الديان ومجمع الآلهة
كثيرًا ما يعلن كلمة الله عن نفسه أنه الديان، لا ليرعب البشر،
وإنما بالحق لأنه ينتظر أن يلتقي بهم، ليحملهم إلى الأمجاد الأبدية.
إنه يود أن يعلن أنه قائم في مجمع الآلهة، في وسطهم يقضي.
اَللهُ قَائِمٌ فِي مَجْمَعِ اللهِ.
فِي وَسَطِ الآلِهَةِ يَقْضِي [1].
يرى البعض أن المزمور يتحدث عن الله بكونه قاضي القضاة وأيضًا الملوك والرؤساء. فإن كان قد سمح بقيام تنظيمات بشرية، وطلب الخضوع لها. فإنه من جانب هؤلاء القادة يلزمهم أن يدركوا أنهم خدام الله، وُضعوا لمساندة الضعفاء، والدفاع عن المظلومين، وتدبير أمور الشعب. يليق بهم أن يكونوا ممثِّلين له "في شفتيّ الملك وحي، في القضاء فمه لا يخون" (أم 16: 10).
إن كان الله يسمح بقيام قادة أشرار، فإنه إذ يقدس الإرادة الحرة، يسمح لهم أن يمارسوا عملهم بقسوة قلوبهم، لكنه هو ديان الجميع. قيل لهم: "اُنظروا ما أنتم فاعلون، لأنكم لا تقضون للإنسان بل للرب، وهو معكم في أمر القضاء، والآن لتكن هيبة الرب عليكم. احذروا وافعلوا، لأنه ليس عند الرب إلهنا ظلم ولا محاباة ولا ارتشاء" (2 أي 19: 6-7).
في عظة للقديس جيروم على هذا المزمور يستلفت نظره أن الكتاب المقدس يتحدث عن الله بعبارات بشرية، حتى ندرك معاملاته معنا. تارة يتحدث عنه واقفًا مع القديسين، إذ نسمع هنا: "الله قائم في مجمع الآلهة" (مز 82: 1). كما نسمعه يقول لموسى النبي: "وأما أنت فتقف هنا معي" (تث 5: 31). وحين كان آدم مقدسًا كان يقف كما مع الله.
وحينما نخطئ نراه ماشيًا، كما نظره آدم وحواء عندما سقطا في العصيان. إذ قيل: "وسمعا صوت الرب الإله ماشيًا في الجنة... فاختبأ آدم وحواء من وجه الرب" (تك 3: 8). لقد تحرك ليقول له: "آدم، أين أنت؟" (تك3: 9).
أما عن جلوس الرب، فيظهر إما كديان أو ملك. يقول إشعياء: "رأيت السيد جالسًا على كرسي عالٍ ومرتفع وأذياله تملأ الهيكل" (إش 6: 1). كما يقول دانيال النبي: "وكنت أرى أنه وُضعت عروش وجلس القديم الأيام... فجلس الدين وفُتحت الأسفار" (دا 7: 9-10). لقد رأى الديان الجالس على العرش. هكذا يراه البعض واقفًا، وآخرون ماشيًا، وآخرون جالسًا، بل وحين يسمح لنا بتجربة نراه كأنه نائم (مت 8: 24). "استيقظ، لماذا تتغافى يا رب؟" (مز 44: 23).
يرى القديس كيرلس الكبير أن مجمع الآلهة هنا يشير إلى جماعة الفريسيين (لو ١١: ٤٢)، إذ هم طامعون شغوفون بالربح القبيح وفي نفس الوقت مدققين في ملاحظة شريعة العشور في حرفية، بالرغم من تجاهلهم للحق والعدالة ومحبة الله.
* يقف العلي في مجمع أبناء العلي الذين عنهم قال العلي نفسه بفم إشعياء: "ربيت بنين ونشَّأتهم؛ أما هم فعصوا عليّ" (إش1: 2). نفهم بالمجمع شعب إسرائيل، لأن كلمة "مجمع" كانت الكلمة المناسبة عنهم، وإن كانوا أيضًا دُعوا كنيسة.
لم يدع الرسل (الكنيسة) قط مجمعًا بل دائمًا كنيسة، إما لأجل التمييز، أو لأنه يوجد بعض الاختلاف بين كلمة المجمع التي منها أخِذ الاسم Synagogue والاجتماع الذي فيه دعيت الكنيسة "إكليسيا". فان المجمع هو اجتماع القطيع، وتسمى قطعان flocks، وأما الاجتماع فهو أكثر مناسبة للمخلوقات العاقلة مثل البشر... اعتقد أنه من الواضح أي مجمع للآلهة يقف فيه العلي .
* يقول البعض لنرسم صورة للمسيح مع والدته الثيؤتوكس وهذا يكفي...
كلماتكم عديمة التقوى تثبت أنّكم تحتقرون القدّيسين تمامًا. من الواضح إنّكم لا تحرمون الصور، ولكنكم ترفضون تكريم القدّيسين.
