منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 24 - 08 - 2022, 01:54 PM   رقم المشاركة : ( 86911 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,304,960

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

القدِّيس إكليمنضس السكندري



النسوة اللواتي تدرَّبن على تعليم السيِّد المسيح،

يليق بهن أن يزيِّن أنفسهن لا بالذهب،

بل بالكلمة من خلاله وحده، فيظهر ذهب الروح، ويتألق النور.













 
قديم 24 - 08 - 2022, 01:54 PM   رقم المشاركة : ( 86912 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,304,960

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

القدِّيس إكليمنضس السكندري



امما يدعو للعجب، يقول الرسول: “وكذلك إن النساء يزيِّن ذواتهن بلباس الحشمة مع ورعٍ وتعقُّلٍ، لا بضفائرٍ أو ذهبٍ أو لآلئٍ أو ملابسٍ كثيرة الثمن، حتى يصبحن نساء تقيّات يعبدن الله بأعمالٍ صالحةٍ” (راجع 1تي 2: 9-10). لهذا يلزمنا ألاَّ ندع أي نوع من الفن ينافس الجمال الطبيعي، وذلك يجب ألاَّ يُمزج الغش بالصدق.















 
قديم 24 - 08 - 2022, 01:55 PM   رقم المشاركة : ( 86913 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,304,960

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

القدِّيس إكليمنضس السكندري



من اللائق بالنسبة للنساء اللواتي يخدمن المسيح
أن يتمسَّكن بالبساطة، لأن البساطة تؤدي إلى القداسة،

بل وتقلل من الفروق بين البشر، وتساعد على تحقيق المساواة،

فترثن القناعة والرضا بما في اليد، ويتحفظن من الجري وراء الكماليات.

 
قديم 24 - 08 - 2022, 01:55 PM   رقم المشاركة : ( 86914 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,304,960

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

القدِّيس إكليمنضس السكندري



الذين يستخفٌّون بالثروة، ويتصدقون بها في حرية،

يجتهدون إذ يلبسون في أقدامهم أحذية هي استعداد
إنجيل السلام والعمل الصالح والسهر على طريق البرّ.

القناعة والطهارة هما قلائد وعقود وسلاسل من صنع الله القدوس.

 
قديم 24 - 08 - 2022, 02:03 PM   رقم المشاركة : ( 86915 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,304,960

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

خضوع الابن للآب – القديس كيرلس الكبير

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


سلام ملك السلام عزيزي واهلا بك في مقال جديد وهذا مقال هو تفريغ لشرح القديس كيرلس الكبير لنص خضوع الابن الذي يستخدمه الهراطقة لتشكيك في مساواة الابن بالأب في الجوهر الإلهي يقدم القديس كيرلس شرح ورد على المهاجمين المعترضين على لاهوت الابن وكذلك ازلية الابن بشرح للنص بأسلوب سليم وحتى لا تطيل المقدمة لندخل في الرد مباشرة.
الرد (للقديس كيرلس):
إن محاربي المسيح لا يدركون أنهم بهذه الأقوال يحاربون أيضاً تجديفهم. فلو قبلت فعلاً؟ أن يكون الابن أدنى من الآب، فلماذا تستعجل في تدعيم هذا الرأي قبل أن يخضع لأن بولس يقول: “حينئذ سيخضع”، فهو إذن يحدد الزمن الذي يحدث فيه هذا الأمر، أي في المستقبل، وبالتالي لا يظهر أنه خاضع الآن بالفعل.
ثم كيف تظنونه ليس تجديفاً ما تقولونه من أن الابن لا يخضع الآن للآب، وإنه بطريقة ما يقف ضد ذاك الذي ولده؟ لأن من لا يخضع، إنما يفعل مشيئته هو. فإذا كان الأمر على هذا النحو، فما رأيكم فيما قاله المسيح: “لأني قد نزلت من السماء، ليس لأعمل مشيئتي، بل مشيئة الذي أرسلني” (يو 6: ظ£ظ¨)؟


ليتهم يقولون لنا – إذا كانوا قادرين على إدراك الكتب المقدسة – ما إذا كان تتميم مشيئة الآب لا يعني الخضوع؟ إذن. كيف يقال عمن يخضع الآن، إنه سوف يخضع حينذاك؟ ليتهم يسمعون إذن – عن حق “تضلون إذ لا تعرفون الكتب” (مت 22: 29)
إذا كنتم تقبلون أن يكون الابن مخلوقاً ومصنوعاً، وبالتالي يخضع لهذه الأمور التي صارت، أخبرني إذن يا صاحب – وفق عدم تبصرك – إذا كان يمتلك جوهر العبد، فكيف لا يخضع الآن إلى آب الجميع، إذا كان المرنم يقول عن المخلوقات: “الكل عبيدك” (مز 119: 19)؟
نحن أمام أحد خيارين: إما أن نقول إن الآب لا يستطيع أن يخضع الابن له، دون أن يريد الابن ذلك، الأمر الذي يعني أن يكون الابن أسمى من الآب في حين أنه وفقاً لرأيكم هو الأدنى. وإما أن نقول إن الخضوع شيء حسن، لكن الابن لا يخضع الآن، طالما يقال عنه إنه سوف يخضع في المستقبل، وهو ما يمكنكم معه أن تحسبوه عليه خطية.
فإذا كان ما قيل عنه من أبيه حقيقياً بأنه هو: “الذي لم يفعل خطية” (راجع 1 بط 2: 22، أش 53: 9)، فليكن إذن هذا الحديث بعيداً عن أي سخف وعبث
وكيف لا يكون واضحاً للجميع (وأنا هنا استخدم نفس كلامكم) أن المساوي يخضع في مرات كثيرة – من أجل التدبير – للمساوي له؟ ألا تصدقون أن الأنبياء روح واحدة؟ فكيف يقول بولس إن: “أرواح الأنبياء خاضعة للأنبياء” (1 کو 14: 32)، بالرغم من أن لديهم نفس الجوهر ويشتركون في نفس الطبيعة؟ فلا الذين يخضعون، لهم طبيعة أدني، ولا أولئك الذين يخضع لهم لديهم طبيعة أسمى، أو أكبر).
لأنه بالرغم من وحدة الجوهر التي تجمع كل البشر، إلا أن خضوعهم لبعضهم البعض ينتج آلافاً من الأمور الحسنة. وطالما أن هذا الأمر الحسن قد عين أيضاً لنا، وبطريقة ما، لا يخرجنا خارجاً عن حدود الطبيعة، فلماذا لا تتجنبوا هذا التجديف السخيف محافظين على مساواة الكلمة بالله (الآب)؟
الآب يفعل كل شيء بواسطة الابن، وهذا شكل من أشكال الخضوع، أي أنه يظهره على أنه يخضع لمشيئة الآب. فعندما قال الآب: “نعمل الإنسان” (تك 1: 26)، أخذ الكلمة من الأرض طيناً وصنع هذا الذي تقرر. لأنه يقول: “كل شيء به كان” (يو 3:1). وحسناً يعلمنا بولس الرسول بأنه في الأزمنة الآتية سوف يصنع الله كل أيضاً بواسطة الابن، إذ يقول بكل حكمة: “ومتى أخضع له الكل، فحينئذ الابن نفسه أيضاً سيخضع للذي أخضع له الكل، كي يكون الله الكل في الكل” (1كو 15: 28).
أي كأنه يقول: لا يظن أحد أننا سنكون نحن شركاء الآب في الحياة الآتية بطريقة مختلفة، لكن أيضاً بواسطة الابن. وتعبير “بواسطة الابن”، يعني الخضوع، دون أن يقلل ذلك أبداً مما يخص جوهر الابن، بل يعلن مقدماً بطريقة فائقة للعقل ولا نظير لها، وحدة الثالوث القدوس.
لأنه لن يتمرد وقتذاك على ذاته، ولن يسبب بتغييرات فوضوية – إزعاجاً لهذا الذي هو غير متغير، بل في ذاك الوقت أيضاً، سيكون الآب بواسطة الابن الكل في الكل، حياة وعدم موت وفرحاً وقداسة وقوة، وكل ما أعطي كوعد للقديسين
والذي هو خاضع الآن للآب، كيف يقال عنه إنه سوف يخضع بعد أزمنة، أو بالحري في الدهر الآتي؟ ألا يخضع الآن متمماً مشيئة الآب، مخليًا ذاته كما هو مكتوب (أنظر فيلبي 2: 7) آخذاً شكل وهيئة عبد؛ لكي وهيئة عبد؛ لكي يتمم عمله، كما يقول هو ذاته (أنظر يو 17: 4)؟
أعتقد أن هذا واضح وضوحاً كاملاً للجميع، ويظهر حقاً بفحص الأمور. إذن كيف يقول لنا بولس العظيم إن الذي هو بالفعل خاضع الآن، سوف يخضع في المستقبل؟ ليتنا نفحص الشاهد بدقة: “ومتى أخضع له الكل، فحينئذ الابن نفسه أيضاً سيخضع للذي أخضع له الكل، كي يكون الله الكل في الكل” (1 کو 15: 28).
فماذا يريد أن يقول؟ المسيح أيضاً الآن خاضع للآب، لكن ليس في الكل، لكن فقط في هؤلاء الذين يؤمنون به (أنظر کو 1: 22)، ولأجل هؤلاء قدم ذاته ذبيحة للآب كحمل بلا عيب، محتقراً الصليب والعار هكذا، ولأنه حررهم من كل خطية، قادهم أطهاراً وبلا دنس إلى الخالق. حسنا.
عندما أبعد كل ضلال، وعرف ساكني المسكونة الإله الحقيقي، واعترفوا بالمسيح ملكاً وربا، خاضعين لوصاياه المخلصة، عندئذ، يكون الكل قد خضعوا، وسيخضع أيضاً هو لأجلنا، إلها ورباً ورئيس كهنة للكل، ومعطياً بواسطة ذاته للكل إمكانية أن يصيروا شركاء الآب الذي هو فيه. لأنه هكذا يصير الله الكل في الكل، بأن يكون في الكل بواسطة الابن كوسيط، ساكناً في كل واحد من أولئك الذين قد دعوا لكي يخلصهم
لم يقل إن الابن سيخضع للآب، لكي يصير أدنى منه، بل لكي يصير الله الكل في الكل. هل رأيت أنه يقدم الكلمة كوسيط بين الآب وبيننا؟ لأنه حينئذ سوف يكون أيضاً مع مانحاً ذاته لكل واحد حسب قياس النعمة، لكي نصير بواسطته شركاء الآب. طريقة الخضوع، بمعني أنه يخدم البركة التي يعطيها الآب ناقلا إياها بطريقة طبيعية بذاته لأولئك الذين قد دعوا للحياة الأبدية.
هذا بالتأكيد لا يضع الابن خارج مكانته الطبيعة بتنازله لنا، لكنه حقاً يكون موجوداً على ما هو عليه، وسوف يخدم أيضاً حينذاك الآب مانحاً إيانا معرفة الله، بقدر ما نستطيع أن نتعلمه، ثم بعد ذلك يجب أن نفكر بكل هذا وبالآتي: عندما أخضعنا الآب للابن، لم يجعلنا شيئاً آخر من جهة الجوهر، ولا صرنا من جهة طبيعتنا مختلفين عن هذا الذي نحن عليه من البداية، بسبب الخضوع.
لكنه جعل الخضوع يتم عن طريق تغيير الرأي وطرق المعرفة، هكذا الابن أيضاً، فبدون أن يخرج خارجاً عن حدود طبيعته (لأن الله لا يعرف التغير)، يعرف التغير)، خضع للآب، لكن وقتذاك سوف تكون هناك طريقة ما تظهر الابن بشكل عملي خاضعاً فقط بإرادته. ولكن خضوعه – على أية حال – لن يصير بتغيير في جوهره
إن كان الابن قد صار أدنى من الآب، وأصبح مختلفاً عنه من جهة الطبيعة، وحدث أن خضع له في الوقت الذي حدده، طبقاً لما قاله بولس، دون أن يكون الآن، ألا يكون الابن مساوياً له الآن؟ وكيف لهذا الذي هو الآن مساو لذاك الذي ولده بحسب الطبيعة، يصير وقتذاك أدنى منه؟
لأنه إما أن يحدث فيه تغير ما ونقصان، عندئذ تسقط الألوهية من الآن فصاعداً، ولأن هذا الكلام محض تجديف وهذيان، فإننا نقول: دعهم يشرحون لنا كيف يحدث هذا النقص. ولأن الابن لا يقل أبداً عن الآب من جهة الجوهر، فلا يمكن أن يقلل من ذلك خضوع الابن له . هنا يكون انتهى كلام القديس كيرلس ولكن اريد ان اضيف شيء صغير.
قال القديس كيرلس (إن: “أرواح الأنبياء خاضعة للأنبياء” (1 کو 14: غ³غ²)، بالرغم من أن لديهم نفس الجوهر ويشتركون في نفس الطبيعة؟ فلا الذين يخضعون، لهم طبيعة أدني، ولا أولئك الذين يخضع لهم لديهم طبيعة أسمى، أو أكبر). لأنه بالرغم من وحدة الجوهر التي تجمع كل البشر، إلا أن خضوعهم لبعضهم البعض ينتج آلافاً من الأمور الحسنة)
اذ قولنا ان الابن خضع للاب فهذه لا تشكل مشكلة لأنه حسب نص انجيل يوحنا 1 والعدد 18 ان الابن من نفس طبيعة الاب.
ألله لم يره أحد قط؛ الإله، الابن الوحيد، الذي هو في حضن الآب (يو1 : 18 الترجمة البوليسية) والنص اليوناني استخدم ( خ¼خ؟خ½خ؟خ³خµخ½ل½´د‚ ) والتي تعني المولود الوحيد
فبتالي الابن يظل من نفس طبيعة الاب لأنه مولود منه يقول القديس كيرلس أيضا : ولد منه بحسب الطبيعة، وهو في نفس الوقت أيضاً أزلي مثل الحرارة من النار، أو الرائحة من الورد
فاذ خضع الابن لأبيه لا يجعل الابن درجة اقل من طبيعة ابية البشرية لان الخضوع لا يعني بالضرورة ان يجعل الابن الذي له نفس طبيعة ابيه المولود منه اقل.
ويؤكد القديس كيرلس أيضا ان خضوع الابن كان في تجسده لأنه كما قال الكتاب اخذ الابن صورة عبد صائر في شبه الناس مع انه كان هو ذاته معادلا للاب ولكن هذا التجسد لم يفصل طبيعة الابن عن الاب او يجعلها اقل منه.
يقول القديس كيرلس أيضا: أجاب المسيح لفيلبس حين تحدث الآب؟: «ألست تؤمن أني أنا في الآب والآب في» (يو ظ،ظ¤: ظ،ظ*). بالتالي، يستحيل إطلاقاً أن يوجد الواحد من الاثنين بدون الآخر. بل حيث ندرك أن الآب كائن (وأيضاً بالطبع في كل مكان) هناك أيضاً لا محالة يكون الابن، وهناك حيث الابن كائن، يوجد هناك أيضاً الآب.
فإن كان الابن حقاً شعاع الآب، والكلمة، وحكمة، وقوة، فكيف يمكن أن نعتقد -على الإطلاق- أن الآب بدون كلمة وقوة وحكمة؟ وكيف يمكن أيضاً أن ندرك حكمة الله وكلمته وقوته بدون الآب؟
في الأخير … الذين يهاجمون الايمان المسيحي هم فقط لا يعرفون الكتاب كما أكد القديس كيرلس الكبير باستشهاده بالنص المقدس فهم فقط يبحثوا عما يؤكد كلامهم فقط حتى لو كان بالقص والتجديف على الله.
 
