القمص صليب سوريال .. الكاهن الأمين في تاريخ الكنيسة
ينظم المركز الثقافى القبطى الارثوذكسي بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية ، بداية الاسبوع المقبل ، احتفالية كبري بمناسبة مرور 50 عام على تكريس القمص صليب سوريال و100 عام على ميلاده ، ويقام الحفل تحت رعاية البابا تواضروس الثاني بابا الاسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية ، وحضور عدد من الاساقفة والكهنة والخدام الذين خدموا معه .
ولد القمص صليب سوريال باسم "وهيب زكى " في 6 فبراير 1916 في قرية طوخ النصارى "طوخ دلكة" مركز تلا بمحافظة المنوفية، وكان والده تاجراً للمشغولات الذهبية وسكرتير الجمعية الخيرية بطوخ والتي كانت تعتنى بشئون كنيسة مار جرجس بطوخ النصارى، وتدير مدرسة الأقباط التي كانت في حضن الكنيسة والتي تعلم فيها الرئيس الأسبق أنور السادات ، وهو يمت بصلة قرابة البابا كيرلس السادس إذ كان أبن خالة والدته ، وقد ألتحق بكلية الحقوق جامعة فؤاد الأول "القاهرة حاليا" في عام 1936.
ألتحق القمص صليب بالخدمة بكنيسة مار مرقس بالجيزة في أكتوبر 1936 وكانت هي الكنيسة الوحيدة بمدينة الجيزة آنذاك وتخدم كل مناطق الجيزة والهرم والدقي وامبابة والمنيل والزمالك في ذلك الوقت ، وفي عام 1948 بدأت حركة التكريس فى الكنيسة القبطية منعطفاً جديداً هو التكريس الكلى والجماعي للخدمة، وفى ذلك العام تكرس سعد عزيز "المتنيح الأنبا صموئيل"، ويوسف اسكندر "القمص متى المسكين"، للرهبنة تحت إرشاد رائد حركة التكريس القمص مينا المتوحد المتنيح " البابا كيرلس السادس"، كما تكرس ظريف عبدالله "القمص بولس بولس"، ووهيب زكى "القمص صليب سوريال" للكهنوت، وبذلك فتحوا الباب أمام موكب التكريس الذى انطلق، وانطلقت معه كنيستنا القبطية الأرثوذكسية من سباتها لتتبوأ من جديد مكانتها المميزة بين كنائس العالم
قال د. سينوت دلوار شنودة : " يعد القمص صليب أحد الأربعة المكرسين الأوائل، وهو الذى تكرس لخدمة كنيسة مار مرقص بالجيزة، تلك الكنيسة التى انطلقت منها الإشارات الأولى للتكريس، وكونت مدارس الأحد بها مع مدارس الأحد بكنائس شبرا، اللبنة الأساسية للنهضة الروحية فى كنيستنا فى عصرها الحالي " .
كانت الجدية هى احدى العلامات المميزة لشخصية أبونا صليب منذ بدأ خدمته فى مدارس أحد الجيزة فى أكتوبر 1935، فبعد تخرجه قام هو وزميله سعد عزيز "المتنيح الأنبا صموئيل أسقف الخدمات" برحلة تفقدية لفروع مدارس الأحد فى الصعيد، وكانا يكتبان تقريراً يومياً ويرسلانه مع طلبات الصور والدروس إلى الجيزة وبعد عودتهما كانت معظم الفروع ترسل كراسات التحضير إلى الجيزة للمراجعة وإعادتها مرة أخرى، وبعد رسامته كاهناً كانت الجدية سمة غالبة على كل تصرفاته وأنشطته فكان يقوم بافتقاد مستمر لا يكل، وعندما انتدبه البابا شنودة الثالث ليخدم الأقباط فى ألمانيا، قام رغم مرضه بتأسيس سبع كنائس فى سبع مدن ألمانية تغطى ألمانيا كلها من شمالها إلى جنوبها
قام القمص صليب مع زملائه الشباب فى مدارس الأحد بالجيزة بمشروعات كبيرة رائدة فى مجالها، فقد تم تأسيس جماعة التربية القبطية باقتراح من الراهب مكارى "المتنيح الأنبا صموئيل"، كذلك بدأ أبونا صليب مع أبونا مكارى خدمة المذبح المتنقل فى القرى والأحياء الجديدة والمناطق المحرومة التي أصبحت كنائس جديدة فى أعوام لاحقة، وقام بتأسيس بيوت للطلبة والطالبات نضجت وترعرعت فى مراحل لاحقة، فمنها بيت الشمامسة القبطى بالجيزة الذى يعد منارة للخدام والشباب فى مختلف أنحاء العالم الذين يحتفظون بذكريات غالية لهذا المشروع الرائد لخدمة الشباب، ونفس الأمر حدث مع بيت الطالبات الذى صار بيت الخادمات المسيحيات، وقد تم إعادة افتتاح هذا البيت بعد إعادة بنائه هذا العام ليقوم بدوره فى خدمة الفتيات والطالبات " .