تصنعون صور للمسيح لأنّه هو الممجّد، ومع ذلك تحرمون القدّيسين من المجد المستحق لهم، وتدعون الحقيقة نفاقًا. يقول الرب: "أمجّد الذين يمجّدونني". يوحي الله للرسول بالكتابة: "إذًا ليس بعد عبدًا بل ابنًا، وإن كنت ابنًا فوارث لله بالمسيح" (غل 4: 7) وأيضًا: "فإن كنّا أولادًا، فإنّنا ورثة أيضًا، ورثة الله، ووارثون مع المسيح. إن كنّا نتألّم معه، لكي نتمجّد أيضًا معه". إنّكم لا تشنّون الحرب ضد الصور، ولكن ضد القدّيسين أنفسهم.
القدّيس يوحنا اللاهوتي، الذي اتكأ على صدر يسوع، قال: "لأنّه إذا أُظهر نكون مثله" (1 يو 3: 2). كما أن أيّ شيء متصل بالنار يصبح نارًا، ليس من طبيعته ولكن بالاتّحاد، والحرق، والاختلاط مع النار، كذلك أيضًا بالجسد الذي أخذه ابن الله. بالاتّحاد مع أقنومه، اشترك الجسد في الطبيعة الإلهيّة (دون أن يفقد الناسوت سماته) وبهذا الاتصال أصبح الله غير متغير، ليس فقط بعمل النعمة الإلهيّة، كما هو الحال في حالة الأنبياء، ولكن أيضًا بمجيء النعمة نفسه. الكتاب المقدّس يسمي القدّيسين آلهة، عندما يقول: "الله قائم في مجمع الله. في وسط الآلهة يقضي" (مز 82: 1).
يفسّر القدّيس غريغوريوس هذه الكلمات على أنّها: الله قائم في مجمع القدّيسين يحدّد المجد المستحق لكليهما. كان القدّيسون خلال حياتهم الأرضيّة مملوءين من الروح القدس، وعندما تم مسارهم، لم يترك الروح القدس أنفسهم ولا أجسادهم في القبر .
* أول شيء، الأماكن التي أرتاح فيها الله القدوّس وحده في أماكن مقدّسة: وهي الثيؤتوكس والقدّيسون. هؤلاء الذين أصبحوا مثل الله بقدر المستطاع، حيث اختاروا أن يتعاونوا مع الاختيار الإلهي. لذلك سكن الله فيهم. فإنّه حقًا يدعوهم آلهة، ليس بالطبيعة ولكن بالتبنّي، مثلما ندعو قضيب الحديد الساخن مشتعلًا، ليس بطبيعته، ولكن لأنّه اشترك في العمل مع النار.
إنه يقول: "تكونون قدّيسين، لأنّي قدّوس الرب إلهكم" (لا 19: 2) هذا أولًا، وبعد ذلك اختيار الخير، فبمجرّد أن نختار الخير، يساعد الله الذين اختاروا الخير أن يزيدوا في الخير، لأنّه يقول: "وأسير بينكم" (لا 26: 12). نحن هياكل الله، وروح الله ساكن فينا (1 كو 3: 16) "وأعطاهم سلطانًا على أرواح نجسة حتى يخرجوها، وشفوا كل مرض وكل ضعف" (مت10: 1). وأيضًا: "من يؤمن بي، فالأعمال التي أنا أعملها يعملها هو أيضًا، ويعمل أعظم منها" (يو 14: 12). "يقول الرب حاشا لي؛ فإني أكرم الذين يكرّمونني" (1 صم 2: 30) و"إن كنّا نتألّم معه، لكي نتمجّد أيضًا معه" (رو 8: 17) "الله قائم في مجمع الله، في وسط الآلهة يقضي" (مز 82: 1).
لذلك حيث أنّهم آلهة، ليس بالطبيعة، ولكن لأنّهم شاركوا الطبيعة الإلهيّة، فيجب أن يبجّلوا، ليس لأنّهم يستحقّونه، ولكن لأنّهم يحملون في داخلهم ذاك الذي هو معبود بالطبيعة.
نحن لا نبتعد عن الحديد المشتعل ونرفض أن نلمسه بسبب طبيعته، لكن لأنّه اشترك مع ما هو ساخن بالطبيعة. والقدّيسون يبجّلون لأن الله مجدهم. ومن خلاله أصبحوا مخيفين للأعداء، ومفيدين للإيمان. هم ليسوا آلهة بطبيعتهم، ولكن لأنّهم كانوا خدّامًا محبّين لله، لذلك نبجّلهم، لأن الملك يتكرم من خلال العبادة المقدمّة لخدّامه المحبوبين. هم خدّام طائعون، وأصدقاء مقربون، ولكنّهم ليسوا الملك نفسه.
عندما يصلّي المرء بإيمان مقدّمًا دعواه باسم صديق مفضّل، فإن الملك يقبل الدعوة من خلال الخادم الأمين، لأنّه يقبل التكريم الذي أعطي لخادمه. لذلك هؤلاء الذين يتقدّمون إلى الله من خلال الرسول يستمتّعون بالشفاء، لأن ظل الرسل أو مناديلهم ومناشفهم التي تلمسهم مملوءة من الدواء. هؤلاء الذين يرغبون في عبادتهم مثل الله ممقوتون ويستحقّون النار الأبديّة. أما الذين بسبب عجرفتهم يرفضون أن يكرّموا خدّام الله، فسوف يحكم عليهم على عجرفتهم وإظهارهم عدم التكريم لله. الأطفال الذين أساءوا إلى أليشع هم مثل لذلك، لأن الدببة افترستهم (2 مل 2: 23) .