قديم 24 - 08 - 2022, 02:13 PM   رقم المشاركة : ( 86916 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,304,960

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

التجسد الإلهي واتحاد اللاهوت والناسوت – بحث آبائي

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
التجسد الإلهي

لقد تأثر القديس كيرلس بفهمٍ صوفيٍ (مستيكيٍ) رائعا وعميق لقدره الله الكائنة فيه، تلك القدرة التي تجعل تجسد الله الكلمة هو السبيل الوحيد والأهم الذي من خلاله يختبر الإنسان المسيحي حضور الرب وأثار نعمته وفاعليتها الإلهية.
يقول القديس كيرلس: إن الهراطقة يقولون إن الكلمة الله لم يصر جسدا، أي لم يولد بحسد الجسد من امرأة، ويبطلون بذلك تدبير الخلاص، لأنه إن لم يُخلي الكلمة ذاته ويأخذ ما يخلصنا بسبب محبته للبشر، ما كان في إمكاننا أن نكتسب كل ما له ونظل مقيدين بقيود فقرنا وباللعنة وبموت الخطية. لأن تجسد الله الكلمة أبطل كل ما حل بالطبيعة البشرية من لعنة ونتيجة.
إذن لو اقتلعوا جذر خلاصنا، وهدموا أساس رجائنا، ما الذي يبقا معنا بعد هذا؟ لأنه كما قلت إن لم يصر الكلمة جسدا ما كانت قوة الموت قهرت ولا الخطية أبطلت بأي طريقة وظللنا نحن مقيدين بسبب عصيان الإنسان الأول “ادم” بدون أي إعادة تجديد الذي هو تغيير للأفضل بواسطة المسيح مخلص الجميع.
نجد اللغة عند نسطور تظهر مفهوما أوليا عن الفارق بين اللاهوت والناسوت، بمعني انه من الممكن للذهن المسيحي عند قراءة أو سمع تلك الألفاظ أن يقدر مدي دخول الإله في علاقة شركه وقرب مع البشرية. لذا أن ألفاظ نسطور عن” المصاحبة” لم تكن دقيقه وكانت مشوشه حول تلك المسألة الخاصة، بما إذا كان “يسوع البشري” الله أم لا.
حيث يفهم من كلامه عن المصاحبة التامة للعنصر اللاهوتي والبشري، أن الله والمخلوق مختلفان اختلافا جذريا، بمعني أن الله اللوغوس الذي صاحب الطبيعة البشرية هو الله بالكامل لا يحده ولا يعوقه بشريه يسوع. فبالنسبة لنسطور كانت الحياة البشرية للإنسان يسوع “مشتركه بعض الشيء” مع اللوغوس بالمصاحبة، لكنها ليست تلك الحياة التي تتسيّد عليه أو تخضعه بأي شكل.
ويقولون إن الكلمة اتّحد بهذا الإنسان بطريقة جديدة جاعلًا إياه يذوق الموت وفق ناموس البشر، ويقيمه من الموت مصعدًا إياه إلى السماء وواضعًا إياه ليجلس عن يمين الله (انظر أف ظ،: ظ¢ظ*- ظ¢ظ،)، هكذا صار فوق أي رئاسة وسلطان وقوة وربوبية، وأيّ اسم ليس فقط في هذا العالم بل في الدهر الآتي، إذ هو في مصاحبة لا تنفصل مع الطبيعة الإلهية، وقد ارتضى أن يسجد له من كل الخليقة، الخليقة كلها تقدم العبادة له بصلة ذهنية لله»
لذلك تعاليم ق. كيرلس عن التجسد يسير في اتجاه مضاد لما يقوله نسطور، لأنه وجود مفهوم (الشركة أو المصاحبة) تعليم يتنافى مع التقليد المسيحي المستلم في نقطتين:
الأولى: بحيث ذلك يجعل هناك قليلا من التمييز بين يسوع وبين أي من الأنبياء القدامى الذين يمكن أيضًا أن يقال عنهم إن الله يلهمهم ويوحي إليهم أو إن الله يسكن فيهم.
يقول ق. كيرلس: أن الهراطقة دائما ما ينزلقوا لمثل هذا المستوى من الجهل حتى انهم يعتقدون ويقولون إن كلمة الله الابن الوحيد نفسه لم يصر مثلنا، لكنه أخذ انسانًا. لكن بأي طريقة يريدون لنا أن نأخذ هذا الكلام؟ ربما يريدون أن نأخذ شخص المسيح مثل شخص عُيِّن من قِبَل الله لكي يحمل أمرًا يديره هو، مثل نص: “لست أنا نبيا ولا أنا ابن نبي، بل أنا راعي وجاني جميز، فأخذني الرب من وراء الضأن وقال لي الرب اذهب وتنبأ لشعبي إسرائيل” (عا ظ§: ظ،ظ¥). لأنه بينما كان راعيا جاني جميز جعله نبيًا وأرسله لكي يكون خادما لمشيئته.
الثانية: قالوا إن الإنسان الذي من زرع داود والذي اتصل بالكلمة نال المساواة والكرامة، ولأنه تألم ومات حسبت له كرامة الابن. ولكن إذا نال هذا الإنسان كرامة مساوية لكرامة الابن الكلمة فواضح أنه آخر غير الابن الكلمة. وهذا يعني انه آخر مع آخر أو واحد مع واحد أي أن المسيح أكثر من واحد. وهكذا إذا انقسم المسيح إلى اثنين فواحد منهما (الإنسان) لا يمكن أن يكون مساويا للآخر في الطبيعة وحتى إذا أكرم فطبيعته أقل.
وحيث أن الجالس عن يمين الآب هو الابن الواحد، فعليهم أن يقولوا لنا من هو الذي يجلس عن يمين الآب في الأعالي؟ ومن هو الذي يشترك مع الآب في الربوبية؟ أليس افتراء وتطاول أن نجعل من العبد مساويًا للرب؟ والمخلوق ينال ذات الكرامة مع الخالق؟ والعبد الخاضع للعبودية يجلس مع ملك الكل الذي هو فوق الكل أي كل ما يحسب في عداد هذا الكل؟
حيث يرى ق. كيرلس إن التجسد والغاية النهائية منه هو الصميم إذ يقول «بالرغم من أن كلمة الله الابن الوحيد صار مثلنا وانضوى تحت هيئة العبد بحسب الطبيعة البشرية، فإن هذا يشهد لحقيقة أنه حر بحسب الطبيعة، قائلًا عند دفع الجزية: «إن البنين أحرار» (مت ظ،ظ§: ظ¢ظ¦). إذن، فقد قبل صورة العبد أخذًا خواص الإخلاء وبدون أن يحتقر تشبهه بنا. لأنه لم يكن من الممكن أن يكرم العبد بطريقة أخرى إلا بجعل خواص العبد خاصة به، لكي تصير بهية بمجده الخاص.
لأن المتفوق ينتصر دائمًا، وهكذا تم إزالة عار عبوديتنا. لأن الذي كان أسمى منا، صار مثلنا، والحر بحسب طبيعته، دخل إلى قيود حياتنا. بهذه الطريقة منحنا -إذن- الكرامة، فدعينا نحن أبناء الله واكتسبنا أباه الحقيقي الخاص به أبًا لنا؛ كل ما هو بشري صار له. بالتالي، عندما نقول إن الابن الحقيقي أخذ صورة عبد، فإننا نقصد كل سر تدبير التجسد.
لكننا نحزن عليهم بسبب حبنا لهم، ونقول لهؤلاء الذين فضلوا أن يؤمنوا هكذا: «يا ليت رأسي ماء وعيني ينبوع دموع، فأبكي نهارًا وليلًا قتلى بنت شعبي» (أر ظ©: ظ،)، لأنهم انحرفوا إلى رأي شرير «إذ هم ينكرون الرب الذي اشتراهم» (ظ¢بط ظ¢: ظ،)»
وقد أصر القديس كيرلس وركز على لفظ “اتحاد” حينما كان الأنطاكيون يستخدمون لفظ “مصاحبه أو علاقة” ويقول ق. كيرلس: «لماذا يتركون كلمة «اتحاد» بالرغم من أنها كلمة مفهومة بسهولة، وقد أتت من الآباء، ويستخدمون كلمة «مصاحبة»؟ إن كلمة «اتحاد» لا تعني خلط اثنين معًا، بل تظهر بالأفضل أن الاثنين صارا في وحدة واحدة بسبب اتحادهما معًا. وعلى أية حال، لا يطلق تعبير «وحدة واحدة» فقط على الأشياء التي تنتمي إلى نوع واحد بسيط، بل يطلق على اثنين أو أكثر يكونان مختلفين في الأنواع»
حيث إن مسألة التجسد بالنسبة للقديس كيرلس لم تكن من أجل الله بل كانت من اجل فداء الجنس البشري. «طالما صار الكلمة انسانًا، مات من جهة الجسد لأجل العالم، وجعل ألمه قادرًا على أن يقدم فداء للعالم»
وبهذا، فإن «التدبير – إيكونوميا» يعني خطة عملية تعني شيئًا تفعله وتتممه. وقد شرح ذلك ق. أثناسيوس بوضوح إذ قال: فإله الجميع عندما خلقنا بكلمته الذاتي ولأنه كان يعرف أمورنا أكثر منا ويعرف مقدما إننا رغم أنه قد خلقنا صالحين إلا أننا سنكون فيما بعد مخالفين للوصية، وإننا سنطرد من الجنة بسبب العصيان، ولأنه هو محب البشر وصالح فقد أعد من قبل تدبير خلاصنا بكلمته الذاتية.
لأننا حتى إن كنا قد خدعنا بواسطة الحية وسقطنا فلا نبقى أمواتًا كلية، بل يصير لنا بالكلمة الفداء والخلاص لذي سبق إعداده لنا لكي نقوم من جديد ونظل غير مائتين، وذلك عندما «خلق» هو من أجلنا «بدء الطرق» وصار «بكر الخليقة» و«بكر إخوة» وقام «باكورة الأموات» ….
ففي التجسد يعمل الله بين الخليقة، وهو لا يعمل مجرد عمل يشبه من يمثل دورًا يؤديه على خشبة مسرح العالم، بل هو عمل سري، وهو بمثابة تحويل الحياة البشرية إلى حياة جديدة جذريًا: [وكون أن المسيح بقيامته، أعاد خلقتنا لحياة جديدة، كيف لأحد أن يشكك فيه؟ لأنه قدمنا في ذاته إلى أبيه، كأحياء من الأموات، كما هو مكتوب: «كذلك أنتم أيضا احسبوا أنفسكم أمواتا عن الخطية، ولكن أحياء الله بالمسيح يسوع ربنا» (رو ظ¦: ظ،ظ،) ….
وهذا التحول الدينامي، الذي هو بمثابة «تقديس» أو «سمو إلهي» للحياة، هو أمر حاسم في فكر القديس كيرلس، هو في الحقيقة حجر الزاوية أو العمود الأساسي. لذلك، فالذين اتهموا القديس كيرلس، أخفقوا تمامًا في تقدير فكره، بخصوص إن الرب الإله اختبر حقًا كل ما للإنسان من مشاعر أصيلة لكي يحول المائت إلى عدم الموت.
ويدرك القديس كيرلس أن تجسد الله وتأنسه، ليس حدثًا ساكنًا (ستاتيك)، بل هو نموذج وأصل العملية بأكملها. هو يشير إلى اتحاد الله بالإنسان اتحادًا لا ينفصم، في شخص يسوع الابن الوحيد الله الآب، فهو الله والإنسان حقًا في آن واحد. وهو الأمر المؤسّس على شخص المسيح الواحد الوحيد، وهو ليس مجرد سر حضور الله بيننا، بل سر كيفية تحول حياتنا البشرية الشخصية إلى حياته الإلهية.
حيث إن وقبل التجسد الإلهي كان «الإلهي» و«الإنساني» يمثلان من حيث الوجود والكيان فئتين مختلفتين. وكانت بينهما هوّة واسعة وكبيرة، هوة بين الخالق والمخلوق، ليس فقط على المستوى الأخلاقي، بل على المستوى الوجودي أيضًا. أما بعد التجسد، فإن نظام الوجود قد تغير تغيرًا جذريًا. ففي التجسد أصبح الواقعان أو الكيانان الحقيقيان واللذان كان اتحادهما أو ارتباطهما معًا على المستوى الفلسفي واللاهوتي مستحيلًا، قد اتحدا بشكل عملي وظاهر في المسيح.
ورغم أن هذا الاتحاد مستحيل، لكنه تم كفعل بسيط من أفعال قدرة الله اللامحدودة، والرب غير المنظور صار الآن منظورًا، وغير الجسداني صار الآن متجسدًا. وغير المحدود قَبِلَ محدودية حياة أرضية، وغير المائت ارتضى لنفسه أن يموت ويحيا.
كان القديس كيرلس يطبق مثل هذه المضادات الظاهرية (بارادوكسا) في اللغة. ومثل هذا التباين كان يعطي فكرة رفعة ودفعة روحية وقوة شديدة، حيث كان يعرف جيدًا كيف يوظفها لتؤثر تأثيرًا قويًا في كرازته، فهو يتهم نسطور بأنه سريع الحكم على ما لا يليق بالله أن يكونه، بمنطق بشري قاصر. ومثلما يرى ق. كيرلس، فإن نسطور قد نسى أن المنطق البشري بعد السقوط – هو منطق سطحي وضحل بسبب الخطية والرؤية المحدودة القاصرة الناشئة عن فساد طبيعتنا….
الكلمة صار انسانًا

إن التجسد لم يحد من قدرة الله اللامحدودة، ولا أزالها، بل هو -ببساطة- تعبير عن، أو هو بمثابة تفعيل لهذه القدرة اللانهائية التي تضغط على قصور فهمنا نحن، لكنها في حد ذاتها ليست مناقضة أو مضادة للمنطق والعقل (مثلما اتهم نسطور)، وأن نتخيل أن قدرة الله اللوغوس الكلمة، تلك القدرة النهائية، قد تُحد بواسطة الحياة الإنسانية (الناسوت) التي يحياها الله الكلمة، فهو ما يعني أننا نعتبره قد هجر لاهوته أو أُلوهيته عندما صار انسانًا، لهذا رفض القديس كيرلس هذا المفهوم ونقده قائلًا إن من كان الله منذ الأبد صار انسانًا، بينما ظل وإلى الأبد أيضًا ما كان عليه (أي إلها) هذا هو الله الأبدي.
يقول القديس كيرلس: «لأنه لم يكن من المستحيل على الله محب البشر أن يجعل ذاته قادرة على تحمل محدودية (قيود) الطبيعة البشرية، وهو ما سبق وقيل لنا بطريقة رمزية معلمة إيانا أسفار موسى وراسمة لنا بأمثلة، سر التأنس. حقًا لقد نزل الله في صورة نار على العليقة في البرية، وجعلت النار العليقة تلمع وتضئ، لكن العليقة لم تحترق. تحير موسى من المشهد (انظر خر ظ£: ظ¢، ظ،ظ*).
أليست الشجرة لم تكن تتناسب (تتوافق) مع النار؟ كيف تحملت الشجرة ذات المادة سريعة الاشتعال اللهب؟ لكن المشهد -كما قلت- كان صورة للشر الذي أظهر كيف أن طبيعة الكلمة الإلهية يمكن أن تحتمل محدودية الطبيعة البشرية، بالطبع لأنه أراد ذاك، لأن أمامه لا يوجد شيء مستحيل» …..
إن التجسد محبة ذات طابع خاص وإلهي، من الله تجاه البشرية بقصد شفائها، هذه المحبة مرسلة إلى الخليقة المادية، بغرض إحداث تأثير يتم على المستوى الطبيعي المادي بحيث تُعيد الخليقة المادية إلى شركة مع الله. وهذا الوضع الكياني، وذلك المخلوق الذي يرفعه الله، كان بالنسبة للقديس كيرلس سرا، لكن ليس منافيًا للمنطق، بل على العكس، هو وعد أعلنه الله للعالم في تعليم أو عقيدة جسد القيامة الممجد…
رأى القديس كيرلس الأمر، فإن القدرة الإلهية في الرب المتجسد لم تبذل جهدها في أن تعبر عن نفسها بشكل متناقض أو متعاكس، حيث يشرح القديس كيرلس هذا الأمر بكل وضوح في تفسير إنجيل لوقا وبالتحديد نص (لو ظ¢: ظ¥ظ¢)، إذ يقول: أن يقال إنّ «الطفل كان ينمو ويتقوى بالروح، ممتلئًا حكمة وكانت نعمة الله عليه»، هذا الكلام ينبغي أن يؤخذ على أنه يشير إلى طبيعته البشرية، وأرجو أن تفحصوا باهتمام في عمق التدبير: فالكلمة يحتمل ويقبل أن يولد في صورة بشرية، رغم أنه في طبيعته الإلهية ليس له بداية وليس خاضعًا للزمن.
والذي هو إله كامل تمامًا من كل ناحية، يخضع للنمو الجسدي. وغير الجسدي، صارت له أطراف تنمو مع نمو بشريته. والذي هو نفسه الحكمة كلها، يمتلئ بالحكمة. وماذا نقول عن هذا؟ فإن الذي كان في صورة الآب، قد صار مثلنا، والغني أخذ صورة الفقر، والعالي أخذ صورة الاتضاع، والذي له الملء يقال عنه إنه ينال ويأخذه.
يقول القديس كيرلس: «تتقدم الطبيعة البشرية في الحكمة وفقًا للطريقة الآتية: الحكمة الذي هو كلمة الله اتخذ الطبيعة البشرية فتألهت وهذا برهن من خلال أعمال الجسد، والنتائج العجيبة في أعين أولئك الذين يرون الهيكل (الجسد) الذي أخذه، جعلته يرتقي بالنسبة لهم. هكذا ارتقت الطبيعة البشرية في الحكمة متألهة بواسطتها. لذلك أيضًا نحن بطريقة مماثلة للكلمة، الذي لأجلنا تأنس، نُدعى أبناء الله وآلهة. لقد تقدمت طبيعتنا في الحكمة منتقلة من الفساد إلى عدم الفساد، ومن الطبيعة البشرية إلى الألوهية بنعمة المسيح…..
لقد اخذ القديس كيرلس صورة القدرة “الثنائية التبادلية” حيث اخذ بمثل الإنسان يكون من جسد ويحييه روح أي النفس داخل الجسد ليدرك بها اتحاد الله والإنسان في المسيح. حيث يعيش اللاهوت بدون قيد في الجسد، كما يظل يتمتع بكل خصائصه التي له قبل تأنسه. فإن الاختلاف بين طبيعتي النفس والجسد لا يعوق اتحادهما، ولا يتطلب أن يختزل أحدهما الأخر، بل انهما يتكامل كلاهما معًا، ينعمان باتحاد متكامل. إذا فإن اللاهوت الكامب للكلمة يتحد بالوجود البشري الكامل، وذلك الاتحاد الروحي والمادي يكون المسيح الواحد والوحيد ويسمي “اتحاد أقنومي”…..
يقول القديس كيرلس: “وأيضا نحن لا ننسب أقوال مخلصنا في الأناجيل إلى أقنومين أو إلى شخصين منفصلين، لأن المسيح الواحد لا يكون اثنين، حتى لو أدرك أنه من اثنين ومن كيانين مختلفين اجتمعا إلى وحدة غير منقسمة، وكما هو طبيعي في حالة الإنسان الذي يدرك على نفس وجسد ولكنه ليس اثنين بل بالحري واحد من اثنين. ولكن لأننا نفكر بطريقة صحيحة فإننا نعتقد أن الأقوال التي قالها كإنسان أو تلك التي قالها كإله هي صادرة من واحد…..
المسيح الواحد

