|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مقدمة لا شك أن رغبة السيد المسيح فى الوحدة الكنسية، أمر مؤكد، وذلك من خلال مناجاته للآب، حين قال: "ليكون الجميع واحداً، كما أنك أيها الآب فىّ، وأنا فيك، ليكونوا أيضاً واحداً فينا، ليؤمن العالم أنك أرسلتنى" (يو21:17)، "وأنا قد أعطيتهم المجد الذى أعطيتنى ليكونوا واحداً كما أننا نحن واحد" (يو22:17)، "أنا فيهم، وأنت فىّ، ليكونوا مكملين إلى واحد" (يو23:17).والمعقول أن كنيسة المسيح يجب أن تكون واحدة، كما ورد فى قانون الإيمان، الذى يؤمن به كل المسيحيين: ".. وبكنيسة واحدة، مقدسة، جامعة، رسولية". لأنه إذا كانت الكنيسة هى جسد المسيح، فليس هناك سوى مسيح واحد، رأس واحد، لهذا الجسد الواحد، وإذا كانت الكنيسة هى عروس المسيح، فليس للمسيح سوى عروس واحدة "خطبتكم لرجل واحد ، لأقدم عذراء عفيفة للمسيح" (2كو2:11). وها سفر نشيد الإنشاد يقدم لنا هذه الوحدة الأكيدة لكنيسة الله، فليس فى النشيد سوى عروس واحدة لعريس واحد "حبيبى لى، وأنا له، الراعى بين السوسن" (نش16:2) "واحدة هى حمامتى، كاملتى، الوحيدة لأمها هى عقيلة والداتها هى، رأتها البنات فطوبنها، الملكات والسرارى فمدحنها. من هى المشرفة مثل الصباح، جميلة كالقمر، طاهرة كالشمس، مرهبة كجيش بألوية" (نش 9:6،10).. والحديث هنا عن الكنيسة عروس المسيح، كوحيدة لأمها أى البشرية.. فليس هناك سوى كنيسة واحدة أنجبتها البشرية. افتراقات الكنيسة لكن هذه الرغبة الإلهية فى كنيسة واحدة لم يستطع البشر تحقيقها بسبب الضعف البشرى، حتى الآن. هناك انقسامات تحتاج إلى صلوات وحوارات وجهد كبير، حتى تعود الكنيسة كما كانت فى القرون الأولى - قبل الانقسامات - كنيسة واحدة. ولعل المتأمل فى تاريخ الكنيسة، يستطيع أن يلمح أن الكنيسة المسيحية عاشت وحدتها الكاملة فى القرون الأولى، قرون التأسيس والانتشار، حينما بشر الآباء الرسل العالم المعروف آنذاك، بخلاص المسيح، وفدائه العجيب، وملكوته الأبدى، ثم جاء عصر الآباء الرسوليين ، ليشهد استمرارية للوحدة. وكذلك عصر الهرطقات الأول: آريوس - مقدونيوس - سابليوس - أوطاخى - نسطور.. ثم بدأ الانقسام، وعلى الأغلب كان بسبب من اثنين أو بالسببين معاً: الذاتية.. من هو الأول؟ السياسة.. تدخلات الأباطرة ! وبعد أن شاهدنا انقسام خلقيدونية حول طبيعة السيد المسيح (الأمر الذى أوشكنا التخلص منه الآن، من خلال الحوار اللاهوتى بين الكنائس الأرثوذكسية فى العائلتين: الخلقدونية وغير الخلقدونية).. شاهدنا انقساماً آخر بين الشرق والغرب فى القرن الحادى عشر، وانقساماً ثالثاً بين الكاثوليك والبروتستانت، فى القرن السادس عشر.. وتوالت الانقسامات لدى البروتستانت. الحوارات اللاهوتية لاشك أن هناك تقارب مسكونى معاصر من خلال مجلس الكنائس العالمى، ومجلس كنائس الشرق الأوسط، ومجلس كنائس أفريقيا، ومجالس أخرى فى أمريكا وأوربا واستراليا، ونحن أعضاء فى كل هذه المجالس تقريباً. هذه المجالس أتاحت فرصة تلاقى فى محبة، من أجل