29 - 07 - 2015, 03:46 PM | رقم المشاركة : ( 8621 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
عمل الله يمكننا تفصيل عمل الله بثلاث نقاط رئيسة: 1. خلق العالميبتدئ الكتاب المقدس "في البدء خلق الله السموات والأرض" ثم يلي ذلك قصة الخليقة فترينا المراحل المختلفة التي مرت بها. فقد كانت الخليقة على نوعين، أشياء لا حياة لها وأشياء حية. والأشياء الحية كانت على نوعين، نبات وحيوان. وحياة الحيوان أيضاً كانت على نوعين، دنيا وهي الحيوانات العجماوات وعليا وهي الإنسان. 2. حفظ العالموهنا يبرز لنا سؤالان عما يتعلق بالخليقة. (1) طريقة الخلق. كيف صنع الله العالم وكل ما فيه؟ وهناك عدة نظرات في الأمر إلا أننا منجذبون إلى تلك العبارة البسيطة "الله خلقه". إن كلمة "خلق" تحمل معها فكرة إيجاد شيء لم يكن موجوداً. لقد استُعملت هذه الكلمة لله وحده في الأسفار المقدسة. ولم يقل قط عن إنسان أنه خلق شيئاً. إنه لأمر هام الإشارة إلى أن كلمة "خلق" ترددت ثلاث مرات في قصة الخلق. أولاً، فيما يتعلق بالأشياء المادية. "في البدء خلق الله السموات والأرض" (تكوين 1: 1) وليس هناك تعليل آخر لأصل المادة. ثانياً، فيما يتعلق بخلق حياة الحيوان. "فخلق الله التنانين العظام وكل ذوات الأنفس الحية الدبابة التي فاضت بها المياه كأجناسها وكل طائر ذي جناح كجنسه" (تكوين 1: 21). وليس هناك أيضاً تعليل آخر لأصل الحياة الحيوانية. ثالثاً، فيما يتعلق بخلق الإنسان. "فخلق الله الإنسان على صورته" (تكوين 1: 27). وليس هناك تعليل آخر لأصل الإنسان. فقد خلق الله الكون المادي وخلق الله الحيوان كما أنه خلق الإنسان. ولكن كيف خلق الله هذه الأشياء؟ إن الكتاب المقدس يعطينا الحقيقة على بساطتها دون أن يظهر لنا الأسلوب بأكثر من أن "قال ليكن فكان ...". "وقال الله ليكن نور فكان نور" (تكوين 1: 3). "وقال الله ليكن (الجلد) فاصلاً بين مياه ومياه. فعمل الله الجلد وفصل بين المياه التي تحت الجلد والمياه التي فوق الجلد وكان كذلك" (تكوين 1: 6 – 7). "وقال الله لتجتمع المياه تحت السماء إلى مكان واحد ولتظهر اليابسة وكان كذلك" (تكوين 1: 9). "وقال الله لتنبت الأرض عشباً وبقلاً يبزر بزراً وشجراً ذا ثمر يعمل ثمراً كجنسه بزره فيه على الأرض وكان كذلك" (تكوين 1: 11). هذه هي العبارة التي تتردد في قصة الخليقة كلها: "وقال الله فكان كذلك". أما صاحب المزامير فيصف لنا الخليقة هكذا "بكلمة الرب صنعت السموات وبنسمة فيه كل جنودها" (مزمور 33: 6) "لأنه قال فكان. هو أمر فصار" (مزمور 33: 9). هذا ويتفق الكاتب إلى العبرانيين مع مرنم المزامير في تعليل الكون "بالإيمان نفهم أن العالمين أتقنت بكلمة الله حتى لم يتكون ما يرى مما هو ظاهر" (عبرانيين 11: 3). (2) زمن الخلق. كم من الوقت قضى الله في خلق كل الأشياء؟ تقول الأسفار المقدسة أن الخليقة قد أكملت في ستة أيام: "لأن في ستة أيام صنع الرب السماء والأرض والبحر وكل ما فيها" (خروج 20: 11). ترى هل كانت تلك الأيام تعادل في طولها أيامنا ذوات الأربع والعشرين ساعة، أم كانت تشير إلى فترات زمنية غير محدودة؟ إن تعبير "مساء وصباح" قد فسره البعض بمعنى أن الأيام كانت في طولها كأيام الأسبوع. وقد يكون التفسير الآخر أكثر انطباقاً على كل الحقائق. فكلمة "يوم" قد استعملت مرات عديدة في الأسفار المقدسة لتدل على زمن غير محدد كما في "يوم الرب" و "يوم الخلاص" و "يوم الغضب" الخ .. استعملت كلمة يوم في سفر التكوين 2: 4 لتحوي كل الخليقة. "يوم عمل الرب الإله الأرض والسموات". إن "كيف" و "متى" في الخليقة ليستا مهمتين كحقيقة أن الله صنعها بطريقته الخاصة وفي وقته هو. ليس الله صانع كل الأشياء فحسب ولكنه حافظها وضابطها أيضاً فهو لم ينسحب من الكون بعد أن خلقها. لكنه وضع أنظمة خاصة يسيّر بها الكون إلا أنه غير مقيد بهذه الأنظمة التي وضعها لأنه إذا رأى مناسباً أن ينسخها لأي مقصد فهو قادر على ذلك فللخوارق مكان في خطة الله. 3. الخلاصإن الله قصداً يريد أن يتممه في الخليقة أو بواسطتها. إن يده هي التي توجه الكون. قد تظهر بعض أعماله غريبة كما أن أعمال عنايته الإلهية غير مفهومة دائماً ولكن لنا الإيمان الذي يجعلنا نعتقد بأن الله يعرف كل شيء وإن كل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الله" (رومية 8: 28). "لماذا يسمح الله للخطية أن تدخل خليقته ولماذا يسمح للشر أن يستمر في العالم؟" هذا السؤال طالما تردد على ألسنة الناس. لكنه سؤال ليس له جواب محدد يستوعبه عقل الإنسان المحدود. كما أن الله لم ير مناسباً أن يعطينا جواباً. ولكن هناك ثلاث حقائق نستطيع أن نتأكد منها. أولاً، لا يستطيع الشر أن يحدث بدون سماح الله به فالشيطان لم يستطع أن يضايق أيوب حتى سمح له الله بذلك. ثانياً: إن الله أيضاً يحدد المدى الذي يستطيع الشرب أن يمتد إليه فالشيطان بمضايقته أيوب لم يستطع أن يذهب لأبعد من المدى الذي سمح به الله. ثالثاً: إن الله غالباً ما يحوّل ما كان يقصد به شراً إلى خير وبركة. فقد قال يوسف لإخوته "أنتم قصدتم لي شراً أما الله فقصد به خيراً لكي يفعل كما اليوم ليحي شعباً كثيراً" (تكوين 50: 20). وقال مرنم المزامير "لأن غضب الإنسان يحمدك" (مزمور 76: 10). يجدر بنا ونحن نبحث في عناية الله أن نقول كلمة عن الملائكة. لقد خلق الملائكة قبل خلق العالم وهم كثر في عددهم. وقد وصفوا بأنهم أرواح خادمة. "أليس جميعهم أرواحاً خادمة مرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص" (عبرانيين 1: 14). يستعمل الله الملائكة لتنفيذ خطط عنايته الإلهية "لأنه يوصي ملائكته بك لكي يحفظوك في كل طرقك. على الأيدي يحملونك لئلا تصطدم بحجر رجلك" (مزمور 91: 11 – 12). عجيبة حقاً هي الخليقة الأولى. ولكن الأعجب منها هي خليقته الجديدة. "إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة" (2 كورنثوس 5: 17). إن الإنسان الذي خلقه الله على صورته أخطأ ضد الله وسقط من علياء مركزه جالباً الخراب لنفسه ولكل الجنس البشري. ولكن الله برحمته لم يتركه لمصيره. لكنه يسر له طريقة للخلاص بإرساله ابنه إلى العالم ليفدي الإنسان من الخطية بموته الكفاري على الصليب. إن موضوع الخلاص بكامله سيبحث في فصل آخر، ولكننا سنؤكد هنا بأن الخلاص هو عمل الله. فالله هو الذي أخذ زمام المبادرة في الخلاص، وهو الذي وضع خطة الخلاص والله هو الذي يخلص بنعمته. قال مرنم المزامير "للرب الخلاص" (مزمور 3: 8)، وأعلن بولس "لأنكم بالنعمة مخلصون بالإيمان وذلك ليس منكم هو عطية الله" (أفسس 2: 8). وفي الأصحاح ذاته والعدد العاشر منه نرى هذه العبارة. "لأننا نحن عمله مخلوقين في المسيح يسوع." "فليحمدوا الرب على رحمته وعجائبه لبني آدم" (مزمور 107: 8). |
