|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الإنسان العتيق والإنسان الجديد (أف22:4-24 وكول9:3-10) استعمل العهد الجديد هاتين العبارتين: فما هو الإنسان العتيق؟ خلق الله آدم وحواء بريئَين لأن الله لا يخلق الشرّ. خلقهما على صورته ومثاله مزوَّدَين بروح عاقلة حرة. هذه الصورة الحية مملوءة من الشوق إلى أصلها. خلقَها لمجده. نقول إن الآب بذل ابنه وإن الابن بذل نفسه من أجلنا، بينما نحن ساقطون وأعداء. فكم بالأحرى أن تكون محبته لآدم وحواء عظيمة ليجعلهما متجهَين إليه يعيشان في كنفه ورضوانه؟ في انجيل لوقا:”آدم ابن الله” (38:3). كم كان هذا الابن عزيزاً غالياً؟ ولكنه سقط. كانت قواه وأشواقه جميعاً متجهة إلى الله. شابها الاعتلالُ. تمزّقت الصورة إرباً إرباً إلى ألف قطعة وقطعة. تهشّمت المرآة. مال آدم وحواء إلى العالم الخارجي وجسديهما. صار جسدانيَّين. اشتهيا ما في الأرض. سقطا من رؤية الله ومعرفته. نسيا الله. كان الله مركز ثقلهما، فصار جسداهما والدنيا مراكز ثقلهما. خالفا وصية الله. أغراهما الشيطان بتعدّي وصية الله طمعاً في تألّه كاذب. نفخهما بكبرياء فارغة سقط هو نفسه بسببها. يا لهول هذا السقوط! يُولد الإنسان اليوم كما يُولد جرو الحيوان. يهتم أهله بجسده فيوقظون فيه أحاسيس الجسد، وحواسَّ الجسد. إن كانت الأمّ مؤمنة ألقت في خلده شيئاً من حبَّات الإيمان والتقوى وإلاّ … طبعاً ليس الإنسان حيواناً. الأرثوذكسية تؤمن بأنَّ الله يكوِّن في رحم المرأة الجنين كشخص فيه روح وجسد. فهو شخص منذ لحظة تدخّل الله. تكوينه كشخص سرٌ إلهي. فالله هو الذي يصنع له الشخص والروح لا أبواه. قدس الأب بريك ما ألمَّ بما فيه الكفاية بهذه النقطة في كتابه “الحياة هبة مقدسة” الذي ترجمته الأخت المجتهدة كاترين سرور. ولم يذكر العملية كسرّ إلهي. واجتهد في تحديد لحظة انعقاد الإنسان في الرحم. هذا شطط غربي لا أرثوذكسي. هو مثلي يؤمن بتدخل الله. اليوم يقول العلم كذا. وغداً قد يقول خلاف ذلك. وهو في جميع الأحوال على خطأ. الله وحده يعلم اللحظة الخاطفة التي يتدخل هو فيها لتكوين النواة الأولى. بريك ما أعطى السرّ الإلهي مكانه. انعقادي في جوف أمي سرّ إلهي. أسجد لإلهي الذي تدخل في اللحظة الأولى لوجودي. كل ما في الإنسان ـ وعلى الأخص روحه ـ معجزة كبيرة. كل خلية فيه معجزة. لو انتبه الأطباء والبيولوجيون إلى ذلك لسبّحوا الله آناءَ الليل والنهار. ولكن طرائق العلم الأوروبي ـ الأميركي مادية ساقطة تمنع التسبيح بحجة الموضوعية والوضعية والعلمية الشيطانيات. حتى المؤمنون صاروا عبيد هذه الطرائق لأنهم جبناء لا شهداء ورسل. تاريخ البشرية يعرّفنا بالإنسان العتيق. لن أسرده برمته. انتفخ الألمان في القرن 19 بتفوقهم العلمي، فصاروا عرقيين متعاظمين. اجتاحوا فرنسا في 1870. ساقوا العالم إلى الحرب العالمية الأولى، فسقطت دولتهم وامبرطوريات روسيا والنمسا وتركيا. واندلعت الثورة الشيوعية، فقتل اليهود حوالي خمسين مليوناً بحسب الاحصاءات الرسمية. وكانت نكبة الأرمن والأرثوذكس في تركيا