لذلك كله ولغيره، على الإنسان أن يحاسب نفسه بكل دقة، قبل أن يدركه يوم الحساب وهو غافل عن نفسه...
وصدق ذلك القديس الذي قال لأحد الخطاة: "احكم يا أخي على نفسك، قبل أن يُحْكَم عليك"
ينبغى إن أن يتدرب كل إنسان على محاسبة النفس، وأن يدين نفسه، على أخطائها، ويحاول أن يصلح ذاته. فالفرصة لا تزال قائمة، والتوبة بإمكانه، قبل أن يغلق باب التوبة بالموت، ويقف في ذلك اليوم الرهيب مدانًا أمام الله. وصدق ذلك الشاعر الذي قال:
قبورنا تبنى ونحن ما تبنا
وفى محاسبة الإنسان لنفسه، عليه أن يلتفت إلى الخطايا المركبة والخطايا الأصلية.
وأعنى بالخطايا المركبة، تلك التي تحوى مجموعة كبيرة من الخطايا، بينما نلقى عليها اسمًا واحدًا.. كما توجد أيضًا خطايا أمهات، تلد كل منها عددًا كبيرًا من الخطايا.
فلا نستهن بالمرة، ونظن أننا قد ارتكبنا شيئًا بسيطًا!!
كذلك لا ننسى الخطايا الأصلية. فغالبية خطايا اللسان وخطايا الحواس، يكون سببها خطية أصلية موجودة في القلب..
فالذي ينظر نظرة حسد، أو نظرة شهوة، أو نظرة حقد، وما أشبه، ليست كل هذه مجرد خطية نظر، وإنما الحسد والشهوة والحقد وغير ذلك، موجود كله في القلب قبل أن يظهر في العين. فخطية القلب هي الخطيئة الأصلية. وخطيئة النظر هي الخطية اللاحقة، أو الثانية في الترتيب. وهكذا عليه أن يطهر قلبه أولًا، فتتطهر حواسه تلقائيًا..
كذلك الذي يوجه إلى غيره كلمة قاسية، القسوة موجودة في قلبه أصلًا، قبل أن تكون خطية لسان، عليه أن يتوب عن كلتيهما..
الإنسان الدقيق في محاسبة نفسه، يمكنه التخلص من نقائصه وخطاياه. وهكذا يقف أمام الله طاهرًا في يوم القيامة، لا يبكته ضميره على شيء.. والإنسان الروحى لا يتساهل مع نفسه، ولا يغطى خطاياه بالتبريرات والأعذار. لأن الذي يبرر نفسه على الأرض، سيكون مكشوفًا تمامًا أمام الله في يوم الحساب، حيث يستند كل فم، ولا تنفع الأعذار..
تقول عن الله رحيم، فأقول لك وهو أيضًا عادل.
رحمة الله سوف تدرك التائبين فيغفر لهم. وعدل الله لابد أن يلاحق المستهترين، الذي يستغلون رحمة الله ومغفرته، للتمادي في خطاياهم وشرورهم، وعصيانهم لله أولئك الذين لم يجعلوا الله أمامهم!
يوم الحساب إذن هو يوم العدل الإلهي، الذي فيه سيجازى كل واحد بحسب أعماله مكافأتهم على برهم وحرصهم وطاعتهم.
هؤلاء الأبرار سيكافئهم الله على كل شيء، ليس فقط عن الأعمال العظيمة التي عملوها، بل حتى لي خير مهما بدا أمامهم ضئيلًا...
يكافئهم ليس فقط على أعمال الرحمة الكبيرة، وإنقاذ غيرهم من المشاكل والورطات، إنما ينالون ثوابًا حتى على كلمة التشجيع ليائس، وبسمة الحنان الصغار النفوس، وزيارة لمريض، ونظرة حب لطفل.
وسوف يعوضهم الله عن كل خير عملوه، ولم ينالوا عنه جزاء على الأرض.
إما بسبب ظلم أو جاهل أو إهمال، أو بسبب أنهم أخفوا فضائلهم عن الناس، حتى لا يستوفوا خيراتهم على الأرض، بل نالوا جزاءهم كاملًا من يد الله يعرف الخفيات..
بل إنهم ينالون مكافأة عن الخير الذين أرادوا أن يفعلوه، ولم يستطيعوا لأسباب خارجة عن إرادتهم.
وكل تعب احتملوه على الأرض، من أجل محبتهم لله ومحبتهم للناس، سيكون سبب راحة أبدية لهم
ستتبعهم في يوم الحساب أعمال برهم، وتكون شاهدة لهم أمام الله فطوبى لمن يتعب الآن في عمل الخير، وفي خدمة الغير، لكي يستريح في ذلك اليوم، وينال أجره بحسب تعبه (1كو 3: 8) في النعيم الأبدي..
ليتنا نضع يوم القيامة والحساب أمام أعيننا باستمرار، حتى نسلك بحرص أمام الله، وحتى نقف أمامه في يوم الدين، دون أن تبكتنا ضمائرنا.
وليتنا نبذل كل جهد وتعب من أجل راحة الآخرين، سواء في محيط الأسرة أو المجتمع أو الوطن أو البشرية جمعاء، حبًا للكل، وليس لمجرد الجزاء. وهذا الحب سيقف إلى جوارنا في اليوم الأخير.
ولن يدخل ملكوت الله في ذلك اليوم، إلا القلوب العامرة بالحب، لن يدخله إلا الذين أحبوا الله، وأحبوا الخير، وأحبوا الغير..
بهذا الحب نصلى جميعًا من أجل بلادنا، ومن أجل أمنها وسلامتها، ومن أجل البلاد التي تسودها الحروب أو النزاعات الداخلية، لكي يمنح الرب سلامًا للعالم. ولكي يعطى الرب الغذاء للبلاد التي تسودها المجاعات، ويمنح النقاوة والتوبة للمجتمعات التي يسودها الفساد. ونطلب أن يبارك الرب كل من يعمل خيرًا فيعم الخير كل مكان. وكل عام وجميعكم بخير..