منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 09 - 08 - 2020, 04:57 AM
الصورة الرمزية walaa farouk
 
walaa farouk Female
..::| الإدارة العامة |::..

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  walaa farouk متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 122664
تـاريخ التسجيـل : Jun 2015
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : مصر
المشاركـــــــات : 366,343

ليلة عاتية في الصحراء 👇🏻👇🏻

صوت صفير حادٍ في الصحراء يجوب أطرافها ،
يضج مضجع الليل الهادئ . الهواء يعصف بالرمّال كما لو كان جبارًا عتيّا يصارع خصمًا هزيلاً ، يدفعه دفعًا ويدور به ثم يطرحه أرضًا تحت ستار الليل وليس من مراقب . الأفاعي دلفت إلى أوكارها فارة من غضب الطبيعة ، والعقارب جمدت عن الحركة
خوفًا من الهلاك تحت أقدام العاصفة الهائجة .

وقف أبا " موسى " كعادته ليصلّي متجاهلاً ما يحدث في الخارج . لقد اعتاد صراع العاصفة مع الصحراء القاحلة . لم يكن الأمر مفاجئاً له ولا غريبًا عليه . لم يكن الإعتياد بسببٍ من وحدته ، ولكنه اعتاد فيما قبل أن يجوب الصحراء بحثاً عن غنائم ، ويقضي لياليه في العراء برفقة رفاق الموت . إلا أن تلك الليلة ليست كباقي الليالي ! لم يدر لماذا ؟

قام من مجلسه ، والتقط شمعة كبيرة من تجويف كان قد حفره في الصخرة وقد ملأه بالقش ، ووضع عليه بعض الشموع والزيت وبعض البقوليات التي كان يأكل منها طوال الأسبوع . حك الصخرة ليشعل منها نارًا وليشعل الشمعة ويضعها في تجويف آخر بجانبه بعيدًا عن القش
. كان ضوء الشمعة كافيًا ليتحرّك في المغارة دونما تعثر . إلا أنّ لهب الشمعة كان يتراقص إذ انسل بعض الهواء من العاصفة الخارجية محيا بها . بدا وكأن لهب الشمعة يَتَفَلَّت من براثن الهواء المتسلّل للمغارة . لم يكن اختباء اللهب في التجويف الصخري كافيًا لينجو من ملاحقة الهواء .
مد يده ودفع الشمعة إلى الداخل قليلاً ليبتعد باللهب عن ملاحقة الهواء .
وقف صامتاً ، بيد أنّ الصمت لم يكن خيارًا في تلك الليلة إذ أنّ الجلبة الخارجية ألقت بظلالها على صمته المعتاد .
حاول أن يغمض عينيه ليستجمع ذهنه بعيدًا عن صراع الطبيعة الخارجي وجلبة الصحراء وزئير الهواء المتزايد .


وفجأة سمع صوتاً مدوٍ يقول : يا موسى ، هيا تعال ، إلى أين تذهب ، الرفقاء في انتظارك ، قد حان وقت تقسيم الغنائم ، واحتساء الخمر ، ورفقة النساء !

انتفض من هول الصوت ونظر حوله بنظرات سريعة في كل اتجاه وكأنه يمشط المغارة الضيقة بحثاً عن الصوت ! إلا أنه لم يجد حركة في المكان سوى ذلك اللهب النافق الذي بدأ يُدَخَّ من حصار الهواء المُنْسلُ من العاصفة .


رفع صوته وقال : يا ربي يسوع المسيح ابن الله الحي ، ارحمني أنا الخاطئ حاول أن يستجمع هدوءه الداخلي ، ليبدأ في صلاته مجددًا . أغمض عينيه ، وبدأ يرتل المزمور : إن لم يبن الرب البيت فباطلاً تعب البناؤون . ...

