|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
إن كان إبراهيم قد ترك سارة في يدي الملك الوثني أبيمالك بعدم إعلانه عن العلاقة الزوجية التي تربطها معًا، فقد حفظها الرب دون أن يمسها أحد، وردها مكرمة لكي تنجب إسحق ابن الموعد، بنسله تتبارك الأمم.
1. ولادة إسحق 1-3 2. ختان إسحق 4-7 3. فطام إسحق 8 4. ابن الميراث وابن الجسد 9-13 5. هاجر وبئر الماء 14–21 6. ميثاق بين إبراهيم وأبيمالك 22-34 "وافتقد الرب سارة كما قال، وفعل الرب لسارة كما تكلم، فحبلت سارة وولدت لإبراهيم ابنًا في شيخوخته، في الوقت الذي تكلم الله عنه" [1-2]. إن كان إسحق من زرع إبراهيم ومن صلبه، لكنه في الحقيقة هو عطية الله له ولسارة، هو ثمرة افتقاد الرب لسارة ووعوده لها ولرجلها، لهذا يتطلع الآباء إلى إسحق ليس كابن طبيعي لإبراهيم بل هو "ابن الموعد"، لهذا يؤكد الكتاب: "افتقد الرب سارة"، كما يعلن أنها "ولدت لإبراهيم ابنًا في شيخوخته"، بمعنى أنه ابن إبراهيم حقًا لكنه جاء في شيخوخته بعد أن نزع الرب بافتقاده لسارة عقرها. كما سبق أن قلنا كان رحم سارة شبه ميت أو أشبه بحجر منه جاء إسحق رمزًا لكنيسة العهد الجديد التي ولدت من سارة الجديدة، وجاء أعضاؤها من الأمم كما من الحجارة. وكما يقول القديس كبريانوس: [نجد في الإنجيل أبناء إبراهيم قد قاموا من الحجارة (مت 3: 9) إذ جُمعوا من الأمم[308]]. لقد بقي إبراهيم ومعه سارة عشرات السنين بلا طفل، لكن الله افتقدها بطفل على مستوى لائق بالوعد الإلهي يفرح شيبتهما، بل ويفرح قلوب البشرية كلها... إنما جاء "في الوقت الذي تكلم الله فيه". مواعيد الله صادقة وأمينة تنالها في حينها إن بقينا أمناء ننتظر بإيمان، لهذا يؤكد الرسول بولس: " لا نفشل في عمل الخير لأننا سنحصد في وقته إن كنا لا نكل" (غل 6: 9). سنحصد اسحقنا الحق أي تجلي السيد المسيح داخلنا، إن كنا لا نكل في جهادنا الروحي المنبعث عن الإيمان الحيّ الذي لا يفتر. في اليوم الثامن ختن إبراهيم إسحق: "كما أمره الله" [٦]. وكأن سارة تمثل الكنيسة التي تمتلئ فرحًا بولادة بينها روحيًا، بختانهم ليس حسب الجسد وإنما حسب الروح، خلال مياه المعمودية. حينما يخلع الإنسان بالروح القدس الإنسان العتيق ويلبس الجديد الذي على صورة خالقه تمتلئ الكنيسة ضحكًا روحيًا... إذ صار لها ابنا مفرحًا للسماء! "فكبر الولد وفطم، وصنع إبراهيم وليمة عظيمة يوم فطام إسحق" [٨]. لم يصنع إبراهيم وليمة عظيمة يوم ولادة إسحق، إنما يوم فطامه. إن كنا لا نستطيع أن ننكر الفرح الشديد الذي ملأ قلب إبراهيم وسارة وكل محبيهما يوم ولادته، لكن إبراهيم يود أن يرى إسحق ناميًا ينتقل من مرحلة إلى أخرى ليبلغ كمال النضوج. ليتنا نكون كإبراهيم لا نفرح لولادة إسحق فحسب وإنما بفطامه أيضًا ونضوجه، أي نفرح بكل نمو روحي لإنساننا الداخلي الذي يتجدد بلا انقطاع لعله يبلغ إلى قياس قامة ملء المسيح (أف 4: 13). يعلق العلامة أوريجانوس على فطام إسحق بقولة: [إسحق يعني