نلاحظ معاملة الرب الرقيقة مع الرجل الذي وثق في محبته، بطرس، الذي كان قد قال للرب إنه مستعد أن يذهب معه للسجن وللموت، ولكنه لم يجد في نفسه القدرة للوقوف أمام سؤال من جارية. لكن في هذا المشهد لا يذكر الرب كلمة واحدة عن هذا الإنكار، بل كان هذا الفشل موضوع تعامل بين الرب وبطرس في مقابلة خاصة منفردة، لا نعلم عنها شيئاً سوي ما قاله الأحد عشر "إن الرب قام بالحقيقة وظهر لسمعان" ( لو 24: 33 -34). وإن كان الـرب قد أراح ضمير بطرس في تلك المقـابلة الأولى، فإنه في هذا المشهد الذي أمامنا الآن تعامل مع قلبه وردّ نفسه تماماً. هناك كان تعامل الرب مع مظاهر الفشل، أما هنا فهو يتعامل مع الجذور الدفينة لهذا الفشل: ثقته في ذاته وفي محبته للرب، والتي يظهرها السؤال الثلاثي الذي سأله الرب لبطرس، وكأن الرب يقول لبطرس: بعد كل هذا الذي حدث ألا تزال تعتقد أنك تحبني أكثر من هؤلاء؟ وفي المرة الثانية لم يُشِر الرب إلى محبة الباقين؛ بل اكتفى بسؤال بطرس "أتحبني؟" وفي السؤال الثالث استعمل الرب كلمة عن المحبة تختلف في الأصل اليوناني عن الكلمة التي استخدمها في سؤاليه الأول والثاني، وهي تعني "المودة" أو الإعزاز، وكأنه يسأله: يا سمعان بن يونا أ تودني؟ وأجاب بطرس بنفس الكلمة واضعاً نفسه كلية في يدي الرب قائلاً: "يا رب أنت تعلم كل شيء"، وكأن بطرس يقول: أنا لم أعد أثق في محبتي لك أو أتكلـم عن هذه المحبة، ولكني أترك كل شئ لتقـديرك. وهنا كانت نفس بطرس قد رُدّت تماماً.
والرب في تقديره لذلك قال لبطرس "ارعَ غنمـي" (ع17)، وأنك ستمجد الله (ع19)، و"اتبعني" (ع19). وكأن الرب يقول له: كان هناك وقت كنت فيه تثق في محبتك لي أكثر من هؤلاء، أما الآن فتقدم وأظهر هذه المحبة بإطعامك غنمي الذين أحبهم. كنت تفكر في تمجيد نفسك بالذهاب إلى السجن وإلى الموت، أما الآن فاذهـب إلى السجن وإلى الموت لتمجيد الله، وبعد أن ينتهي كل ذلك اتبعني إلى المجد حيث أنا ذاهب. حقاً ما أعجب معاملات الـرب لتلاميذه؛ ولا سيما عندما يخيب أو يفشل واحد منهم!