وإذ بالصوت يعود مجددًا مطلقاً الصدى في أرجاء المغارة الضيقة ، ويقول : يا موسى ، لن تفر منّا الليلة ، ها رفقتك في انتظارك ... أنسيت أوقات اللهو الممتعه ؟


حالما سمع الصوت ، بدأت عيناه ترتعش وهي مغلقة ، أراد أن يحفظ هدوءه دونما أي تعكير ، سجد وَهُمَ يكمل المزمور . إلا أنّ الصوت بدأ يتزايد بشكل مقلق . فتح عينه وهو راكع على ركبتيه ، وهو يقول : من أنتم ؟ أجابه الصوت : نحن رفقة الأمس ، وأصدقاء الأنس ، وصَحبة الجنس ... أنسيتنا بعد أن عشنا معاً طويلاً ؟

أغمض عينيه ، وهو يحاول التجاهل مجددًا لأنه لم يجد أحدًا يخاطبه . إلا أنّ الصوت بدأ يعلو ، وبدأ خيال امرأة يتجمّع في ذهنه من ماضيه وهو تقوم بأمور أصبح يستحي منها منذ آمن بالمسيح ...
فتح عينيه في فزع ، قام من على الأرض وهو يصرخ : يا ربي يسوع المسيح ، ابن الله الحي ، ارحمني أنا الخاطئ .
شَعَرَ أنّ كلّ جسده ينتفض ، وأنّ حركة غير طبيعيّة تتملك على جسده ! وكأن الشهوة نشبت مخالبها في جسده المُنْهَك من النسك على حين غرّة ، وقد بدا وكأنّ طهارة ذهنه التي رافقته في الفترة الماضية بدأت تنزف دمًا .
لاحقة الصوت وصاحبته الخيالات ... ازدادت في القوة وتزايدت في التأثير عليه ... حاصرته ، لم يعد يقوى ولا على رفع صوته في الصلاة . شعر بأنّ صلاته غير ذات جدوى لأنّ الشهوة التي تحاول أن تلتهمه أخجلته في صلاته !


كانت الأصوات تتنوع ما بين أصوات نساء قد رافقهن في شبابه ، أصوات الرجال الذي كان يتوسلون إليه إبان غزواته التي كان يرفع فيها سيفه ليُرْهِب من حوله ، أصوات أصدقاءه الذي كانوا يتغنون ببطولاته ، أصوات صرخات العجائز والأمهات ممّن سلبهم أولادهم وبناتهم ، أصوات حشرجات الموت التي كانت تنطلق من الذين كان يقتلهم بدم بارد ... أصوات كثيرة مختلطة تكالبت عليه في تلك الليلة واختلطت بصرير الهواء الخارجي ... شعر أنّ عالمه الجديد ينهار ، وأنّ ريادًا من العالم القديم شرعت تجد لها مكاناً داخله ... حبّه وشوقه الأول للمخلّص بدا له شاحباً أمام عنفوان الحرب الطاحنة في تلك اللحظات القاسية !

جلس في ركن من المغارة وهو يبكي ، لم يكن قادرًا على الإحتمال . حتى الدموع لم تكن كافية وقتها لتبعث بالهدوء إلى قلبه . رفع صوته وصلى : أيها القدوس ، يا من قبلتني في شركة القديسين سكان هذا الموضع ، وجعلتني ابنَاً لك أنا غير المستحق ، نجني من عنفوان الماضي الملوّث ، لقد آثمت أمامك ، ولكني الآن أنا لك ، أنت ملكي الحقيقي ، لن أعود إلى ما كنت عليه ولو كان في ذلك موتي ...

سمع قهقهة مدوّية وصوتَ حادِ يقول : يا موسى لن تفلت منّا ... أنت لنا ... أنت لنا ...

لم يدر هل هذا الصوت هو صوت يدوي في مُخَيّلته أم أنّه صوتُ من مصدر غير مرئي . كل ما يعرفه أنّ الصوت حقيقي للغاية ومخيف وملئ بالظلمة ...

صرخ ، وكأنه يرفع سيفه من غمده مجدداً : أنا لملكي وربي ومخلصي يسوع المسيح ابن الله الحي ...

أجابه الصوت : أنت ملكنا ... افعل ما شئت فستعود لنا في آخر الأمر ... وسنكون في انتظارك يا زعيمنا

صرخ في ألم : لا ... أنا ملك له ، لذاك الذي افتداني بحياته ، وأقامني بقيامته ، وألبسني ثوب البنوّة ...

خفت الصوت وهو يقول في دهاء : وهل يليق بأبناء الله ما صنعت في ماضيك ؟ كيف يغفر لك وأنت قد قتلت ولم ترحم ؟ هو عادل ... لن يقبلك ، وذلك لتتألم كما كنت سببًا في ألم آخرين ... ألا تؤمن بعدله ؟

أجاب أبا موسى : هو عادل ورحيم ، ولقد اعترفت بخطيئتي ولم أنكر إثمي ... لقد غسّلني من إثمي ومن خطيتي طهّرني ... وأنا لا أخشى الموت ، ولكن أخشى الحياة بدونه ...

قال الصوت الناعم : وما أدراك أن خطيتك غُفْرتَ وأنك قُبلت من الله ؟ ألا يمكن أن يكون هذا من نسج خيالك الذي يريد أنْ يَشعُر بالراحة بدلاً من تأنيب الضمير ؟ يجب أن يجوز سيف العدالة فيقطعك من شركته إن آجلاً أو عاجلاً ... فتعال برجليك إلينا ، بدلاً من أن تأتي مهانّا مطرودًا من عدالة الله .

أجاب أبا موسي : لقد قال مَنْ يُقَبِل إلي لا أخرجه خارجاً ... هو لن يتركني ...

قال الصوت : وهل قال من يقبل إلي وهو قاتل وسارق ومغتصب للنساء لا يخرجه خارجاً ؟ ! إن تلك الكلمات ليست لك ... لا تخدع نفسك ... أنت لنا ونحن لك ... والدليل ما تعانيه الآن ... أين هو ؟ ليس بموجود ... لن يوجد بقرب قاتل ولص ومنتهك للأعراض ... أنت لنا ... أنت لنا ...

قام أبا موسى ، وبدأ يسجد سجدات متواترة سريعة وكأنه أراد أن ينفض الأفكار التي لصقت به ... وهو يصرخ طالبّاً الرّحمة ولكن ، ما أن توقف عن السجود حتى بدأت الأفكار تحيط به مرّة أخرى كالذباب الذي لا ييأس من ملاحقة قطعة حلوى مهما حاول صاحب الحلوى أن يدفعها بعيدًا مئات المرات .

شعر أنّ المغارة تضيق عليه ، وأنّ نَفَسَه بدأ يختنق ، وفي المقابل شعر أنّ الخيالات تتمدّد في كل مكان ، حتى كادت تلمسه بالفعل . تلفّع بشاله المُتَهَرّي ، وغادر مغارته مسرعاً . كان الهواء في الخارج شديدًا حتى أنه كان يعيق مسيرته بالرغم من بنيته الصلبة وطوله الفارع . كان يُسَرع الخطى وكأنّ هناك من يلاحقه . كانت عيناه تنظر يمينًا ويسارًا بشكل مفاجئ وكأنه يريد أن يكشف عدوّاً برع في الاختباء ، وحال عدم اصطدام ناظريه سوى بالصحراء الجرداء ، كانت ترتفع عيناه إلى العلاء وهو يبتهل بتضرع مرير : لا تتركني يا مخلصي . " ولكن السماء في تلك الليلة كانت صامتة جامدة لا يُلَطَفَها لا ضوء القمر ولا لمعان النجوم ولا حركة السحب . كانت السماء متوشحة بسوادِ داكن وكأنّ الليلة هي ليلة نحيب وبكاء ! "

بعد ساعة أو أكثر قليلاً ، وصل إلى مغارة الأب الروحي ؛ أبا إيسيذورس . كان الليل قد تأخر ، ولم يكن معتادًا على آباء الإسقيط التزاور في مثل هذا الوقت ، لم تكن تلك هي المرّة الأولى التي يأتي إليه في تلك الليلة ، ولكنه لم يأبه بالخجل الذي حاول إقناعه بأنه ليس من اللائق أن يطرق باب الأب الروحي في هذا الوقت مجدّدًا في نفس الليلة . كان الأمر أخطر من أن يلتزم بالنُظم المعتادة . قرع على الباب بتوتر . كانت نبضات قلبه المتسارعة وأنفاسه اللاهثة تدفعه لمعاودة الطرق مجددًا ومجددًا وكأنه يستحضر مَن بالداخل

