26 - 06 - 2014, 02:38 PM | رقم المشاركة : ( 81 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: مقالات أبونا الراهب سارافيم البرموسي
ليتورجيتنا وإبداعات الإيمان -3 من الصلوات الغنيّة والمتكرّرة بكثرة في اللّيتورجيا بمختلف أشكالها وأنماطها هي صلوات استدعاء الرحمة مثل: كيرياليسون، ارحمنا كلّنا معًا، شعبك وبيعتك يطلبون إليك..، ارحمني يا الله كعظيم رحمتك، ارحمنا يا الله ثمّ ارحمنا.. إلخ. كلّها صلوات ترتكز عند نقطة واحدة وتنطلق منها وهي الاحتياج الإنساني للغفران والنعمة الإلهيّة والستر في مخابئ العلي مع تجديد العهد وكسر قيود الشرّ. لا يمكننا فهم المعنى الغني لطلب الرحمة في تلك الصلوات دون أن ندرك أنّ الكلمة اليونانيّة / القبطيّة الواردة في تلك الصلوات هي إليسون (من إليوو) وهي الكلمة التي قد استخدمها مترجم العهد القديم إلى اليونانيّة عن العبريّة في الترجمة المعروفة باسم السبعينيّة. كلمة إليسون تشير إلى التعاطف إلاّ أنّ الكلمة العبريّة المعبّرة عن إليسون هي [حِ سِ د]. وكلمة [حِ سِ د] لا يمكن ترجمتها في كلمة واحدة إذ سيكون ذلك إخلالاً بالمعنى الغني الذي للكلمة.(1) كلمة [حِ سِ د] تستند على ثلاثة معاني متداخلة يمكن أن تشكل أعمده لفهم هذه الكلمة ألا وهي:
تعبّر تلك الكلمة عن الرابطة والالتزام بين أطراف في علاقة كالتي كانت بين الله يهوه وشعب إسرائيل. الكلمة نشأت في مناخ من الحديث عن العهد وكأنّ [حِ سِ د] هي الالتزام بالحماية القادرة والمستمرة والنابعة عن الحبّ من يهوه تجاه شعبه وخاصّته. من هذا المعنى يمكن أن تستمد صلاتك بُعدًا جديدًا وهي تناجي الله بالـ كيرياليسون، إذ وبينما تناجي الله مطالبًا بالرحمة فأنت لا تسعَى إلى عفو ملوكي كالذي كان يقوم به الملوك والأباطرة في بعض المواسم والمناسبات، الأمر ليس كذلك على الإطلاق!! الرحمة الإلهيّة [حِ سِ د] تنبع من العلاقة التي تكوّنت بينك وبين الله بعد أنّ قدّم لك هذا الفداء الإلهي دون أي دور من جانبك. من تلك العلاقة والتي أخذت شكل العهد في مياه المعموديّة يمكن لتلك العلاقة أن تستمر وخاصّة بعد سكنى وثبوت الروح القدس فيك ذاك الذي مُسِحْتَ به. العلاقة الآن قائمة على عهد حبّ وإمكانيات هائلة من عون الروح القدس. إلاّ أنّ الجسد العتيق المنتفخ بالذات يريد على الدوام أن يفسد تلك العلاقة ويخرق ميثاق العهد. لم يفت الربّ يسوع أن يُحصِّن الإنسان ضدّ تلك السقطات فكان السرّ الإفخارستي من بعد التوبة هو بمثابة قبلة الحياة من جديد لمن خرج خارج دائرة العهد وعانى من الفقر والجدب والجوع والاحتضار بعيدًا عن دفء الربّ يسوع. ويأتي الدور الإنساني وهو النداء طالبًا الرحمة الإلهيّة [حِ سِ د] والتي من سمتها: - الثبات؛ فالله لا يتغيّر إن تغيّرت أنت. - القدرة؛ فالله القدير يستطيع أن ينتشلك من أيّة حفرة قد تسقط فيها مهما كانت عميقة. - الحبّ؛ فالمحبّة الإلهيّة الفائضة باللطف نحونا لن تتوقّف يومًا مهما تمرّدت عليها، فالله أمين وإن كنّا غير أمناء. لذا لا يمكن لأيّ مُصلّي أن يطلب الرحمة، ولا يستطيع أن يتمتّع بطلبة الكيرياليسون إن لم يكن في علاقة مع الله؛ فكيف لمن لم يستشعر بعلاقة أن يطالب الله بترميم العلاقة بالحبّ العطوف والنعمة الرحيمة؟! حينما تقول كيرياليسون مع الجمع المصلّي في الكنيسة أو في مخدعك في المنزل أو حتى في الطريق يجب أن تشعر بأنّ الله محبّ لذا فهو يغفر ويرحم، أنّ الله أمين لذا فهو يتراءف، أنّ الله قدير لذا فهو ينجي ويعفو. كيرياليسون من الطلبات القديمة في الكنائس الرسوليّة كلّها كانت تصدح بها الكنائس. كانت طلبة خارجة من القلوب قبل الأفواه تستند على يقين في حبّ الله.. في الأغابي التي نراها متمثّله في ذلك الصليب فوق الهيكل. أثناء الكيرياليسون إن اعتراك شك ولو لحظة في الحبّ الإلهي؛ ارفع عينيك إلى ذلك الصليب والمُعلَّق عليه لتدرك الحبّ وقيمته الأبديّة. هذا الذي على الصليب قَبِلَ كلّ الجراح لكيما يحييك، هو يسرّ بالرحمة والغفران أكثر ممّا تحتاج أنت. ارفع نداءك بالكيرياليسون إليه مع الجمع المُصلِّي على خفقات قلب ممتلئ بالاحتياج واليقين، بالحبّ والألم، بالشوق والجوع.. ثق أنّك لن تخرج من الصلاة إلاّ وأنت مبرّرٌ لأنّ الكيرليسون كانت صلاة العشّار الذي خرج مُبررًّا.. اقرع ليفتح لك، ولتكن قرعاتك قرعات الشوق والحبّ والجوع لوجه الربّ يسوع حتى يطلّ عليك بوجهه الحنون.. _____ الحواشي والمراجع :(1) Vine, W. E. ; Unger, Merrill F. ; White, William: Vine’s Complete Expository Dictionary of Old and New Testament Words. Nashville: T. Nelson, 1996, S. 1:142 |
||||
26 - 06 - 2014, 02:42 PM | رقم المشاركة : ( 82 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: مقالات أبونا الراهب سارافيم البرموسي
