زوادة اليوم:
لماذا يا ربّ ؟
في إحدى المُدُن الرِّيفِيَّة الوَديعة كَسَرَ أحَد العُمَّال المُزارِعين رِجلَهُ أثناءَ عَمَلِه بعدَما تَعَثَّرَ وسَقَطَ على الأرض، وكانَ لهذا الرَّجُل سِتَّة أولاد صِغار يَعتَمِدونَ عليهِ لإعالَتِهِم.
وقَد كانَ إنساناً مؤمِناً ويُواظِب على حُضور القداديس في الكنيسة المَحَلِّيَّة في قَريَتِه.
زارَهُ في مَنزِلِه راعي كَنيستهُ ليَطمَئِنَّ عليه، فاستَقبَلَهُ هذا الرَّجُل وهو مُمَدَّد على الفِراش وساقهُ مَلفوفة بالجِبس، ثُمَّ بَدَأ يتذَمَّر أمامَ القِسّ ويقول :
لماذا سَمَحَ الرَّب بأن تُكسَر رِجلي؟
ولماذا لم يمنَع هذا الأمر من الحُصول؟
ومَن سيُعين أولادي الآن وأنا في هذه الحالة؟
لماذا حَصَلَ ذلك أيُّها الكاهن أخبِرني لماذا؟
قالَ لَهُ راعي الكَنيسة :
بصَراحة يا بُنَيّ أنا لا أعرِف لماذا سَمَحَ الرَّب بذلك، لكن كُل ما أعرِفهُ أنَّ الرَّبَّ صالِح وأنَّ لَهُ قَصد ومَشيئة مِمَّا حَصَل.
ثُمَّ رَحَلَ الكاهن وبَقِيَ الرَّجُل حائِراً مُستاءً مِمَّا هو فيه.
وبعدَ عِدَّة أيَّام، قُرِعَت طُبول الحَرب في البِلاد، وكانَت القَرية الَّتي يَعيش فيها هذا المُزارِع مع عائلتهِ تقَع على الحُدود مع الأعداء، فابتَدَأ أهلُ القَرية بالرَّحيل تارِكينَ وَراءهُم كُل شَيء لِيَنجوا بحَياتهِم فقَط، وخافَ المُزارِع أيضاً على عائلتهِ وقَرَّرَ أن يَرحَلَ بهِم هَرَباً من الحَرب، فَرَكِبوا السَّيارة التي حاوَلَ أن يَقودها لكن بصُعوبة لأنَّ ساقهُ لا زالَت تؤلِمُه ولأنَّ الجِبس ما زالَ يَلُفُّها، وفَجأةً وهُم في طَريقِهِم ظَهَرَ أمامَهُم حاجِز عَسكَري تابِع لِجَيشِ بِلادهِم، وهذا الحاجِز لا يَسمَح بعُبور الرِّجال بَل يَسمَح فقَط للنِّساء والأطفال بالعُبور خارِج الحُدود حِفاظاً على حياتهِم، ويُرسِل جَميع الرِّجال للمُشارَكة في الحَرب.
طَلَبَ العَسكَري المَسؤول من الرَّجُل بأن يَعودَ أدراجَهُ لأنَّهُم لن يَسمحوا لَهُ أن يَمُرّ، فاسوَدَّت الدُّنيا أكثَر أمامَ عَينَيّ المُزارِع وراحَ يَتَوَسَّل إلَيهِم لكي يُوافِقوا بأن يوصِل عائِلتهُ إلى مَكانٍ آمِنٍ فقَط ثُمَّ يَعود إلى الوَطن وَحدهُ ويُشارِك في الحَرب، لكنَّ العَسكَري لم يُوافِق على ذلك بَل غَضِبَ وطَلَبَ من المُزارِع أن يَتَرَجَّل من السَّيَّارة، ولمَّا فُتِحَ باب السَّيَّارة لاحَظوا أنَّ ساق الرَّجُل مَكسورة ومَلفوفة، فَراحوا يَتَهامَسونَ فيما بينهم قائِلين ماذا سَنَفعَل بهِ إن كانَت ساقهُ مَكسورة؟
فهو بهذا الوَضع لن يُفيدنا شيئاً في الدِّفاع عن الوَطَن بَل سَيَكون عِبئاً علينا، لذلك فلنَسمَح لَهُ بالعُبور مع عائلتهِ.
وحينَ مَضى عن الحاجِز واجتازَ الحُدود، انفَجَرَ بالبُكاء وبَدَأ يَطلُب من الرَّب أن يَعفو عَنهُ ويُسامِحهُ على تَذَمُّرِهِ وشَكِّهِ في صَلاح الله، ومُباشَرَةً حَمَلَ هاتِفهُ واتَّصَلَ بِراعي كَنيسَتِه وأخَبَرَهُ بِكُل ما حَصَل وبِعَظَمَة هذا الإله الذي يُنَجِّي أولادهُ من جُب الأُسود.
إخوتي......
نعَم سَمَحَ الرَّب بأن تُكسَر ساق هذا الرَّجُل، لكنَّ ذلكَ كانَ لِمَنفَعَتهِ ولإنقاذ حَياتهِ مع عائلته.
لكنَّنا كمؤمِنين نَسأل الله في كَثير من الأحيان عندما نُواجِه ظُروف صَعبة ونقول لماذا يا رَبّ ؟
لماذا سَمَحتَ بهذا الأمر؟
ولماذا لم تَمنَعهُ مع أنَّكَ قادِر على كُل شَيء؟
هذا الرَّجُل المُزارِع حَصَلَ على إجابة لأسئِلَته.
لكن رُبَّما لا نَكون نحنُ قَد حَصَلنا على إجابة لتَساؤلاتِنا بَعد، ورُبَّما لن نَحصُل عليها في الوَقت الحالي، لكن يَكفي أن نَعرِف ونُوقِن ونَثِق بأنَّ مَشيئَة الله هي صالِحة دَوماً لحَياتِنا وبأنَّهُ يَرى الأُمور أبعَد مِمَّا نَرى نحنُ لأنَّهُ الإله الغَير مَحدود والذي يَعلَم بِكُلِّ شَيء، فَلنُمَجِّد الله في جَميع ظُروفِنا ولنَشكُرهُ على تَعامُلاتهِ مَعَنا وعلى البَرَكات العَظيمة التي يُخَبِّئها لنا.
"لأَنَّ أَفْكَارِي لَيْسَتْ مُمَاثِلَةً لأَفْكَارِكُمْ، وَلاَ طُرُقَكُمْ مِثْلُ طُرُقِي، يَقُولُ الرَّبُّ."
(سِفر إشَعياء 55: 8 )