هل يمكن أن يكون المسيح قد تزوج؟
زعم الكاتب ذلك وبني زعمه وادعاءه على نقطتين هما:
(1) الأولى هي ادعاؤه: " أن يسوع كان يهوديًا.. وقد كان العرف الاجتماعي في ذلك العصر يحرم تمامًا علي الرجل اليهودي أن يكون أعزبًا, كما أن الامتناع عن الزواج كان ذنبًا يعاقب عليه بحسب التقاليد اليهودية, وكان واجب الأب اليهودي أن يجد زوجة مناسبة لابنه, فلو كان المسيح أعزبًا, لكان ذلك قد ذكر في احد الأناجيل وتم تفسير حالة عدم زواجه غير المألوفة علي الإطلاق "!!
(2) والثانية هي فهمة الخاطئ لعبارة " رفيقة " والتي وردت في الكتاب الأبوكريفي المسمى بالإنجيل بحسب فيليب، وقوله أن المسيح كان يقبل المجدلية، وخاصة كلمة " في فمها " والتي لم توجد أصلا في المخطوطة القبطية للكتاب.
وللإجابة على ذلك نوضح:
أولًا: لم يذكر العهد الجديد في أي موضع مطلقًا أن المسيح كان متزوجًا، هذا بافتراض ناسوته، كإنسان، ولم يكن من ضمن رسالته ذلك، ولم يكن من ترتيبه ذلك. ولم يمهد لخلافة تكون من نسله أبدًا. فقد جاء الرب يسوع المسيح لنشر ملكوت السموات في العالم أجمع، وقد أعد لذلك تلاميذه ليكونوا شهودا له ولعمله الفدائي ولرسالته ككل "ثم دعا تلاميذه الاثني عشر وأعطاهم سلطانا على أرواح نجسة حتى يخرجوها ويشفوا كل مرض وكل ضعف. وأما أسماء الاثني عشر رسولا فهي هذه" (مت10 :1و2)، "وبعد ذلك عيّن الرب سبعين آخرين أيضا وأرسلهم اثنين اثنين أمام وجهه إلى كل مدينة وموضع حيث كان هو مزمعا أن يأتي" (لو10:1). وفي لحظات صعوده قال لهم: " لكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم وتكونون لي شهودا في أورشليم وفي كل اليهودية والسامرة والى أقصى الأرض" (أع1 :8). ولو كان في نيته الزواج وإنجاب نسل ملكي، كما هو مزعوم، لكان قد أعلن عن ذلك، بل وكان قد جهز نسله الملكي المقدس لهذه المهمة.
ولو افترضنا جدلًا أنه كان يقصد ملكوتا دنيويًا، فسيكون ملكه في أورشليم، أي سيكون ملكًا لليهود، وهذا لم يتحقق، وإذا تخيلنا أن ذلك يمكن أن يتحقق عندما يكتشف العالم حقيقة سر الدم المقدس والنسل الملكي للمسيح، فهذا يعني أن ملكوته سيكون في إسرائيل ولصالحها ويجعلها سيدة العالم!! وهذه فكرة صهيونية بحتة تنفي عن مسيح المسيحية عقيدة مجيئه الثاني في نهاية العالم، وتنكر ما جاء في الفكر الإسلامي عن نزول المسيح آخر الزمان وكونه علامة للساعة "وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا" (الزخرف:61).
كما ظهر مع المسيح أمه العذراء القديسة مريم وأخوته أكثر من مرة؛ " فقال له واحد هوذا أمك وإخوتك واقفون خارجا طالبين أن يكلموك" (مت12 :47). ولم يذكر أن له زوجة مطلقًا. وعند الصليب سلم المسيح أمه لرعاية تلميذه الحبيب يوحنا " يا امرأة هوذا ابنك. ثم قال للتلميذ هوذا أمك. ومن تلك الساعة أخذها التلميذ إلى خاصته" (يو19 :27). وإذا كان له زوجة فلماذا يتركها دون أن يسلمها ليوحنا مع أمه لتكون تحت رعايته ورعاية أمه؟ وإذا كان قد أعدها لقيادة الكنيسة فلماذا لم يحدث ذلك؟ كما دافع القديس بولس عن حقه في الزواج لو كان قد أراد ذلك فيقول " ألعلنا ليس لنا سلطان أن نجول بأخت زوجة كباقي الرسل وأخوة الرب وصفا" (1كو9 :5). فإذا كان قد استشهد بزوجات الرسل، أخوة الرب وبطرس، فلماذا لم يستشهد بالمسيح أيضًا لو كان قد تزوج قبل الصلب والقيامة والصعود.