عربون القيامة في بيت يايرس هل توقّفت من قبل عند تلك اللّحظات التي دخل فيها يسوع إلى بيت إحدى الشخصيّات الهامّة والمرموقة في المجتمع اليهودي؛ إنّه رئيس المجمع المعروف باسم يايرس والذي له مكانة كبيرة بين أهالي مدينته نظرًا للخدمات التي يقوم بها في تنظيم شؤون العبادة والصلوات والدراسات في المجمع اليهودي. كانت له ابنة وقد طالها المرض فحزنت نفسه وذبلت من الألم. سمع أن يسوع قريب فذهب إليه وهو يحلم بكلمة منه تبرئ ابنته المحبوبة، ألم يشفي عبد قائد المئة من قبل بكلمة واحدة خرجت من فمه، كانت تلك القصّة منتشرة في بلدته يتناقلها العوام بشيء من الدهشة. كان يسوع واقفًا وحوله جمهرة من الناس كعادته يحدّثهم بكلمات مليئة بالرقّة والعذوبة يرفع بها قلوبهم إلى حياة أسمى وأبقى من تلك التي يحيونها. دخل يايرس وسط الجمع حتى وقف مقابل يسوع، نظر في وجهه الحاني، فلم يتمالك نفسه.. سجد عند قديمه وكلماته تخنقها الدموع إذ يطلب من أجل ابنته المريضة والمتألّمة؛ فألم الأب على تأوهات أبنائه يكون أقسى من أنّات الابن من وخزات المرض. أقامه يسوع بحنوٍ مُطمْئِنًا إياه. ذهب معه مصحوبًا بجمعٍ غفير إلى داره ليشفي ابنته. في الطريق عطّلته امرأة لها قصّة مع المرض والإيمان. أثناء حواره مع تلك المرأة، جاء أحد معارف يايرس ناقلاً له خبر موت ابنته المحبوبة، داعيًا يسوع ألاّ يجهد نفسه في رحلة غير ذات جدوى. فنظر يسوع إلى عيني يايرس الزائغة الغارقة في الدموع الدفينة قائلاً له: لا تخف. عليك بالإيمان وحده. دخل يسوع دار يايرس بعد رحلة قصيرة، كانت الجموع تبكي وتنتحب على فتاة صغيرة زارها الموت قبل أن تنعم بالحياة. سأل يسوع عن موضع الفتاة، وكان يرافقه من تلاميذه بطرس ويعقوب يوحنا وحدهم دون غيرهم. نظر إلى الجمع الباكي معلنًا لهم أنها فقط نائمة. كانت كلماته مثار سخرية البعض! وقف يسوع أمام الفتاة أمسك بيدها الرخوة مناديًا إياها بكلمات هزّت قلوب الحاضرين: أيتها الفتاة، أقول لك قومي. فانتفض جسدها وانفتحت عيناها على ذاك الممسك بيدها ووقفت على قدميها وسط دهشة وتعجُّب من الجميع. ولكن لما العجب أليس هو يسوع، الكلمة، ذو القدرة الفائقة والممسك بدفّة الكون بكلمة فيه: الَّذِي [المسيح يسوع] ابْطَلَ الْمَوْتَ وَأَنَارَ الْحَيَاةَ وَالْخُلُودَ بِوَاسِطَةِ الإِنْجِيلِ (1تيمو2: 10) إنّها قوّة القيامة التي تؤكّد بما لا يدع مجالاً للشك أنّ المسيح بصدد تغيير حال البشريّة كما بدّل حال تلك الفتاة ذات الاثنتي عشر ربيعًا. إنّه بصدد منح كلّ من يؤمن به واقٍ من الموت، وعقار بإمكانه أن يبطل سمّ الموت في روح الإنسان المؤمن به إلهًا على الكلّ. كانت تلك الأعجوبة تمهيدًا للحدث الذي زلزل جدران الموت وهدم أعمدته حينما قام المسيح من الموت، وهو يقول: أين شوكتك يا موت.. أين غلبتك يا هاوية.. أين سلطانك أيّها الشيطان.. المسيح قام ليؤكِّد لك أنّ الحياة الأبديّة ممكنة وهي قريبة أقرب من النفس الذي تتنسّمه فقط امسك بالمسيح القائم من الموت. لا تقبل خداع الموت أنّه السيّد والمنتصر، بل انظر إلى المسيح القائم وقل بفم اليقين: لي الحياة هي المسيح والموت هو ربح.. ما أجمل ربح المسيح الذي تتصاغر أمامه كلّ الحياة كقطرة شاردة أمام محيطٍ متّسع.. |
||||
26 - 06 - 2014, 02:43 PM | رقم المشاركة : ( 83 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: مقالات أبونا الراهب سارافيم البرموسي
عام برائحة الدماء: كلمات كُتبت بعد حادثة القديسيْن ما أن أطلّ علينا العام الجديد حتّى التقط الثوب الكنسي لهبًا متفجِّرًا فأودى بجزءٍ من جسد المسيح؛ موتى بالجسد ولكنّهم أحياء بالروح، يحيون مجد الشهادة، كما كان الأقدمون. تلك الإطلالة الدمويّة تُنبئ بمعمودية دماء جديدة تهب رياحها على جسد المسيح. إنّ الموت من أجل المسيح هو أجلّ الأماني المسيحيّة. من يلقى الربّ مُخضّب بدماء الحبّ يُسكِنه قربه. إيماننا أنّ الدماء تحيّ الجسد المسيحي إن فتر أعضاؤه وارتخت عزيمتهم في رحلتهم الملكوتيّة؛ فهي دائمًا وأبدًا بذار الكنيسة. هل تلك الدماء استجابة إلهيّة لمخاضنا من أجل بلادنا لكيما تلتقي الربّ. من الخبرات الكنسيّة التي رصدها لنا التاريخ يتأكّد لنا أنّ الدماء لا تذهب عبثًا بل تحمل معها أثمار كرازيّة لنمو الكنيسة وامتدادها. لن نسكب الدمع على أحبّائنا الذين فارقونا في مولد العام الجديد؛ إذ أنّهم قد ولدوا من جديد لملكوت الله. لن نشجب قسوة الإرهاب وقبحه فأصواتنا قد بُحَّت شجبًا، ولكننا سننظر إلى الدماء كبذار حيّة تميت أعمال الظلمة وتُطهِّر أرضنا من زوان العقائد الميّتة والتعاليم المُتحجّرة. نعم بذار الدماء ستصرخ أمام العرش لتسجلب حياة للكنيسة ولمصر بل وللعالم. ما أقسى ظلّ الموت الذي يرخي سدوله على عامنا الجديد. أمّا لنا، نحن الذين ننتظر ظهور مُخلِّصنا يسوع، الموت معبر مزيّن بأشلاء الحبّ تلك المتناثرة على أرصفة الإسكندرية.. ها دماء الشهداء تُعانق دماء كارز الإنجيل مرقص الرسول؛ فما أبهى أن تتلاقى دماء الجسد الواحد لتشفع في الكنيسة أمام العرش الإلهي. إنْ ذرفنا الدمع لوعةً ستبقَى دموعنا ذبيحتنا التي نرفعها للربّ القادر على كلّ شيء لكيما يهبنا السلام وانفتاح البصيرة لنقبل ضريبة تحوُّل العالم إلى الله. نعم، الإيمان لن يلمس القلوب القاسيّة الرافضة دونما ضريبة. الحبّ ليس كلمات، ولقد أثبتت الكنيسة أنّ حبّها على مثال الحبّ الإلهي. حبّها ينسكب دمًا على أرض الشقاء والأحزان. لن نسقط في البُغضة وإن أُشهرت سيوف العالم أجمع في وجوهنا؛ حضن الثالوث. أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فلاَ يَمْشِي فِي الظُّلْمَةِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاةِ (نداء الربّ يسوع) |