الضحك أو فرح من يستطيع أن يلد ابنا كهذا ؟! فقد قال الرسول للذين ولدهم في الإنجيل: "لأنكم أنتم مجدنا وفرحنا" (1 تس 2: 20). يُفطم هؤلاء المولودين فنصنع وليمة ويكون فرح عظيم، إذ لا يعود هؤلاء يحتاجون إلى اللبن بل إلى الطعام القوى (عب 5: 12)، و"قد صارت لهم الحواس مدربه على التميز بين الخير والشر" (عب 5: 14). لهذا تقام وليمة عظيمة يوم فطامهم. لكن لا يمكن أن تقام وليمة لا يكون فرح بالنسبة للذين يقول عنهم الرسول: "سقيتكم لبنًا لا طعامًا لأنكم لم تكونوا بعد تستطيعون بل الآن أيضًا لا تستطيعون، لأنكم بعد جسديون... لم أستطيع أن أكلمكم كروحيين بل كجسديين، كأطفال في المسيح" (1 كو 3: 2، 1)[309]. الوليمة العظيمة التي أقامها إبراهيم يوم فطام إسحق ألهبت مشاعر هاجر وابنها بالضيق والغيظ، فتذكرت هاجر مرارة هروبها من وجه ساراي (16: 6)، وكانت إلى وقت قريب تتطلع إلى ابنها بكونه الوارث الوحيد لإبراهيم. هذه المشاعر تجسمت في حياة ابنها الذي صار يمزح مع إسحق (21: 9) مزاحًا سخيفًا يكشف عن مرارة نفسه التي لم يكن من السهل أن يخفيها، حتى دعى الرسول بولس هذا المزاح اضطهادًا (غل 4: 29)، الأمر الذي أثار نفس سارة فطالبت إبراهيم بطرده مع أمه، قائلة "لأن ابن هذه الجارية لا يرث مع ابني إسحق" [١٠]. قبح الكلام جدًا في عيني إبراهيم إذ حسبه ظلمًا من سارة، هذا مع عدم تجاهله لابنه حتى وإن كان من جارية. وكان صوت الله له: "لا يقبح في عينيك من أجل الغلام ومن أجل جاريتك. في كل ما تقول لك سارة اسمع لقولها، لأنه بإسحق يدعى لك نسل، وابن الجارية أيضًا سأجعله أمة لأنه نسلك" [١٢-١٣]. بلا شك كان قلب إبراهيم قد تعلق بابنه الذي حسبه لسنوات طويلة الوحيد له حتى متى جاء إسحق لم يكن سهلًا أن يطرد الأول، لكن الأمر الإلهي جاء صريحًا أنه لا يرث. وقد فسر لنا الرسول بولس ما حمله هذا الأمر من نبوة رمزية. فالابن الأول والأكبر سنًا جاء حسب الجسد، أما الثاني فجاء حسب وعد الله يمثل الأبناء بالروح، وكأن الأول يشير إلى اليهود الذين تمسكوا بحرف الناموس وشكلياته وعاشوا على مستوى الجسد لا الروح، فصاروا مطرودين، أما كنيسة العهد الجديد فجاءت ثمرة النعمة الإلهية لها حق الميراث. في وضوح يقول الرسول: "الذي من الجارية وُلد حسب الجسد وأما الذي من الحرة فبالموعد. وكل ذلك رمز، لأن هاتين هما العهدان: أحدهما من جبل سيناء الوالد للعبودية الذي هو هاجر... وأما نحن أيها الأخوة فنظير إسحق أولاد الموعد، ولكن كما كان إلى وُلد حسب الجسد يضطهد الذي حسب الروح هكذا الآن أيضًا. لكن ماذا يقول الكتاب: "أطرد الجارية وابنها لا يرث ابن الجارية مع ابن الحرة. إذًا أيها الأخوة لسنا أولاد جارية بل أولاد حرة" (غل 4: 23-31). وإذ قبلنا الإيمان بالسيد المسيح صرنا بالروح القدس أولاد سارة ( كنيسة العهد الجديد ) الحرة، أما إن سلكنا خلال الحرف الناموسي القاتل والشكليات بلا روح فنرتد إلى روح العبودية لننتسب للجارية. يقول العلامة