يتحدث السيد المسيح عن الجحش الذي طلبه: تجدان جحشًا مربوطًا لم يجلس عليه أحد من الناس". فإن كان كثير من آباء الكنيسة(257) قد رأوا في الأمم وقد دخلت إلى الحياة الحيوانية وغباوة الجحش بسبب انحرافاتهم ورجاساتهم المُرَّة، فقد قبل السيد هذه الأمم لتكون عرشًا له، وكأنها قد صارت له "سحاب السماء" الذي يأتي قادمًا عليه. يصفه السيد المسيح أنه مربوط، فقد ظن الرومان أنهم أحرار أصحاب السلاطين في العالم، ولم يدركوا أنهم في حاجة إلى تلاميذ السيد المسيح يكرزون لهم بإنجيل الخلاص لكي يفكوا رباطاتهم الداخلية، ويصيروا عرشًا إلهيًا يحل الرب عليه. أما قوله "لم يجلس عليه أحد" فكما يقول العلامة أوريجينوس أن الأمم لم يسبق لهم عبادة الله الحيّ، ولا تسلموا شريعته، ولا عرفوا مواعيده كما تمتع اليهود، إنهم بلا خبرة روحية وكأنه لم يجلس عليهم أحد. ولعل تعبير "لم يجلس عليه أحد" يعلن عن طبيعة الموكب أنه ديني سماوي روحي إلهي، فالكهنة والعرافون إذ رأوا ما حلّ بالفلسطينيين بسبب تابوت العهد؛ قالوا: "أعطوا إله إسرائيل مجدًا لعله يخفف يده عنكم... فالآن خذوا واعملوا عجلة واحدة جديدة وبقرتين مرضعتين لم يعلهما نير، واربطوا البقرتين إلى العجلة... وخذوا تابوت الرب، واجعلوه على العجلة... وأطلقوه فيذهب" (1 صم 6: 7). هكذا عرف كهنة الأمم والعرافون أن الموكب الإلهي يتطلب عجلة جديدة وبقرتين لم يعلهما نير، الأمر الذي يعرفه داود النبي الذي طلب من منتخبي إسرائيل: "أركبوا تابوت الله على عجلة جديدة" (2 صم 6: 3). وعندما أراد أليشع النبي أن يطرح ملحًا في المياه الردية لإصلاحها كرمز للسيد المسيح الذي يصلح العالم احتاج إلى صحن جديد يضع فيه الملح (2 مل 2: 20). وهكذا النفس التي يسكنها الرب لتكون عروسًا له يلزم أن تكون عذراء (مت 25: 1) ليست لآخر غيره. ولهذا السبب وهب السيد المسيح كنيسته روحه القدوس الذي ينزع الإنسان القديم ويهب الإنسان الجديد الذي على صورة خالقه ليكون بالحق عرشًا جديدًا لله لم يجلس عليه أحد. حتى إن أخطأنا وفتحنا باب القلب لآخر، فإن عمل الروح القدس هو التجديد المستمر حتى يجد الرب القلب جديدًا على الدوام، ليس من يقتحمه ولا من يغتصبه، إنما يكون عرشًا يملك عليه وحده لا يجلس عليه آخر.