|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
"حينئذٍ فرح الملك به، وأمر بأن يُصعد دانيال من الجُب. فأُصعِدَ دانيال من الجُب، ولم يُوجد فيه ضرر لأنه آمن بإلهه. فأمر الملك فأحضروا أولئك الرجال الذين اشتكوا على دانيال وطرحوهُم في جُب الأسود هم وأولادهم ونساءهم. ولم يصلوا إلى أسفل الجُب حتى بطشت بهم الأسود وسُحقت كل عظامهم" [23-24]. تُقدم لنا قصة دانيال النبي هنا صورة حيّة عن دور الإنسان في حياة الجماعة. فدانيال بحياته المقدسة نجح، كما أعان زملاءه الشبان الثلاثة، وخدم أيضًا شعبه في السبيّ، وخدم الملوك وسندهم، وخدم الأمم، إذ قدم لهم نبوات صريحة عن السيِّد المسيح. هكذا بالتصاقه بالرب لم تكن لخدمته وهو في السبيّ حدودًا. ومن الجانب الآخر الفساد الذي حلّ بأعدائه الحاسدين أفقدهم سلامهم، وحوّل طاقتهم للهدم عِوض البنيان، وحطم سلام الملك إلى حين كما دفع بهم وبنسائهم وأولادهم إلى الجب ليصيروا فريسة للأسود الجائعة. هكذا يليق بنا ألا نستخف بحياتنا، في كل بنيان داخلي نسند الكثيرين وتفرح السماء بنا، ومع كل انحراف نهدم معنا كثيرين وبسببنا يصير نوء عظيم، كما حدث بسبب يونان الهارب من وجه الرب. كانت عادة سقوط العائلة بأكملها تحت العقوبة معروفة في المجتمعات القديمة، وهي تتعارض مع ما ورد في (تث 24: 16، إر 31: 29 الخ؛ حز 18). فشل الملك في إنقاذ دانيال لأن القرار قد سبق فوقَّعه ولا رجعة فيه، لكن الله نفسه خلصه. كان الملك في قصره حزينًا للغاية، طار النوم من عينيه، وكان الأشرار واضعوا الخطة في فرح شديد. ربما اجتمعوا يُهنئون أنفسهم على نجاح خطتهم، وخلاصهم من دانيال. ربما كانوا يُخططون في هذه الليلة لترشيح إنسانٍ يحل محل دانيال. أما دانيال فعاد إلى الحياة الفردوسية الأولى حيث الصداقة القوية بين الحيوانات حتى المفترسة والإنسان. كان يُداعب هذه الحيوانات ويلاطفها لأول مرة في حياته، كما اختبر عربون السماء، إذ نزل ملاك يسد أفواه الأسود. قضى دانيال أسعد وأعجب ليلة في حياته كلها. لو لم يُلقِ الملك بالأشرار في الجب كان يمكن القول بأن الأسود لم تكن جائعة، لذلك لم يُصَب دانيال بضرر. لكنه وقد بقي معهم ليلة كاملة في سلام وأمان بينما أُصيبت الأسود بحالة شبه جنون حين أُلقي كثيرون في الجب حتى لم تنتظر بلوغهم إلى القاعة وسحقت كل عظامهم أثناء إلقائهم... هذا كشف عن يد الله التي خلصت دانيال النبي بقوة، ونزعت أدنى شك ممكن أن يُساور إنسان ما. استراح دانيال، لا لأنه خلُص من موت جسدي، ولكن لأنه تمتع برؤية جديدة وإدراك أعمق لحب الله ورعايته له. أما الملك فلم يسترح لأنه شعر بفقدانه أعز إنسان أمين له، وأدرك أنه مارَسَ الظلم ضد من أخلص إليه. لكنه ترجى في الله - إله دانيال - أن يُخلص ذلك الأمين. يمكننا القول بأن دانيال النبي سبَّح الله في وسط جب الأسود قائلًا: مع المرتل: "على الأسد والصِلَّ تطَأْ. الشِبل والثعبان تدوس. لأنه تعلق بيّ أُنجيه. أرفعه لأنه عرف اسمي. يدعوني فأستجيب له. معه أنا في الضيق أنقذه. من طول الأيام أُشبعه وأُريه خلاصي" (مز 91: 13-16). أما عن أعداء دانيال فينطبق قول عاموس النبي: "كما إذا هرب إنسان من أمام الأسد وصادفه الدب، أو دخل البيت ووضع يده على الحائط فلدغته الحيّة؛ أليس يوم الرب ظلامًا لا نورًا، وقِتامًا لا نور له؟!" (عا 5: 19-20). إذ خلَّص الله دانيال قرر الملك معاقبة الأشرار وعائلاتهم الذين خططوا ضد دانيال النبي البار. |
|