سمع صوتاً من الداخل يقول بهدوء مألوف له : سآتي حالاً . بعد دقيقتين ، فتح الأب الروحي الباب ، ليجد أمامه أبا موسى في حالة يرثى لها .
أبا إيسيذورس : تفصّل يا أبي ...
أبا موسى : معذرة يا أبي إني أتيت إليك في مثل تلك الساعة المتأخَرة من الليل مرّة أخرى ... ولكن الحرب اليوم ليست ككل يوم
أبا إيسيذورس : لا بأس ، فمغارتي وقلبي مفتوحان على الدوام لمن كانت حاجته تقتضي اللقاء في أي وقت ... دعنا بدايةً نصلي
أومأ أبا موسى بالموافقة ، وانتصبا معًا للصلاة ...
بدأت نفس أبا موسى تهدأ قليلاً ، وكأنّ رفقة الصلاة قد طردت أولئك الذين قد لاحقوه في غفوه وفي صحوه ...
ما أن انتهيا من الصلاة حتى جلسا ، ليبدأ أبا إيسيذورس الكلام ، قائلاً :
كيف حالك يا ابني ؟ أمازالت نفس الحرب مستعرة ؟
( مستعرة تعني ملتهبة وشديدة )
لم يستطع أبا موسى إلا أن يجاهر دفعة واحدةً بما يحدث معه قائلاً :
نعم يا أبي ، لم أستطع المكوث في القلاية ولا الصلاة منذ أن غادرتك ! ... حاولت مراراً ، ولكن كانت هناك أصواتاً تلاحقني ، وخيالات تدور برأسي ، وكأنَ جسدي يشتعل بشكل غير مسبوق منذ أتيت إلى الإسقيط وكأنَ بركان من الشهوة قد تفجر فجأة وهو يلقي بالحمم الحارقة والتي تلتهم كل إنساني الداخلي والخارجي ...

وماذا فعلت :
حاولت الصلاة ، ولم أستطع ، حاولت الجلوس والهدوء فلم أقوى على ذلك ، حاولت السجود فلم أكد أنتهي حتى هجمت على الأفكار مجددًا ... إن الحصار شديد للغاية !

أبا إيسيذورس : آه يا ابني ، إنّ الجسد يشتهي ضدّ الروح ، والروح ضدّ الجسد ، وكلاهما يقاوم الآخر . الإنسان العتيق يريد أن يقلقك ... يريد أن يستعيدك إلى سلطانه ومملكته ... ولكن لا تخف ... فقد انتصر المسيح على الشيطان بالفعل ، وهو يقدّم لنا نصرته كلّ حين .

أبا موسى : ولكني لا أعلم ماذا أعمل يا أبي ؟ أنا متعب ومُنهك للغاية ولا أستطيع أن أقاوم . كأنّ أحدهم أضرم النار في جسدي ولا يوجد من يطفئ تلك النار التي تجول بجسدي وذهني وقلبي لتلوثه بالشهوة ...

أبا إيسذورس : لا تخف ... اصبر ... فتلك حرب معتادة ولها نهاية لمن يصبر ويثابر في الصلاة ... ولا تشك في قلبك ... أنّ المسيح قريب منك ، آمن بذلك ودافع عن هذا الإيمان في قلبك مهما كانت الشهوة متأججة في داخلك . اصبر وصلي وآمن بقربه ولا تخف ...

تناول أبَا إيسيذورس رقَا ملفوقا كان بجانبه ، وفرده وبدأ يقرأ :
"فَتَوَاضَعُوا تَحْتَ يَدِ اللهِ الْقَوِيَّةِ لِكَيْ يَرْفَعَكُمْ فِي حِينِهِ، مُلْقِينَ كُلَّ هَمِّكُمْ عَلَيْهِ، لأَنَّهُ هُوَ يَعْتَنِي بِكُمْ. اُصْحُوا وَاسْهَرُوا. لأَنَّ إِبْلِيسَ خَصْمَكُمْ كَأَسَدٍ زَائِرٍ، يَجُولُ مُلْتَمِسًا مَنْ يَبْتَلِعُهُ هُوَ. فَقَاوِمُوهُ، رَاسِخِينَ فِي الإِيمَانِ، عَالِمِينَ أَنَّ نَفْسَ هذِهِ الآلاَمِ تُجْرَى عَلَى إِخْوَتِكُمُ الَّذِينَ فِي الْعَالَمِ. وَإِلهُ كُلِّ نِعْمَةٍ الَّذِي دَعَانَا إِلَى مَجْدِهِ الأَبَدِيِّ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، بَعْدَمَا تَأَلَّمْتُمْ يَسِيرًا، هُوَ يُكَمِّلُكُمْ، وَيُثَبِّتُكُمْ، وَيُقَوِّيكُمْ، وَيُمَكِّنُكُمْ. لَهُ الْمَجْدُ وَالسُّلطَانُ إِلَي إَبَدِ آلابِدِينَ. آمِينَ.