||||
26 - 06 - 2014, 02:48 PM | رقم المشاركة : ( 84 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: مقالات أبونا الراهب سارافيم البرموسي
يسوعيات ربّي يسوع أنت المولود من الآب قبل كلّ الأزمان والأكوان أنت والآب واحد في الإرادة والفكر والمشيئة بك جاء كلّ شيء إلى الوجود وبدونك لم يَصِر شيئًا ما ظاهرًا لنا ربي يسوع فيك ملء الحياة وإن لم يعرفك الأحياء في مولدك فيك ملء النعمة ومن ملئك أخذنا نعمة مضاعفة متزايدة فوق نعمة الوجود أنت الكائن في حضن الآب كلّ حين والناقل لنا خبر حبّه للبشر وإن لم يظهر الآب متجسّدًا للبشر ربّي يسوع أنت الذي بشّر الملاك، مريم الفتاة، بمولِدك وقد تسمّيت منه: يسوع المخلّص للشعب من خطاياهم وآثامهم أنت الوارث كرسي داود كابن من أبناء وأسرة داود وأنت ربّ داود أنت ابن العلي والرافع كلّ من يؤمن بك إلى حضن العلي أنت الذي جئت من الناصرة إلى بيت لحم في رحم الفتاة البتول مريم ورفقة الشيخ الورع يوسف لتُصيِّر بيت لحم، بمولدك، مُكرَّمة في التاريخ لم تَعُد تلك القرية المغمورة والصغرى بين مدن وقرى يهوذا فمنها خرج مُقدِّس إسرائيل أنت الذي هتف جند الملائكة لمولدك المجد لله في أعالي سماه وعلى الأرض السلام لمن لاقاه وحلّت المسرّة في قلوب من رأته عيناه أنت الذي سجد حكماء الشرق تحت قدميك مقدّمين هداياهم من الذهب، ولبان البخور، والمرّ فأنت الملك الحقيقي الآت إلى العالم والكاهن الذي تلتقي الآب بذبيحة نفسك متحمّلاً مرارة الظلم الإنساني وعار الخطيئة من أجل برّنا أنت الذي أكملت ترتيب الطقوس الموسويّة فاختتنت في اليوم الثامن وعَرَفَك العالم وقتها باسم: يسوع أنت الذي حملك سمعان الشيخ على ذراعيه مُبَارِكًا الله إذ رأى الخلاص أنت الذي كنت تنمو في عالمنا من جهة القامة والنعمة وأنت فيك ملء النعمة وفيك تنتصب قامة الإنسان المنحني بالخطيئة ربّي يسوع أنت الذي بشّر بك يوحنّا رجل الجبال مناديًا في الجميع بقرب مجيء الملكوت وداعيًا للتوبة وغاسلاً الجموع التائبة في مياه الأردن ومنتظرًا نيران الروح التي سيلقيها المسيا لتشتعل في العالم فتغيّره بالحبّ أنت الذي أتيت من ناصرة الجليل إلى يوحنّا المُعمِّد طالبًا الاغتسال مع الجموع وأنت الذي لم ترعى في قلبك شهوة ولا خطيئة ولكن لتُكمّل برّ الناموس والعهد القديم ولتبدأ في إعلان برّ العهد الجديد برّ الله في يسوع المسيح أنت الذي هبط عليك الروح متّخذًا شكل الحمامة ليعلن بساطته الأزليّة وقد دوّى صوت من السماء معلنًا أنّك وحدك الابن الحبيب موضع مسرّة الآب فعلم العالم أجمع للمرّة الأولى أنّ الله ثالوث وأنّك إله من إله نور من نور وانكشف السرّ الإلهي لكلّ من خشع وخضع لمعرفة الآب في الابن بالروح القدس ربّي يسوع أنت الذي خرجت للبريّة لتصارع الشرّ بمناجاتك ليل نهار للآب وقد صام جسدك عن كلّ طعامٍ وشراب أربعين يومًا كاملة لنرى أن حياتنا ليست من طعام الجسد وشرابه ولكن بكلمتك الحيّة والباقية إلى الأبد أنت الذي جاءك المُجرّب باحثًا لك عن نقاطِ ضعفٍ ليتسلّل ويزرع بذاره فلم يجد إلاّ دفقات من النور والحبّ فولَّى هاربًا حاملاً خزيه وعاره أنت الذي جاءتك الملائكة لتخدمك في تجسّدك كما هي دائمًا تخدمك في ألوهتك ما قبل زمن تجسّدك |
||||
26 - 06 - 2014, 02:50 PM | رقم المشاركة : ( 85 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: مقالات أبونا الراهب سارافيم البرموسي
ميلاد ابن الله تطالعنا بعض الأناجيل (متّى ولوقا) برحلة يوسف ومريم إلى مدينة بيت لحم لأجل الاكتتاب (التعداد) الذي أَمَرَ به أوغسطس قيصر. كان الاكتتاب يتمّ في اليهوديّة لتقييم الضرائب المُسْتَحقّة، الأمر الذي كان يحدث في مختلف أرجاء الإمبراطوريّة كلّ أربعة عشر عامًا، ولكن لتجنيد الفتيان، بالإضافة لتقييم الضرائب. بيت لحم، تلك البقعة الخصيبة المرتفعة عن سطح البحر بما يربو من 2500 قَدَم، كهضبةٍ بين قمّتيْن وكأنّها بتعبير أحدهم: “كمسرحٍ بين الجبال”. كانت بيت لحم، آنذاك، على موعدٍ مع التاريخ؛ فالقرية الصغيرة النائية التي شهدت طفولة داود وعشقه الأوّل للطبيعة، والتي احتضنت رعايته لخراف يسّى والده، وتراتيله التي كان يُناجي فيها سماء يهوه وشموسه، تتأهَّب لاستقبال ملك الخليقة وربّ داود. أَلَمْ تشهد بيت لحم مِسحة داود بيدِّ صموئيل؛ ذاك الغلام الذي كان موضع مسرّة الربّ، كسبق نبوّة عن اقتبالها الابن الوحيد؛ مسيحُ الربّ. ولكن، ألم يكن من الممكن أن يُطْلِق أغسطس اكتتابه بعد ميلاد الطفل حتّى يهنأ يسوع بمولدٍ في بيتٍ مُعدٍّ لاستقباله؟؟ يبدو وكأنّ السماء كانت تقود دفّة الأمور لتؤهِّل مدينة داود لتصِر بحقٍّ مدينة الملك العظيم؛ « أَمَّا أَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمِ أَفْرَاتَةَ وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ أَنْ تَكُونِي بَيْنَ أُلُوفِ يَهُوذَا فَمِنْكِ يَخْرُجُ لِي الَّذِي يَكُونُ مُتَسَلِّطاً عَلَى إِسْرَائِيلَ وَمَخَارِجُهُ مُنْذُ الْقَدِيمِ مُنْذُ أَيَّامِ الأَزَلِ » (مي5: 2). بيت لحم التي نبت من أرضها عوبيديا، وعلى أطرافها دُفنت راحيل وسط أحزان يعقوب على رفقة العمر، وكانت مُستقرًّا لراعوث وبوعز، تشرع أبوابها لدخول ملك المجد ولكن في ثيابٍ لا يبدو عليها المجد!! أقدم ذِكْرٍ لبيت لحم ورد في نصوص تلّ العمارنة (القرن الرابع عشر قبل الميلاد)، في إشارة إلى كونها بيت لحي؛ آلهة البئر في النقب. انطلق يوسف برفقة مريم، من النّاصرة إلى بيت لحم؛ رحلة تتجاوز التسعين ميلاً مسافةً، والخمسة أيام زمنًا، إلاّ أنّ امرأة في أواخر أيام حملها، كان يصعب عليها ما تلاقيه من عناء منحدرات الطريق واهتزازات الدّابّة وشمس الظهيرة وصقيع الليل، بيد أنْ قلبًا مثل قلب مريم كان يتغلّب على عناء الجسد بأنشودة العلي؛ مُعظِّمةً الربّ الناظر إلى اتّضاع أَمَته. أمام كرامة الحَبَل ومجد المولود قبل الدهور تتلاشَى أتعاب الجسد ويتبدّل أنينه شوقًا لمعاينة نبت الرَحِم وكلمة الألوهة. حقًّا ليس حبنا للعذراء مريم هباءً وعبثًا، فقد أظهرت حُبًّا وجَلَدًا فائقًا منذ بدء البشارة وحتى منتهى الآلام، وصارت جديرة بلقب والدة الإله. كان ليوستين الشهيد وكذلك أوريجانوس رأيًا بخصوص مولد يسوع؛ إذ قالا بأنّه وُلِدَ في مغارةٍ على تخوم بيت لحم، وبداخلها يوجد المذود. ومن بعدهم جاء جيروم مؤكِّدًا الأمر مشيرًا إلى أنّ المغارة قد تحوّلت إلى بازيليكا على يدِّ الإمبراطور قسطنطين، وقد تهدّمت بفعل ثورة السامريين 529م وقد أعاد بناءها جوستنيان. لقد كانت بيت لحم، شوقًا للقديسة باولا، المرأة الرومانيّة ذات الشرف والأصول الملكيّة فتركت رومة وقدّمت حياتها تكريمًا لمولود بيت لحم. لقد قال عنها جيروم في أطول رسائِله: “إنّها فضّلت بيت لحم على كلّ نعيم رومة، واستبدلت زخارف قصرها المُذهّبة بكوخٍ مطليٍّ بالطين”. لقد استوعبت درس بيت لحم وعاشت به وماتت بين أكواخ القريّة الفقيرة؛ هناك عاينت المسيح، بالقلب، وقد تسلّمت سرّ التجرُّد. لقد كُتب على ضريحها عقب موتها، كما سرد لنا جيروم: في هذا الضريح ترقد حفيدة شيبيون وابنة بيت بولينوس العريق وفرع من الغراكي من نسل أجاممنون العظيم هنا تستريح السيّدة باولا حبيبة والديها وابنتها يوستوكيا إنّها الأولى من سيّدات رومة تختار معاريج بيت لحم حُبًّا في المسيح هنا قبر باولا محفورًا في الصّخر لتكن نفسها في السّماء تخلّت عن رومة وعن كلّ صداقاتها وثرواتها وأتت لتستقر في هذا المكان القفر حيث مهد المسيح الذي قَدِم إليه الملوك وسجدوا له وقدّموا هدايا بقدر ما صمتت الجموع أمام مولده، بقدر ما صمت الإنجيليّون. لماذا توقّفَت أحبارهم وريشتهم عن شرح تلك اللّحظات الفريدة التي كانت بمثابة فجرًا نديًّا للبشريّة؟؟ لا أعرف. هل صمتهم كان خشية الاستطراد حول ميلاد المسيح لئلا يكون عثرة أمام قبول حقيقة ألوهته؟!! أم أنّهم لم يحصلوا على معلوماتٍ كافية؟؟ قد يرجع ذلك لكون صمت مريم العذراء كان القانون الذي حفظت به بهاء السرّ في قلبها، كذلك يبدو وأنّ المسيح لم يسترسل في ذِكْر حياته الخاصّة قبل ظهوره لبني إسرائيل في الأردن. لم يكن الربّ يسوع يتحدّث عن مولده بالجسد لأنّ مولده الحقّ الذي أراد أن يحرث بذاره في القلوب، هو ميلاده فينا يوم نقبله بالقلب والحياة. ولعلّ هذا هو السبب الذي جعل يوحنّا يستهل إنجيله بالحديث عن ميلاده الأزلي مقترنًا بصيرورته جسدًا ليأتي لنا بالنعمة والحقّ. لقد أورد الإنجيليّون مولد الكلمة في عبارة مقتضبة لا تُشْبِع نهم عُشّاق المُخلِّص للتعرُّف عليه بدءًا بأولى لحظات خروجه إلى زمن الإنسان المخلوق. كم كنّا في حاجة لمن يصف لنا الميلاد لحظة بلحظة ليُعطِّر وعينا الجديد بعطر التجسُّد؛ فالكلمات راحة للقلب المتشوِّق لوجه المحبوب. في الإنجيل نلاقي الربّ يسوع؛ وذلك “لأنّ الجهل بالكتاب هو جهلٌ بالمسيح” عينه، هكذا كتب القديس إيريناؤس. لاقيناه على البحيرة يصارع الطبيعة، لاقيناه على قارب في عرض البحر يملأ الشباك الخاوية، لاقيناه على تلّة يعظ الجموع الجائعة إلى الحقّ، لاقيناه في بيوت الأثمة والخطاة ينتشل غرقى الموت، لاقيناه على قارعة الطريق يخلق بصائر جديدة، لاقيناه في أروقة الهيكل يزيل أتربة التديُّن الزائف عن لفائف التوراة، لاقيناه على جبل التجلي يطلق لاهوته منيرًا كسرٍّ، فقط لأحبائه، لاقيناه في العُليّة يصنع عهدًا جديدًا، لاقيناه في المحاكمة يقبل جريمة الإنسانيّة، كما لاقيناه مُدانًا ليرسل البرّ للإنسانيّة، لاقيناه على الصليب ليخلق كونًا جديدًا، لاقيناه في القبر ليفُكّ أصفاد أسرى الدهور، لاقيناه على جبل الزيتون ليصعد بإنسان الله إلى الآب.. وكم كنّا في شوقٍ لنلاقيه في بيت لحم لنتوقّف عنده قليلاً متأمِّلين في صفاء السرّ لنُقدِّم تراتيلنا مع أناشيد الملائكة. ولكن يبقَى سرّ التجسُّد مختومًا لنا، لا نلمس منه سوى الأهداب، ولا نرتشف من آباره سوى القطرات المتناثرة. كان اختياره مكان الميلاد وطريقة الميلاد ورفقة الميلاد مبادئ أراد أن يرسيها في أولى كلمات تعاليمه لنا؛ فالحياة الجديدة لن تنسكب في الأواني المُذهّبة ولن تتفتّح أزهارها تحت أضواء مصطنعة ولن تُحقّق توقعات البشر بألوهة القوّة وتسامي الملوكيّة؛ فالمزود مبدأ يبدأ في التثبُّت منذ الآن فصاعدًا كأحد أعمدة الإيمان الجديد. لذا فإنّ مَنْ لم يستطِع اكتشاف المسيح ملكًا في قماط الطفولة في بيت لحم، يصعب عليه الاعتراف بربوبيّته عند الصليب. لقد وُلِدَ يسوع على مِزودٍ خشبيٍّ وصُلِب على صليبٍ خشبيٍّ، وبينهما عَمَل نجّارًا. وكأنّه يريد أن يُطهِّر الأشجار من لعنة آدم، حينما اقتطف منها، قديمًا، ثمرة العصيان فيبست وتشقّقت في قلبه شجرة الحياة وظلّلها عُشب الموت. أمّا القديس كيرلس الكبير فيرى أنّ المذود الذي يحوي عَلَفَ الحيوانات قد استقبل المسيح وهو “الخبز الذي من السماء الذي هو جسد الحياة”، ليحوِّل طبائعنا من شكلها الحيواني إلى ألَق وبهاء الإنسان الجديد المخلوق على صورة خالقه. يقول مالكوم ماجيريدج: “إنّ المسيح وُلِدَ في تلك الليلة في بيت لحم ليُجدِّد مخزون إيمان العالم”. بيد أنّ ما حدث هو تحوُّل نوعي بالانتقال من رجاء الأسير إلى معاينة إيمانيّة تُحقِّق الملكوت في صميم رجاء التحرُّر عينه. أي أنّ المخزون كان رجاءً مُقيّدًا تحوَّل إلى إيمانٍ بواقع حضور الله في عالم الإنسان بأدوات الإنسان. لقد وُلِد يسوع، مُخلِّص العالم من قيد العالم.. وُلِد الخير الدهري من رحم الإنسانيّة الفقيرة.. وُلِد الراعي ليطلق صوته من غابة الوجود ليدعو قطعانه ويعطيهم أسماءً جديدة ويقودهم خارج غابة الشتاء القارص إلى مروج الربيع الدهري. وُلِد المُحرِّر ليمحو نغمة العبوديّة من نشيد الإنسانيّة الذابل ذبول أغصان شجر الخريف من بعد العاصفة. وُلِد الفرح لينزع ثياب الهموم عن أحبّائه، مَنْ يرتمون عند مزوده متدثّرين ببراءته. وُلِد ليُجدِّد بعث ضوء نجوم الرجاء التي توارت خلف غيوم الشرّ. وُلد يسوع ليُطبِّب البشريّة بأكسير الحياة بعد سريان سموم التعدّي ليل نهار، أكسيره وعدٌ بدماءٍ أنّ داء الخطيّة لن يدوم. وُلِد ليفطم البشريّة من الزمان الحاضر ليتركوا لبن الطفولة إلى طعام البالغين بالإيمان مكانًا في مجلس القدّيسين. وُلِد ليُنزِل قيثارات شعبه من على صفصاف الغربة ليرتّلوا ترتيلة المواطنة السمائيّة التي ألقت بأوتاد خيمتها في قلوب مَنْ قبلوه. وُلِدَ ليُشيِّد معابد السلام في قلوب أحبّائه لتُرتَّل فيها ألحان الغفران إلى الأبد. وُلِدَ لإحياء جُذوة النار أو بالأحرى لإعادة اكتشاف سرّ النار في قلب البشريّة، بعد أن ذبلت شرارتها. وُلِد لكي يُعيد لُّغة الحنان والرحمة إلى لسان الإنسانيّة العجماء. وُلِد يسوع لئلا يبقَى الإنسان طريدًا شريدًا هائمًا بلعنة قايين ووحشته. وُلِدَ لكيما يرسل رنين الطُهر إلى مسامع الإنسانيّة ليتردَّد صداها، طاردةً العصيان. وُلِد يسوع لينزع عار وريقات التوت وليستر عري الجنس البشري بجسده الخاص. وُلِدَ يسوع ليخلق من باطن الكآبة هناءً، وليعيد التناغم بين الإنسان والكون بعد أن ضجر الكون من خطيّة الإنسان؛ فقد ضجرت الشمس من صراعات الظهيرة، وضجر المساء من قبائح الليل، وضجر السكون من صراخ المظالم، حتى لقد ضجرت القبور من رائحة الموت!!! وُلِد يسوع دفئًا ونورًا وحبًّا ويقينًا وحياةً إلى أبد الدهور. لقد عزف جبران أنشودة ميلادٍ كما لم يعزفها أحدٌ من قبل، رسم بقلمه لوحةً مزج فيها السرّ بالواقع.. الرمز بالحقيقة.. كلماته أشبه بأنغامٍ نستمع إليها، كما لمعزوفات الموسيقى، بالوجدان أكثر من العقل، والوجدان ينقل خبرة ميلاد يسوع الطفل عبر شريان المشاعر إلى أعمق أعماق النفس والروح لتحفرها نقشًا لا تمحوه نقرات الموت مهما اشتدّت. يقول جبران: “كان اليهود يترقّبون مجيء عظيم موعودٌ به منذ ابتداء الدهور ليُخلِّصهم من عبوديّة الأمم، وكانت النفس الكبيرة في اليونان ترى أنّ عبادة المشتري ومينرفا قد ضعفت، فلم تعد الأرواح تشبع من الروحيّات، وكان الفكر السامي في روما يتأمّل فيجد أن ألوهيّة آبولون أصبحت تتباعد من العواطف، وجمال فينوس الأبدي قد أخذ يقترب من الشيخوخة، وكانت الأمم كلّها تشعر على غير معرفة منها بمجاعة نفسيّة إلى تعاليم مترفِّعة عن المادة وبميلٍ عميق إلى الحريّة الروحيّة التي تُعلِّم الإنسان أن يفرح مع قريبه بنور الشمس وجمال الحياة. تلك هي الحريّة الجميلة التي تخوِّل الإنسان أن يقترب من القوّة غير المنظورة بلا خوفٍ ولا وجلٍ بعد أن يقنع الناس طرًّا بأنه يقترب منهم من أجل سعادتهم.. ففي ليلة واحدة، بل في ساعة واحدة، بل في لمحة واحدة تنفرد عن الأجيال، لأنّها أقوى من الأجيال، انفتحت شفاه الروح ولفظت ‘كلمة الحياة’ التي كانت في البدء عند الروح، فنزلت مع نور الكواكب وأشعّة القمر وتجسّدت وصارت طفلاً بين ذراعي ابنة من البشر، في مكانٍ حقير، حيث يحمي الرعاة مواشيهم من كواسر اللّيل.. ذلك الطفل النائم على القشّ اليابس في مذود البقر -ذلك الملك الجالس فوق عرشٍ مصنوعٍ من القلوب المثقّلة بنير العبوديّة، والنفوس الجائعة إلى الروح، والأفكار التائقة إلى الحكمة- ذلك الرضيع الملتف بأثواب أمّه الفقيرة قد انتزع بلطفه صولجان القوة من المشتري وأسلمه للراعي المسكين المتّكئ على الأعشاب بين أغنامه، وأخذ الحكمة من مينرفا برقّته ووضعها على لسان الصيّاد الفقير الجالس في زورقه على شاطئ البحيرة، واستخلص الغبطة بحزن نفسه من آبولون ووهبها لكسير القلب الواقف