رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
دانيال في جب الأسود يقدم لنا هذا الأصحاح قصة إلقاء دانيال في جب الأسود، وهي تُقابل قصة إلقاء الثلاثة فتية في أتون النار في الأصحاح الثالث. تؤكد القصتان قدرة الله الفائقة في إنقاذ مؤمنيه حافظي وصاياه، العامل في وسط الضيق. بينما الأصحاح الثالث يُقدم التزام المؤمنين بالجانب السلبي، أي عدم العبادة للأوثان، نرى هنا التزامهم الإيجابي، وهو العبادة لله الحيّ تحت كل الظروف. وكانت القصتان معروفتين في أيام المكابيِّين (1 مك 2: 59 إلخ.). شاخ دانيال، أما قلبه فلم يعرف الشيخوخة؛ إذ لم يستطع زمان السبيّ الطويل أن يُغيِّر أعماقه، وأمانته لله. فبقي كما كان كشابٍ عند سبيّه، بل كان ينمو في الإيمان بالرغم من حرمانه من الجو الروحي المحيط لمساندته. كان دانيال يُمثل الكنيسة، خاصة في أواخر الدهور الرافضة للسجود لضد المسيح والوحش. كان دانيال مسبيّا، لكن الله في حبُه بسط يديه لخدمتهم بواسطة نبيِّه الأمين، دانيال، حتى في لحظات التأديب. 1. مركز دانيال أثناء حكم داريوس: بلا شك سمع داريوس الملك عن دانيال النبي وربما رآه بنفسه عندما قُتل بيلشاصر، ووجده مرتديًا الأرجوان والقلادة الذهبية، فسأل عن شخصه. عرف أنه هو الذي فسَّر لنبوخذنصر أحلامه، ولبيلشاصر الكتابة التي ظهرت على الحائط أمامه. كرَّمه داريوس ووثق فيه، فصار اليد التي استخدمها الله لخدمة شعبه المسبي. لكن عدو الخير لم يقف مكتوف اليدين، فقدر ما تمجد الله في دانيال ثار العدو بالأكثر لكي يُحطمه. رفعه الله في عينيّ الملك ليجعله الرجل التالي له، بينما كان عدو الخير يُعد له جب الأسود الجائعة للخلاص منه وتحطيم عمله. "حَسن عند داريوس أن يولي على المملكة مائة وعشرين مَرزُبانًا يكونون على المملكة كُلها. وعلى هؤلاء ثلاثة وزراء، أحدهم دانيال، لتُؤدي المرازبة إليهم الحساب، فلا تُصيب الملك خسارة. ففاق دانيال هذا على الوزراء والمرازبة، لأن فيه روحًا فاضلة، وفكر الملك في أن يوليه على المملكة كلها" [1-3]. سبق لنا الحديث عن داريوس المادي في الأصحاح الخامس. ويرى البعض أن فترة سقوط بابل يكتنفها بعض الغموض، ربما كان داريوس حتى ذلك الحين شخصًا مجهولًا عُهد إليه المُلك من قبل كورش. ومع أن هويته غير ثابتة حتى الآن بصورة قاطعة. 2. خطة الأعداء ضده: "ثم إن الوزراء والمرازبة كانوا يطُلبون علةً يجدونها على دانيال من جهة المملكة، فلم يقدروا أن يجدوا علة ولا ذنبًا، لأنه كان أمينًا ولم يوجد فيه خطأ ولا ذنب. فقال هؤلاء الرجال: لا نجد على دانيال هذا علةً إلاَّ أن نجدها من جهة شريعة إلهه" [4-5]. * مطوَّبة هي الحياة التي تقود حتى الأعداء فلا يجدوا فيها علة للاتهامات إلاَّ ربما من جهة شريعة الله. القديس جيروم "حينئذ اجتمع هؤلاء الوزراء والمرازبة عند الملك، وقالوا له هكذا:أيُّها الملك داريوس عش إلى الأبد. إن جميع وزراء المملكة والشحن والمرازبة والمشيرين والولاة قد تشاوروا على أن يضعوا أمرًا ملكيًا، ويُشددوا نهيًا، بأن كل من يطلب طلبةً حتى ثلاثين يومًا من إله أو إنسان إلاَّ منك أيُّها الملك يُطرح في جب الأسود. فثبت الآن النهي أيها الملك، وأمض الكتابة لكي لا تتغير كشريعة مادي وفارس التي لا تُنسخ. لأجل ذلك أَمضى الملك داريوس الكتابة والنهي" [4-9]. واضح من الحديث أن داريوس لم يكن ملكًا على إمبراطورية مادي وحدها، بل على الإمبراطورية المشتركة لمادي وفارس كما رأينا في الأصحاح السابق، إذ كان شريكًا في الحكم مع كورش. دبر الأعداء خطتهم ضد دانيال حسدًا، وذلك بسبب عظمته مع تقواه وإخلاصه للملك. لم يجدوا علَّة عليه لذا خططوا للخلاص منه. اقنعوا الملك أن قرارًا مثل هذا يكشف عن مدى إخلاص الغرباء المسبيّين له في أرض جديدة. 3. إيمان دانيال: "فلما علم دانيال بإمضاء الكتابة، ذهب إلى بيته، وكواه مفتوحة في عُليته نحو أورشليم، فجثا على ركبتيه ثلاث مرات في اليوم، وصلى وحمد قُدام إلهه كما كان يفعل قبل ذلك" [10]. عرف الأعداء موعد صلوات دانيال، وكان من السهلِ مراقبته من النافذة المفتوحة. فقد اعتاد اليهود أن يُمارسوا ثلاث صلوات يومية: · في الصباح، في وقت تقديم ذبيحة الصباح. · في وقت الساعة التاسعة (3 بعد الظهر)، في وقت تقديم ذبيحة المساء. · في العشية عند غروب الشمس. كان دانيال النبي يمارس عبادته في العُلية، إشارة إلى ارتفاع النفس إلى الأعالي لتلتقي مع الله فوق كل الزمنيات. * قبل كل شيء احتفل ربنا بالفصح في العُلية (مت 14)، وفي أعمال الرسل حلّ الروح القدس على المائة وعشرين نفسًا من المؤمنين بينما كانوا في العُلية (أع 2). وهكذا دانيال في هذه الحالة، إذ استخف بأوامر الملك، واستراحت ثقته في الله، لم يمارس صلواته في بقعة غامضة بل في مكانٍ مرتفع، وفتح نوافذه نحو أورشليم حيث يرى سلام الله. علاوة على هذا كان يُصلي حسب وصية الله، وحسب قول سليمان الذي حثَّ الشعب أن يصلوا متجهين نحو الهيكل . * يلزمنا أن نسجد لله ثلاث مرات في اليوم. وبحسب تقليد الكنيسة تُفهم الثلاث مرات على أنها الساعات الثالثة والسادسة والتاسعة. في الساعة الثالثة حلَّ الروح القدس على الرسل (أع 2: 15). وفي الساعة السادسة إذ أراد بطرس أن يأكل صعد إلى العُلية للصلاة (أع 10). وفي الساعة التاسعة كان بطرس ويوحنا في طريقهما إلى الهيكل (أع 3). القديس جيروم "فاجتمع حينئذ هؤلاء الرجال، فوجدوا دانيال يطلب ويتضرع قُدام إلهه، فتقدموا وتكلموا قدام الملك في نهي الملك. ألم تمض أيها الملك نهيًا بأن كل إنسان يطلبُ من إلهٍ أو إنسان حتى ثلاثين يومًا إلاَّ منك أيها الملك يُطرح في جُب الأسود؟ فأجاب الملك وقال: الأمر صحيح كشريعة مادي وفارس التي لا تُنسخ. حينئذ أجابوا وقالوا قدام الملك: إن دانيال الذي من بني سبيّ يهوذا لم يجعل لك أيُّها الملك اعتبارًا، ولا للنهي الذي أمضيتُه، بل ثلاث مرات في اليوم يطلب طلبته. فلما سمع الملك هذا الكلام اغتاظ على نفسه جدًا، وجعل قلبه على دانيال ليُنجيه، واجتهد إلى غروب الشمس لينقذه. فاجتمع أولئك الرجال إلى الملك وقالوا للملك: اعلم أيها الملك أن شريعة مادي وفارس هي أن كل نهيٍ أو أمرٍ يضعُه الملك لا يتغير" [11-15]. يقول القديس جيروم أنه كما فهم الملك نيّة هؤلاء الرجال إنهم دبروا الخطة للإيقاع بدانيال، هكذا فهموا هم أيضًا نيّة الملك الذي امتنع عن الطعام حتى الغروب كنوع من الضغط عليهم كي لا يطلبوا موت دانيال، إذ لم يكن في سلطانه أن يغيِّر القانون الذي أصدره، لكن كان يمكن لهم أن يتجاهلوا ما صنعه دانيال ولا يشتكوا عليه. أما هم فلم يبالوا بما فعله الملك وأصرُّوا على تطبيق القانون على دانيال. كان أمام دانيال أن يتوقف عن الصلاة لمدة ثلاثين يومًا حتى تنتهي مدة القرار، مع قيامه بالصلاة خفية في منزله والنوافذ مغلقة، والتظاهر بأنه يسجد للتمثال. لكن وجد دانيال فرصته لإعلان إيمانه ففتح النوافذ، وتحدى الشر ليس استعراضًا لقوته، وإنما شهادة لإيمانه. كان دانيال يُحدد أوقاتًا معينة يوميًّا للصلاة وهكذا كان المرتل (مز 55: 16-17). تحدث الأعداء ضده باستخفافٍ وكراهية: "دانيال هذا..."، وقد وقف الملك محاميًا عنه. لكن الأعداء كانوا قد احكموا الخطة، إذ وقَّع الإمبراطور قانونًا لا رجعة فيه. 4. ضيقة دانيال وخلاصه: "حينئذٍ أمر الملك، فأحضروا دانيال، وطرحوه في جُب الأسود. أجاب الملك وقال لدانيال: إن إلهك الذي تعبده دائمًا هو يُنجيك" [16]. أدرك الملك أن إله دانيال هو إله المستحيلات، حيث تعجز كل الأذرع البشرية عن العمل تظهر قوة الله. * ترك الملك (إلقاء دانيال) للجماهير، ولم يجسر أن يوقف خطة الأعداء الخاصة بموت صديقه، تاركًا لقوة الله أن تتمم ما عجز هو عن تنفيذه. لم يستخدم لغة الشك كأنه يقول: "إن كان قادرًا أن يُنجيك"، بل بالأحرى تحدث في جرأةٍ ويقين: "إن إلهك الذي تعبُده هو يُنجيك". حتمًا سمع عن الثلاثة الفتية الذين كانوا أقل مرتبة من دانيال نفسه إنهم غلبوا لهيب بابل. وسمع عن الأسرار التي أُعلنت لدانيال، فتطلع إليه بنظرة سامية، وحسبه في كرامة عظيمة، بالرغم من كونه مسبيًّا. القديس جيروم "وأُتي بحجرٍ وُوضع على فم الجُب، وختمه الملك بخاتمه وخاتم عُظمائه، * ختم الصخرة بخاتمه حتى لا يفتح أحد الجب، فلا يحاول أعداء دانيال الإيقاع به. فقد ائتمنه في يد الله، ومع كونه لم يضطرب من جهة الأسود، لكنه خشي عليه من الناس. كما ختمه أيضًا