المعلم د. راغب مفتاح
(1898-2001) تغير الشكل العام لتراث الموسيقى القبطية عندما بدء د. راغب مفتاح Dr. Ragheb Moftah المحافظة على الألحان والنصوص القبطية وتسجيلها، والتى كانت تتوارث بالتواتر.
الدكتور د راغب مفتاح
ولد د. راغب مفتاح فى 12 ديسمبر سنة 1898، وسافر الى المانيا فى سنة 1919 ليحصل على بكالوريوس الزراعة من جامعة بون University of Bonn ثم تفرغ بعد ذلك لدراسة تاريخ الموسيقى بأوروبا. رجع الى مصر فى عام 1926. خدم كرئيس لقسم الموسيقى والألحان بالمعهد العالى للدراسات القبطية الذى ساهم فى تأسيسه عام 1955. كطفل لعائلة بها عشرة اطفال يعهد راغب مفتاح الى ان والدته هى مصدر الهامه والى عائلته التى كانت تسانده حتى حقق هذا النجاح.
نشر القداس الباسيلى فى عام 1998 مباشرة بعد العيد المئوى لميلاد د. راغب مفتاح:
فلأول مرة فى التاريخ اصبح يوجد تسجيلات صوتية وكتابية باللغات القبطية والعربية والأنجليزية مصحوبة بالنوتات الموسيقية. وهذا كان مجرد جزء من مشروع حياة د. راغب مفتاح للحفاظ على التراث القبطى. ففى عام 1927 بدأ مشروع المحافظة على تراث الألحان والموسيقى القبطية خوفًا عليها من الأندثار وتاثير أجهزة الأعلام الحديثة عليها. بدأ د. راغب مفتاح الحفاظ على الموسيقى القبطية بتسجيل الألحان المؤداة بصوت (المعلم) ميخائيل جرجس البتانونى (وهو رئيس مرتلى الكتدرائية المرقسية) وفى نفس الوقت كان الأستاذ أرنست نيولاند سمث Ernest Newlandsmith (الأستاذ بالأكادمية الموسيقية بلندن) يدون هذه الألحان فى شكل نوت موسيقية، حتى تمكنوا من تسجيل أول عمل وهو مردات «القداس الباسيلى».
يعتبر نشر القداس الباسيلى اكتمال لعمل أستغرق حياة د. راغب مفتاح ونتيجة لتعاون ناجح بين قداسة البابا شنودة ومارك لينز مدير النشر بالجامعة الأمريكية فى القاهرة ود. مارثا روى ود. مارجيت توث. وهم موسيقين جامعين، د. روى تتقن اللغات العربية، القبطية والألمانية، ود. توث Margaret Toth رئيسة قسم الموسيقى بجامعة بودابست وساهماَ بمجهود كبير فى اعمال أنتاج وتسجيل القداس الباسيلى.
فدكتور راغب يختار قطع الألحان ود. مارثا تترجمهم ود. مرجيت تدون هذا الى نوت موسيقية غربية. وكانت هناك بعض المشاكل تعوق مفاوضات النشر مع الجامعة الأمريكية الى ان تدخل قداسة البابا شنودة (وهو صديق حميم لد. راغب) بحسم هذه المشاكل بأعلان قداسة البابا «بأن هذه الموسيقى هى ملك للكنيسة وليست ملك اى انسان» وكان هذا حافزًا لأنهاء اجراءات حقوق الطبع والنشر.
وفي مقابلات مختلفة ذكر د. راغب ان هناك ثلاث مصادر للألحان الكنسية وهي المصرية القديمة، والعبرية واليونانية. فإن جماعة المسيحيين الأولين أخذوا الحانًا من مصر القديمة ووضعوا لها النصوص المسيحية ومن بين هذه الألحان لحن (غولغوثا) الذي كان يستعملة قدماء المصريين أثناء عملية التحنيط وفي مناسبة الجنازات، ولحن (بين أثرونسي) الذي يشتمل نصفه الأول علي نغمات حزينة تردد لوفاة الفرعون ونصفه الأخر علي نغمات مبهجة تردد لزفاف الفرعون المنتقل الي مراكب الشمس لتصحبة الي (رع) في دنيا الخلود.
كما أنه انسكبت موهبة التلحين الموسيقي الروحي في عصر من أزهي العصور الروحية للكنيسة علي كثير من الموهوبين من أمثال: 1- كليمنضس السكندري: واضع لحن ( تسبحة المسيح المخلص )
2- القديس اثناسيوس الرسولي: واضع لحن (الوحيد الجنس – مونوجينيس)
3- مارأفرام السرياني: والمسمي بقيثارة الروح القدس
4- ايلاري من بواتية: (386 م ) أول مؤلف للألحان اللاتينية
5- امبروسيوس: أمير اللحن اللاتيني.
وهناك بعض تأثيرات الموسيقي العبرية (موسيقي المعبد اليهودي) التي دخلت عن طريق اليهود المنتصرين بالأسكندرية. وبعض الألحان التي أضافها البابا كيرلس الرابع من الكنيسة اليونانية مثل ألحان القيامة (طوفينا، ثوليثوس)، لحن العذراء (آطاي بارثينوس)، وغيرها.
