتألم الإنسان- ولكن الإنسان انساق وراء شهوة الخطية مقتطفاً لنفسه الموت والضياع. أما السيد المسيح فكانت طاعته للآب، ليست مجرد امتناعاً عن الشر.. لأن السيد المسيح خالياً تماماً من الشر والخطية ونوازعها، بل كانت طاعته قبولاً للألم من أجل تحرير الإنسان من شهوة الخطية ولذتها وجاذبيتها. وصار قبول الألم والموت هو وسيلة إعلان محبته الحقيقية للكنيسة كعروس له تدخل معه إلى شركة المحبة والألم فى الصليب. صارت شركة الآلام مع السيد المسيح هى وسيلة الكنيسة فى التعبير عن محبتها له، فى جهادها ضد الشيطان ومملكته الروحية، حتى يملك السيد المسيح على حياتها كعريس محبوب قد أسرتها محبته إلى الأبد. وصار الصليب فى حياة الكنيسة هو عنها ولها.. لأنه هو قوة الله للخلاص لكل من يؤمن. فإن “الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات” (غل5: 24).. بل صاروا مستعدين للشهادة من أجل السيد المسيح مثل أولئك الشهداء الذين قد غلبوا الشيطان بدم الحمل وبكلمة شهادتهم “ولم يحبوا حياتهم حتى الموت” (رؤ12: 11). |
|