رفض القديس كيرلس كل طرح نسطور باعتباره يقسّم وحدة المسيح الشخصية حيث نادى بوجود «ابنين» أو انسانًا هو يسوع مع اللوغو الإلهي، الأمر الذي جعل نسطور نفسه لم يستطع أن يشرح لنا كيف كانت شخصية المسيح الداخلية في حالة وجود «ابنين»….
وكان لفظ الاتحاد في المسيح واحد هو المفتاح لكل كتاباته بعد سنة ظ¤ظ¢ظ¨م، وهي الفكرة المهيمنة والسائدة داخل كتابه “المسيح واحد”. غير أن مهمته لم تكن بالمهمة السهلة. ذلك أن التقليد السابق للقديس كيرلس كان قد اقترح طرقًا أخرى كمداخل لهذا الموضوع، لكن تلك الطرق لم تكن واضحة.
فإن جيل القديس كيرلس كان قد افترق إلى طريقين بين لاهوتيين متعاونين تمامًا، ثبت كلاهما أنه غير مقبول لدى الإجماع الأرثوذكسي، كان الأول التعليم الأنطاكي عن الابنين، والثاني التعليم الأبوليناريوسي القائل بالاتحاد الذاتي للمسيح، بتعليمه أن الكلمة حل محل العقل البشري أو الوعي الإنساني في المسيح، لأن الأعلى يحل محل الأدنى، وهو ما تم رفضه تمامًا، كتقدير بائس للتجسد، سرعان ما تحول إلى تدمير للبشرية وليس اتحاد بها.
وقد أدرك القديس كيرلس أن مهمته هذه تقع في اتجاه مختلف عن کلا الطرفين، وأن عليه أن يعول على تكامل الألوهية والناسوتية، وعند عرضه لشركتهما المتكاملة، والنتائج المترتبة عليها، استقر على اللفظ المفتاح «وحدة أو اتحاد»، فمن اللاهوت والناسوت تم اتحاد ما، وليس تداخل ما، أو تعايش ما، أو علاقة ما، أو إحلال ما، أو ارتباط ما. ليس أي هذه الأشياء التي افترضها مقاوموه، فهو يجادل في أمر الاتحاد بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ومع هذا، فهو اتحاد من النوع الذي لا يدمر عناصر تكوينه.
لقد كان اتحادًا على غرار اتحاد النفس بالجسد في البشر، وهو اتحاد يقود إلى أحوال جديدة وإمكانات جديدة لكلا المكونين، بينما يحافظ على عناصرهما الأساسية دون أي مساس، فهو ليس مثل طريقة اتحاد الرمل والسكر (لأنه اتحاد لا يصنع شيئًا لأي من عناصره) أو مثل اتحاد النار بالخشب (وهو اتحاد يعمل فقط من خلال تحطيم أحدي عنصريه للعنصر الآخر، ومن ثم يقضي على أسس هذا الاتحاد) ….
عند القديس كيرلس هناك فقط شخص واحد وكيان واحد ووحيد في المسيح، ذلك اللوغوس الإلهي. لكن المسيح لم يكن مجرد لوغوس الله، بل كان اللوغوس الذي اختار أن يدخل بكامله في حياة إنسانية. فإن المسيح كان إلهيا وإنسانيًا بغير انفصال، لا يلغي شكل منهما وجود الآخر، فلا اللاهوت ولا الناسوت في المسيح قد تناقص، بل كلاهما تناميا بالخبرة، فالناسوت على مستوى الوجود والأخلاق، واللاهوت على المستوى التدبيري.
يقول القديس كيرلس: «المسيح واحد، وهو ابن ورب، ليس بمعنى أن لدينا انسانًا حقق مجرد اتصال مع الله، كإله، بواسطة اتحاد كرامة أو سلطة. لأن المساواة في الكرامة لا توحد الطبائع، فإن بطرس ويوحنا يتساويان في الكرامة الواحد مع الآخر، فكل منهما رسول وتلميذ مقدس، إلا أن الاثنين ليسا واحدا. كما أننا لا نرى أن طريقة الاتصال هي بحسب المجاورة لأن هذه لا تكفي لتحقيق الاتحاد الطبيعي، ولا بحسب مشاركة اعتبارية مثلما إننا نحن الذين نلتصق بالرب كما هو مكتوب «فنحن روح واحد معه» (غ±کو 6: ظ،ظ§)، بل بالحري نحن نرفض تعبير «الاتصال»؛ لأنه لا يعبّر تعبيرا كافيًا عن الاتحاد.
ونحن لا نقول عن الكلمة الذي من الله الآب إنه إله المسيح وربه، حتى لا نجزئ أيضا المسيح الواحد والابن والرب إلى اثنين، ولكيلا نسقط في جريمة التجديف بأن نجعله هو إلهه وربه. وكما قلنا سابقا، فإن كلمة الله قد اتّحد بالجسد «أقنوميا»، فهو إله الكل ورب الجميع، وهو ليس عبدًا لنفسه ولا سيدا لنفسه…
فبحسب القديس كيرلس، اللاهوت في ذاته لا يمكن أن يتغير، لأنه مطلق وكامل، لكن هذا لا يعني أن اللاهوت لا يمكنه أن يعمل بشكل آخر مختلف، وإلا ما كانت هناك علاقة بين الله وخليقته، فقد عمل الله خلال الزمان أو في الزمان والمكان، ليس لأن تلك كانت طريقته في العمل، بل لأن تلك كانت طريقة خليقته، وبالتالي فقد تنازل وعمل بهذه الطريقة لأجل محبته للبشر وللعالم الذي كان الله يهيئه لإنجاز المستحيل.
فالواحد الذي هو فوق الزمان قرر أن يدخل التاريخ أو يتعامل مع التاريخ. وفي رأي القديس كيرلس، إذا أنكر المرء ذلك، لأنكر كل مصداقية الإله الخالق الذي نفذ عهده مع الجنس البشري داخل التاريخ. وفي حالة التجسد، فإن نفس المضادة الظاهرية نشهدها مرة أخرى، وإن بشكل أكثر فرادة وحميمة. فالتجسد، كما رآه القديس كيرلس كان فعلًا من أفعال القدرة الكلية الله.
بحسب زعم نسطور – لم يختبر الكلمة حقيقة هذه المحدودية والشك والألم وكل ما يعصف بالحياة البشرية ويفتك بها. فيقول القديس كيرلس لماذا كان يشغل نفسه بالتجسد من أصله؟ الألم والموت البشري، لقد أراد الابن أن يحرر الطبيعة البشرية من أوجاعها لذلك اجتاز -بكونه انسانًا- كل الآلام التي تجتازها هذه الطبيعة، وهذا ذكره القديس كيرلس، إذ يقول:
«كما أن إبادة الموت لم تتم بطريقة أخرى غير موت المخلص، هكذا أيضًا من جهة كل ألم من آلام الجسد: فلو لم يشعر بالخوف (طبعًا خوف الإنسان الطبيعي)، لما أمكن للطبيعة البشرية أن تتحرر من الخوف، ولو لم يكن قد اختبر الحزن، لما كان هناك تحرر من الحزن على الإطلاق؛ ولو لم يكن قد اضطرب وانزعج، لما وجد أي مهرب من هذه المشاعر.
ومن جهة كل انفعال من الانفعالات التي تتعرض لها الطبيعة البشرية، فإنك ستجد المقابل لها بالضبط في المسيح. فانفعالات الجسد كانت تتحرك، لا لكي تكون لها السيطرة كما يحدث في حالتنا نحن، بل لكي حينما تتحرك، فإنها يتم إخضاعها كلية بقوة الكلمة الساكن في الجسد، وهكذا فإن طبيعة الإنسان تجتاز تغيرًا نحو الأفضل.
تأنس الله

أن التجسد كان في نفس الوقت أيضا حركة لأسفل، وحركة الله تجاه الأسفل. فالتجسد – إن جاز التعبير – أحضر الله من السماء إلى الأرض، بواسطة وسائل مخلوقة «الكلمة صار جسدا وحل بيننا» (يوظ،: ظ،ظ¤). إن تأنس الله في شخص المسيح لم يكن ظهورًا بسيطًا ولحظيًا، مثل ظهورات الأساطير القديمة، بل حضور أساسي وحقيقي «للإله الحي والحقيقي»، «وسمعت صوتا عظيما من السماء قائلًا: «هوذا مسكن الله مع الناس، وهو سيسكن معهم، وهم يكونون له شعبا، والله نفسه يكون معهم إلها لهم» (رؤ ظ¢ظ،: ظ£).
يختلف إله الإعلان الكتابي عن آلهة الديانات الأخرى في أنه يتحرك باستمرار تجاه مخلوقاته. فإلهنا ليس فقط (“الكائن دŒ خ©خ½”)، بل أيضا الآتي باستمرار: «الكائن والذي كان والآتي» (رو ظ،: ظ¤). أما «آلهة الأمم» (مز ظ©ظ¦: ظ¥)، فإما هم غير متحركين أي ساكنون، أو يتجسمون لحظيا وخياليا. إله أتباع أرسطو. هذا الذي يجل البشر يحبونه، أما إله الإعلان الكتابي هو «عاشق نفوسنا» و«العريس» الذي يأتي إلينا. إلهنا هو دائما وباستمرار محدق تجاه البشر ويتحرك تجاهنا.
لا شيء يستطيع أن يوقفه أو يمنع خروجه إلينا، لا خطايا الأبوين الأولين، ولا أيضا خطايانا الشخصية. في هذه الحالات، الله يتحرك بسرعة جدا، وبحسم شديد وبحركة – ذات فاعلية – إذ كان تجسده هو الحركة الأكثر حسمًا وفاعلية، خروج الله إلى البشر: «هو وجد طريق التأدب بكماله وجعله ليعقوب عبده ولإسرائيل حبيبه وبعد ذلك تراءى على الأرض وتردد بين البشر» (باروخ ظ£: ظ£ظ§-ظ£ظ¨)
الاتحاد الأقنومي

إن اتحاد الطبيعتين، الإلهية والبشرية (غير المخلوقة والمخلوقة) صار في شخص الله الكلمة المتجسد، ولأجل هذا يقال اتحاد أقنومي، أي أن يسوع المسيح لديه فقط أقنوم هو أقنوم الله الكلمة في حالته المتجسدة، أي أقنوم مركب، وهذا يعني:
أولًا: أن التجسد كان يخص حصريا أقنوم ابن الله، وليس الأقنومين الآخرين للثالوث القدوس.
ثانيا: التجسد كان نتيجة اتحاد اللاهوت والناسوت في شخص المسيح الواحد. وتوجد توجد ثلاث طرق تتحد بها الأقانيم الإلهية:
  • بحسب الجوهر
  • بحسب الأقنوم
  • بحسب النعمة