بأختام العظماء كي يتجنب بكل وسيلة دخول الشك إليهم. القديس جيروم "حينئذٍ مضى الملك إلى قصره، وبات صائمًا، ولم يُوتَى قدامه بسراريه، وطار عنه نومه" [18]. * يا لإخلاص نيّة الملك الصالحة، إذ لم يرد أن يمس طعامًا بالليل كما بالنهار ولم يُعطِ لأجفانه نُعاسًا. وإنما إذ كان النبي في خطر بقي هو متعاطفًا معه في قلقٍ. إن كان الملك الذي لا يعرف الله صنع هكذا من أجل إنسانٍ آخر يشتاق أن يُخلصه، كم بالأكثر يليق بنا أن نفعل نحن لنسترضي مراحم الله بالأصوام والأسهار بسبب خطايانا؟!. القديس جيروم "ثم قام الملك باكرًا عند الفجر، وذهب مُسرعًا إلى جُب الأسود" [19]. أسرع الملك إلى الجب في ثقة بالله إله دانيال أنه يُخلَّصه. "فلما اقترب إلى الجُب نادى دانيال بصوتٍ أسيفٍ: أجاب الملك وقال لدانيال: يا دانيال عبد الله الحيّ، هل إلهك الذي تعبده دائمًا قدر على أن يُنجيك من الأسود؟" [20]. * أظهر الملك بدموعه عاطفته الداخلية، فقد نسي كرامته الملوكية، ونصرته على المسبيّين، وسيادته على خادمه (دانيال)... لقد دعى الله الإله الحيّ ليُميِّزه عن آلهة الأمم الذين هم كتماثيل للأموات... لم تكن (كلمته هذه) تحمل شكًا في قوة الله الذي وثق فيها... إنما نطق بهذا، ليس في شك، ولكي يظهر دانيال ولم تصبه أذيَّة، فيجد الملك ما يبرره بالأكثر في غضبه على العظماء. القديس جيروم "فتكلم دانيال مع الملك: يا أيُّها الملك عش إلى الأبد" [21]. * يُكرِّم دانيال ذاك الذي كرّمه، وطلب له أن يحيا أبديًا . القديس جيروم "إلهي أرسل ملاكه وسد أفواه الأسود، فلم تضرُّني لأنيِّ وُجدتُ بريئًا قُدامهُ، وقُدامك أيضًا أيُّها الملك لم أفعل ذنبًا" [22]. * ذاك الذي يُصلي ويقول: "لا تسلم للوحوش النفس التي تعترف لك" (راجع مز 74: 19)، يُسمع له، ولا يعاني من الأفعى والحيات، لأنه يستطيع بالمسيح أن يطأ الأسد والتنِّين (مز 91: 13)، وينال القوة المجيدة التي يهبها يسوع لنطأ الحيات والعقارب وكل قوة العدو (لو 10: 19)، فلا يؤذيه شيء من قِبَلْ هذه الأشياء. مثل هذا يلزمه أن يشكر الله أكثر من دانيال، لأنه يخلص من وحوش أكثر رعبًا وأذية . * لقد كُممت أفواه أسود غير منظورة بالنسبة لدانيال النبي لكي بالأكثر لا تُضر نفسه من الأسود المنظورة . العلامة أوريجينوس * يمكن أن تصير حتى هذه الوحوش غير مؤذية، إلاَّ إذا كانت عقوبة تقع على خاطئ أو اختبارًا وتزكية لكمال فضائل المؤمن . القديس أغسطينوس * لينطق كل قديس بهذه الكلمات، فإنه يُنتزع من أفواه الأسود غير المنظورين، ومن الحفرة، لأنه يثق في إلهه. القديس جيروم "حينئذٍ فرح الملك به، وأمر بأن يُصعد دانيال من الجُب. فأُصعِدَ دانيال من الجُب، ولم يُوجد فيه ضرر لأنه آمن بإلهه. فأمر الملك فأحضروا أولئك الرجال الذين اشتكوا على