مستعطيًا أمام الأبواب، وسكب الجمال بجماله من فينيس وبثّه في روح المرأة الساقطة الخائفة من قساوة المضطّهِدين، وأنزل البعل عن كرسي جبروته وأقام مكانه الفلاّح البائس الذي ينثر في الحقل البذور مع عرق الجبين.. هذا الحبّ العظيم الجالس في هذا المذود المنزوي في صدري، هذا الحبّ الجميل الملتف بأقمطة العواطف، هذا الرضيع اللّطيف المتّكِئ على صدر النفس قد جعل الأحزان في باطني مسرّة، واليأس مجدًا، والوحدة نعيمًا. هذا الملك المتعالي فوق عرش الذات المعنويّة قد أعاد بصوته الحياة لأيامي المائتة، وأرجع بملامسة النور إلى أجفاني المقرّحة بالدموع، وانتشل بيمينه آمالي من لجّة القنوط. كان كلّ الزمن ليلاً.. فصار فجرًا وسيصير نهارًا لأنّ أنفاس الطفل يسوع قد تخلّلت دقائق الفضاء ومازجت ثانويات الأثير. وكانت حياتي حزنًا فصارت فرحًا وستصير غبطة لأنّ ذراعي الطفل قد ضمّتا قلبي وعانقتا نفسي.” |
||||
26 - 06 - 2014, 02:51 PM | رقم المشاركة : ( 86 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: مقالات أبونا الراهب سارافيم البرموسي
حول الثالوث 1 في مثل هذا اليوم علمت البشريّة أنّ الله ثالوث بيقين الحسّ.. اللّمس والسمع والرؤية.. فالثالوث ليس فكرة أو نظريّة أو تعليم أو قيمة ولكنّه حقيقة وقفت أمام البشريّة على ضفاف الأردن أو بالأحرى استوقفت البشريّة على ضفاف الزمن 2تنشق السماء لترتّل في آذان الزمان سرّ الألوهة في شمس يوم مقتطفًا من قصاصات التاريخ مال الإله إلى الإنسانيّة فظهر روحه في بساطةِ حمامةٍ تحلّق وتطلق من قلوب البشر عبر العصور آهات الذهول والاندهاش ببنما ينفض جسد الإله قطرات الأردن وهو صاعد من بين حضن المياه وفي حضن كلمات الآب يلتحف كابن حبيب وحيد ليس فيه من سراب فكلّه حضور للإنسان وليس فيه غياب |
||||
26 - 06 - 2014, 02:52 PM | رقم المشاركة : ( 87 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: مقالات أبونا الراهب سارافيم البرموسي
مكسيموس ودوماديوس والحبّ الإلهي شابان في مقتبل العمر يحيا حياة القصور المنيفة والملوكيّة الزاهيّة إلاّ أنّ شوقًا ما في القلب غرّبهما عن تلك الحياة. ما الذي يمكن أن يحرّك من أحاطته كلّ جمالات الحياة وسبل الرفاهيّة إلى أن يترك.. إلى أنّ يشعر بجوعٍ من نوعٍ آخر بعيدًا عن أطايب الموائد العامرة باللّحوم والنبيذ؟! ما الذي كان يبحثان عنه؟ هل هو حلم في السراب؟ أم خيال من نبت العقل الرومانسي الباحث عن العالم المثالي؟؟ عمّا كان يبحثان؟؟ أو بالأحرى عمّن؟؟ لِمَ كان يحبّان خلوة الصلاة بعيدًا عن أضواء القصر الباهرة بالرغم من أنّ كلّ ما يشدّ الشباب كان يحيطهما؟ من أموال إلى سلطة إلى نساء إلى نسب ملكي إلى أطعمة إلى قصور ملكيّة إلى سلطان ممتد.. إلخ؟ لماذا اقتطعا من الوقت تلكّ السويعات القليلة التي كانا يختبئان فيها ليرحلوا على قارب آخر وليفردا الشراع نحو عالم آخر؟ أسئلة قد لا يفهمها الكثير من الشباب المعاصر الذي يتألم من فرط ما يجتذبه بعيدًا عن تكريس القلب للمسيح. مصادر الإلهاء الكثيرة هي الكلمة التي تقفز لتكون المبرّر الأوّل للابتعاد عن جزيرة الصلاة! ولكن هناك من كان لهم من المبرّرات أضعاف تلك ولكنهما اكتشفا مغناطيسيّة الأبديّة في قلوبهم.. وجّهاها نحو الميناء فانجذبا بقوّة وسرعة إليه.. وهم على الطريق ألقوا بكلّ ما كان يعرقلهم نحو الذي وجدوا فيه طعم ومعنى الحياة الحقّة.. لم يرتحلا بحثًا عن فقرٍ بل عن يسوع لم يغادرا القصور بسبب مشاكل أسريّة ولكن لكي يقووا روابطهم في عائلة الله لم ينظرا إلى خلف نحو الصداقات بل إلى الوجه الأبرع جمالاً من بني البشر لم يخرجا خلف أحد رجال الله ولكنّهم على الطريق وجدوا رجال الله فتشرّبوا منهم كيفيّة السير على درب الحبّ حتى نهايته.. تغرّبا في سوريا ومصر.. على الموانئ وفي قفار الصحراء.. كان تواريهم حتى يذوبوا في الحبّ الإلهي.. لم يريدوا ولو للحظة أن يفقدوا لذّة ما خرجوا من أجله.. عاشا في شعور بالغربة لأنّهما عرفا معنى المواطنة السمائيّة.. اكتشفا مكانهم ومكانتهم في قلب الآب وعلى مائدة الحمل.. هناك حيث الجمع الذي عرف معنى الحبّ وزرع على الأرض قبل ارتحاله شجرة مكتوب عليها: لقد أحببت اطلبا عنّا أيّها الغريبان مكسيموس ودوماديوس أمام عرش النعمة أن نجد الطريق وننال الرحمة الغامرة ونظفر بيقين الحبّ فنسير على أثر المخلّص ونستدفئ بآثاركما على الطريق نحو ميناء الملوكيّة متدثّرين برداء البنوّة |
||||
26 - 06 - 2014, 02:54 PM | رقم المشاركة : ( 88 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: مقالات أبونا الراهب سارافيم البرموسي