بحسب الجوهر: الطريقة التي تتحد بها الأقانيم الإلهية فيما بينهما حيث لها جوهر إلهي واحد وطبيعة إلهية واحدة.
بحسب الأقنوم: (الاتحاد الأقنومي) به اتحد أقنوم الله الكلمة بالطبيعة المتفردة البشرية الكاملة ليست في حالتها المجردة بل بكيان محدد واقعي حتى أننا نستطيع أن نقول بأنه بعد التجسد صار أقنوم مركب (إله وإنسان في آن واحد) في شخص واحد.
بحسب الطاقة أو بحسب النعمة غير المخلوقة: الطريقة التي يتحد بها الله بالبشر المؤمنين.
– إذن حين نقول إننا نتحد بالله لا بد أن نضع في إدراكنا أننا نتحد بحسب النعمة، وحتى لو قلنا إن اتحادنا بالله أقنوميًا، فنحن نعني هنا بكلمة «أقنوميًا» أن الاتحاد حقيقي وفعلي، لكن يظل الاتحاد الأقنومي الذي صار في التجسد أي اتحاد اللاهوت والناسوت في شخص الله الكلمة فريدا ومميزا، وهو مصدر اتحادنا بحن بالله في المسيح بحسب النعمة.
فنحن كما رأينا نؤمن بطبيعة واحدة، بمسيح واحد قبل وبعد التجسد. يؤكد القديس كيرلس على هذه الحقيقة، قائلًا: «نحن لا تعزل العنصر البشري عن العنصر الإلهي، ولا نجرد الكلمة من البشري بعد اتحادهما الذي لا يوصف، لكن نعترف بابن واحد، الذي من طبيعتين بطريقة سرية – ظهر في شخص واحد باتحادٍ سامٍ بدون تحول لطبيعته» …
إن الطبيعة التي أخذها الكلمة هي طبيعة بشرية كامله وليس لها “بروسوبون” واتحد بها. بهذه الطريقة المعجزية والفريدة تحقق ما هو مستحيل وهو أن الله اتحد بالبشرية. لقد رأينا كما زعم بعض الهراطقة أن تكون هناك علاقة بين يسوع الإنسان بعد ولادته من مريم والله الكلمة. لكن هذه العلاقة كانت ستكون مجرد تواصل، علاقة وليس اتحادًا، أي كانت ستكون لهذه العلاقة ملمح أخلاقي وليس وجودي (الأنطولوجي)، وهكذا يكونوا قد ألغوا الدور الخلاصي في الاتحاد الأقنومي.
حيث إن الفعل الخلاصي الله الكلمة، من جهة سيكون له ملمح خارجي فقط (أخلاقي). ومن جهة أخرى، سوف ينحصر فقط في شخص واحد وفريد، يسوع في هذه الحالة سيكون شخص بشري مستقل، كما حدث في التاريخ مثل الأنبياء. لكن هدف التجسد لم يكن تحسين أخلاقي لواحد أو أكثر من البشر (حيث تم بالفعل هذا الأمر في العهد القديم)، بل خلاص كل الجنس البشري. وهذا الهدف يتحقق بالاتحاد الأقنومي للطبيعتين، الطبيعة البشرية في حالتها الواقعية الكاملة والطبيعة الإلهية في شخص المسيح الواحد. وبهذه شفيت الطبيعة البشرية كلها….
يقول القديس يوحنا ذهبي الفم في شرحه لنص (يو ظ،ظ،: ظ¢):”الله الكلمة والجسد هما واحد بالاتحاد والارتباط، ليس بأية حال في اختلاط، ولا بطمس الجواهر، بل باتحاد خاص يفوق الوصف والفهم، وما من إمكانية لرفع طبيعتنا الساقطة مرة أخرى إن لم يكن للذي صاغها وشكلها منذ
البدء أن يمد يده إليها ويعيد تشكيلها من جديد، من خلال الميلاد الثاني بالماء الروح”…..
وظيفة الوجود الإلهي البشري للمسيح أي الاتحاد الأقنومي للطبيعتين (اللاهوت والناسوت) أنشا علاقة، وشركه خاصة بينهما وهي:
  • احتضان أو اتحاد اللاهوت والناسوت في شخص الكلمة. وهما متحدان في شخص الكلمة المتجسد كان لهما الإمكانية لعلاقة وشركة مباشرة، والتي تدعى في التعليم اللاهوتي احتواء أو بالحري احتضان الطبيعتين، الواحدة للأخرى. مفهوم الاحتواء أو الإتحاد بين اللاهوت والناسوت يعني أن اللاهوت (طبيعة الكلمة الإلهية) في اتحاده يحتوي أو يحتضن الناسوت بالتمام والكمال.
  • يوجد في شخص المسيح الواحد، بسبب الاتحاد واحتضان الطبيعتين، انتقال أو انتشار لخصائص الطبيعتين. هذه الوظيفة السرائرية للمسيح “الإله الإنسان” في لغة التعليم الخريستولوجي تدعى شركة أو تبادل الخواص هكذا، أقنوم الله الكلمة في حالته المتجسدة أعطى للطبيعة البشرية خواص إلهية، وبالمثل، الطبيعة البشرية أعطت لشخص المسيح الواحد خواص بشرية. وعلى هذا الأساس، في شخص المسيح، خواص الألوهية وخواص البشرية يعبران بتبادليه واحدة.
هذا الإعلان التبادلي لخواص الطبيعة الإلهية والإنسانية (اللاهوت والناسوت)، من جانب شخص المسيح الواحد، أنشأ تعبيرات لاهوتية نسبت خواص الطبيعة الإلهية مثل عدم الموت، والمجد للطبيعة البشرية. هكذا نستطيع أن نقول على سبيل المثال: «في شخص المسيح، صار الناسوت عديم الموت وجلس على يمين الله». أيضا، خواص الطبيعة البشرية، مثل الجوع والعطش والدم والموت نسبت أيضا للطبيعة الإلهية، على سبيل المثال «جاع المسيح، عطش المسيح»، «الكلمة صار جسدا»، «وتجسد الله»، «تألم الله».
حيث يقول القديس اثانسيوس في كتابه ضد الأريوسيين: إن الأعمال الخاصة بالكلمة ذاته مثل إقامة الموتى، وإعادة البصر إلى العميان، وشفاء المرأة نازفة الدم، قد فعلها بواسطة جسده، والكلمة حمل ضعفات الجسد كما لو كانت له، لأن الجسد كان جسده، والجسد خدم أعمال اللاهوت، لأن اللاهوت كان في الجسد، ولأن الجسد كان جسد الله). هنا جوهر رد القديس أثناسيوس على الارتباك الأريوسي بين لاهوت وناسوت المسيح. فالكلمة لم يكن «خارج» ناسوته الذي أخذه.
بالحري حين خدم الابن المتجسد، فإن اللاهوت والناسوت كانا معا يعملان في وحدة لا تنفصم، هكذا ركز القديس أثناسيوس على إيضاح حقيقة أن المسيح يعمل لاهوتيا وناسوتيًا معا من خلال جسده الذي أخذه. وحين يعمل بقوة ويشفي المرضى ويقيم الموتى، ندرك نحن لاهوته في الفعل. وحين يكون متعبا فإننا نرى مظاهر الناسوت الأصيل والحقيقي الذي أخذه… (فقرة ظ¢ظ©-صظ¦ظ*,ظ¦ظ£,ظ¦ظ¤)
ويقول القديس غريغوريوس اللاهوتي عن هذا الإعلان التبادلي لخواص اللاهوت والناسوت قائلا: «يا له من اقتران من نوع جديد! يا له من اتصال مدهش عجيب! فهوذا «الكائن بذاته» يصير «جسدًا» (يو ظ،: ظ،ظ¤)، وغير المخلوق يأخذ صفة المخلوق، وغير المحوى يدخل إلى حدود (الزمان والمكان)، ومعطي الغنى يجعل نفسه فقيرًا (ظ¢كوظ©:ظ¨) إنه يفتقر بأخذ جسدي، لكي أغتني أنا بلاهوته» ……
لا امتزاج ولا تغيير بين اللاهوت والناسوت، بينما من جهة، كان يوجد تبادل وشركة لخواص اللاهوت والناسوت في شخص المسيح، من جهة أخرى، هذه الخواص في حد ذاتها ظلت بلا امتزاج أو تغيير. يقول القديس كيرلس: «إنه حقا الخالق، والإله، وهو المحيي، لأنه هو الحياة، وهو أيضا يوحد معا الخواص البشرية وتلك التي تفوق الطبيعة البشرية في واحد، لأنه الوسيط بين الله والبشر وفقا للكتب المقدسة (راجع ظ،تيمو ظ¢: ظ¥).
فمن جهة أخرى، هو حقا إنسان ولكنه ليس مجرد إنسان عادي مثلنا، بل ظل ما كان عليه حتى بعد ما صار جسدا. لأنه مكتوب: «يسوع المسيح هو هو أمسًا واليوم إلى الأبد» (عبظ،ظ£: ظ¨) ……
إذا المسيح هو شخص واحد وليس اثنين كما نادى النساطرة، لذا السجود الذي تقدمه الكنيسة لشخصه هو سجود واحد. إذ واحد هو شخص المسيح، إله كامل وإنسان كامل نسجد له مع الآب والروح القدس. هكذا نقول: «نسجد لجسدك المقدس». وحين يعلق القديس كيرلس على اعتراف بطرس في قيصرية فيلبس: «أنت هو المسيح ابن الله» يقول: «ورغم ذلك فالمسيح واحد فقط بالطبيعة قبل الجسد وبعد الجسد وليس اثنين، مثلما يعترض البعض غير مدركين عمق السر، فلهذا السبب هو غير قابل للانقسام بعد الاتحاد وهو ليس منقسما إلى شخصين».
نتائج الاتحاد الأقنومي

أدى الاتحاد الأقنومي إلى نتائج وهي:
  • الحفاظ على الهوية الكيانية لكل من اللاهوت والناسوت
  • أثر اتحاد الأقنومي على اللاهوت
  • أثر الاتحاد الأقنومي على طبيعة الناسوت البشرية
الحفاظ على الهوية الكيانية لكل من اللاهوت والناسوت:

الهوية الكيانية للاهوت والناسوت هي غير متغيرة: أي إن الاتحاد الأقنومي لم يسبب تغييرات كيانية على اللاهوت والناسوت في حد ذاتهما فكل من لاهوت الكلمة، والناسوت، ذات الكيان البشري الكامل، المتخذ ظلا في حدودهما الطبيعية: فاللاهوت ظل غير مخلوق وغير محدود، والناسوت البشري ظل مخلوق ومحدود. فاللاهوت لم يصر ناسوت ولا الناسوت صار لاهوت.
فالاتحاد كما نصلي في الاعتراف الأخير: هو بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير، وغير مجزأ وغير منفصل. فالأثنين، اللاهوت والناسوت يخصان شخص المسيح الواحد، وبذلك يكون الاتحاد الأقنومي هو كامل بدون أن يوجد حالة بأن شخص المسيح الواحد يتجزأ أو ينفصل إلى اثنين.
أثر اتحاد الأقنومي على اللاهوت:

أ- الاتحاد الأقنومي كان لديه نتائج معينة أيضا على لاهوت وناسوت المسيح. هذه النتائج على كل واحد من الاثنين كانت أيضا مختلفة وغير متماثله. هكذا في شخص المسيح الاتحاد الأقنومي كان لديه نتائج غير متماثلة على الاثنين. فالناسوت البشري أُلِّه وتقدّس بدون أن يصير لاهوت، واللاهوت تأنس بدون أن يتحول إلى ناسوت بشري. بالتالي لدينا تأله للجسد وعدم تغير للاهوت إلى جسد. إن طبيعة الجسد أُلِّهت، لكن طبيعة الكلمة الإلهي لم يتحول إلى جسد. أي بينما لاهوت المسيح ظل غير متغير، إلا أن ناسوته البشري تجدد بدون أن يصير أو يتحول إلى لاهوت.
ب- أقنوم الابن بعد الاتحاد صار “إلها وإنسانا” في آن واحد، أي أقنوم مركب: الاتحاد الأقنومي لم يحمل أي تغيير جوهري أو تغيير في لاهوت الله الكلمة، كما قلنا، ويقول القديس كيرلس: «لم تتغير طبيعته أو تحولت عندما أخذ جسدا، لأنه كلمة الله أزلي وغير متغير وغير متحول» …
أثر الاتحاد الأقنومي على طبيعة الناسوت:

الله الكلمة، بتجسده، أخذ طوعا الأهواء غير الخاطئة مثل (الجوع والعطش والتعب) للطبيعة البشرية بعد السقوط، فيما عدا الخطية. لكن بالاتحاد الأقنومي، بدأ الفعل المحيي للطبيعة الإلهية يؤثر على الطبيعة البشرية ويغيرها حتى أنه أعاد خلقها من جديد وشكلها وجددها بالكامل. بينما كل الفلاسفة والعلماء ومؤسسي الديانات…الخ. قدموا تربية علاجية وتربوية وأخلاقية للبشر بعد السقوط، إلا أن المسيح وحده استطاع ويستطيع أن يعيد خلقة البشر من خلال إعادة تجديد وإصلاح الطبيعة البشرية.
أ‌- إعادة إصلاح وتكميل الطبيعة البشرية:

يعلن لنا الكتاب المقدس أن الإنسان خلق «بحسب صورة الله». بهذا التعبير أعلن أن الطبيعة البشرية (لآدم) كانت متحدة بالله «بحسب الفعل» أو «بحسب النعمة» لكن بالسقوط، حرمت الطبيعة البشرية من اتحادها بالله «بحسب النعمة»، ومن اللباس الإلهي، والنتيجة ظل الإنسان عاريا وناقصا ومبتورا. بالاتحاد الأقنومي، ارتدى الله الكلمة طوعا الطبيعة البشرية العارية وألبسها مرة أخري الحلة الأولى (انظر لو ظ،ظ¥: ظ¢ظ¢).
بالاتحاد الأقنومي اتحدت الطبيعة البشرية بالطبيعة الإلهية في شخص الله الكلمة المتجسد، جعل يسوع المسيح أصلا أو نموذجا للإنسان الكامل. إذ في شخص المسيح أعيدت الرابطة بين الله والإنسان. بالسقوط، انفصل الإنسان الله. وبالاتحاد الأقنومي، رجعت الطبيعة البشرية «إلى بيتها» (انظر لو ظ،: ظ¥ظ¦). لم تعد فيما بعد بلا مأوى وجرداء ووحيدة، فالطبيعة البشرية (مثل الابن الضال) وجدت مرة ثانية في حضن الله الآب أي مكانها الطبيعي. لقد تقابل الإنسان مرة ثانية مع الله.
ب‌- الانتصار على سيادة الفساد والموت:

اتخاذ «الأهواء غير الخاطئة» للطبيعة البشرية بعد السقوط كان طوعا، كما رأينا، وكان له ملمحا خلاصيا. الاتحاد الأقنومي بين اللاهوت والناسوت في شخص المسيح كان من نتائجه الانتصار على الفساد وإبطال الموت.
كانت طبيعة الإنسان الأول متحدة بالنعمة الإلهية، كانت تحيا حياة الله، كانت لديها إمكانية الحياة الأبدية، الخلود وعدم الموت. لكن بالسقوط فقد الإنسان عطية الخلود وساد عليه الموت.
بالاتحاد الأقنومي، صار شخص الكلمة المحيي والمتجسد «نبع الحياة للطبيعة البشرية، التي بهذه الطريقة، قامت وصارت غير فاسدة وغير مائته، عادت الطبيعة البشرية الفاسدة والمائتة، وهي متحدة في شخص الكلمة المتجسد، للحياة مرة أخرى واكتسبت ثانية عدم فسادها وعدم موتها، إن جسد المسيح الذي مات وفير في قبر جديد (انظر مت ظ¢ظ§: ظ¦ظ*) لم يتحلل ولم يظل أساسا في القبر، بل بعد ثلاثة أيام قام منتصرا على الفساد والموت.
لقد قبل المسيح طوعا الموت والأهواء غير الخاطئة للطبيعة البشرية الساقطة لكن وهو قابل لهذه الأهواء، لم ينتصر فقط عليها بل حررها. وبهذه الطريقة حرر الطبيعة البشرية من الأشواك التي سممت الإنسان.
ت‌- الانتصار على الجهل وعدم المعرفة:

لقد أخذ أيضا الله الكلمة طوعا ذهن الإنسان المتغرب، لقد ظهر المسيح في الأناجيل – كما شرحنا في الجزء الأول – من جهة يجهل أمورا معينة أو حالات معينة ومن جهة أخرى اكتسب، بالنمو في النعمة والقامة، المعرفة والحكمة (انظر لوظ¢: ظ¥ظ¢).
د- تقديس وتطهير الطبيعة البشرية: بالتالي تجسد الكلمة هو لأجلنا وموته وقيامته وصعوده وجلوسه عن يمين الآب ه لأجلنا. هكذا حين أخلى ذاته كان لأجلنا وكذلك حين قيل إنه أخذ، فهذا لأجلنا. وحين تقدس، فهذا أيضا لأجلنا، كما أكد القديس أثناسيوس، قائلًا: «وكما أنه وهو الذي يقدس الجميع، يقول أيضا أنه يقدس نفسه للآب من أجلنا ليس بالطبع لكي يكون اللوغوس مقدسًا، بل لكي بتقديس ذاته يقدسنا جميعًا في ذاته.
وهكذا بنفس المعنى ينبغي أن نفهم ما يقال إنه تمجد. ليس لكي يمجد هو (أي اللوغوس) نفسه إذ أنه هو الأعلى بل لكي هو ذاته يصير برا من أجلنا» … (ضد الأريوسيين فقرة ظ¤ظ، ص ظ،ظ*ظ§)، لقد صرنا شركاء الطبيعة الإلهية بواسطة الروح القدس، فالمسيح يتصور فينا بالروح القدس، كما يؤكد القديس كيرلس، قائلًا: «إن الكلمة الذي من الله الآب يرقينا إلى حد أن يجعلنا شركاء طبيعته الإلهية بواسطة الروح (القدس). وبذلك صار له الآن إخوة مشابهون له وحاملون صورة طبيعته الإلهية من جهة التقديس.
لأن المسيح يتصور فينا هكذا: بأن يغيرنا الروح القدس تغييرًا جذريًا من صفاتنا البشرية إلى صفاته هو. وفي ذلك يقول لنا بولس الطوباوي: «وأما أنتم فلستم في الجسد بل في الروح» (رو غ¸: غ¹)، فمع أن الابن لا يحول أحدا قط من ترتسم بنوع ما في الذين صاروا شركاء طبيعته الإلهية بقبول الروح القدس، وبهاء لاهوته غير المفحوص يضيء مثل البرق في نفوس القديسين» …
أختم بعبارة قالها القديس كيرلس تلخص ما تسلمه من التقليد السكندري:
“الله الكلمة لم يأت إلى الإنسان ولكنه قد صار بالحق إنسان وهو بعد إله”…
 
قديم 24 - 08 - 2022, 04:47 PM   رقم المشاركة : ( 86917 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,304,960

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

لا تحزنوا فالله يساندكم ويقويكم





وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
قديم 24 - 08 - 2022, 05:23 PM   رقم المشاركة : ( 86918 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,304,960

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

أبنى الغالى .. بنتي الغالية
مواعيدي وتدابيري لحياتكم تفوق مقدار توقعاتكم
أنا ادبر وارتب لكم ادق التفاصيل بعناية شديدة
لا تقلقوا أنا معاكم أدافع عنكم أمام أي خطر
 
قديم 24 - 08 - 2022, 06:13 PM   رقم المشاركة : ( 86919 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,304,960

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




يؤكد السيد المسيح على أن الصلاة هي علاقة شخصية مع الله لذلك هو يقول حين تصلي ادخل لغرفتك وقم بصلاتك ولا داعي أن تبين للناس انك تصلي وتتفاخر وتصلي في الشوارع والساحات حيث كان يسوع يوبخ اليهود والفريسين على هذه الأعمال ، لنسمع لما يقول الرب ولتكن صلاتنا لله ليس للتباهي والتفاخر امام الناس ليثنوا علينا، بل صلاتنا هي علاقة روحية خاصة مع خالقنا العارف قلوبنا ونوايانا ...
 
قديم 24 - 08 - 2022, 06:30 PM   رقم المشاركة : ( 86920 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,304,960

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

من يَخلُص وكيفَ؟

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




الأحد الواحد والعشرون: من يَخلُص وكيفَ؟ (لوقا 13: 22-30)





النص الإنجيلي (لوقا 13: 22-30)



22 وكانَ يَمُرُّ بِالمُدُنِ والقُرى، فيُعَلِّمُ فيها، وهوَ سائِرٌ إلى أُورَشَليم. 23 فقالَ لَه رَجُل: ((يا ربّ، هلِ الَّذينَ يَخلُصونَ قَليلون؟)) 24 فقالَ لهم: اِجتَهِدوا أَن تدخُلوا مِنَ البابِ الضَّيِّق. أَقولُ لَكم إِنَّ كَثيراً مِنَ النَّاسِ سَيُحاوِلونَ الدُّخولَ فلا يَستَطيعون. 25 ((وإِذا قامَ رَبُّ البَيتِ وأَقَفَلَ الباب، فوَقَفتُم في خارِجِه وأَخَذتُم تَقرَعونَ البابَ وتقولون: يا ربُّ افتَحْ لَنا، فيُجيبُكُم: لا أَعرِفُ مِن أَينَ أَنتُم، 26 حينَئِذٍ تَقولونَ: لَقَد أَكَلْنا وِشَرِبنْا أَمامَكَ، ولقَد عَلَّمتَ في ساحاتِنا. 27 فيَقولُ لَكم: لا أَعرِفُ مِن أَينَ أَنتُم. إِلَيكُم عَنَّي يا فاعِلي السُّوءِ جَميعاً! 28 فهُناكَ البُكاءُ وصَريفُ الأَسنان، إِذ تَرَونَ إِبراهيمَ وإِسحقَ ويعقوبَ وجميعَ الأَنبِياءِ في مَلَكوتِ الله، وتَرَونَ أَنفُسَكُم في خارِجِه مَطرودين. 29 وسَوفَ يَأتي النَّاسُ مِنَ المَشرِقِ والمغرِب، ومِنَ الشَّمالِ والجَنوب، فيجِلسونَ على المائِدَةِ في مَلَكوتِ الله. 30 فهُناكَ آخِرونَ يَصيرونَ أَوَّلين وأَوَّلونَ يَصيرونَ آخِرين)).