بدأ أبا موسى يشعر بالراحة والطمأنينة قليلاً ...
باركه الأب الروحي بعد أن اطمأن على سكون اضطرابه ، وتشدّد عزمه ، وأطلقه ليعود إلى حلبة النزال مرّة أخرى ...

خرج أبا موسى ، وهو ساكن النفس إلى حد بعيد ، وهو يتأمّل في كلمات الإنجيل التي قرأت عليه .
كانت العواصف مازالت محتدّة ، إلا أنّ نفسه التي بدأت تنعم بقليل من الهدوء لم تلق لها بالاً ...

وصل إلى مغارته ، وما أن وطأت قدماه المغارة حتى وجد أنّ نفسه تضيق مرة أخرى ، وأنّ صور الخيالات تعود مجدّدًا ولكنها في تلك المرّة كانت أشبه بالحقيقة المجسّمة حتى شعر أنها كائنة معه في المغارة ، وتعالت الأصوات الساخرة : هل ظننت أنّك تخلّصت منّا ! أنت لنا مهما حاولت !

شعر بحزنِ في قلبه إذ كان قد اعتقد أن الحرب توقفت بملاقاة أبيه الروحي والتداوي ببلسم كلماته المشجعة ووجه البشر بفرح الروح . إلا أن الأمر يبدو أنه لن يكون بسيطاً . تذكر كلمات الأب الروحي أن عليه بالصبر والصلاة والإيمان

قام ليصلي ، وما أن بدأ في الصلاة شعر أنّ سوط الشهوة يضربه بقسوة . كلما حاول أن يصلي كلما اشتدت وطأة الشهوة والتي شعر أنها تخنقه . ارتعد حينما شعر أنّ ذهنه بدأ يستسلم لينجو من مطحنة الشهوة القاسية .

خرج إلى خارج المغارة مُسَرِعا ، وجلس على الأرض العارية وسط العاصفة العاتية وهو يبكي . إلا أن الشهوة كانت تلاحقه كظله ، تحوط به من كل جانب . قام ، وهو يسير ببطء يُعَبّر عن إنكسار نفس متألمّة وهو يقول : آه ، نجني من الذين يطلبون نفسي يا ربي يسوع ... نجني من الذين يطلبون نفسي يا ربي يسوع ... لا أقوى وحدي على قتالهم ... لقد تدربت على قتال البشر قديمًا إلا أنّ هذا القتال لا أستطيع أن أنجو منه سوى بنعمتك ... أنا ملكك فأعني ...

كانت كلماته الممسوحة بالألم تدوي في الصحراء . وجد أن رجلاه تقودانه إلى مغارة أبيه الروحي مجددًا . في تلك المرّة شعر بالخجل ، وتردّد كثيرًا قبل أن يقرع على بابه . جلس على صخرة مستوية بقرب مغارته وهو ينظر إلى السماء . وإذ بالباب ينفتح ويجد يدّاً حانيّة تُرّبت على كتفه ، وصوتاً دافئاً يقول : ما لك ههنا يا أبا موسى ؟ لماذا لم تطرق على الباب وجلست وحدك في هذا الجو الصاخب ؟

لم يستطع أن يرفع عيناه من الخجل وهو ينتصب من مجلسه ويقول : لا أستطيع أن أجلس في المغارة يا أبي ، الحرب ضارية ، وقد اكتشفت كم أنا ضعيف ، فأنا على بُعد خطوات قليلة من رفع راية الاستسلام بالرغم من ألمي الشديد مما يحدث بسبب حبي للمخلص .

ابتسم له أبا إيسيذورس قائلاً : لا تخف ، فالمسيح بقربك ، لا تخشى شيئاً من أعداءك ، هو يرى كل شيء ويفرح بصمودك في محبته . تذكر أنه بقربك وأنه لن يتركك أبدًا ، فهو أمين للغاية ، وألصق من الأخ . تذكر أيضًا أنّ أسلحة محاربتنا ليست جسديّة بل قادرة بالله على هدم حصونِ ، هادمين ظنوناً وكل علوٍ يرتفع ضد معرفة الله ، ومستأسرين كل فكر إلى طاعة المسيح .الروح فينا ، يساعدنا في جهادنا ، لا يتركنا دون عون . لا تخف . ثابر وصلي .