كلمات المسيح لك إنّ كلمات المسيح تبحث عن جمالٍ، قد يكون مختبئًا عن أعين البعض.. كلماته روح وحياة.. دفقات من الدماء في عروق الإنسان الجديد.. ودفقات من النور في ضمائر ونفوس وأرواح مَنْ تركوا العتيق البالي بحثًا عن التجدُّد في المعرفة والخبرة الروحيّة، كلّ يومٍ، على صورة الله الظاهر في الجسد؛ الربّ يسوع. كلماتٌ تُشكِّل مقياس الحياة الجديدة وتُعيد بعث ذكرَى البراءة الأولى لإنسان ما قبل السقوط. كلماتٌ تميت وتحيي.. تجرح وتعصب.. تُقيِّد لتُحرِّر.. كلماته نيران تشتعل في القلوب لتدفعهم للسير وإن كانت المسيرة على جمر نار الاضطهاد والضيقة. إنّ الكلمات هي نطق الحياة؛ فكلمات المخلِّص هي منطوق حياته التي لم تقترب منها شهوة ولا خطيئة ولم تعبث بها غرائز الإنسان العتيق. إلى تلك الحالة كانت دعوة الربّ. لم يُلْقِها عبثًا على أُناسٍ يحيون في العالم، والعالم شبكة عنكبوتيّة كبيرة متداخلة.. متاهة من الطرق المتشابكة، لا نهاية لها. كلماته تحمل من الأسرار الكثير والكثير.. حجابٌ يرق أو يتكثّف بحسب العلاقة معه.. يرق حجاب الأسرار فيظهر الله للبصيرة في فيض نور الحضرة الإلهيّة.. نورٌ؛ نغماته فرح وسلام في الروح.. وحينما يُستعْلَن الله تتحوَّل مبهمات الكلمات إلى حقائق أبديّة مُحقَّقة لا يلمسها إلاّ الإنسان الجديد القائم في المسيح، من موت الخطيئة. كلماتٌ كان يلقيها على جموعٍ على مختلف مشاربهم؛ مختلفو الأعمار والمدارك، ولكن كلمات الربّ أشبه بقطعة من الصلصال يُشكِّلها الروح لتناسب الأذهان على مختلف قدراتها.. كلماته كانت قوى الحريّة الجديدة لمن تكبّلت أذهانهم بقناعات حجريّة مغلولة في أصفادٍ حديديّة صدئة هي منطق العالم والحواس والحَرف.. كلمات الربّ يسوع تنزع النقاب عن وجوهنا المُلثّمة لنرى الحقيقة نرى ما يختبئ خلفه من ملامح إنساننا الداخلي. إنها افتضاح رقيق لزيفنا وازدواجيّتنا حتّى نبدأ في إماتة إنساننا العتيق بنصل الكلمة نفسها. لا تفتضحنا كلماته أمام الجموع ولكن فقط أمام نفوسنا.. كلماته تعيدنا إلى براءة الطفولة الممتزجة بحكمة الروح، تُجدِّد فينا تلك المسحة البريئة من الطُهر والتي يتلفها العالم كلّ يوم بخبرات الجموح التي يلقيها أمام ناظرينا لتجرح براءتنا. وبراءتنا شهيدة بأيدي العالم الذي يضيف إلى جراحها جراحًا، وعلينا أن نذهب لطبيب الحياة ليداوي جراح البراءة المفقودة بكلمات الطُهر والنقاوة. كلمات المُخلِّص أشبه بلقطات تصويريّة نقف أمامها في انبهارٍ وقد تردّت فنون كلماتنا في عصرنا الحاضر.. ما بين كلماته وكلماتنا هوّة كما بين الأبديّة والهاوية.. هوّة لا تُعبَر.. كلماته إعلانٌ عمّا يراه كإله كائنٍ في حضن الآب، وكلماتنا خواطر لمّا نستشفّه من حضور الله في واقعنا وزماننا.. كلماته توصيف لأفعاله وكينونته الإلهيّة، وكلماتنا توصيف لحيرتنا وتخبُّطنا الإنساني.. أمام كلماته سنخلع نِعال العالم المادّي ونقترب من لهب الحضور المُشتعل في عليقة الزمان، لنركع ونتعبَّد ونقبل حقائق الدهر الآتي. في كلماته، يرتسم العالم كطفلٍ يتيم منبوذ محروم جائع وتائه، لباسه مأخوذ من حمأة الفقر والفاقة، ولكنه يقف أمام ضياء وهّاج يحمل له ثوبًا مغزولاً بخيوط النور ويشير عليه بمياه بلّوريّة، مَنْ يغتسل فيها يتجدَّد من صبغة التراب المُلتصقة به وكأنّها جزءٌ منه. الطفل هو العالم الذي ينظر للحياة نظرة قلقة ساجية مضطربة، ولكنّه على موعد مع هبة الحياة؛ تجسُّد وفداء وخلاص الله، الذي ينتشل البشريّة من أوحال الظلمة إلى سُّحُب النور الأبدي؛ إنْ قبلت واغتسلت وعاشت بمقتضَى البنوّة الموهوبة لمَنْ يرتدي ثوب المعموديّة الجديد الناصع، الذي هو ثوب الإنسان الجديد بل والمتجدِّد يومًا بعد يومٍ إلى صورة خالقه. كلمات عهدنا الجديد مع الله مكانها القلب، يسترجعها لنا الروح ويلقي بها أمام الإرادة لتدخل معمل الصراع وتُنْتِج سلوكًا يشهد للحمل المذبوح والقائم. لم تَعُدْ هناك منحوتات حجريّة بأيدي بشرٍ، يكتب الله عليها كلمات جديدة، بل منحوتات قلبيّة يُهذّبها الروح لاستقبال كلمة الله، هناك تابوت العهد الجديد، حيث الكلمة ساكنًا يقيم عشاءه الأبدي.. |
||||
26 - 06 - 2014, 02:55 PM | رقم المشاركة : ( 89 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: مقالات أبونا الراهب سارافيم البرموسي
انتصروا على مخاوفكم وَلَكِنْ وَإِنْ تَأَلَّمْتُمْ مِنْ أَجْلِ الْبِرِّ فَطُوبَاكُمْ. وَأَمَّا خَوْفَهُمْ فَلاَ تَخَافُوهُ وَلاَ تَضْطَرِبُوا (1بط3: 14) في خضمّ ما تشهده البلاد الآن من حالة من الكرّ والفرّ السياسي والأمني والمجتمعي، وبين نزاع لم نشهد له مثيلاً في تاريخنا المعاصر، وبين مخاوف تحوّلت من أفكار عابرة إلى يقين يستوطن الكثير من القلوب، يأتي السؤال ما الذي يمكننا عمله؟؟ هل نخرج من البلاد ونتركها بكلّ خرابها لأنّ الأمل بات معدومًا في الإصلاح إذ أنّ العطب قد وصل إلى نخاع العقل المصري؟!! إنّ محاولة فهم دورنا إن لم تنبت من الإنجيل لن تكون ذات جدوى. ولعلّ أكثر ما يقلقني على المستوى الشخصي أنّ الكثير من الخدّام الكنسيين على أصعدة مختلفة ممّن كانوا يُعلِّمون بالوحدانيّة والجسد الواحد والفرح مع الفرحين والبكاء من الباكين، يبحثون الآن عن مخرج من الوطن!! تاركين تعاليمهم عارية من التطبيق، إذ أنّ الذين سمعوا منهم عن البذل والتضحيّة وإيثار الذات.. إلخ، يرون الآن من يحيا بمنطق أنا ومن بعدي الطوفان، يسعون لترك المركب غارقة بمن عليها حتى بمن تعلّموا على يديهم الحبّ الباذل من قبل!!! هذا الأمر يبدو وأنه نذير خطر، فشعور الشخص أنّ أمانه وأمان عائلته أهم بكثير من الآخرين يفصل الجسد الواحد.. يمزّع الجسد الواحد.. يطعن الجسد الواحد في قلب وصميم الحبّ الذي كوّنه الروح القدس في