الملك وابنه
كان لأحد الملوك ابن شرير. وإذ قطع الأمل من تغيره نحو الأفضل، حكم الملك على ابنه بالموت وأعطاه شهراً للاستعداد. انقضى الشهر واستدعى الملك ابنه للمثول لديه. تفاجأ من أن الشاب قد تغيّر بشكل ملحوظ: وجهه ضعيفٌ وشاحبٌ، فيما يظهر جسده وكأنه قد تعذّب. فسأل الوالد: "كيف جرى لك ذلك التغيّر يا بني؟" فأجاب الابن: "أبي وسيدي، كيف لي ألاّ أتغيّر وكل يوم يقرّبني أكثر من الموت؟" فقال الملك: "حسنٌ يا ابني، لأنّه من الجلي أنّك عدت إلى رشدِك، فسوف أسامحك. ومع ذلك، عليك أن تحفظ هذا الموقف اليقظ في نفسك مدى ما تبقّى من حياتك". فأجاب الابن: "هذا مستحيل يا أبي. كيف لي أن أقاوم الإغراءات والتجارب التي لا تُحصى؟" عندها أمر الملك بإحضار وعاءً كبيراً مملوءاً زيتاً، وقال لابنه: "خُذْ هذا الوعاء ودُرْ به في شوارع المدينة. سوف يتبعك جنديان يحملان سيفين حادين. إذا أرَقتَ نقطة واحدة فسوف يقطعان رأسك". أطاع الابن، وبخطوات خفيفة متأنّية سار في الشوارع يرافقه الجنديان ولم يُرِق أي نقطة. عندما عاد إلى القصر، سأله الأب: "يا بني، ماذا رأيتَ حينما كنتَ تجوب المدينة؟". أجاب الابن: "لم أرَ شيئاً". فقال الملك: "ماذا تعني بلا شيء؟ فاليوم عطلة، ولا بد قد رأيت الأكشاك مع كل أنواع الحلى، عربات كثيرة، أناساً، حيوانات...". قال الابن: "لم ألحَظ شيئاً من هذا. كل انتباهي كان مركّزاً !على الزيت في الوعاء. لقد كنت خائفاً من أن أريق أي نقطة وبالتالي أخسر حياتي". فقال الملك: "هذا عين الصواب يا بنيّ. احفظ هذا الدرس في فكرك طالما أنت حيّ. كُنْ متيقظاً على نفسك كما كنتَ اليوم حريصاً على الزيت في الوعاء. حوّل أفكارك بعيداً عن كل ما سوف يزول سريعاً وأبقِها مركَّزَة على ما هو أبدي. ما سوف يتبعك لن يكون جنوداً مسلَّحين بل الموت الذي نقترب منه كل يوم. كًنْ حريصاً على أن تحفظ نفسك من كل الأهواء الهدّامة"."