كما أن زعمه بأن كل رجل يهودي، حسب العرف الاجتماعي في ذلك العصر، لابد أن يتزوج فهذا ادعاء كاذب وباطل؛ فقد كان هناك عدد كبير من الأنبياء غير متزوجين مثل ارمياء النبي ويوحنا المعمدان، بل وكانت هناك جماعات من اليهود ترفض الزواج مثل جماعة الآسينيين في قمران، زمن المسيح.
وكان الرب يسوع المسيح نفسه عريسًا، ولكن عريسًا للكنيسة، فهو رأس الكنيسة " لان الرجل هو رأس المرأة كما أن المسيح أيضًا رأس الكنيسة. وهو مخلّص الجسد" (أف5 :23)، وعريسها السمائي " لنفرح ونتهلل ونعطيه المجد لان عرس الحمل (المسيح) قد جاء وامرأته (الكنيسة) هيأت نفسها. وأعطيت أن تلبس بزا نقيا بهيا لان البزّ هو تبررات القديسين. وقال لي اكتب طوبى للمدعوين إلى عشاء عرس الحمل" (رؤ19 :7-9)
ثانيًا: فهمه الخاطئ لما جاء في الإنجيل الأبوكريفي بحسب فيليب، حيث يقول: " ورفيقة المخلص هي مريم المجدلية, أحبها المسيح أكثر من كل التلاميذ واعتاد أن يقبلها في معظم الأحيان من فمها. وقد تضايق باقي التلاميذ من ذلك وعبروا عن استيائهم. وقالوا آه،" لماذا تحبها أكثر منا؟". " بالعكس " قال تيبينج بالفرنسية ثم ابتسم مشيرًا إلى السطر الأول: إذا سألت أي عالم باللغة الآرامية فسيقول لك أن كلمة رفيقة في تلك الأيام كانت تعني حرفيًا الزوجة"!! وهذا الزعم كاذب ومجرد ادعاء بلا دليل، لأن النسخة التي عثر عليها من هذا الكتاب في مكتبة نجع حمادي مكتوبة بالقبطية وليس الآرامية، ويرى العلماء أن الكتاب والذي كتب أصلًا في القرن الرابع كتب باليونانية، ولو افترضنا أن الكلمة اليونانية كانت تعني زوجة لترجمت " زوجة " وليس رفيقة. فمن أين أتى الكاتب بالمعنى من الآرامية والكتاب لم يكتب بها؟!
بل ويرى هذا الكتاب الأبوكريفي الزواج كنوع من الدنس، فيقول " قال البعض: " أن مريم حبلت بالروح القدس "، أنهم مخطئون، أنهم لا يعلمون ماذا يقولون. فمنذ متى تحبل المرأة من امرأة؟ إن مريم هي العذراء التي لا قوة تدنسها, أنها لعنة عظيمة على العبرانيين, الذين هم الرسل والتلاميذ. هذه العذراء التي لا قوة تدنسها [000] القوى تدنس نفسها".
بل ويرى المسيح كروح محض يظهر في أشكال مختلفة: " يسوع أخذهم سرا, لأنه لم يظهر كما كان, ولكن لكي يستطيعوا أن يروه. ظهر لهم جميعهم. ظهر للعظماء كعظيم. ظهر للصغير كصغير. ظهر للملائكة كملاك, وللإنسان كإنسان, لهذا السبب, الكلمة تخفي نفسها من الجميع. وبالفعل, فقد رآه معتقدين أنهم رأوا أنفسهم, لكنه حين ظهر لتلاميذه بمجد على الجبل, لم يكن صغيرا. أصبح عظيما, وقد جعل التلاميذ عظماء, لكي يستطيعوا إن يروه بعظمة". وبالتالي فكيف يتزوج وينجب وهو روح؟!
وهذا الفكر يوجد ما يماثله عند بعض الكتاب المسلمين مثل الصوفي الشهير ابن العربي والكاتب المصري أحمد بهجت والكاتب اللبناني محمود شلبي:
قال ابن العربي: " وتمثل لها جبريل أو الملك بشرًا سويًا وقال لها أنا رسول ربك لأهبك غلامًا زكيًا فوهبها عيسى عليه السلام فكان انفصال عيسى عن الملك المتمثل في صورة الرجل ولذلك حرج على صورة أبيه ذكرًا بشرًا روحًا فجمع بين الصورتين اللتين كان عليهما أبوه الذي هو الملك فأنه روح من حيث عينه بشر من حيث تمثله في صورة البشر "(1).