أوريجانوس: [أن سلكتم حسب الجسد تكونون أبناء هاجر، وبالتالي تتعارضون مع الذين يعيشون بالروح[310]. إن سلكنا حسب الحرف القاتل وعشنا في أعماقنا كجسديين نكون كالابن الجسد الذي يمثل الإنسان الأول الترابي، أما إن سلكنا بالروح فنصير أبكارًا لا حسب الجسد بل حسب الروح ونحسب روحيين وكما يقول الرسول بولس: "ليس الروحاني أولًا بل الحيواني وبعد ذلك الروحاني، الإنسان الأول من الأرض ترابي، الإنسان الثاني الرب من السماء. كما هو الترابي هكذا الترابيون، وكما هو السماوي هكذا السماويون أيضًا. وكما لبسنا صورة الترابي سنلبس أيضًا صورة السماوي" (1 كو 15: 46-49). إذ يوجد إسحق في داخلنا، أي نحمل روح الإنجيل الحيّ، يطرد حرف الناموس القاتل! g بناء على الأمر الإلهي صرف إبراهيم هاجر وابنها بعد أن زودهما بالخبز وقربة ماء وودعهما في الصباح الباكر لعلهما يجدان مأوى قبل الظهيرة. وكان الولد يبلغ حوالي 16 عامًا من عمره... فخرج الاثنان إلى البرية متجهين نحو الجنوب وقد تاها في البرية التي دعيت بعد ذلك "بئر سبع". وإذ فرغ الماء من القربة خار الولد من العطش فتركته أمه مطروحًا في الظل تحت الأشجار، إذ قالت "لا أنظر موت الولد" [١٦]. فجلست مقابله ورفعت صوتها وبكت. بينما كان الطفل إسحق يرتوي من ينابيع حب أبويه بلا توقف، شرب ابن هاجر من القربة المصنوعة من جلد حيوانات ميتة، فلم تستطع أن تروه إلا قليلًا ليبقى في حالة ظمأ وإعياء ويقترب جدًا من الموت. إنها صورة تكشف عن الفارق بين روح الحياة الإنجيلية والفكر الجسداني النابع عن حرفية الناموس. فإن قبلنا روح الإنجيل نسكن في الخيمة لنرتوي من ينابيع محبه الله أبينا والكنيسة أمنا، فنكون كإسحق المرتوي بحب إبراهيم وسارة، أما إن سلكنا بالحرف القاتل فندخل إلى البرية في حالة تيه، نشرب من الجلد الميت ماءً ينضب وتتعرض نفوسنا الداخلية للموت الروحي. العجيب أن هاجر رفعت صوتها وبكت أما الولد فكان في إعياء شديد غير قادر على الكلام، ومع ذلك فكان صمت الغلام صوتًا مسموعًا لدى الله أكثر من بكاء هاجر، إذ قيل: "سمع الله صوت الغلام، ونادى ملاك الله هاجر من السماء، وقال لها: مالك يا هاجر، لا تخافي لآن الله قد سمع لصوت الغلام حيث هو" [١٧]. إن كانت هاجر تمثل حرفية الناموس فإن الساقطين تحت الناموس إن أدركوا الموت الذي يحل بهم وصرخوا في قلوبهم يُسمع لهم،، يفتح عن أعينهم ليبصروا بئر ماء [١٩] ليشربوا من الماء الحيّ الذي حرموا أنفسهم منه. يقول الكتاب "وفتح الله عينيها فأبصرت بئر ماء فذهبت وملأت القربة ماءً وسقت الغلام" [١٩]. وكما يقول العلامة أوريجانوس: [اليوم اليهود بجانب الآبار لكن أعينهم منطمسة فلا يستطيعون الشرب من آبار الناموس والأنبياء[311]]. كما يقول: [انفتحت أعيننا نحن، وارتفع برقع حرفية الناموس، لكنني أخشى أن نغلق أعيننا بأنفسنا من جديد خلال نوم عميق، وعدم يقظتنا للمعنى الروحي، وإهمالنا في السهر، ونزع النوم عن أعيننا حتى نتأمل الروحيات ولا