وكيليكيا. وانتعشت ألمانيا وبريطانيا تضحك لئلا تنتفخ فرنسا، وذلك بعد الحرب العالمية الأولى. وكانت الحرب العالمية الثانية، فداس هتلر أوروبا ثم داسها ستالين على جماجم عشرات ملايين القتلى، وترميل النساء، وتيتيم الأطفال، ودمار البيوت وسرقة الممتلكات، وهتك الأعراض وو … وكان تشرتشل قد ورَّط روسيا وألمانيا في التقاتل فنجت الجزيرة البريطانية من الغزو الألماني ونجت الدنيا من هتلر. ومع هذا أشار تشرتشل أن تبدأ حرب جديدة مع روسيا فورَ سقوط ألمانيا ما دامت أميركا تمتلك القنبلة الذرية بينما لا تمتلكها روسيا. تشرتشل بطل الحرب العالمية الثانية بفكره يتنكرَّ فوراً للجميل وينصح بإحراق روسيا منقذة شعبه وشعوب العالم. أي شيطان أوحى له بذلك؟ ومنذ 1969 سعى حلف الأطلسي لشنّ حرب نووية. وفي عهد الرئيس الأميركي ريغن استفحل تيار حرب الفناء الذري. صادقَ الرئيسُ الروسي غورباتشوف ريغن فانخفضت حرارة جهنم. لا دين للسياسة والسياسيين. الله هو إله المتواضعين الخاشعين لا إله المصارف التي تبيّض أموال الجرائم المنظمة وتهريب المخدرات، لا إله المنتفخين بالمجد الباطل والسلطان والمال وو… العِلْم الأوروبي الأميركي أفاد من نواح ٍ ولكنه شوّه الكرة الأرضية. صارت بحاجة إلى طوفان جديد من نوع آخر، طوفان نعمة الروح القدس. إنسان القرن 20-21 مسحوق وعاجز عن التطلّع إلى السماء. هذا كله في أوروبا العلم والحضارة والثقافة وحقوق الإنسان… وتضخمت الآلة الحربية حتى صار الروس والأميركان والانكليز والفرنسيون والألمان قادرين على تذويب الكرة الأرضية تقريباً. وتدرب الناس على السلاح في الخدمة الاجبارية أو الطوعية، فانتعشت عدوانية الإنسان، حتى ضد زوجته وأولاده. وكانت سدوم وعمورة الجديدة في برجي بابل الجديدة نيويورك وواشنطن في 11/9/2001 فورم قلب كل إنسان شعر بهول الفاجعة. ما هذا العملاق الكرتوني أميركا الذي يخيف الكون ولا يسهر على بلده في زمن هو يعرف فيه أن الارهاب انتشر في بلده ونسف ما نسف؟ يزعم الاميركان أنهم يقرأون الانجيل؟ ألم يسمعوا الرب يسوع يقول:”احذروا الناس”؟ وهناك تجار المخدرات الذين يسمّمون الناس ويودعون أموالهم في مصارف الغرب. ما أذيع هو أنها خمسة آلاف مليار دولار تتاجر بها المصارف الغربية. يحاربون المخدرات وهم يُثرون على حساب المخدرات. وهناك الهوايات من مخدرات ودخان وقمار ومسكرات: انتحار. في باريس ـ على ما يقال ـ خمسون ألف تنبل لا عمل لهم سوى التسوّل ليشتروا خمراً. ينامون على الأرصفة. وإن هبطت الحرارة التفوا حول بعضهم بعضاً على فوهات الميترو والحرارة 10 دون الصفر أو أقلّ من ذلك. وهناك أهل البطن. أعرف من دخل المستشفى بعد التخمة. إِلَهُهُم بطنهم كما قال إشعيا النبي. وهناك عبادة المال والمقتنيات، هناك من يستبيحون في سبيل كسب المال كل الموبقات. وهناك أهل الهوى المفسدون الضالون عبّاد الجسد قاتلو الروح. على كل حال في القرن 20 مات 110 ملايين إنسان بالسلاح. وميزانية التسلح أكبر الميزانيات. هذا غيض من فيض. “الفساد وباء عالمي” إلاّ أن الدنيا لا تخلو من الأفاضل. الله