مقدمة

يتناول إنجيل يوم الأحد (لوقا 13: 22-30) موضوع الخلاص: "هلِ الَّذينَ يَخلُصونَ قَليلون؟" من يخلص؟ لكن يسوع لفت انتباه سامعيه من خلال سؤالهم إذا كان عدد الذين يخلصون قليل -الذي كان شائع في العقلية الربَّانية -إلى سؤال ماذا نعمل كي نخلص، فوجّههم إلى الاجتهاد من أجل الدخول في الملكوت بنعمته من الباب الضيق. ولذلك علينا أن نتخذ القرار المصيري في البحث عن الخلاص، قبل أن يُغلق الباب. ومن هنا تكمن أهمية البحث في وقائع النص الإنجيلي وتطبيقاته.





أولا: وقائع النص الإنجيلي (لوقا 13: 22-30)



22 وكانَ يَمُرُّ بِالمُدُنِ والقُرى، فيُعَلِّمُ فيها، وهوَ سائِرٌ إلى أُورَشَليم.



تشير عبارة "المُدُنِ والقُرى" إلى مدن بيريه وقراها حيث بشَّر التلاميذ السبعون (لوقا 10: 1). أمَّا عبارة "سائِرٌ" فتشير إلى مسيرة يسوع المسافر وملؤه النشاط الرسولي، حيث يزور البيوت وينتقل من قرية إلى قرية ومن مدينة إلى أخرى؛ وقد تكررت هذه اللفظة "سائِرٌ باليونانية د€خ؟دپخµل½·خ±خ½ د€خ؟خ¹خ؟ل½»خ¼خµخ½خ؟د‚ (88) مرة في إنجيل لوقا دلالة على أهمية مسيرة يسوع نحو اورشليم؛ وهنا جزء من السفر ذُكرت بداءته (لوقا 9: 51). ونستنتج من إنجيل لوقا انه يسوع لم يسافر مباشرة إلى اورشليم بل مرَّ في السامرة ثم عاد إلى بيريه (لوقا 9: 15-52). أمَّا عبارة "سائِرٌ إلى أُورَشَليم" فتشير إلى مسيرة يسوع إلى أورشليم، وهو إتمام المخطط الخلاصي الّذي سوف يُحققه يسوع في المدينة المقدسة، بالموت على الصليب من أجل الجميع. انه السفر إلى اورشليم حيث سيصلب هناك؛ ونفهمُ من خلال ذلك أنه اختار الطريق الضيق، طريق الصليب. أمَّا عبارة "أُورَشَليم" فتشير إلى المدينة الموصوفة «بقاتلة الأنبياء». ولوقا الإنجيلي يذكرنا مرارا بهذه الوجهة، وبهذا المصير، مما يعطي لإنجيله الطابع الفصحى. والفصح سيتمُّ في اورشليم، إذ تفرض الشريعة ثلاث زيارات للهيكل في السنة (عيد الفطير، عيد الحصاد (عيد الأسابيع) وعيد الأكواخ (خروج 23: 14-17؛ و34: 22-23 وتثنية الاشتراع 16: 16). وبالتالي يصعد فيها يسوع إلى اورشليم ثلاث مرات، وهنا يذكر لوقا الصعود إلى اورشليم في السنة الثانية (لوقا 13: 22) في حين ورد ذكر صعود يسوع إلى اورشليم في السنة الأولى سابقا (لوقا 9: 51)، لكن يقين الموت المتوقع في صعوده إلى اورشليم لم يمنع يسوع من الاستمرار في رسالته في الوعظ وإجراء الشفاء والمعجزات.



23 فقالَ لَه رَجُل: ((يا ربّ، هلِ الَّذينَ يَخلُصونَ قَليلون؟))



تشير عبارة "رَجُل" باليونانية د„خ¹د‚ (معناها واحد)إلى واحد من جملة المجتمعين غير التلاميذ لكنه كان نائبا عن الجمع، وبالتالي كان جواب المسيح للجميع؛ أمَّا عبارة "يَخلُصونَ" فتشير إلى النجاة من العقاب الأبدي والفوز بالسعادة الأبدية. أمَّا عبارة "يا ربّ، هلِ الَّذينَ يَخلُصونَ قَليلون؟" فتشير إلى سؤال أحد اليهود الذي يعكس الاعتقاد السائد عند لربَّانيين أن الخلاص كان خاصّاً بالشعب المختار فقط؛ ومحتكراً على الذين كانوا أمناء للتوراة وأنَّ القليلين فقط هم الذين يخلصون، وهم أبناء إبراهيم، الذي لديهم الناموس، ولهم المواعيد. وقال آخرون أنَّ المخلصين هم قليلون من أولاد إبراهيم لأنه لم يخلص من كل شعب العهد القديم الذين خرجوا من مصر سوى أثنين. وقد يسال المسيحيون اليوم الذي بلغ عدد المسيحيين يبلغ اليوم 1.7 مليار من سكان الأرض. فهل الّذين يُخلّصون هم فقط المسيحيون؟ إذ إنَّهم يتحدثون عن نتائج الدينونة كأنها عملية حسابية، لكن يسوع يُجيب مباشرة على السؤال، لان هذا السؤال قد يحمل رغبة مزيفة: لماذا نجتهد ونتعب ما دام عدد المُخلصين قليل؟



24 فقالَ لهم: اِجتَهِدوا أَن تدخُلوا مِنَ البابِ الضَّيِّق. أَقولُ لَكم إِنَّ كَثيراً مِنَ النَّاسِ سَيُحاوِلونَ الدُّخولَ فلا يَستَطيعون.



تشير عبارة "قالَ لهم" إلى رد يسوع إلى الرجل الذي ينوب عن الجمع، فكان جواب المسيح للجميع، لأنه يهمهم كلهم. أمَّا عبارة "اِجتَهِدوا أَن تدخُلوا مِنَ البابِ الضَّيِّق" فتشير إلى جواب غير مباشر على السؤال المذكور "قلة هم الّذين يخلصون؟ وجواب مباشر على السؤال " ماذا اعمل لكي أخلص؟ فكأنَّ المسيح قال له "لا يعينك أمر غيرك فاطلب خلاص نفسك". وعلى هذا الأسلوب كان جواب المسيح لعالم الشريعة (لوقا 10: 29)، وجوابه لبطرس (لوقا 12: 41) وليهوذا غير الإسخريوطي (لوقا 14: 22). "ويعلق البابا فرنسيس "أن الأمر ليس مسألة عدد، إذ ليس من المهم أن نعرف عدد الذين سيخلصون، بل الأمر الهام أن يعرف الجميع الطريق الذي يقود إلى الخلاص". أذ يصرح بولس الرسول " فإِنَّه تعالى يُريدُ أَن يَخْلُصَ جَميعُ النَّاسِ ويَبلُغوا إِلى مَعرِفَةِ الحَقّ" (1 طيموتاوس 2: 4). أمَّا عبارة "اِجتَهِدوا" فتشير إلى صيغة الجمع وتعني بذل الإنسان نشاطه جسْميًّا أَو عقليًّا بهدف وصول خلاصه. فالموضوع إذن لا يخصُّ التصرفات الفردية الأخلاقية، بل هو مشكلة جماعية تتعلق بكل الناس حيث حثَّ يسوع الناس أن يلتفتوا إلى موضوع خلاصهم عن طريق الجهاد والكفاح والعمل وهي متطلبات الحياة المسيحية "دامَ عَهْدُ الشَّريعَةِ والأَنبِياءِ حتَّى يوحَنَّا، ومِن ذلكَ الحِينِ يُبَشَّرُ بِمَلكوتِ الله، وكُلُّ امْرِئٍ مُلزَمٌ بِدُخوِله " (لوقا 16: 16)؛ ويعلق البابا غريغوريوس الكبير "اجتهدوا، لأنه ما لم يجاهد الذهن برجولة لا تنهزم أمواج العالم، هذه التي تسحب النفس إلى الأعماق". أمَّا عبارة "البابِ الضَّيِّق" فتشير إلى إجابة تتعلق بالباب. والباب قول مستعار من العُرف الذي كان متبعًا في الأعراس في ذلك الوقت، فقد كانت الأعراس تقام ليلًا، وكانت البيوت تُزَّين بالمصابيح، ويدخلها المدعوون من باب صغير يُغلق عقب دخولهم جميعًا. ثم يتمتعون بالأفراح والأنوار، أما الذين يتأخرون فكان لا يفتح لهم الباب مهما قرعوا وكان يبقون في الظلمة الخارجية. وتذكرنا صورة الباب أيضا بالبيت حيث نجد الأمان والمحبة والدفء. يقول لنا يسوع بأنه يوجد باب يُدخلنا إلى عائلة الله، إلى دفء بيت الله وإلى الشراكة معه (متى 7: 13-14). هذا الباب هو يسوع نفسه كما صرّح "أَنا الباب فمَن دَخَلَ مِنِّي يَخلُص" (يوحنا 10، 9)، وهو السبيل الوحيد إلى الخلاص الذي يقودنا إلى الآب. فالمسيح هو الباب، من يدخل منه ينال الخلاص. ومن خلاله يدخل الإنسان إلى الحياة. هو باب السماء النازل على الأرض "الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكم: ستَرونَ السَّماءَ مُنفَتِحَة، وملائِكَةَ اللهِ صاعِدينَ نازِلينَ فَوقَ ابنِ الإِنْسان" (يوحنا 1: 51)، الباب الذي يقود إلى المراعي التي فيها تُقدم الخيرات الإلهية " أَنا الباب فمَن دَخَلَ مِنِّي يَخلُص يَدخُلُ ويَخرُجُ ويَجِدُ مَرْعًى "(يوحنا 10: 9). فالمسيح هو الوسيط الوحيد الذي عن طريقه يقدِّم الله ذاته للناس، وبه يجد الناس سبيلهم إلى الآب" لأَنَّ لَنا بِه جَميعًا سَبيلاً إلى الآبِ في رُوحٍ واحِد" (أفسس 2: 18)، فهو باب الحياة والخلاص. ويتكلم الرب في إنجيل متى عن ضرورة الدخول من الباب الضيق في العظة على الجبل (متى 7: 13)، وذلك من خلال الابتعاد عن شهوات العالم وملذاته والأنانية واللامبالاة من ناحية، وقبول الاضطهاد لأجل اسم المسيح من ناحية أخرى. ويُعلق البابا فرنسيس "أنه من خلال دخول باب يسوع، باب الإيمان والإنجيل، نستطيع الخروج من الأنانية والانغلاق". أمَّا عبارة "الضَّيِّق" فتشير إلى الباب الذي هو الشيء الوحيد الضَّيِّق الموجود في الإنجيل. وهذه الصفة تستعمل "هنا" لمرة واحدة في إنجيل لوقا. وفي إنجيل هناك "الطريقان": الطريق الضَّيِّق والطريق الرحب، ويتوجب على الإنسان أن يختار أحدهما كما ورد مخططات قمران. فالطريق الضَّيِّق يلمّح إلى المتطلبات الجذرية الواردة في عظة التطويبات على الجبل (متى 6: 1-11)، ومن هذا المنطلق، الباب الضَّيِّق هو طريق الصليب. لقد طبّق الربّ يسوع قوله واجتازه بسفره نحو أورشليم، فالباب الضَّيِّق لنا هو السير في خطاه بما في ذلك من مخاطر وعذابات وعلى ما يقدِّمه من تعليم جذري على مستوى الوصايا (متى 5: 21)، وما يطلبه من حمل الصليب والسير وراءه. وهذا الباب الضّيق يُذكرنا بالباب الذي يقود إلى كنيسة الميلاد في بيت لحم، كيف يجب على الإنسان أن يحني قامته حتى يقدر أن يدخل إليها. فملكوت الله يتطلب التواضع ويكلِّف جهداً وجهاداً لدخوله. ويُعلق القديس يوحنا الذهبي الفم "إن طريق الخلاص ضيق في مدخله، ولكن إذ تدخله تجد مكانًا متسعًا (راحة)، على عكس الطريق المؤدى للهلاك". وبعبارة أخرى، يسوع هو البابِ الضَّيِّق، وهو الطريق الوحيد للخلاص، وهو الطريق الذي يجب أن يسلكه الجميع لدخول ملكوت الله الآب كما صرَّح يسوع " أَنا الطَّريقُ والحَقُّ والحَياة. لا يَمْضي أَحَدٌ إلى الآبِ إِلاَّ بي " (يوحنا 14: 6)؛ أمَّا عبارة "لا يَستَطيعون" فتشير إلى هؤلاء الذين لا يقدرون أن الدخول من الباب الضَّيِّق، لأنهم فاترون واتكاليون ومتأخرون. ليس لهم عمق ولا جهد ولا قوة ولا ثبات، إنما يطلبون بابًا واسعًا يشبع شهوات قلوبهم، ويمتِّع أجسادهم بخيرات زمنية. فهم يريدون بابا يحفظ لهم المظهر المتدين، والشكل الصالح أمام الناس، وهم في قلوبهم يرعون أنفسهم وأطماعهم. انهم يطلبون البِرَّ بِبرِّ أنفسهم لا ببرِّ المسيح ويأبون أن يدخلوا من باب التوبة والإيمان وإنكار الذات أو تأخروا عن الموعد وما دخلوا الباب قبل أن يُغلق. فليس كافيا أن نصغي لكلمات يسوع أو نُعجب بمعجزاته، بل من الضروري أن نتحوَّل عن الخطيئة وان نثق في الله ليُخلصنا؛ ومن هذا المنطلق، فإنه لا يجب أن نكتفي بالكلام، بل لا بدَّ من العمل: نأخذ الخيار اللازم بين طريق وطريق، بين تلميذ يكتفي بان يُعلن مشيئة لله وآخر يعملها.



25 وإِذا قامَ رَبُّ البَيتِ وأَقَفَلَ الباب، فوَقَفتُم في خارِجِه وأَخَذتُم تَقرَعونَ البابَ وتقولون: يا ربُّ افتَحْ لَنا، فيُجيبُكُم: لا أَعرِفُ مِن أَينَ أَنتُم،



تشير عبارة "وإِذا قامَ رَبُّ البَيتِ" إلى بعد ما يكون رب البيت قد قام واقفل الباب. والمعنى انهم أخَّروا الطلب إلى أن فات الوقت فكان طلبهم الدخول حينئذٍ عبثًا. فيجب الاجتهاد في الحال قبل إغلاق الباب لئلاَّ تمر الفرصة بسبب التأخر والتباطؤ. أمَّا عبارة "رَبُّ البَيتِ" فتشير إلى المسيح كأنه صاحب بيت الذي أَولم لعائلتيه وأصدقائه الذين يأتون في الوقت المُعين. وبعد ما مضى ذلك الوقت أغلق الباب ولم يفتحه بعد لأحد. أمَّا عبارة " أَقَفَلَ الباب" فتشير إلى الرفض (متى 25: 10) كما توحي أيضا بفكرة الفرز بين الداخلين وغير الداخلين، حيث أن الباب لن يظل مفتوحا إلى ما لا نهاية. هناك نهاية للحياة الأرضية، وهناك وقت مقبول للخلاص، وهناك وقت للدينونة. لقد فتح يسوع باب الخلاص، ولكن المهلة المتاحة لنا كي نجتهد في الدخول ستنتهي يوماً حيث يُقفل باب التوبة، ويبدأ باب الدينونة. لذلك علينا أن نعيش شعار شارل دي فوكو "يجب أن نعيش كل يوم وكأنه يوم الدين. علينا أن نعيشه كأنه اليوم الأخير"؛ ويُعلق البابا فرنسيس "هذا الباب هو الفرصة التي لا ينبغي إضاعتها. لأنه في لحظة ما يقوم رب البيت ويَقفِل الباب". أما عبارة " فوَقَفتُم في خارِجِه وأَخَذتُم تَقرَعونَ البابَ وتقولون " فتشير إلى انفعالات المرفوضين وأقوالهم وأعمالهم عندما يقفون أمام الله للدينونة الأخيرة. أمَّا عبارة " فوَقَفتُم في خارِجِه " فتشير إلى الذين لم ينجحوا في الدخول من الباب الضَّيِّق مثل العذارى الجاهلات اللواتي لم يحتطْن للزيت الإضافي (متى 25: 1-12). أمَّا عبارة " لا أَعرِفُ مِن أَينَ أَنتُم "فتشير إلى رد رب البيت. ورب البيت هو رمز الرب الذي لا يعرف هؤلاء الناس الذين يعتقدون انهم عملوا كل ما بوسعهم لدخول الملكوت وانهم يستحقون، وذلك على خطى الفرّيسي، كما ورد في مثل الفريسي والعشار (لوقا 18: 9-13)، فالخلاص مجاني عبر نعمة صليب المسيح. ويأتي فقط من تواضع الإنسان أمام الله، وخير مثال على ذلك مريم التي تقرأ حياتها على ضوء عمل الله فيها قائلة: "َإنَّه [القدوس] نَظَرَ إِلى أَمَتِه الوَضيعة" (لوقا 1: 48). وهي بذلك تُنسب كل خير وصلاح تمَّ في حياتها إلى الله ورحمته: "لأَنَّ القَديرَ صَنَعَ إِليَّ أُموراً عَظيمة" (لوقا 1: 49). فالذين "وَقَفوا في خارِجِ الباب "هم في الواقع خطأة لم يحبوه، بل أحبوا أنفسهم واحبوا العالم. هؤلاء لم يعرفوا طريق الرب في حياتهم، لذلك لم يعرفهم الرب في مجيئه الأخير، بمعنى أنه يُحسبهم كمن هم غير مستحقِّين أن يكونوا في معرفته، هم خارج نور بهائه ومجده؛ وقد علَّق القديس ايرونيموس "عند الدينونة لا يعرف الرب الخاطئ بل البار". "يعرف الرب من له، بمعنى أنه يتقبلهم في شركة قويَّة بسبب أعمالهم الصالحة" كما يقول القديس باسيليوس الكبير.