وفي حديث خاص مع د. راغب في سنة 1991 ، قال «ان الصنوج المستخدمة في الصلاة هذه الأيام هي حديثة واضافة وتصور خاطئ للناقوس الذي كان يستخدم في الأزمنة القديمة. والذي كان يستخدم لضبط الايقاع ليمكن جموع المؤمنين من الترتيل معًا والناقوس هو أله غير كافية لإضافة أي انسجام للألحان القبطية ، وتغير هذه العادات هو خطر كبير علي الألحان والموسيقي القبطية خصوصا انها موسيقي صوتية لا تعتمد علي الآلات الموسيقية». وكما ذكر د. راغب «إن الألحان والترتيل الخاص بالكنيسة القبطية هو أقدم موسيقي كنائسية في العالم». وفي نفس الحديث ذكر د. راغب «ان لأهمية هذه اللغة وموسيقاها وعذوبتها وسهولتها يجب تعليمها للأطفال منذ نشأتهم وذلك للحفاظ علي جمال طقوس الكنيسة وتراثنا المصري. فقد وهب الله الأطفال ذاكرة ممتازة للغات وحفظ الكلمات». ويقول ايضًا على اللغة القبطية «انها لغة الصلاة وان ميزة هذه اللغة ان أغلب كلماتها تحتوي علي حروف متحركة كثيرة تؤدي الي سهولة اللفظ وجمال الغناء، لهذا السبب تفقد أنغام هذه اللغة عندما تنقل الي لغة أخري 70 % علي الأقل من اصولها الموسيقية».
د راغب مفتاح مع زوجته ماري مع قداسة البابا شنوده الثالث
عمل دكتور راغب مع نخبة من احسن المرتلين والموسيقيين، أمثال الموسيقي الأستاذ ارنست نيولاند سميث والمعلم ميخائيل جرجس البتانوني وايضًا المرتلين والعرفان الذين يمسكون بزمام التراث القبطي ، أمثال المعلم فرج والمعلم ميلاد والمعلم جاد والمعلم توفيق بدير المحرق. كما اشترك في تأسيس معهد الدراسات القبطية عام 1955 مع كل من د. عزيز سوريال عطية ودكتور سامي جبره ودكتور مراد كامل.
هذا التراث القبطي الكنسي لم يتم نشرة حتي عام 1991 لان د. راغب أدرك ان كتابة هذه الألحان في شكل نوت موسيقية ليس كافيًا من أجل تعليم وتدريس هذه اللغة بنجاح فقال «يجب علي الأقباط ان يتعلموا وبقرأوا هذا التراث الكنسي والمحافظة علي هذه الجوهرة الثمينة التي وصلت الينا من حوالي ألفي عام ، وأستلمة جيل بعد جيل».
في عام 1963 عن عمر يناهز السبعين عام تزوج د. راغب مفتاح من السيدة ماري جبرائيل رزق ، وهذا كان فصل جديد في حياة د. راغب والذي يبدو انه لم يتأثر بالعالم الذي يدور حولة. فمرت علي دكتور راغب أحداث عالمية مختلفة منها الحربين العالميتين الأولي والثانية وثورة 1952 والعدوان الثلاثي والحرب علي إسرائيل، وغيرها من أحداث . عاش د. راغب حياته في منزلة القاطن بالجيزة قرب الأهرامات وما زال يمتلك البيت العائم علي ضفاف النيل حيث بدأ به مشروع الحفاظ علي التراث الكنسي القبطي مع الأستاذ أرنست تيولان سميث 1927.
تكليلًا لجهود دكتور راغب وإخلاصه المتفاني قامت منظمة اليونسكو الدولية بتقديره عالميًا ونشر أعماله. في عام 1932 اختارته الحكومة المصرية ليكون ممثلًا للموسيقي القبطية في مؤتمر لدراسة الموسيقي الشرقية ، وفي عام 1940 كون فرقة مرتلين من طلبة الإكليريكية وخورسين: احدهما لطلبة الجامعة والثاني للطالبات. وفي عام 1945 اقام مركزا لتعليم اللحان للمعلمين والشمامسة في وسط القاهرة ، وأسند التدريس فيه الي المعلم ميخائيل. والعمل التاريخي عمل لدكتور راغب مفتاح هو تدوين القداس الأرثوذكسي القبطي للقديس باسيليوس مع ترجمة موسيقية كاملة والذي أستغرق اكتمالة ثلاثين عامًا. قامت الجامعة الأمريكية بالقاهرة سنة 1998 بنشر هذا العمل وهو يحتوي علي نص القداس كاملًا باللغة القبطية والعربية ويحتوي علي ترجمة أنجليزية، بالإضافة علي ستة أشرطة كاسيت للقداس الباسيلي ، ويشمل هذا العمل ايضًا عدد 26 بكرة لف لشرائط تحتوي تسجيل لقداس القديس اغريغوديوس. والذي عادة يستخدم في الأعياد مثل الميلاد، القيامة والغطاس. فهذا العمل يعتبر أداة مهمة ولازمة لمعهد الدراسات القبطية ، ويعطي جموع الشعب القدرة علي الأتحاد والألفة بالجمال الحقيقي لهذا التراث الموسيقي.
الأخلاص المتفاني والعمل الأمين المتواصل والمجهود الذي قدمه دكتور راغب ادي الي المحافظة علي التراث الكنسي الموسيقي لأجيال عديدة، مما جعل قداسة البابا شنودة يقول “تهنئة خاصة لهذا القبطي الغيور الذي مد الله في عمرة المثمر حتي أتي به الي هذا الحفل المئوي مؤديًا رسالة ما كان يستطيعها الا هو، وشكرًا لله علي حفظة لنا وشكرًا علي حفظهم لألحاننا بمجهوده وتكريسه”. تنيَّح في الرب يوم 16 يونيو 2001، في القاهرة، مصر.