إحداث تقارب بين المسيحيين، المؤمنين بألوهية الفادى، الكلمة المتجسد.. وهذا يعنى أنه لا تقارب مع من يدعى المسيحية مثل شهود يهوه والسبتيين، الذين لا نعتبرهم مسيحيين من الأساس، كما أعلن ذلك المجمع المقدس فى قرارات. لكن الأمر الأهم هو أنه بدأت سلسلة من الحوارات اللاهوتية، وبخاصة فى عهد قداسة البابا شنوده الثالث، أدام الله حياته، فنحن قد دخلنا فى حوارات مع عائلة الروم الأرثوذكس (15 كنيسة)، والكاثوليك، والبروتستانت بطوائفهم: المصلحة، واللوثرية، والإنجليكانية، وكنيسة السويد.. وقد توصلنا إلى اتفاق مشترك حول طبيعة السيد المسيح مع الجميع تقريباً، نتيجة لهذه الحوارات. لكن تبقى هناك خلافات كثيرة تحتاج إلى حوارات لاهوتية، والوصول إلى إيمان واحد، وموقف مشترك، ففى الحوار مع أخوتنا الكاثوليك، بدأنا مناقشة انبثاق الروح القدس، والمطهر، وهناك أمور أخرى كثيرة، ومع أخوتنا البروتستانت بدأنا نناقش الأسرار والخلاص وشفاعة القديسين والتقليد والنظرة إلى الكتاب المقدس.. الخ. ولا شك أن هذه الحوارات ستحتاج إلى وقت وجهد ودراسات وبحوث، كما أنها تحتاج إلى "مرجعية واحدة" نرى أنها: الكتاب المقدس، والتقليد الرسولى، وكتابات آباء ما قبل الانقسام، وإلى الفهم اللاهوتى السليم لمعطيات الإيمان المسيحى. الأرثوذكسية هى الأمل إن القرن القادم سيشهد تداخلات وحوارات كثيرة، ليس فقط على المستوى المنظم بين الكنائس، لكن حتى على صفحات الإنترنت، وبلا نظام، ولا ضمانات، ولا حدود.. الأمر الذى يستدعى ضرورة تأصيل شبابنا فى الأرثوذكسية سلوكاً وحياة، ليتعرفوا ويتجذروا فى الإيمان الذى سلمه لنا آباؤنا القديسون، إذ أننا كأرثوذكس سرنا على الخط المستقيم، منذ ما قبل الانقسام، ولم ننحرف لا إلى اليمين ولا إلى اليسار. وفى دارسات كثيرة تجرى حالياً، يرى الكثيرون أن الأرثوذكسية هى الأمل، من أجل الوحدة المسيحية الكاملة. كيف نؤصل شبابنا أرثوذكسياً فرق بين أن تكون مسيحياً وحسب، وأن تكون مسيحياً أرثوذكسياً.. والأرثوذكسية معناها: أ- استقامة العقيدة. ب- استقامة الحياة. فالكلمة مكونة من مقطعين (أرثو = استقامة)، (ذوكسا = مجد)، بمعنى استقامة العقيدة التى تؤدى إلى استقامة فى تمجيد الله، أى "الطريقة المثلى فى تمجيد الله"... فكراً وحياة!! أ- استقامة العقيدة : عقيدتنا الأرثوذكسية لها سمات خاصة فهى: 1- عقيدة سليمة: بمعنى أنها مضبوطة بالكتاب، والتقليد، والقوانين، والآباء. الأمر الذى يجعلها تقدم لنا الفكر السليم والدقيق فى موضوع ما: كالأسرار، والشفاعة، والصلاة من أجل الراقدين، والأصوام، والأعياد، وغير ذلك من المواضيع. وكنيستنا تفخر - بنعمة الله - أنها قدمت للمسيحية علماء اللاهوت، الذين استطاعوا أن يقننوا الإيمان المسيحى، والعقيدة السليمة، ويصيغوا قانون الإيمان، وحقائق المسيحية، بأسلوب دقيق شهد له العالم المسيحى آنذاك، وما يزال!! ولعل عودة العائلتين الأرثوذكسيتين - العائلة الواحدة قريباً إن شاء الله - إلى "صيغة كيرلس الإسكندرى" كانت، وسوف تكون، سبباً فى الوحدة الأرثوذكسية: "طبيعة واحدة لكلمة الله المتجسد"... 