26حينَئِذٍ تَقولونَ: لَقَد أَكَلْنا وِشَرِبنْا أَمامَكَ، ولقَد عَلَّمتَ في ساحاتِنا.



تشير عبارة "أَكَلْنا وِشَرِبنْا أَمامَكَ، ولقَد عَلَّمتَ في ساحاتِنا" إلى الّذين يعتقدون أنهم يحظون ببعض الامتيازات على الآخرين وهم متأكِّدون من الدخول إلى الملكوت نظرا لأعمالهم الخاصة، أو يشير أيضا إلى هؤلاء اليهود الذين شاهدوا رسالة يسوع (متى 7: 22-23). لكن قُربهم من يسوع لم ينفعهم، فكانوا مثل الذين زحموا يسوع فلم يستفيدوا شيئاً، بينما لمست المرأة المنزوفة طرف ثوبه فشُفيت بسبب إيمانها (لوقا 8: 43-48). لا يكفي أن نعرف الله ونكون قريبين منه، بل حاجتنا إلى الإيمان به والعمل بمشيئته تعالى والابتعاد عن الأعمال الشريرة (متى 25: 41)؛ وقد تشير العبارة أخيراً إلى من يظن أن يخلص مجرد التناول من الجسد والدم. أمَّا عبارة "لقَد عَلَّمتَ في ساحاتِنا" فتشير من ناحية إلى وجود الآباء والأنبياء في الملكوت الذين أرسلهم الله للشعب العهد القديم لكن كبرياء هذا الشعب كان السبب في إغلاق الباب أمامه، ومن ناحية أخرى تشير إلى تعاليم المسيح التي ذهبت صرخة في وادٍ، إذ رفض اليهود قبول الإيمان ولم يتبعوا الوصايا الإنجيلية التي تؤدي إلى الخلاص.



27 فيَقولُ لَكم: لا أَعرِفُ مِن أَينَ أَنتُم. إِلَيكُم عَنَّي يا فاعِلي السُّوءِ جَميعاً!



تشير عبارة "فيَقولُ لَكم" إلى بعض الذين تتظاهروا على الأرض أنهم من تلاميذ المسيح وحصلوا على أعظم وسائط النعمة وأعظم اعتبار الناس، لكنهم لم يكونوا تلاميذ المسيح بالحق ولم يعرفهم المسيح من خاصته. أمَّا عبارة "لا أَعرِفُ مِن أَينَ أَنتُم" فتشير إلى يسوع الديّان في نهاية الأزمنة الذي لا يعترف بالذين يصنعون الشر وفعلة الآثم سواء كانوا من اليهود أو من نسل إبراهيم. هؤلاء ليسوا من الله، لأنهم لم يحبوا الله، بل أحبوا العالم. فالانتماء إلى ذرية إبراهيم لا يُعد كافيا للانتماء إلى شعب الله كما اكّد يسوع في تعليمه "لا تُعَلِّلوا النَّفْسَ قاِئلين: ((إِنَّ أَبانا هوَ إِبراهيم)). فإِنِّي أَقولُ لَكم إِنَّ اللهَ قادِرٌ على أن يُخرِجَ مِن هذهِ الحِجارَةِ أَبناءً لإِبراهيم" (لوقا 3: 8)، بل يجب على الإنسان أن يقبل يسوع ويؤمن به ويشهد له ويثمر ثَمَراً يَدُلُّ على تَوبَتِه (لوقا 13: 25-27). أمَّا عبارة "إِلَيكُم عَنَّي يا فاعِلي السُّوءِ جَميعاً" فتشير إلى هؤلاء المتأخرين عن التوبة، فدينونتهم باقية عليهم لبقائهم في خطاياهم. إن يسوع الديّان يعاقب فَعلة الإثم في يوم الدينونة حيث يظهر مجد الله (أشعيا 2: 11) وعقاب الإنسان (أشعيا 10: 3)؛ فمن لا يدخل في منطق الإنجيل الجديد، يصبح غير أمين للشريعة الحقيقية والوحيدة التي وهبها الله، شريعة المحبة. وبالتالي يصبح أسيراً لشريعة ظالمة وغير عادلة وشريرة، لشريعة تحسب الحسابات وتقيس، وتعيش الخلاص وكأنه حق مكتسب، فلذلك لا يعترف الديَّان بهؤلاء. فالانتماء إلى ذرية إبراهيم لا يكفي للانتماء إلى شعب الله (لوقا 3: 8)، بل يجب على الإنسان أن يقبل يسوع ويؤمن به وأن يكون معروفا من الديان. وهنا يكشف يسوع أيضا الناس الذين يُظهرون أنهم معه، ولكن ليس لهم علاقة شخصية به. لكن الأمر الهام هو الدينونة، والدينونة ترتبط في علاقتنا بالمسيح، وقبولنا له مخلصاً وطاعتنا لإرادته. ويظن كثيرون من الناس أنَّهم متى كانوا صالحين في نظر الناس، ويظهرون متدينين، فإنهم سيكافئون بحياة ابديه، بينما في الواقع، لن يجدي عند الدينونة شيء سوى الإيمان بالمسيح، نور العالم، والعمل مشيئته تعالى، إذ لا شركة بين النور والظلمة. وفي هذا الصدد يقول بولس الرسول " لأَنَّ أُجرَةَ الخَطيئَةِ هي المَوت، وأَمَّا هِبَةُ اللهِ فهي الحَياةُ الأَبَدِيَّةُ في يسوعَ المَسيحِ ربِّنا"(روما 23:6). ويُعلق القديس كيرلس الكبير "كثيرون آمنوا بالمسيح، وكرَّموا الأعياد المقدَّسة لمجده، ويتردَّدون كثيرًا على الكنائس لسماع تعاليم الإنجيل، لكنهم لا يمارسون ممارسة الفضيلة وقلوبهم خالية من الثمر الروحي. هؤلاء أيضًا سيبكون بمرارة ويكون لهم صريف الأسنان، لأن الرب يرفضهم". أمَّا عبارة "فاعِلي السُّوءِ جَميعاً" فتشير إلى هؤلاء الذين لم يصنعوا الشر لكنهم أغلقوا عينوهم وقلوبهم عن إخوتهم خاصة الفقراء والجياع والعطاش والمرضى والأسرى والمنبوذين المستضعفين والمهمّشين والغرباء واللاجئين وثقيلي الأحمال كما حدث مع عزر والغني ( لوقا 16: 11-26)، وقد اكّد يسوع كلامه هذا بكلامه عن الدينونة الأخيرة "إِليكُم عَنِّي، أَيُّها المَلاعين، إِلى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ المُعدَّةِ لإِبليسَ وملائِكَتِه: لأِنِّي جُعتُ فَما أَطعَمتُموني، وعَطِشتُ فما سَقَيتُموني، وكُنتُ غَريباً فما آوَيتُموني، وعُرياناً فما كَسوتُموني، ومَريضاً وسَجيناً فما زُرتُموني. الحَقَّ أَقولُ لَكم: أَيَّما مَرَّةٍ لم تَصنَعوا ذلك لِواحِدٍ مِن هؤُلاءِ الصِّغار فَلي لم تَصنَعوه)). فيَذهَبُ هؤُلاءِ إِلى العَذابِ الأَبديّ، والأَبرارُ إِلى الحَياةِ الأَبدِيَّة "(متى 25: 41-46). ويعلق القدّيس يوحنّا" في آخر الأزمنة، حين يقول هؤلاء: "يا ربّ، يا ربّ، أَما بِاسْمِكَ تَنبَّأْنا؟ وبِاسمِكَ طرَدْنا الشِّياطين؟ وباسْمِكَ أَتَيْنا بِالمُعْجِزاتِ الكثيرة؟ أثبت الرّب يسوع بأنّه سوف يجيبهم: "ما عرَفْتُكُم قَطّ. إِلَيْكُم عَنِّي أَيُّها الأَثَمَة!"(متى 7: 22-23)" (محاضرات، رقم 15: 6-7).



28 فهُناكَ البُكاءُ وصَريفُ الأَسنان، إِذ تَرَونَ إبراهيم وإِسحقَ ويعقوبَ وجميعَ الأَنبِياءِ في مَلَكوتِ الله، وتَرَونَ أَنفُسَكُم في خارِجِه مَطرودين.



تشير عبارة "هُناكَ البُكاءُ وصَريفُ الأَسنان" إلى قيامة الجسد، للمشاركة مع النفس في الجزاء، لأنه إن كان يوجد بكاء للعيون وصريف للأسنان أي للعظام، فبالحق ستكون قيامة للأجساد. أمَّا عبارة "تَرَونَ أَنفُسَكُم في خارِجِه مَطرودين" إلى انفتاح حضن آبائنا إبراهيم واسحق ويعقوب ليستقبلوا المؤمنين من الأمم، بينما يُحرم منه أولادهم حسب الجسد وهم اليهود الذين رفضوا هذا الإيمان، ولم ينعموا بالنور الإلهي معهم. إنهم يُطرحون خارجًا في الظلمة؛ فمن ينسحب من عند الرب يكون في الظلمة الخارجيّة، لأن النور يصير خلفه. أمَّا عبارة "مَلَكوتِ الله " فتشير إلى وليمة مسيحانية (أشعيا 25: 6) حيث يجتمع المختارون حول الآباء والأنبياء كما نستنتج من كلمات يسوع لتلاميذه " اشتَهَيتُ شَهْوَةً شديدةً أَن آكُلَ هذا الفِصْحَ مَعَكم قَبلَ أَن أَتأَلَّم. فإِنِّي أَقولُ لَكم: لا آكُلُه بعدَ اليَومِ حتَّى يَتِمَّ في مَلَكوتِ الله "(لوقا 22: 16). والذين لا يلبّون دعوة يسوع يُبعدون عن هذه الوليمة. يوجّه متى الإنجيلي هذا الإنذار إلى الشعب اليهودي " وأمَّا بَنو المَلَكوت فَيُلقَوْنَ في الظُّلمَةِ البَرَّانِيَّة، وهُناكَ البُكاءُ وصَريفُ الأسنان"(متى 8: 12)، في حين أنّ لوقا الإنجيلي لا يقصد إلاّ الذين لم يؤمنوا من سامعي يسوع الذين رفضوا أن يؤمنوا. فالدينونة تحكم على أعمالنا وأقوالنا وحياتنا منذ الآن.



29 وسَوفَ يَأتي النَّاسُ مِنَ المَشرِقِ والمغرِب، ومِنَ الشَّمالِ والجَنوب، فيجِلسونَ على المائِدَةِ في مَلَكوتِ الله.



تشير عبارة "وسَوفَ يَأتي النَّاسُ مِنَ المَشرِقِ والمغرِب، ومِنَ الشَّمالِ والجَنوب،" إلى نبوءة عن دعوة الأمم الوثنية الذين سيُقبلون من كل أركان العالم إلى مائدة الملكوت (أشعيا 2: 2-5) لكي يتمتعوا ببركة الملكوت؛ فالله يقبل في الملكوت حتى الوثنيين الذين يجمعهم من الأرياح الأربع أي أقطار الكون الأربعة كما جاء في نبوءة أشعيا "لا تَخَفْ فإِنِّي مَعَكَ وسآتي بِنَسلِكَ مِنَ المَشرِق وأَجمَعُكَ مِنَ المَغرِب. أَقولُ لِلشَّمالِ: هاتِ وللجَنوبِ: لا تَمنعَ. هَلُمَّ بِبَنِيَّ مِن بَعيد وبِبَناتي مِن أَقاصي الأَرض" (أشعيا 43: 5). إن السّماء ليست فقط لأبناء إبراهيم من حيث الجسد، بل لكل البشر من الشرق والغرب والشّمال والجنوب، إذ ملكوت الله هو عالَمي وللجميع. لذلك لا يتوقف الانتماء إلى أمَّة معينة دخول الإنسان إلى الملكوت، فالشرط الوحيد لدخول الملكوت هو الاعتراف بيسوع واتخاذ القرار باتباعه عن طريق الإيمان. ويجب اتّخاذ القرار، قبل أن يُغلق الباب أي قبل أن يكون الوقت متأخّرٌ كثيراً. أمَّا عبارة " مِنَ المَشرِقِ والمغرِب " فتشير إلى كل ممالك الأرض. دعا يسوع الأمم إلى الكنيسة وأشركهم مع الآباء والأنبياء في ملكوت الله. وفحوى ذلك أن عدد الذين يخلصون كثيرون لا من اليهود فقط بل من الأمم أيضا. لان الرّبّ هو رّبّ كل البشر بدون استثناء كما تنبأ أشعيا النبي "أَمَّا أَنا فنَظراً إِلى أَعْمالِهم وأَفْكارِهم، قد حانَ أَن أَجمع جَميعَ الأُمَمِ والأَلسِنَة، فتأتي وتَرى مَجْدي" (أشعيا 66: 18). أمَّا عبارة "فيجِلسونَ على المائِدَةِ في مَلَكوتِ الله" فتشير لجمع أمم من كل لغة لكشف مجده كما جاء في نبوءة أشعيا " ويَأتونَ بِجَميعِ إِخوَتكمَ مِن جَميعِ الأُمَمِ تَقدِمَةً لِلرَّبّ " (أشعيا 66: 20). في خطة الله، أعلن ملكوت الله أولاً لليهود والأخير للأمم (رومة 1: 16)، الذين أتوا إلى الكنيسة من زوايا الأرض الأربعة لتشكيل شعب الله الجديد (أشعيا 43: 5–6).



30 فهُناكَ آخِرونَ يَصيرونَ أَوَّلين وأَوَّلونَ يَصيرونَ آخِرين.



تشير عبارة "فهُناكَ آخِرونَ يَصيرونَ أَوَّلين" إلى الوثنيين الذين تمّت دعوتهم في وقت متأخر لكنهم لبّوا الدعوة قبل اليهود الذين كانوا أوَّل المدعوّين في ملكوت الله كما أكَّد ذلك بولس الرسول "فإِنِّي لا أَستَحيِي بِالبِشارة، فهي قُدرَةُ اللهِ لِخَلاصِ كُلِّ مُؤمِن، لِليَهودِيِّ أَوَّلا ثُم لِليُونانِيّ" (رومة 1: 16). وفي الواقع، كثيرون يعرفون الربّ وشاركوا في احتفالات باسمه ولكنّهم لم يدخلوا في فرحه الحقيقيّ. وبالمقابل، هناك من لا يعرفون الربّ، لكنّهم عرفوا كيف يحيون حياتهم بملئها. أمَّا عبارة "أَوَّلونَ يَصيرونَ آخِرين" فتشير إلى اليهود، شعب الله، الذين وُجهت كلمة الله لهم أولاً (أعمال 13: 26)، لكنهم صاروا مرفوضين لرفضهم المسيح واعتمادهم على برِّ أنفسهم. ويحذِّر يسوع من أن الكثيرين سيفقدون مكانهم على المائدة السماوية. (أشعيا 63: 15-16). وهكذا يصير الآخرون من الأمَّة الوثنية أولين، والأوَّلون من الأمَّة اليهودية آخرين. الأوَّلون هم الداخلون من الباب الضَّيِّق. وباختصار تشدِّد الآية على ترتيب دخول ملكوت السماوات وحرية المخطط الإلهي. يكشف لنا المسيح مدى حب الله الشمولي في منحه الخلاص حتى للوثنين.