كما أسس القمص صليب بيت القديسة دميانة للمكرسات، الذى وضع لائحته الأولى الأنبا شنودة أسقف التعليم "البابا شنودة الثالث" وهو اللبنة الأولى لحركة تكريس البنات للخدمة فى العصر الحديث، كما أنشأ جمعية مار مرقس النسائية ومشغلها التى قامت بتعليم الفتيات اللائي فاتهن فرصة التعليم وتدريبهن، ومصيف غصن الزيتون بضاحية أبو قير بالإسكندرية، وكلها مشروعات رائدة فى بابها بالإضافة إلى المركز القبطي ودير الأنبا أنطونيوس بألمانيا ، وكان حكيماً فى علاقاته
كان القمص صليب له دور هام لتدخله فى الوقت المناسب لإنقاذ مبنى الكلية الإكليركية الجديد بأرض الأنبا رويس الذى كاد يضيع لعدم استخدامه، وقام بالاتصال بأعضاء المجلس الملى ونجح فى استصدار قرار من المجلس بنقل الكلية الإكليركية من مبناها القديم بمهمشة إلى المبنى الجديد، وقد قام فعلا شباب مدارس الأحد ومدرسي الكلية الإكليركية وعلى رأسهم الأستاذ نظير جيد " البابا شنودة الثالث" والأستاذ وهيب عطاالله " الأنبا أغريغوريوس" بعملية النقل .
وفي عام 1975 أوفده البابا شنودة إلى ألمانيا لخدمة شعبها فأسس سبعة كنائس في جميع أنحاء المانيا وديراً قبطياً في كريفلباخ بالقرب من فرانكفورت ومركز ثقافي قبطي ملحق بالدير ، كما أوفده لتدريس مادة القانون الكنسي والأحوال الشخصية في الكليات اللاهوتية بالقاهرة والإسكندرية ولوس أنجيلوس ونيو جيرسي بالولايات المتحدة الأمريكية فكان يقضى حوالى شهر سنويا فى كل منها، وساهم في تأسيس كنيسة سانتا مونيكا بكاليفورنيا مع القمص تادرس يعقوب. وله العديد من المؤلفات في القانون الكنسي والأحوال الشخصية باللغة العربية والإنجليزية وكتب عديدة في اللاهوت الطقسي وتفسير الكتاب المقدس وغيرها من الكتب الروحية .
التزم القمص صليب بنظام محدد فى حياته طوال فترة خدمته، سواء فى الجيزة أو فى مكان آخر خدم به لم يحد عنه حتى دعاه الرب يسوع ليكمل خدمته مع الأربعة والعشرين قسيساً فى سماء المجد، فقد كان منظماً جداً وكان يفكر بطريقة علمية منطقية، ما أن يبدأ في مشروع حتى يشغل كل وقته وجهده حتى يتمه، ثم يتجه لمشروع جديد بدلا من تشتيت الجهود، وكان حريصاً منذ العام الأول لسيامته أن يقدم تقارير دورية عن أحوال خدمته مصحوبة بالوثائق والمستندات، واستمر هذا الحال حتى نياحته، حتى أن البابا شنودة قال أثناء الصلاة على جثمانه الطاهر: " لو أردت أن أكتب تاريخ الكنيسة فى المهجر سيكون أدق تاريخ فيها هو تاريخ الكنيسة في ألمانيا التي تولاها القمص صليب سوريال "
رحل الكاهن الأمين عن عالمنا يوم الجمعة 2 سبتمبر 1994 بعد حياة حافلة بالجهاد وخدمة باذلة بالحق ورعاية كاملة بالتدقيق ، ورأس الصلاة على جثمانه الطاهر البابا شنودة الثالث الذى القى كلمة رائعة عنه ولفيف من الآباء الأساقفة وعشرات الكهنة وجمع غفير من الشعب بالكاتدرائية المرقسية بالأنبا رويس ، ودفن في كنيسة مار مرقس بالجيزة .
هذا الخبر منقول من : البوابه نيوز