قال لابراهيم إنه ما كان ليحرق سدوم وعمورة لو كان فيهما 10 أبرار. فالحمد لله على وجود نفر من الصالحين والصالحات الذين يستمطرون لنا مراحم الله. هذا هو الإنسان العتيق المهترئ بالرذائل. فالرهبان اليوم حاجة قصوى لاستمطار مراحم الله. أما الإنسان الجديد المتجدد على صورة خالقه فهو الإنسان الصدِّيق، غير الموبوء بالمآثم والجرائم. في الكنيسة شهداء آثروا كل أنواع الميتات بسبب رفضهم أن ينكروا ربنا يسوع ولو باللسان. هؤلاء قمة الحب الإلهي. لدينا قديسون لا يُحصَون: عاشوا على الأرض عيشة الملائكة. لدينا الآن في العربية سنكسار الأب توما وبعض سير القديسين مثل القديس سيرافيم ساروفسكي الذي ترجمه سيادة الأسقف باسيليوس منصور، أو سيرة القديس سمعان العمودي التي أنشأتُها، أو ما ترجمه دير الحرف وسواه. صلبوا الجسد وأهواءه وشهواته، ووجَّهوا كل قلوبهم وطاقاتهم نحو الله. استنار جسد سمعان وجسد سيرافيم. كيف؟ هما أيضاً هيكل للروح القدس. متى جذب الله الروحَ انجذب الجسدُ وراءها. الجسد والحواس أدوات الروح. أنا الذي يُغرق جسده في نور الروح القدس، وأنا الذي يُغرقه في بحر الزلاّت. وبسبب الحرية يستطيع الإنسان أن ينتقل من أقصى اليسار (الرذيلة) إلى أقصى اليمين (الفضيلة). خلاصي بيدي. وكل الأعذار مرفوضة رفضا قاطعاً. أدافع عن إهمالي وكسلي. فدفاعي مرفوض. في النهاية: لا العلم، ولا المال، ولا الجاه، ولا المناصب، ولا البشر، ولا العالم برمته، بشيء يُذكر حين خروج روحي من جسدي. الفضيلة وحدها زادي للآخرة. الإنسان إنسان بفضيلته وتقواه وإلا كان خيراً له ـ كما قال ربُنا في يهوذا ـ لو لم تلده أُمّه. الرذيلة تشوّه الإنسان أبشع تشويه، تفقده وجهه الإنساني وتُلبسه وجه الشيطان إلاّ إذا تاب. يحتمي أهل الرذيلة بالكفر ليستبيحوا المحرّمات. ولكن منجل الموت سيحصدهم ويخزنهم في جهنم. ما نجا أحد من الموت. إنَّ ذكرَ الموت سيف قطَّاع يقطع عليَّ دروب الانغماس في الرذائل. تخيّلُ الموت وجهنم ضروري جداً. أنا ضعيف إلى حدّ حاجتي إلى هذه المكواة لأكوي بها أهوائي وشهواتي. ومن يرفض ذلك فهو متكبِّر متعجرف أناني عدو الصليب أو جبان لا يشاء أن يجلد أهواءه ورغباته بهذه المجلدة. النسك هو العمود الفقري للروحانية الأرثوذكسية. وهو الضرورة الملحة اليوم للمسيحية الغربية لتتجدّد روحياً. أهملتْ النسك والصوم فخسرتَ أحد الجناحين للطيران إلى السماء. الجناح الآخر هو الصلاة الدائمة. هناك من يتكبّر حتى روحياً عن بعض المآثم. ولكنه روحاني مزيَّف. لا روحانية حقيقية إلا في قرع الصدر والانسحاق والتذلّل أمام الله في خطى القديس أفرام وأنداده. ليست الروحانية كلاماً روحياً، بل تمزّق القلب ندامةً (يوئيل النبي). روحانيٌ لا يسمح للشعور بالذنب بالعمل هو روحاني مزيَّف. يتم اكتشافه حين رفضه النقد والملامات. الروحاني الحقيقي يفضل المذمات على المنافخيات. الامتحان الأكبر لروحانيتنا هو صبرنا الجميل على أطنان الشتائم الموجَّهة إلينا مع الابتهال إلى الله من أجل شاتمينا. هذا هو صبر الشهداء والقديسين. |
|