ثانياً: تطبيق النص الإنجيلي (لوقا 13: 22-30)



انطلاقا من تحليل وقائع النص الإنجيلي (لوقا 13: 22-30)، نستنتج انه يتمحور حول موضوع الخلاص وسبله. ومن هنا نتساءل ما هو مفهوم الخلاص في المسيح؟ وما هي طرق الخلاص؟



1) ما هو مفهوم الخلاص في المسيح يسوع؟



الخلاص هي كلمة رئيسية من مصلحات الكتاب المقدس، ويُعبّر عنها باليونانية بلفظة دƒل؟´خ¶د‰: ومعناها أن يخلص المرء، أي أن يُنشل من خطر كاد يهلك فيه للحصول على النصر، أو الحياة، أو السلام. والخلاص بمعناه اللاهوتي هبة من الله المُخلص (مزمور 44: 4)، الذي يخلّص البشر، إذ يأتي خلاص الصديقين من الرب (مزمور 37 39-40)، إنه هو نفسه الخلاص (مزمور 27: 1). لأنه سوف يخلص البائسين المساكين كما يترنم صاحب المزمور "وُضعاءُ الشَّعبِ يُنصِفُهم وبَنو المَساكينِ يُخَلِّصُهم. (مزمور 72: 4).



الخلاص في الكتاب المقدس هو أيضا مرادف للسلام وللسعادة (أشعيا 52: 7) وللتطهير (حزقيال 36: 29) وللتحرير (إرميا 31: 7). هذه العناصر من التنبؤات تعتبر تمهيداً مباشرا للعهد الجديد.



الواقع، إنَّ المسيح هو مخلصنا "وُلِدَ لَكُمُ اليَومَ مُخَلِّصٌ في مَدينَةِ داود، وهو الـمَسيحُ الرَّبّ" (لوقا 2: 11)؛ ويُظهر متى الإنجيلي علاقة هذا الدور باسمه، الذي معناه "الرب يخلص " "ستَلِدُ ابناً فسَمِّهِ يسوع ×™ضµ×©×پוض¼×¢ض·، لأَنَّه هوَ الَّذي يُخَلِّصُ شَعبَه مِن خَطاياهم" (متى 1: 21). وإن سمعان الشيخ يحّيي ظهور ذلك الخلاص على الأرض في تطلع عالمي يشمل الكون كله فأنشد " فقَد رَأَت عَينايَ خلاصَكَ الَّذي أَعدَدَته في سبيلِ الشُّعوبِ كُلِّها" (لوقا 2: 30). وأخيراً تُمهِّد كرازة يوحنا المعمدان لسبل الربّ، بحيث إن " كُلُّ بَشَرٍ يَرى خَلاصَ الله" (لوقا 3: 6).



والإنجيل يقدّم الخلاص لكل مؤمنٍ كما يصرّح بولس الرسول "إِنِّي لا أَستَحيِي بِالبِشارة، فهي قُدرَةُ اللهِ لِخَلاصِ كُلِّ مُؤمِن، لِليَهودِيِّ أَوَّلا ثُم لِليُونانِيّ" (رومه 1: 16). فان الله " يُريدُ أَن يَخْلُصَ جَميعُ النَّاسِ ويَبلُغوا إلى مَعرِفَةِ الحَقّ" (1 طيموتاوس 2: 4)، لذلك أرسل ابنه كمُخلص للعالم كما يُعلن يوحنا الرسول "نَحنُ عايَنَّا ونَشهَد أَنَّ الآبَ أَرسلَ ابنَه مُخَلِّصًا لِلعالَم" (1 يوحنا 4: 14).



ولم يأتِ يسوع لخلاص الجسد فحسب، إنما لخلاص الروح أيضا. أنه يُخلّص المرضى، إذ يشفيهم كشفاء المنزوفة (متى 9: 21) وشفاء الرجل ذي اليد الشلاء (مرقس3: 4) والرجل الممسوس (متى 5: 23) وشفاء مرضى كثيرين (متى 6: 56). ويخلِّص يسوع أيضا بطرس والتلاميذ وقد هبَّت عليهم العاصفة (متى 25:8). والشرط الوحيد الذي كان يطلبه يسوع من الناس لشفائهم هو الإيمان به رباً ومخلصا: فإيمانهم " هو الذي يُبرئ المرضى، فقالَ للمرأة المنزوفة على سبيل المثل "يا ابنَتي، إِيمانُكِ خلَّصَكِ" (لوقا 8: 48)، في حين وبّخ تلاميذه على شَكِّهم عند تسكين العاصفة " فقالَ لَهم: مالَكم خائفين، يا قَليلي الإيمان؟" (متى 8: 26).



قدّم يسوع للبشر خلاص الروح الذي هو أهم من خلاص الجسد. فكان هدف حياته على الأرض هو خلاص النفوس حيث صرّح " لِأَنَّ ابْنَ الإِنسانِ جاءَ لِيَبحَثَ عن الهالِكِ فيُخَلِّصَه " (لوقا 19: 10)، "فإِنَّ اللهَ لَم يُرسِلِ ابنَه إلى العالَم لِيَدينَ العالَم بل لِيُخَلَّصَ بِه العالَم "(يوحنا 3: 17). ولما ظهر على الأرض إلهنا ومخلّصنا (طيطس 2: 131)، هو الذي جاء ليخلص الخطأة (1 طيموتاوس 1: 15)، فان نعمة مخّلّصنا ومحبته ظهرتا (طيطس 2: 11)، وإذا ما تكلّم فليخلَص البشر كما صرّح يسوع "أَقولُ هذا لِتَنالوا أَنتُمُ الخَلاص" (يوحنا 5: 34). فالمرأة الخاطئة تخلَص، لأنه غفر لها خطاياها (لوقا 7: 48-50)، والخلاص يدخل بيت زكا المعترف والتائب (لوقا 19: 9). ولكي ينال المرء الخلاص ينبغي أن يقبل بالإيمان إنجيل الملكوت كما جاء في مثل الزارع "وأمَّا الَّذي في الأَرضِ الطَّيِّبة فَيُمَثِّلُ الَّذينَ يَسمَعونَ الكَلِمَةَ بِقلبٍ طَيِّبٍ كَريم ويَحفَظونَها، فَيُثمِرونَ بِثَباتِهم" (لوقا 8: 15). وصار المسيح بموته وقيامته" لِجَميعِ الَّذينَ يُطيعوَنه سَبَبَ خَلاصٍ أَبَدِيّ " (عبرانيين 5: 9). وبعد القيامة وحلول الروح القدس، فإن الله أقامه "قائداً ومخلصاً!" (أعمال 5: 31)، لأنه "ما مِنِ اسمٍ آخَرَ تَحتَ السَّماءِ أُطلِقَ على أَحَدِ النَّاسِ نَنالُ بِه الخَلاص" (أعمال 4: 12).



يصف سفر أعمال الرسل يسوع بأنه " كَلِمَةُ الخَلاص" (أعمال 13: 26)، وقد وجّه الرب أولاً إلى اليهود (أعمال 13: 26)، ومن ثم إلى الأمم الأخرى كما جاء في أعمال الرسل "جَعَلتُكَ نورًا لِلأُمَم لِتَحمِلَ الخَلاصَ إلى أَقْصى الأَرض" (أعمال 13: 47). ويطلب الرب من الناس، مقابل هذا، أن يؤمنوا لكي ينالوا الخلاص " تَخَلَّصوا مِن هذا الجيلِ الفاسِد" (أعمال 2: 40). فالخلاص حاضر في كل لحظة من الحياة (عبرانيين 2: 3). " وها هُوَذا الآنَ يَومُ الخَلاص" (2 قورنتس 6: 2).





2) ما هي طرق الخلاص التي يُقدّمها لنا يسوع المسيح في إنجيل اليوم؟



لم يكتفِ الإنجيل أن يُعلن بان يسوع هو المخلص بل كشف طرق الخلاص. وخلال صعوده من الجليل إلى مدينة أورشليم سأله رجل على الطريق: " يا ربّ، هلِ الَّذينَ يَخلُصونَ قَليلون؟" (لوقا 13: 23). فلم يُجبْ على سؤاله، إذ لم يهتم بعدد الذين يخلصون بل اهتم بسبل الخلاص وكيفية خلاص الناس، حيث أوصى سامعيه أن يطلبوا الخلاص من خلال دخولهم من الباب الضَّيِّق محدداً ثلاثة سبل للخلاص، وهي الاهتداء والإيمان والاحتياط.



السبيل الأول: الاهتداء:



يُعلن إنجيل لوقا السبيل الأول "اِجتَهِدوا أَن تدخُلوا مِنَ البابِ الضَّيِّق" (لوقا 13: 24)، والفعل في اللغة اليونانية ل¼€خ³د‰خ½ل½·خ¶خ؟خ¼خ±خ¹ ، يمكن لهذا الفعل أن يجعلنا نفكر في جهد الإرادة، بمعنى أنه لا يدخل إلى الملكوت سوى أولئك الذين يبذلون أقصى جهد. وهو نفس المصطلح ل¼€خ³د‰خ½ل½·ل¾³ " أَخذَه الجَهْدُ" (لوقا 22: 44) الذي يستخدمه لوقا الإنجيلي في مشهد بستان الزيتون (الجسمانية)، حين عاش يسوع صراعه للمضي قدمًا في طاعة أبيه، وفي صراعه إلى أقصى حدٍ كي لا يستسلم لتجربة الم والموت، بل كي يبذل حياته من أجل خلاص الجميع أيضا.



ويوضِّح متى الإنجيلي بان المطلب الأول لدخول الباب الضَّيِّق هو الاهتداء " أُدخُلوا مِنَ البابِ الضَّيِّق. فإِنَّ البابَ رَحْبٌ والطَّريقَ المُؤَدِّيَ إلى الهَلاكِ واسِع، والَّذينَ يَسلُكونَه كَثيرون. ما أَضْيَقَ البابَ وأَحرَجَ الطَّريقَ المُؤَدِّيَ إلى الحَياة، والَّذينَ يَهتَدونَ إِليهِ قَليلون " (متى 7: 13-14). فالاجتهاد بداية الاهتداء. أنّ الخلاص ليس مسألة انتماء إلى شعب ما، أو شيء يمكن امتلاكه أو حقٌ للشخص، وراثيّاً إلى حدّ كبير، بل هو، في المقام الأوّل، فعل "قرار" شخصيّ يقوم على الاهتداء وإتباع يسوع القائل " مَن أَرادَ أَن يَتبَعَني، فَلْيَزْهَدْ في نَفسهِ ويَحمِلْ صَليبَهُ كُلَّ يَومٍ ويَتبَعْني" (لوقا 9: 23).



الاهتداء هو السَّيْرُ إلى طَرِيقِ الخَيْرِ والحق بِتَبَصُّرٍ وَمَعْرِفَةٍ. وما الاهتداء في الكتاب المقدس إلاَّ البحت عن الرب (عاموس 5: 4) والبحث عن وجهه (هوشع 5: 15) والاتضاع أمامه تعالى (1 ملوك 21: 29) وتوطيد القلب فيه (1 صموئيل 7: 3). وينجم عن البحث عن الله تغيير في السلوك والرجوع الذاتي بندامة وتوبة.



وبكلمة أخرى، الاهتداء يعني أن يحيد المرء عمَّا هو شرير ويتَّجه نحو الله، لان الخطيئة تسكن في الإنسان داخل عمق الأعماق "أنا" كما جاء في تعليم بولس الرسول "فإِذا كُنتُ أَفعَلُ ما لا أُريد، فلَستُ أَنا أَفعَلُ ذلِك، بلِ الخَطيئَةُ السَّاكِنةُ فِيَّ" (رومة 7: 20).



من يرغب في دخول الباب الضَّيِّق لا يستطيع ذلك بدون جهاد، كما صرّح يسوع المسيح " مَلَكوتُ السَّمواتِ يُؤخَذُ بِالجِهاد، والمُجاهِدونَ يَختَطِفونَه " (متى 11: 12). والجهاد يتطلب تحمل الشِّدة والآلام كما يصرّح بطرس الرسول "افرَحوا بِقَدْرِ مما تُشارِكونَ المسيحِ في آلامِه، حتَّى إِذا تَجَلَّى مَجْدُه كُنتُم في فَرَحٍ وابتِهاج" (1 بطرس 4: 13). ويعلق القدّيس مُبارك " إذا تبيّن لك أنّ هناك شيء فيه نوع من القسوة وأن هذا الشّيء مطلوبٌ لسبب ما (كإحقاق العدالة والتعويض عن الشّرور والمحافظة على المحبّة) فلا تهرب هكذا باكراً، خائفاً تاركاً طريق الخلاص حيث الدّخول إليه يكون فقط من الباب الضَّيِّق" (القاعدة).



لذا ينبغي أن يجاهد الإنسان " بِخَوفٍ ورِعدَة " ليثمر خلاصه" (فيلبي 2: 12). وهذا الأمر يفترض تدريباً مستمراً على الفضائل كما جاء في تعليم بولس الرسول "أَمَّا نَحنُ أَبناءَ النَّهار فلْنَكُنْ صاحين، لابِسينَ دِرْعَ الإِيمانِ والمَحبَّة وخُوذةَ رَجاءِ الخَلاص" (1 تسالونيقي 5: 8)، "لِننمو بِها مِن أَجْلِ الخَلاص"(1 بطرس 2: 2).



والاجتهاد لدخول الباب الضَّيِّق يتطلب عيش التطويبات: الفقر الروحي، والوداعة، والرحمة والطهارة والسعي إلى السلام والسير على خطى يسوع المسيح بما في ذلك من مخاطر وعذابات واضطهادات لأجل اسمه القدوس (متى 6: 1-11). ويعلق القدّيس مقاريوس " مَن يريد أن يتقرّب من الربّ، وأن يكون جديرًا بالحياة الأبديّة، وأن يصبح مسكنًا للرّب يسوع المسيح، وأن يمتلئ من الرُّوح القدس، يجب أن يلجأ إلى الجهاد كما قال الرب "مَلَكوتُ السَّمواتِ يُؤخَذُ بِالجِهاد، والمُجاهِدونَ يَختَطِفونَه." (متى 11: 11) " "ِفاجتَهِدوا أَن تدخُلوا مِنَ البابِ الضَّيِّق" (لوقا 13: 24) (عظات روحيّة، العظة رقم 19).



ونستنتج مما سبق أنّ حياة الإنسان يجب أن تكون جهدا متواصلا من أجل إبقاء نار الإيمان مشتعلة، هذا الإيمان الّذي يتعرّض كلّ يوم إلى أشكال متعدّدة من الأجواء السيّئة ويُحاط بمخاطر متعدّدة. وهكذا نُدرك من فعل "اجتهدوا" بأنّ الصراع يتمّ خوضه داخل قلوبنا، وهو معركة صارمة ضد الخطايا، وضد الشهوات، وضد مختلف أشكال العنف، وأيضاً ضد المغريات الّتي تأتي من الخارج. فيتم الحصول عل الخلاص في اللحظة الّتي نطلب فيها نقاوة القلب "قلباً نقيّاً أخلق فيّ يا ربّ" (مزمور 50: 12).





السبيل الثاني: الإيمان



السبيل الثاني للخلاص هو الإيمان. وكان اليهود يظنُّون -وهم القليلون بالنسبة إلى الأمم الوثنية – أنهم مُخلصون، كونهم أبناء إبراهيم، وعندهم شريعة موسى، ولهم المواعيد. لذا فإنهم يعتقدون أنَّ الانتماء إلى إبراهيم يكفي للخلاص. فسأله أحدهم ليتأكد من هذا الأمر "يا ربّ، هلِ الَّذينَ يَخلُصونَ قَليلون؟". لكن يوحنا المعمدان وبّخهم قائلا: " ولا يَخطُرْ لَكم أَن تُعلِّلوا النَّفْسَ فتَقولوا ((إِنَّ أبانا هوَ إِبراهيم)). فإِنَّي أَقولُ لَكم إِنَّ اللهَ قادِرٌ على أَن يُخرِجَ مِن هذهِ الحِجارةِ (×گב×*×™×ں) أَبناءً (ב×*×™×ں) لإِبراهيم" (متى 3: 9).



لكن يسوع المسيح أوضح لهم ليس الانتماء إلى إبراهيم وسيلة للخلاص، بل الاجتهاد بالدخول من البابِ الضَّيِّق (لوقا 13: 24) أي دخول باب الإيمان به كما يؤكِّد ذلك بولس الرسول " بِه نَجرُؤُ، إِذا آمنَّا به، على التَّقرُّبِ إلى اللهِ مُطمَئِنِّين"(أفسس 3: 12). ويعلق القديس كيرلس الكبير "من يريد أن يدخل الباب الضَّيِّق يلزمه بالضرورة أن يكون له أولًا الإيمان المستقيم غير الفاسد".