دانيال وطرحوهُم في جُب الأسود هم وأولادهم ونساءهم. ولم يصلوا إلى أسفل الجُب حتى بطشت بهم الأسود وسُحقت كل عظامهم" [23-24]. تُقدم لنا قصة دانيال النبي هنا صورة حيّة عن دور الإنسان في حياة الجماعة. فدانيال بحياته المقدسة نجح، كما أعان زملاءه الشبان الثلاثة، وخدم أيضًا شعبه في السبيّ، وخدم الملوك وسندهم، وخدم الأمم، إذ قدم لهم نبوات صريحة عن السيِّد المسيح. هكذا بالتصاقه بالرب لم تكن لخدمته وهو في السبيّ حدودًا. ومن الجانب الآخر الفساد الذي حلّ بأعدائه الحاسدين أفقدهم سلامهم، وحوّل طاقتهم للهدم عِوض البنيان، وحطم سلام الملك إلى حين كما دفع بهم وبنسائهم وأولادهم إلى الجب ليصيروا فريسة للأسود الجائعة. هكذا يليق بنا ألا نستخف بحياتنا، في كل بنيان داخلي نسند الكثيرين وتفرح السماء بنا، ومع كل انحراف نهدم معنا كثيرين وبسببنا يصير نوء عظيم، كما حدث بسبب يونان الهارب من وجه الرب. كانت عادة سقوط العائلة بأكملها تحت العقوبة معروفة في المجتمعات القديمة، وهي تتعارض مع ما ورد في (تث 24: 16، إر 31: 29 الخ؛ حز 18). فشل الملك في إنقاذ دانيال لأن القرار قد سبق فوقَّعه ولا رجعة فيه، لكن الله نفسه خلصه. كان الملك في قصره حزينًا للغاية، طار النوم من عينيه، وكان الأشرار واضعوا الخطة في فرح شديد. ربما اجتمعوا يُهنئون أنفسهم على نجاح خطتهم، وخلاصهم من دانيال. ربما كانوا يُخططون في هذه الليلة لترشيح إنسانٍ يحل محل دانيال. أما دانيال فعاد إلى الحياة الفردوسية الأولى حيث الصداقة القوية بين الحيوانات حتى المفترسة والإنسان. كان يُداعب هذه الحيوانات ويلاطفها لأول مرة في حياته، كما اختبر عربون السماء، إذ نزل ملاك يسد أفواه الأسود. قضى دانيال أسعد وأعجب ليلة في حياته كلها. لو لم يُلقِ الملك بالأشرار في الجب كان يمكن القول بأن الأسود لم تكن جائعة، لذلك لم يُصَب دانيال بضرر. لكنه وقد بقي معهم ليلة كاملة في سلام وأمان بينما أُصيبت الأسود بحالة شبه جنون حين أُلقي كثيرون في الجب حتى لم تنتظر بلوغهم إلى القاعة وسحقت كل عظامهم أثناء إلقائهم... هذا كشف عن يد الله التي خلصت دانيال النبي بقوة، ونزعت أدنى شك ممكن أن يُساور إنسان ما. استراح دانيال، لا لأنه خلُص من موت جسدي، ولكن لأنه تمتع برؤية جديدة وإدراك أعمق لحب الله ورعايته له. أما الملك فلم يسترح لأنه شعر بفقدانه أعز إنسان أمين له، وأدرك أنه مارَسَ الظلم ضد من أخلص إليه. لكنه ترجى في الله - إله دانيال - أن يُخلص ذلك الأمين. يمكننا القول بأن دانيال النبي سبَّح الله في وسط جب الأسود قائلًا: مع المرتل: "على الأسد والصِلَّ تطَأْ. الشِبل والثعبان تدوس. لأنه تعلق بيّ أُنجيه. أرفعه لأنه عرف اسمي. يدعوني فأستجيب له. معه أنا في الضيق أنقذه. من طول الأيام أُشبعه وأُريه خلاصي" (مز 91: 13-16). أما عن أعداء دانيال فينطبق قول عاموس النبي: "كما إذا هرب إنسان من أمام الأسد وصادفه الدب، أو دخل البيت ووضع يده على الحائط فلدغته الحيّة؛ أليس يوم الرب ظلامًا لا نورًا، وقِتامًا لا نور له؟!" (عا 5: 19-20). إذ خلَّص الله دانيال قرر الملك معاقبة الأشرار وعائلاتهم الذين خططوا ضد دانيال النبي البار. 