يُعتبر القديس مارتان مجد بلاد الغال Gaul، وضياء الكنيسة الغربية في القرن الرابع الميلادي. كان من أهل ساباريا Sabaria إحدى مدن بانونيا Pannonia، وكان والداه وثنيين. إذ كان أبوه ضابطًا في الجيش اضطرت الأسرة إلى السفر إلى بافيا Pavia في إيطاليا، وفي الخامسة عشر من عمره وجد مارتان نفسه مدفوعًا للالتحاق بالجيش. ومع أنه لم يكن قد تعمَّد بعد إلا أنه عاش كراهبٍ أكثر منه جندي. السيد المسيح يلبس نصف معطفه:
أثناء وجوده في أميان Amiens حدثت له واقعة مشهورة، ففي أحد أيام البرد الشديد أثناء عاصفة ثلجية، قابل القديس عند بوابة المدينة رجل فقير شبه عارٍ، يرتجف من شدة البرد ويطلب صدقة من العابرين. إذ رأى مارتان أن العابرين لا يعيرون التفاتًا لذلك البائس تحنن عليه وأراد مساعدته، ولكنه لم يكن يملك سوى ملابسه وسلاحه. استل سيفه وقطع معطفه نصفين وأعطى الشحاذ نصفه والتحف بالآخر. في تلك الليلة رأى مارتان في حلم السيد المسيح يلبس نصف المعطف الذي أعطاه للفقير ويقول: "مارتان مع أنه مازال موعوظًا إلا أنه كساني بهذا المعطف". وفي الصباح تذكر هذه الرؤيا وذهب للتو لينال سرّ المعمودية. ذهابه إلى بواتييه:
لم يترك مارتان خدمة الجيش بعد ذلك مباشرة، لكنه وهو في سن العشرين حدث هجوم من البربر على الغال، فوقف مارتان وجنوده أمام يوليانوس قيصر Julian Caesar استعدادًا لبدء حملتهم للدفاع عن الغال. قال مارتان لقيصر: "لقد خدمتك كجندي فدعني الآن أخدم المسيح، فإني جندي له ولا يليق بي أن أذهب للحرب". ثار القيصر لهذا الكلام واتهم مارتان بالجبن، فأجابه بأنه مستعد أن يقف أعزل من السلاح في أول خطوط الحرب ويقف أمام الأعداء باسم السيد المسيح. أُلقي القديس في السجن، ولكن إذ انتهت الحرب أُطلِق سراحه، فذهب إلى بواتييه Poitiers حيث استقبله القديس هيلاري الأسقف Hilary وجعله ضمن تلاميذه. كرازته:
إذ رأى في حلم من يدعوه لزيارة بلده، عبر جبال الألب حتى وصل بانونيا، حيث استطاع تحويل أمه ومجموعة أخرى إلى المسيحية بينما ظل والده على وثنيته. وفي Illyricum قاوم الأريوسيين بكل حماس وغيرة حتى جلدوه علانية واضطروه إلى ترك المدينة. حياة الوحدة:
اشتهى مارتان أن يمارس حياة الوحدة، فمنحه بواتييه قطعة أرض ليسكن عليها، حيث انضم إليه فيما بعد مجموعة من المتوحدين، والتي تعتبر أول مجتمع رهباني في الغال، أخذت تنمو حتى صارت ديرًا كبيرًا.عاش مارتان هناك عشرة سنوات موجهًا تلاميذه، ومبشرًا في القرى المحيطة، حيث أجرى الكثير من المعجزات أيضًا.
أسقفيته:
في سنة 371 م. طلبه أهل تور Tours ليكون أسقفًا عليهم، وإذ كان رافضًا ذلك المنصب استخدموا الحيلة في دعوته لزيارة أحد المرضى في المدينة، ولما توجه إليها أخذوه إلى الكنيسة ورسموه هناك رغم اعتراض بعض الأساقفة الموجودين على أهليته لتلك الكرامة نظرًا لتواضع منظره وهيئته. في البداية استمر مارتان في نفس نظام حياته الرهبانية، فعاش في صومعة قرب الكنيسة، ولكن إذ كثر زواره ولم يستطع تحمل الإزعاج اعتزل في برية قريبة من المدينة، وسرعان ما التفَّ حوله ثمانون راهبًا. خدمته بين الوثنيين:
كان من ثمرة تدينه ومعجزاته وغيرته الروحية أن تناقص الوثنيون ليس في تور فقط بل وفي بلاد الغال كلها، وهدم القديس كثير من معابد الوثنيين. في إحدى المرات إذ أراد قطع إحدى أشجارهم المقدسة، وافق كبير كهنة الوثنيين أن يقوم هو ومساعدوه بقطعها بأنفسهم على شرط أن يقف القديس تحتها في المكان الذي يحددوه له. وافق القديس دون تردد، فربطوه إلى الناحية التي كانت تميل إليها وبدأوا يقطعونها، ولما بدا أنها ستسقط عليه رشم عليها علامة الصليب فسقطت إلى الناحية الأخرى. مرة أخرى إذ كان يهدم أحد المعابد هجم عليه أحد الوثنيين شاهرًا سيفه، فكشف القديس صدره للمهاجم، فما كان منه إلا أن رجع إلى الخلف وسقط على ظهره وأخذ يتضرع في خوفٍ إلى القديس أن يسامحه. كان يواظب في كل عام على زيارة كل بلاد إيبارشيته، مسافرًا على قدميه أو على دابةٍ أو في مركبٍ. من أعماله أنه كان يعارض بشدة المطالبين بإعدام الهراطقة طالبًا بالأحرى الاكتفاء بإعلان هرطقتهم وحرمانهم بواسطة أساقفتهم. نياحته:
أخيرًا علم القديس بدنو نياحته وأخبر تلاميذه بذلك، فكانوا يبكون متضرعين إليه ألا يتركهم، فصلى قائلًا: "يا إلهي إذا كان شعبك مازال يريدني فلن أتراجع عن العمل، ولكن لتكن مشيئتك". أخيرًا تنيّح بسلام بعد مرض أخير، وذلك في الثامن من نوفمبر سنة 397 م.، وبنوا كنيسة كبيرة فوق قبره.العيد يوم نوفمبر 11.