ويعلِّم يسوع أن سبيل الخلاص هو الإيمان به " فمَن آمَنَ واعتَمَدَ يَخلُص، ومَن لَم يُؤمِنْ يُحكَمْ عَليه" (مرقس 16: 16)، وهو أيضا الدعاء باسمه (أعمال 2: 21). وعلى هذا الأساس يكون اليهود والأمم في وضع واحد. وهم لا يُخلّصون أنفسهم، لكن نعمة الرب يسوع هي التي تُخلصهم كما يؤكِّد ذلك بطرس الرسول إلى الرسل والشيوخ بقوله "نَحنُ نُؤمِنُ أَنَّنا بِنعمةِ الرَّبِّ يسوعَ نَنالُ الخَلاصَ كما يَنالُ الخَلاصَ هؤُلاءِ الوثنيون أَيضًا" (أعمال 15: 11). ويُخضع إيمانهم علاوة على هذا بالمعمودية، التي هي اختبار حق للخلاص كما يصرِّح بطرس الرسول "سفينة نوح هي رَمزٌ لِلمَعْمودِيَّةِ الَّتي تُنَجِّيكُم ُالآنَ أَنتم أَيضًا، إِذ لَيسَ المُرادُ بِها إِزالَةَ أَقْذارِ الجَسَد، بل مُعاهَدةُ اللهِ بضميرٍ صالِح، بِفَضْلِ قِيَامَةِ يسوعَ المسيح" (1 بطرس 3: 21). والله يخلّصهم بالرحمة فقط، دون أي اعتبار لأعمالهم (2 طيموتاوس 1: 9)، وبالنعمة (أفسس 2: 5 و8)، بمنحهم الروح القدس (2 تسالونيقي 2: 13).



إن كل شخص مدعو إلى عبور باب الإيمان ولدخول في حياة يسوع وجعله يدخل في حياتنا، لكي يحوِّلها ويجدِّدها ويُعطيها الفرح الكامل والدائم. ولكن دخول باب الإيمان يتطلب الاختيار. فيتوجب على الناس أن يختاروا الإيمان بيسوع أو رفضهم له، وبهذا الأمر فهم يُحدِّدون مصيرهم: الخلاص أو الهلاك كما جاء في تعليم بولس الرسول "فإِنَّنا عِندَ اللهِ رائِحةُ المسيحِ الطَّيِّبةُ بَينَ الَّذينَ يَسلُكونَ طَريقَ الخَلاصِ وطَريقَ الهَلاك، الحياة أو الموت"(2 قورنتس 2: 15). أمَّا الذين يؤمنون ويعترفون بإيمانهم فيخلصون كما صرّح بولس الرسول "فإذا شَهِدتَ بِفَمِكَ أَنَّ يسوعَ رَبّ، وآمَنتَ بِقَلبِكَ أَنَّ اللّهَ أَقامَه مِن بَينِ الأَموات، نِلتَ الخَلاص" (رومة 10: 9). يجب ألا نخاف من عبور باب الإيمان بيسوع، وألا َّ نخاف من الخروج من الأنانية، ومن انغلاقنا، ومن لامبالاتنا تجاه الآخرين.



والإيمان لا يقوم على الكلام فحسب بل على الأعمال أيضا. فقد اكّد يسوع "لَيسَ مَن يَقولُ لي ((يا ربّ، يا ربّ)) يَدخُلُ مَلكوتَ السَّمَوات، بل مَن يَعمَلُ بِمَشيئَةِ أَبي الَّذي في السَّمَوات" (متى 7: 21). لا يكفي أننا ولدنا مسيحيين لكي نخلص، بل علينا أن نعيش مسيحيتنا بعمقها، ونجاهد الجهاد الروحي لنتمكن من الحصول على ملكوت الله. ويُعلق البابا فرنسيس "أننا ولدنا في بيئة مسيحية لا يعني أننا حصلنا على كرت العبور إلى ملكوت الله، لا بل علينا العمل بجدٍ لنحصل على هذه النعمة. لسنا أبدًا مسيحيين بالعلامة! بل مسيحيون حقيقيون، في القلب. أن نكون مسيحيين هو أن نعيش الإيمان ونشهد له في أعمال المحبَّة ونعزِّز العدالة ونقوم بأعمال خيّرة".



الخلاص لا يُقدَّم لنا بشكل آلي وتلقائي كوننا مسيحيين، بمعنى أنّ الانتماء إلى الكنيسة ليس كفالة وضمانة لدخول الملكوت، إنما المطلوب العمل بمشيئة الله (متى 7: 21)؛ كذلك قبول المعمودية لا يكفل الخلاص ولا يكفي أيضاً أن نكون أكلنا وشربنا مع يسوع في سرّ القربان المقدس إذا لم نترك لهذه الأسرار أن تغيّر من قلوبنا ومن أفكارنا ومن سلوكنا في عائلاتنا ومع الآخرين. ونتيجة لذلك فقد أصبح كثيرون يطلبون الدخول من باب الإيمان، الباب الضَّيِّق، ولا يقدرون، لأنهم يطلبون بابًا واسعًا يُشبع شهوات قلوبهم، ويُمتع أجسادهم بخيرات زمنية، ويريدون بابا يحفظ لهم المظهر المُتدين، والشكل الصالح أمام الناس، وهم في قلوبهم يرعون أنفسهم وأطماعهم.



من يريد أخيرا أن يدخل باب الإيمان، عليه المثابرة على السير في هذا الطريق حتىِ النهاية كما صرّح يسوع "الَّذي يَثبُتُ إلى النِّهايَةِ فذاكَ الَّذي يَخلُص" (متى 24: 13) لذلك يتطلب دخول الباب الثبات على الإيمان مهما كانت الشدائد.



ونستنتج مما سبق أنَّ الإيمان بيسوع هو الطريق الوحيد إلى الخلاص، " أَنا الطَّريقُ والحَقُّ والحَياة. لا يَمْضي أَحَدٌ إلى الآبِ إِلاَّ بي" (يوحنا 14: 6)، هو وحده الذي مات لأجل خطايانا، وجعلنا مقبولين أمام الله. وأمَّا الباب الضَّيِّق فهو طريق الصليب، واختيار الباب الضَّيِّق هو اختيار طريق الصليب. "مَن أَرادَ أَن يَتبَعَني، فَلْيَزْهَدْ في نَفسهِ ويَحمِلْ صَليبَهُ كُلَّ يَومٍ ويَتبَعْني. ِأَنَّ الَّذي يُريدُ أَن يُخَلِّصَ حياتَه يَفقِدُها. وأَمَّا الَّذي يَفقِدُ حَياتَه في سَبيلي فإِنَّه يُخَلِّصُها " (لوقا 9: 23-24). ويريد يسوع أن يحمل الجميع فيه ومعه صليبه لينعموا بملكوته خلال الدخول من الباب الضَّيِّق، منطلقًا بهم من أورشليم الأرضية إلى اورشليم السماويَّة ليعاينوا سلامه الحقيقي.





السبيل الثالث: الاحتياط



يُحدِّد يسوع سبيلا ثالثا لكي ندخل الباب الضَّيِّق، وهو الاحتياط "إِذا قامَ رَبُّ البَيتِ وأَقَفَلَ الباب، فوَقَفتُم في خارِجِه وأَخَذتُم تَقرَعونَ البابَ وتقولون: يا ربُّ افتَحْ لَنا: لا أَعرِفُ مِن أَينَ أَنتُم" (لوقا 13: 25). وفي هذا الصدد يقول أوغست كونت، مؤسس علم الاجتماع والفيلسوف الفرنسي "اعرفْ كي تحتاط، واحتاط ْ كي تصل الهدف". من لا يعرف لا يستطيع أن يحتاط، ومن لا يحتاط لنفسه يجد الباب مًغلقا كما حدت مع العذارى الجاهلات الخمسة "بينَما هُنَّ ذاهِبات لِيَشتَرينَ، وَصَلَ العَريس، فدخَلَت مَعَه المُستَعِدَّاتُ إلى رَدهَةِ العُرْس وأُغلِقَ الباب"(متى 25: 10). لذلك أوصى يسوع الجميع " اِجتَهِدوا أَن تدخُلوا مِنَ البابِ الضَّيِّق. أَقولُ لَكم إِنَّ كَثيراً مِنَ النَّاسِ سَيُحاوِلونَ الدُّخولَ فلا يَستَطيعون. ويأتي صوت يسوع هنا مُحذراً مَن يسلك طرقًا أو أبوابًا أخرى لخدمة الله برياءٍ ونِفاقٍ. لأن الآب يدرك ملامح وجه الابن الحبيب في أولئك الذين تبعوه وساروا في طريق العطاء الذاتي والحب مما يُمكنهم من الاحتفاظ بهذه السمات في داخلهم وبشكل حقيقي.



لم يذكر المسيح إذا كان عدد المُخلصين كبيرا أو صغيراً بل ذكر أنَّ الكثيرين يكونون خارج الباب وبذلك يخسرون الحياة الأبدية. الأشخاص الذين يتنظرون لنهاية حياتهم لإتباع المسيح ويؤجِّلون كل شيء إلى اللحظة الأخيرة هم أمام خطر حقيقي، ألا وهو قدوم الميعاد قبل الانتهاء من تحقيق أهدافهم ووجباتهم. فالاحتياط من شأنه أن يساعدنا لتخطي مشكلة العمل في أخر لحظة. فالسيد المسيح يدعونا اليوم إلى المحاولة وعدم اليأس، إلى التخطيط وعدم العيش بعشوائية، وأخيرا أن نحتاط ولا نترك توبتنا للحظة الأخيرة. فما دمنا أحياء وقديرين أن نقرِّر المصير لذاتنا، فلا تزال دخول ملكوت السماوات ممكنة لكل إنسان وبوسع كلِّ إنسان أن يحصل على مكانه فيه.



يتطلب الاحتياط التوبة. إذ ينبغي على المرء أن يتوب ما دام هنالك وقت، كما جاء في تعليم يسوع المسيح" إِن لم تَتوبوا، تَهلِكوا بِأَجمَعِكُم مِثلَهم" (لوقا 13: 3). ويُعلق البابا فرنسيس " إن باب يسوع ضيق، ليس لأنه غرفة للتعذيب، كلا، بل لأنه يطلب منا أن نفتح له قلبنا، وأن نعترف بخطايانا التي تحتاج إلى خلاصه ومغفرته ومحبته رحمته ".



وقام الله بكل شيء من أجل خلاصنا، وعقيدة النعمة تعلمنا بان الخلاص هبة مجَّانية من الله. لكن يسوع يضع شرطا للخلاص، وهو أن يتوب الناس عن طرقهم المعوجّة وان يرجعوا إلى الله معترفين بخطاياهم لكن هذه الأمر ليست سهلة. لأنها تخالف ميل طبيعتنا البشرية الساقطة. فمن جهة يرغب كل إنسان بان يدخل ملكوت الله، ولكنه لا يرغب بان يقبل شروط الله لدخوله هذا الملكوت. والاحتياط في الحياة المسيحية واجب مفروض، لأن كل يوم يمرُّ بنا يقرِّب الخلاص إلينا هذا كما يصرح بولس الرسول "وإِنَّكُم لَعالِمونَ بِأَيِّ وَقْتٍ نَحنُ: قد حانَت ساعةُ تَنبَهُّكمِ مِنَ النَّوم، فإِنَّ الخَلاصَ أَقرَبُ إِلَينا الآنَ مِنه يَومَ آمَنَّا" (رومة 13: 11).



والباب ضيق في بدايته على الأرض، حتى إن التلاميذ يتساءلون قائلين: " مَن تُراهُ يَقدِرُ أَن يَخلُص؟" (متى 19: 25). لكن كلمة أشعيا تحثُنا "قَوُّوا الأَيدِيَ المُستَرخِيَة وشَدِّدوا الرُّكَبَ الواهِنَة" (أشعيا 35: 3). من يدخل الباب الضَّيِّق يجد ما صرّح به يسوع المسيح " نِيري لَطيفٌ وحِملي خَفيف " (متى 11: 30). ويُعلق القديس يوحنا الذهبي الفم "إن طريق الخلاص ضيق بسبب التجارب في مدخله، ولكن إذ تدخله تجد مكانًا متسعًا (راحة)، على عكس الطريق المؤدى للهلاك". والواقع في داخل الباب مليء بالتعازي، وفي نهايته مجدٌ أبديٌ.



والاحتياط مطلوب أخيراً، لان الباب لن يظل مفتوحا إلى ما نهاية لكنه سيغلق، " وإِذا قامَ رَبُّ البَيتِ وأَقَفَلَ الباب، فوَقَفتُم في خارِجِه وأَخَذتُم تَقرَعونَ البابَ وتقولون: يا ربُّ افتَحْ لَنا، فيُجيبُكُم: لا أَعرِفُ مِن أَينَ أَنتُم" (لوقا 13: 25). ومعنى ذلك أنَّ الله قد عيّن وقتً لطلب الخلاص والرحمة وهو الزمن الحاضر، وبالتحديد مدة حياة الإنسان على الأرض، فباب التوبة يُغلق عند موت الإنسان حيث ينتهي زمن النعمة والرحمة ويبدأ زمن العدل والدينونة (متى 25: 10-11).



نستنتج مما سبق أنَّ وقت الخلاص ينتهي بالدينونة. وفي الدينونة لم يذكر المسيح إذا كان عدد المُخلصين كبيرا أو صغيراً بل يذكر بان الكثيرين سيتواجدون خارج الملكوت السماوي، وبذلك يخسرون الحياة الأبدية. لنبدأ الآن تغيير طريقنا نحو الله الذي ينتظرنا قائلاً: " تَعالَوا، يا مَن بارَكَهم أَبي، فرِثوا المَلكوتَ المُعَدَّ لَكُم مَنذُ إِنشاءِ العَالَم"(متى 25: 34). ولم يتردَّد القديس أوغسطينوس أن يترك لنا هذه الوصية " لا نقلّد الأكثرية المستهينة بدخول الباب الضَّيِّق كي لا نخسر دفء بيت الله".





الخلاصة



يُعلمنا يسوع من خلال الإنجيل أن ملكوت الله مفتوح للجميع "وسَوفَ يَأتي النَّاسُ مِنَ المَشرِقِ والمغرِب، ومِنَ الشَّمالِ والجَنوب، فيجِلسونَ على المائِدَةِ في مَلَكوتِ الله". ولكن من جهة أخرى المعرفة وحدها لا تكفي لدخول ملكوت الله كأولئك الذين يصرخون " لَقَد أَكَلْنا وِشَرِبنْا أَمامَكَ، ولقَد عَلَّمتَ في ساحاتِنا" فيسوع قال لنا مرارًا "ليسَ من يقولُ لي "يا ربّ، يا ربّ يدخلُ ملكوتَ السَّموات، بل من يعملُ بمشيئةِ أبي الذي في السَّموات...". يجب أن يقترن القول بالعمل، وعلى الإيمان أن يحرّكَ الكيان، وعلى الصلاة أن ترافق أعمال المحبة والرحمة.



جاء يسوع إلى العالم مخلصًا لجميع البشر على حد سواء. وبدأ بشارة الخلاص مع اليهود ثم انتقل إلى الوثنيين. ثم وجّه لنا يسوع دعوة ملحة حتى يتمكن الجميع، دون استثناء، من تقبّل الخلاص، والدخول إلى الملكوت. وحدَّد ثلاثة سبل لدخول الإنسان الباب الضَّيِّق المؤدي إلى الخلاص، وهي: الاهتداء والإيمان والاحتياط.



ومن هذا المنطلق، يجب علينا ألاَّ نريد أن نكون من مصاف "الأيدي المُستَرخِيَةَ والرُكَبِ المُلتَوِيَة" (العبرانيين 12: 12، أشعيا 35: 3) بل أن نسعى جاهدين من أجل الدخول من الباب الضَّيِّق. فمن سلك فيه ينال الخلاص فيسمع صوت سيده يقول له "أَحسَنتَ أَيُّها الخادِمُ الصَّالِحُ الأَمين! كُنتَ أَميناً على القَليل، فسأُقيمُكَ على الكَثير: أُدخُلْ نَعيمَ سَيِّدِكَ" (متى 25: 21).





دعاء


أيها الآب السماوي، نطلب إليك باسم يسوع ابنك أن تساعدنا لندخل من الباب الضَّيِّق، باب الاجتهاد والإيمان، والالتزام الشخصيّ مع الربّ، وهكذا نصل إلى طريق الخلاص لِتَكونَ بهِ الحَياةُ الأَبديَّةُ لِكُلِّ مَن يُؤمِن"(يوحنا 3: 15). أعطنا يا رب أن نجتهد ليلاً نهاراً لندخل من "الباب الضَّيِّق".




الأب لويس حزبون - فلسطين

 
موضوع مغلق


الانتقال السريع


الساعة الآن 05:58 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025