5. إعلان داريوس: "ثم كَتَبَ الملك داريوس إلى كل الشعوب والأمم والألسنة الساكنين في الأرض كلها. ليكثر سلامكم. من قِبلي صدرَ أمر بأنه في كل سلطان مملكتي يرتعدون ويخافون قُدام إله دانيال، لأنه هو الإله الحيّ القيوم إلى الأبد، وملكوته لن يزول، وسلطانه إلى المنتهى. هو يُنجي ويُنقذ، ويعمل الآيات والعجائب في السموات وفي الأرض. هو الذي نجى دانيال من يد الأسود" [25-27]. كان إعلان داريوس أقوى من إعلان نبوخذنصر (دا 3: 29)، وذلك لأنه كان إيجابيًا لا سلبيًا. فقد تأثر داريوس بما حدث، واهتزت أعماقه أمام المعجزة. لقد أدرك أن الله الحيّ الحقيقي، إله دانيال هو الأبدي الذي لا يموت، يُحرك السماء والأرض بقوة، ليخلَّص مؤمنيه. هذا لا يعني أن داريوس قد صار تقيًا، لأنه لم ينزع عن قصره ولا عن مملكته العبادات الوثنية، ولا نزع عن سلوكه ما لا يليق بالمؤمنين. لقد مجَّد الله إلى حين، لكنه بقي في الرجاسات الوثنية. لقد دعى الملك الله: "إله دانيال"، كما سبق فنُسب الله إلى إبراهيم وإسحق ويعقوب، لكنه إذ لم يتمتع بخبرة الحياة مع الله لم يستطع الملك أن ينسب الله إليه. إننا في حاجة أن نتمتع بالله إلهنا، الذي يشتاق أن يُنسب نفسه إلينا، كما ننسب أنفسنا إليه، فنقول مع إرميا النبي: "نصيبي هو الرب، قالت نفسي" (مرا 3: 24). كما نسمع صوب الرب قائلًا: "من يغلب يرث كل شيء، وأكون له إلهًا، وهو يكون ليّ ابنًا" (رؤ 21: 7). يتحدث الملك عن الله كمخلص نجى وينجي دانيال، لكنه لم يتقدم ليتمتع هو بالمراحم الإلهية، ويتذوق أبوته في حياته الشخصية. سبّح الله كصانع آيات وعجائب في السموات وعلى الأرض، فقد عرف كل ما حدث مع آبائه، وما تم على يديّ دانيال النبي، لكنه لم يتمتع بالآيات في أعماقه. لم يُسلم جسده ونفسه كأرض وسماء يُحركهما الله بيده القوية، ويُعلن عجائبه فيهما! تساءل البعض هل يمكن للجب أن يضم 120 مرزبانًا مع نسائهم وأولادهم؟ الإجابة أنه لم يُلق في الجب غير عدد قليل منهم هؤلاء الذين اشتكوا ضد دانيال. تظهر دقة القصة أنه حسب العادات الفارسية كان أقرباء الإنسان يُعاقبون بجريرة جريمته، لهذا أُلقيت الزوجات أيضًا والأبناء. "فنجَح دانيال هذا في مُلك داريوس وفي مُلك كُورش الفارسي" [28]. يُختتم الأصحاح بخبر نجاح دانيال "في ملك داريوس وفي مُلك كورش الفارسي". فإذ كان في أيام مملكة فارس ومادي، كان