إنساننا الجديد. هاجر أحد الشباب خوفً،ا منذ فترة لا تتعدّى العّام من أجل أمان العائلة، وهناك حدث له حادث على الطريق فقد فيه ابنته الوحيدة وأصبح هو زوجته معاقين بدرجات مختلفة!! فالأمان ليس في المكان ولكن في المسيح.. الأمان يكمن في التحصّن بالربّ يسوع لا في تغيير البلدان؛ فالطرق قد تكون متعدّدة ولكن الألم الإنساني والمخاطر الإنسانيّة واحدة.. فهناك بلدان تعاني من اضطرابات سياسيّة، وأخرى وعرقيّة، وأخرى اضطرابات مناخيّة وكوارث طبيعيّة، وأخرى جريمة منظّمة، وأخرى حوادث عشوائيّة.. إلخ. لا أمان للإنسان في مكان ما.. تلك حقيقة تتيقّن كلّ يوم للمتابع للأحداث في العالم.. لقد قرأت كثيرًا عن مرسلين أجانب رفضوا أن يتركوا رعيّتهم في بلاد غريبة وقتما كان القتل في الشوارع كشرب الماء! ومنهم من مات متمسّكًا بلواء الحبّ العملي وهم لم يكونوا من نبت صراع تلك البلدان ولكنّ الروح أعاد تشكيلهم في قالب الحبّ المسيحي الذي يقدّم ذاته عن أحبّائه ويموت ولا يترك من حوله وحدهم. يبدو أنّ تلك التعاليم يمكن أن تكون في قاموس الشهامة الإنسانيّة، قبل أنّ تكون في القاموس المسيحي. إنّها إحدى ملامح الفروسيّة والنُّبل، فترك المعركة جُبْنًا ليست بالشيمة الحسنة. لذا فإنّ أوّل ما يجب أن نفكّر فيه حاليًّا هو ألاّ نجرّد كلّ ما علّمنا به عن الحبّ الباذل من رداء التطبيق العملي.. علينا ألاّ نقفز من قارب متهالك لكي ننجو وحدنا.. علينا أن نكون على مستوى الإنجيل والمواطنة السمائيّة.. علينا أن نعلن عن إيمان صامد كالصخور لا يتذبذب مهما كانت التحديات.. فإن كان الموت يلوّح في الآفاق، فمرحبًا بالموت ولكن ونحن في بأس وشجاعة أبناء الله. فلا معنى لحياة يحرّكها الخوف ويقودها الهلع ويدفعها المصلحة الذاتيّة. علينا أن نقف لنُغيّر الواقع لا أن ننسحب إلى واقع آخر، فعظمة البعض في التاريخ كانت نتيجة أنّهم كانوا لواء تغيير وقدّموا تضحيات من أجل هذا الأمر، ولكن الآن يفرّقهم عمّن عاصروهم، لا الموت، ولكن عظمة ونبل الحياة التي عاشوها. هذا ليس بمثابة دعوة لعدم الهجرة، ولكن دعوة لعدم الهجرة انطلاقًا من الخوف والفارق كبير.. والفارق لن يعرفه أحد إلاّ أنت وحدك.. |
||||
26 - 06 - 2014, 03:04 PM | رقم المشاركة : ( 90 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: مقالات أبونا الراهب سارافيم البرموسي
هلّموا لنجوع إلى الله نجوع إلى الطعام فنكتشف جوعنا إلى الله. في كلّ لحظة نحن محاطون بمخاطر نسيان هذا الجوع المُقدّس؛ الجوع إلى النعمة الإلهيّة والحقّ الأزلي. وبينما نحن نتجنّب الطعام ننتظر اكتشاف حقيقتنا. الطعام كثيرًا ما يكون ملهاتنا للهروب من ذواتنا؛ فندخل في دائرة الأكل والشرب، ونستبدل احتياجات الروح بتسديد احتياجات الجسد، والروح مريضة سقيمة شاحبة ضامرة ونحن لا ندري لأنّنا في دائرة الجسد ندور دون توقّف. في مستهل الصوم المُقدّس لا نغيّر أطعمة بقدر ما نوقف دائرة ما اعتدناه من أطعمة. نكسر عادات الأكل والشرب التي دأبنا عليها. وحينما نبدأ في كسر ما اعتدناه، نكسر حلقة الجمود الذي يقيّد الروح على اكتشاف ذاتها في المسيح. حينما نكسر دائرة ما اعتدناه نبدأ في تكوين عادات جديدة وسلوكيات جديدة لا كبديل من نفس النوع ولكن من نوعٍ آخر. فالإنسان الجديد يظهر من خلال عادات وممارسات حيّة تعبّر عمّا يجري في القلب من رؤية لله. إن بدّلنا عادات طعام بعادات طعام أخرى دخلنا في دائرة العادة من جديد، ولا يمكن أن نسمّى هذا صومًا! فالصوم يبدأ حينما نكسر حلقات الاعتياد ونبدأ في رحلة التعرّف على أصلنا الحقيقي ودعوتنا الحقيقيّة ونحن نُبعد من أمام الروح كلّ ما يعرقلها عن المسيرة من عادات خاطئة، والتي تبدأ غالبًا بالأكل والشرب. ليس هذا الأمر سهلاً بالطبع لأنّ أقسى ما يمكن للإنسان أن يفعله هو تبديل ما اعتاده، لأنها أشبه بتكلّسات تتراكم يومًا بعد يوم على فترات زمنيّة طويلة لتكوّن كتلة صخريّة صلبة تحتاج للكثير من المعاول لتفتيتها! ويمكن أيضًا أن تكون الصعوبة من محبّتنا لهذا النمط من الحياة الذي يشكّله الأكل والشرب بتلك الطريقة، وهنا المشكلة تكون في كسر نير اللّذة والرغبة التي تتمركز في ما أحبّه دون أن تمنح الإنسان الفرصة أن يحقّق وجوده الحقيقي في دائرة أخرى لم يعبر عليها من قبل؛ دائرة السباحة بالروح في وسط صمت الجسد، أو أنين الجسد، أو صرخات الجسد، وقتها نتعلّم كيف يمكن إخضاع الجسد بالروح في صلاة لا بتلبيّة رغباته كطفلٍ مدلّل. نحن نحتاج أن نمتلك أنفسنا لنضعها في يد الروح. الصوم يساعدنا على إعادة السيطرة على ذواتنا لنملك حقّ الـ نعم والـ لا في مدينة قلبنا وإنساننا الداخلي. وهنا لا نملك إلاّ أن نصلّي أن يساعدنا روح الله على مغادرة ذواتنا ونحن نعري أنفسنا من عادات الأكل والشرب التي كونّاها يومًا بعد يوم.. نصلّي أن يحلّ علينا روح الله ليعرّفنا سرّ اكتشاف الله في سكينة الصوم.. نتضرّع ألاّ ندخل ونخرج ولا يتغيّر في عالمنا سوى نوع الطعام.. نصرخ أنّا نريد أن نرى يسوع في هذا الصوم.. وفيه نسبح ونعلو ونرتفع إلى الثالوث ليحتضنّا وهناك نعاين معاينة أخرى ليست من الأرض.. ليتثبّت فينا الشوق إلى الحياة الأبديّة..
|
||||
|