الأشرار يكونوا أناسًا من هذا القبيل يُطرحون وهم يرتفعون. فما ينالونه ليس إحسانًا، بقدر ما هو مصيبة، حينما لا يثبتون في التمتُّع بالهبة لمدَّة طويلة الأمد، يُزال العذر الناجم عن الفشل. لأنَّه أيَّة شكوى تحمل ثقلًا أعظم من تلك الشكوى الإلهيَّة، التي تجدونها في سفر النبي ميخا "يا شعبي ماذا صنعتُ بك، أو هل أحزنتك أو هل أضجرتك؟ أجبني. ألم أُصعدك من أرض مصر وخلَّصتك من بيت العبوديَّة؟" (مي 6: 3-4) lxx. انظروا كيف ينطرح الأشرار وهم يرتفعون، وكيف تكف شكواهم ويتراكم عقابهم! وإذ تفيض عليهم الانعامات السماويَّة، كان ينبغي عليهم ألاَّ يهجروا معطي الرجاء وطمأنينة الحياة بل بالأحرى يطيعونه. ولكن كما أن عدل الله عظيم، هكذا أيضًا انتقامه صارم. لأن الشرِّير دائم التمسُّك بشرِّه، وبخصوصه تجدون مكتوب في نص آخر أيضًا: "قد رأيت الشرِّير عاتيًا عاليًا فوق أرز لبنان، وعبرت ونظرت، فإذا هو ليس بموجود، والتمسته فلم يوجد" (مز 37: 35-36).
إن سرعة فنائه تفوق الظنّ! فجأة ترى شرِّيرا قويًا في هذه الحياة، وإذ تعبر به سرعان ما يختفي عن الوجود. كم يظهر الظلّ كأنَّه دائم على الأرض مع أنَّه يستمر لبرهةً محدودة! انقلوا خُطاكم وسرعان ما يزول الظل، وإن كان ثمَّة اضطراب هنا، ارفعوا خطى أرواحكم إلى الأشياء العتيدة، وسوف تكتشفون أن الشرِّير الذي اعتقدتم أنَّه هنا لن يكون هناك، لأن من هو "لا شيء" غير موجود. حقًا و"الرب يعرف خاصته" (2 تي 2: 19)، لكنَّه لا يتعرَّف على الذين هم غير موجودين؛ لأنَّهم لم يعرفوا ذاك الذي هو كائن (خر 3: 14).
القديس أمبروسيوس