المتولي على شئونها داريوس المادي كحاكم شريك مع كورش الفارسي، فالنص لا يُعني حكمين متعاقبين، وقد جاءت اكتشافات الآثار الحديثة تؤكد ذلك. نجح دانيال النبي في أيام الكلدانيِّين أو المملكة البابلية حيث سبيَ إلى بابل واُختير كأحد الحكماء الذين يقفون أمام الملك (دا 1)، وأعطاه الله نعمة في عينيّ نبوخذنصر حيث كان يُفسر له الأحلام، لكنه اُستبعد غالبًا بحسد السحرة والعرافين والحكماء. وفي اللحظات الأخيرة من حياة بيلشاصر آخر ملوك بابل، أُعيد ليقرأ ما كتبته اليد الخفية التي كتبت على حائط القصر. وإذ فتح داريوس وكورش بابل أعطياه كرامة خاصة، كرَّمه داريوس المادي وهو شيخ حتى مات، وحسبه كورش الفارسي ابن أخت داريوس من عظمائه المقربين إليه. بهذا حوَّل الله أحزان دانيال في السبيّ إلى تعزيات. نجح في حياته اليومية وفي عباراته كما في عمله. خدم جيله بقوة، كما خدم الأجيال التالية من الأمم كما اليهود خلال نبواته التي وردت في القسم الثاني من السفر. بلا شك كان دانيال حزينًا، لا لأنه سبيَ مثل كثيرين من الشعوب التي أخضعها نبوخذنصر، وإنما ما هو أكثر أنه حُرِم من أرض الموعد، ومن التمتُّع بالمدينة المقدسة وهيكل الرب. لكن الله استخدمه لعمل أعظم وسط الشعوب، ولرسالة فائقة تستمر عبر الأجيال. هكذا أعطاه الله نجاحًا حسب الفكر الإلهي لا حسب فكرنا البشري. لقد حُرم من الهيكل في أورشليم، لكنه وقف أمام هيكل الرب الجديد ليفتح أبواب الرجاء للأمم للتمتع بالمُقدسات الإلهية، فحق له الترنم: "اخترت الوقوف على العتبة في بيت إلهي على السُكنى في خيام الأشرار" (مز 84: 10). لهذا حسبه حزقيال النبي أحد الرجال الأولين الثلاثة العظماء: "نوح ودانيال وأيوب" (حز 14: 14). من وحيّ دانيال 6 حوِّل ليّ الحب سماءً! * عجيبة هي رعايتك يا ضابط الكل! تسمح ليّ مع دانيال أن أُلقى في وسط الجب، لكنك تُحول الجب إلى فردوس! تهبني رؤية ملائكتك، هؤلاء الذين يخدموننا للخلاص، ويُسرُّون بالعمل لحساب ملكوتك فينا! * لتُلقني في الجب، لكن، لتسد أفواه الأسود الجائعة فلا تؤذيني. * في حيرتي أرى كأن الكل ضدي. لكنني أجد حتى وسط غير المؤمنين داريوس الملك الأمين! أخجل منه في إخلاصه، وثقته فيك! من أجل دانيال لم يأكل حتى الغروب، بل وطال صومه حتى الفجر. امتنع حتى عن حقوقه البشرية من أجل خادمه دانيال! طار النوم من عينيه! ومع الفجر ركض نحو الجب! * بصوت أسيف نادى دانيال، لكي يُعلم من هم حوله، أن إله دانيال قادر أن يُنجي إلى التمام! * داريوس يُدينني! هل ليّ أن أصوم وأبكي لأجل خلاص اخوتي، بل ومن أجل خلاص العالم كله؟! هل أثق بإله دانيال القادر أن يُنجي؟ هل لا أُعطي لعيني نومًا مادامت توجد نفوس في جب الأسود غير المنظورة؟! هل أُبكر لأبحث عن كل نفس؟! بماذا أُجيب؟ |
|