ننخدع، فنكون بهذا كشعب جسداني نجلس بجوار المياه (ولا نراها). إذن لنسهر مع النبي قائلين: "لا أعطي وسنًا لعيني ولا نومًا لأجفاني، أو أجد مقامًا للرب، مسكنًا لعزيز يعقوب" (مز 132: 4، ٥)[312]. أخيرًا سكن إسماعيل في برية فاران كصياد وقد تزوج من أرض مصر، إذ أزوجته أمه من بنات شعبها. أكرم أبيمالك ملك جرار إبراهيم جدًا وسمح له بالبقاء في أرضه لكنه إذ رآه يعظم جدًا، أدرك أن "الله" هو سر عظمته. ونجاحه فخاف منه، لذلك جاء ومعه رئيس جيشه فيكول ليقيما معه ميثاقًا حتى لا يغدر إبراهيم به أو بنسله وذريته. سبق فتحدثنا عن أبيمالك الملك الوثني كيف كان رقيقًا للغاية في معاملته مع إبراهيم، وحين أخذ سارة لم يغتصبها قهرًا وإنما طلبها بنقاوة قلب، وكان كريمًا معهما، يخاف الله. والآن إذ رأى إبراهيم ينجح وينمو نسب كل نجاح لعلاقته بالله، وعوض الحسد أو الغيرة جاء يطلب ميثاقًا. اتسم بالحكمة وحسن التصرف! قلنا أن كلمة "أبيمالك" غالبًا كان لقبًا لملوك جرار، حتى يدرك الشعب أن الملك هو أب لهم، إذ اللقب "أبيمالك" يعنى (أبى ملك). أما رئيس الجيش فكان يلقب "فيكول" ويعني (فو الكل) أو (فم الكل). ويبدو أن رئيس الجيش كان أشبه برئيس الوزراء أو الوزير الأول الذي يتكلم بلسان كل الشعب أو فمهم. طلب أبيمالك إقامة ميثاق مع إبراهيم، فعاتبه الأخير بسبب اغتصاب عبيد أبيمالك بئر ماء لإبراهيم. في حكمة وباتساع قلب أخبره أبيمالك أنه لم يعلم عن البئر شيئًا. قدم إبراهيم غنمًا وبقرًا لأبيمالك كهدية محبة عند قطع العهد، كما أفرز سبع نعاج وإذ سأل أبيمالك عن هذه النعاج قال له: "لكي تكون لي شهادة بأني حفرت هذه البئر" [٣٠]. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و التفاسير الأخرى). فقد سميت ببئر سبع حتى أن كل من يسأل عن الاسم يقال أنها نسبه للسبع نعاج التي قدمها إبراهيم... ولازال اسمهما هكذا إلى اليوم. وإذ أراد تثبيت ملكيته غرس أشجار اتل هناك يستطل بظلالها ويقيم خيامه تحتها. "ودعا هناك باسم الرب الإله السرمدي" [٣٣]. "وتغرب إبراهيم في أرض الفلسطينيين أياما كثيرة" [٣٤]. نعرف عن إبراهيم سخاءه الشديد وشعوره بالغربة فلا يطلب أن يملك شيئًا، فلماذا عاتب أبيمالك في أمر البئر ؟ لماذا أصر على استلامها ؟ ولماذا دعيت بئر سبع، وغرس حولها أشجار الأتل؟ بلا شك تشير "البئر" إلى الكنيسة التي تفيض بمياه الروح القدس الذي يهبه السيد المسيح من عند الآب، لذا قدم إبراهيم النعاج السبع شهادة لاقتنائه البئر، وكأنه يبيع كل شيء ليقتني العضوية الكنسية وينهل من مياه الروح القدس. أما دعوتها ببئر سبع فتشير إلى عمل الروح القدس في الكنيسة خاصة في الأسرار السبعة. وغرس الأشجار حولها يشير إلى المؤمنين الذي يلتفون حول مياه الروح القدس وينعمون به فيهم (حز 48: 7). بهذا يتمجد الله السرمدي فيهم ويدعى اسمه عليهم، حتى إن تغرب المؤمنون مع إبراهيم في العالم أياما كثيرة. لا نعرف كيف بدأت اللغة البشرية في حياة الإنسان. |
|