بدا أنّ الكلمات في تلك المرة لم تكن كافية لتُطيّب قلب أبا موسى المنكسر من الحزن .

قال أبا إيسيذورس : انتظر برهة .
دخل إلى المغارة وتلفّع بالشال ، وخرج وهو يقول له تعال معي.

سار أبا موسى معه في صمت ، وكأنّه لا يقوى على الكلام . سارا حتى وصلا إلى الكنيسة ، وهناك صعد به إلى أعلى الكنيسة ، ووقفا معًا ينظران للصحراء الجرداء . ساد صمت لبرهة يبدو أنها كانت مشحونة بصلوات الأب الروحي . التفت إلى الغرب ، وأوعز لأبا موسى أن ينظر ، فالتفت ، وإذ بعيناه تجحظ من هول المشهد . سأله آبا إيسيذورس : ماذا ترى ؟

تلعثم الكلام في حلقه وهو يجيب : أرى جيوشا من الشياطين مدججة بالأسلحة ومتحفّزة للقتال !
شعر أبا إيسيذورس بقلب ابنه المنكسر من هذا المشهد ، فأوعز إليه أن يدور لينظر ناحية الشرق ، وما أن التفت ونظر حتى سقط على ركبتيه والدموع تنهمر من عينيه . ابتسم أبَا ايسيذورس ، وهو يسأله مجددًا : ماذا ترى ؟

تلعثم الكلام في حلقه ولكن في هذه المرة من شدة الفرح والشوق والتأثر ، وهو يقول بصوتِ عذب قد استعاره من جمال المشهد السمائي : أرى جمهورًا من الملائكة يرفعون التسابيح والتماجيد لله الجالس على العرش ، وهم يملأون الأفق . فقط منظرهم يملأ القلب بالفرح والسلام والطمأنينة . تركه للحظات يتأمّل المشهد في صمت ، ولكن في دموع ، حتى عادت الصحراء لما كانت عليه قبل الرؤية .

قال أبا إيسيذورس : يا ابني ، الذين في الغرب هم مقاومونا ، هم الذي يريدون أن يبتعدون بنا عن طريق الحياة ، هم الذين يضيقون علينا لنستسلم ، هم الذي يستحضرون ذكرياتنا لنيأس ، هم الذي يحملون القبح لنا لتُخدع . بينما الذين في الشرق ، هم المُرْسَلون لخدمة خلاصنا ، هم الذين يحاربون معنا ، هم الذين يرفعون صلواتنا وأنينا وصمتنا وشوقنا ووجعنا إلى العرش الإلهي ، هم الذين يصدون الأعداء لئلا يفتكوا بنا ، هم أصدقائنا ، هم معنا . ألا نتشجّع إذ نرى أولئك الذين معنا ، ونثق أنه مهما كانت قتالات الأعداء لن تقوى علينا طالما كنا متمسكين برجاء دعوتنا وصبر إيماننا وجهاد محبتنا للرب يسوع .
تشجع وعد إلى قلايتك ، وحارب حروب الرب ، ودع الروح يحرّر قلبك وفكرك ليسكن فيه المخلص ، لترى في قلبك ما رأيته بعينيك.

كانت عينا أبا موسى مغرورقه بالدموع . كان المشهد وكلمات أبا إيسيذورس تهوي كمطرقة تحطم الأسوار التي حالت بينه وبين معاينة الله القريب منه . نال بركة أبيه ، وعاد إلى مغارته ، ممتلئا من الروح ، مجاهدًا صلباً ، صامدًا أمام التحديات ، صابرًا على الضيق بفرح . فقد رأى أنّ له شركة مع السمائيين وأنه ليس وحيداً في هذا القفر ، وأنّ الرب قريب .وكلمات أبا إيسيذورس تهوي كمطرقة تحطم الأسوار التي حالت بينه وبين معاينة الله القريب منه .

رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
لص يخطف الشنطة من يد البابا شنودة⁦👇🏻⁩
علم الاهوت في فكر البابا شنودة الثالث⁦👇🏻⁩
دموع العذراء 👇🏻
أشهر 11 ظهور للعذراء 👇🏻
من أين جائت زفة العذراء وعلاقتها بالوباء ؟ 👇🏻


الساعة الآن 09:36 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024