2- عقيدة مستقيمة: وأقصد بذلك أنها لم تمل يمنة أو يسرة... بدأت من عصر الرسل، وحتى الآن، فى خط مستقيم، محافظ، بدون أدنى انحراف. البعض انحرفوا يميناً، واحتج عليهم بعض منهم فانحرفوا يساراً، فإذا ما جلسوا وتقاربوا للحوار، وإذا ما عادوا إلى الجذور، وجدوا الأرثوذكسية ملجأ وملاذاً!! ليس لأننا ندعى شيئاً متميزاً فى أشخاصنا، ولكن ببساطة لأننا لم ننحرف لا يميناً ولا يساراً أنها طبيعة الأشياء، وحركة التاريخ!! 3- عقيدة شاملة: فهى لا تميل إلى المبالغة فى أمر على حساب الآخر، فتراها تتحدث عن الإيمان دون أن تهمل الأعمال.. وتكرم العذراء دون أن ترفعها إلى مصاف الألوهية.. وتسمح بقراءة الكتاب المقدس والتأمل فى كلماته، دون أن تعطى لكل فرد حرية التفسير، فالمسيحية لم تبدأ بنا.. وتعطى الكهنوت سلطة وكرامة، دون أن تلغى حق الشعب فى صنع القرار الكنسى.. تتحدث عن النعمة، وتتحدث عن الجهاد أيضاً وهكذا، فى شمول يعطى المسيحية صورتها الشاملة المتكاملة المتوازنة. 4- عقيدة كتابية: فمع أن الكنيسة القبطية كنيسة تقليدية، تؤمن بأهمية التقليد الكنسى، وأن الكتاب نفسه هو عطية التقليد وجزء منه، إلا أنها تؤمن أن الكتاب المقدس هو الحكم على كل عقيدة أو تقليد أو طقس.. لهذا فكل عقائد كنيستنا كتابية.. مئات الآيات تشهد للأسرار، والشفاعة، والتقليد، وتطويب العذراء، ومسح المرضى بالزيت، والكهنوت، والمذبح.. الخ. ولكن الأرثوذكسية ليست مجرد الفكر العقيدى السليم ولكنها أيضاً:. ب- استقامة الحياة : فالمؤمن المسيحى الأرثوذكسى، له حياة خاصة، ذات سمات مميزة، منها على سبيل المثال: 1- صلاة المزامير يومياً : عصارة الآباء، طلبات جديدة، وعظ للنفس، اتحاد بمناسبات مسيحية هامة كل يوم، مشاعر متحركة ومتباينة. 2- الصلوات السهمية : طلباً للمعونة والرحمة، كما علمنا الآباء، إذ قال القديس أنطونيوس لتلميذه، أن يصلى دائماً: "ياربى يسوع المسيح ارحمنى، ياربى يسوع المسيح أعنى، أنا أسبحك ياربى يسوع المسيح". 3- القراءات اليومية : فى القطمارس حسب اليوم.. تسعة إصحاحات على الأقل فى كل قداس. 4- السنكسار : تذكار يومى للقديسين والمجامع والمعجزات، لنتمثل بهم. 5- التسبحة اليومية : بفصولها الكتابية، وعمقها اللاهوتى، وألحانها الخالدة. 6- الأصوام المقدسة : الأربعاء والجمعة، والأصوام المتعددة، اتحاداً بميلاد الرب، وصلبه وقيامته، واقتداء بالعذراء والآباء الرسل وأهل نينوى. 7- المناسبات الكنسية : فى البصخة المقدسة وتسابيح كيهك. 8- الأعياد المقدسة : السيدية الكبرى والصغرى وغيرها.. لنحيا المناسبة وننال فاعليتها فى حياتنا. 9- الأفخارستيا : قمة الشبع الروحى من خلال القداسات اليومية. 10- كتابات الآباء : دراسة مستمرة لأقوالهم لننتفع بها فى حياتنا وخدمتنا. وهكذا نكون نحن، ويكون شبابنا، أرثوذكسى العقيدة والحياة، يمجد الله، ويسلك فى تمسك دون تعصب، وفى محبة للجميع دون تنازل عن عقيدة أو عن مبدأ!! |
|