وقال الأستاذ محمود شلبي: " فالسر الأعظم.. أن النسبة الروحية في عيسى أضخم من المعتادة في الناس.. فغلبت فيه صفات الروح.. على صفات الجسد.. فجاء عيسى.. وفيه صفات أعلى نوع من الأرواح.. الذي يفعل ما شاء.. وهذا هو سر الطلسم في عيسى.. فهو يُحيي الموتى .. ويمشى على الماء.. ويمشي في الهواء.. ويخلق الطير فيكون طيرًا.. ويبرئ الأكمه والأبرص.. بمجرد اللمس.. ولا يحتاج إلى طعام أو شراب.. لأن الروح لا تطعم ولا تشرب.. فكيف بنفخة الروح القدس.. وهو آخذ من مرتبته.. 0 وهو يستطيع أن يتمثل فيما شاء من الهيئات والصور.. لأن هذا من صفات الأرواح.. وقد ثبت هذا عنه في أكثر من موضع.. أن هيئته كانت تتغير إلى هيئة أخرى.. وهو ينبئهم بما يأكلون وما يدخرون.. وهذه صفة من صفات الأرواح. تعلم من الغيوب إلى مسافات بعيدة في المكان والزمان.. فجاء جسده مجرد غلاف لطيف تتستر به.. روحه العلوية الُقدسية.."(2).
وقال الأستاذ أحمد بهجت في تعليقه على قوله " إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ. وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ" (آل عمران: 45 و46):
" زادت دهشة مريم.. قبل أن تحمله في بطنها تعرف اسمه.. وتعرف أنه سيكون وجيهًا عند الله والناس، وتعرف أنه سيكلم الناس وهو طفل وهو كبير.. وقبل أن يتحرك فم مريم بسؤال آخر.. رأت الروح الأمين يرفع يده ويدفع الهواء في اتجاه مريم.. وجاءت نفخة الهواء مضيئة بنور لم تره " مريم " من قبل.. وتسلل هذا النور إلى جسد مريم وملأه فجأة.. لم تعد وحدها، وهي تحس أنه (الملاك) لم يتركها وحيدة.. حركت يده دفعة ملأتها من النور.. هذا النور يتحول داخل بطنها إلى طفل.. طفل سيصبح عندما يكبر كلمة الله وروحه التي ألقاها إلى مريم.. كان حملها يختلف عن النساء.. لم تمرض ولم تشعر بثقل ولا أحست أن شيئًا زاد عليها ولا أرتفع بطنها كعادة النساء.. كان حملها به نعمة طيبة "(3).
أما عبارة " واعتاد أن يقبلها في معظم الأحيان من فمها "، فهي عبارة غير دقيقة، لأن المخطوطة التي وردت بها قديمة وبها أجزاء تالفة ولم ترد فيها كلمة " فمها " على الإطلاق، فقد وردت هكذا " واعتاد أن يقبلها في معظم الأحيان من [.. ] "، ولم ترد كلمة معينة هنا،بل فراغ، وقد وضع بعض المترجمين كلمة من فمها لسد هذا الفراغ، ولكن هذا غير علمي، فيمكن أن توضع كلمات مثل " يدها أو وجهها " مثلًا، أو يترك الفراغ كما هو. كما لا يعني التقبيل هنا الجنس، فبحسب مفهوم إنجيل فيليب نفسه فالمسيح روح محض، ولا يمكن أن تعني قبلته سوى علامة حب روحي لا أكثر ولا أقل.
كما أن بقية النص يقول: " وقد تضايق باقي التلاميذ من ذلك وعبروا عن استيائهم. وقالوا آه،" لماذا تحبها أكثر منا؟". والسؤال هنا هو، لو كانت المجدلية هي زوجته فهل كان التلاميذ يسألون مثل هذا السؤال؟ فهل يسأل معلم لماذا يحب زوجته أكثر من تلاميذه؟ والرب يسوع المسيح نفسه يقول، وينقل عنه القديس بولس قوله: " من اجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكون الاثنان جسدا واحدا" (مت19 :5، أف5 :31). لقد تضايقوا، بحسب مفهوم الكاتب، بسبب تفضيل وليس بسبب زواج.