||||
29 - 07 - 2015, 03:46 PM | رقم المشاركة : ( 8622 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الإله الواحد الحق اسم الله"لأني أنا الله وليس آخر" (أشعياء 22:45) إن الاعتقاد بوجود كائن إلهي يكاد يكون اعتقاداً عالميا. هناك أقلية في العالم تنكر وجود إله. ويصف الكتاب مثل هؤلاء بأنهم جهلة: "قال الجاهل في قلبه ليس إله" (مزمور 1:53). كل ما هو حولنا أو ما هو فوقنا يصرخ بالشهادة بوجود الله: "السموات تحدث بمجد الله والفلك يخبر بعمل يديه" (مزمور1:19). يُروى عن نابليون أنه كان جالساً ذات مساءً يصغي لنقاش يدور بين ضباطه وقد أخذ بعضهم يهزأ بالأمور الدينية بينما ذهب البعض الآخر إلى أبعد من ذلك فأنكروا حتى وجود الله. فما كان من نابليون إلا أن تقدم إلى وسطهم وأشار إلى النجوم المبعثرة في القبة الزرقاء وقال: "أيها السادة ربما كنتم على حق فيما تقولون، ولكن، إن كان الأمر كما تقولون، فمن هو صانع هذه النجوم؟" فيما يعترف معظم البشر بوجود الله فإنهم يختلفون كثيراً في إدراكهم له. فبعضهم جسمت لهم تصوراتهم إلها حسب مقتضى أهوائهم ورغباتهم. وبعضهم ينظرون إلى الله نظرهم إلى إنسان "السوبرمان" أي الإنسان الأسمى المتفوق فيعطونه شكل الإنسان وطبيعته. وآخرون ينظرون إليها نظرتهم إلى قوة مبهمة تشمل الكون بأكمله لكن لنا مرجعاً واحداً نستطيع أن نرجع إليه لندرك الله إدراكاً صحيحاً وذلك هو الكتاب المقدس ففيه يكشف الله لنا عن ذاته. إن الكتاب لا يقوم بأي مجهود ليثبت وجود الله. لكنه يبتدئ بالقول "في البدء خلق الله السموات والأرض" ففي بدء ماذا؟ من البديهي أن الكلمات تشير إلى بدء ما ندعوه "الزمن" بدء الكون المادي. ما الذي يظهره الكتاب المقدس عن الله؟ عندما نستعمل كلمة الله لا يخالج أحدنا الشك عما نعنيه. أننا نعني ذلك الكائن الأسمى الأوحد بارئ كل الأشياء وربّها. أمّا الأقدمون فقد كانوا يعتقدون بأن للكون آلهة عديدة وبولس يقول "لأنه وإن وجد ما يسمى آلهة سواء كان في السماء أو على الأرض كما يوجد آلهة كثيرون وأرباب كثيرون" (1 كورنثوس 5:8). فقد كان لكل أمة إلهها الخاص بها، وقد عبد بعضهم آلهة عديدة أطلقوا عليها عدة أسماء. لقد أطلق الله على ذاته أسماً به يعرف ويتميز عن الآلهة الأخرى، "أنا الرب (يهوه) هذا أسمي" (أشعيا 8:42). إن لفظة "الرب" حيثما ترد في العهد القديم هي في الغالب الترجمة التي أختارها المترجمون للفظة "يهوه" العبرية. 1. اسم شخصيلقد كشف عن هذا الاسم أولاً لموسى عندما أمره بأن يقود بني إسرائيل من العبودية. "هكذا تقول لبني إسرائيل، يهوه إله أباكم إله إبراهيم وإله اسحق وإله يعقوب أرسلني غليكم. هذا اسمي إلى الأبد وهذا ذكري إلى دور فدور" (خروج 15:3). وفي سفر الخروج 2:6 – 3 يقول أنه لم يعرف بهذا الاسم من قبل. "ثم كلم الله موسى وقال له أنا الرب (يهوه) وأنا ظهرت لإبراهيم واسحق ويعقوب وبأني الإله القادر على كل شيء وأما باسمي يهوه فلم أعرف عندهم". والحقيقة أنهم عرفوا شيئاً عن هذا الاسم لأن إبراهيم قد دعا المكان الذي كان مزمعاً أن يقدم فيه إسحق ذبيحة "يهوه يرأه" (تكوين 14:22). ولكنهم لم يفهموا المعنى الكامل لهذا الاسم. فقد اتخذ معنىً جديداً عندما ظهر موسى. لقد كان هذا الاسم اسم عهد فدائه. هناك أشياء كثيرة يجب ملاحظتها حول هذا الاسم الذي أطلقه الله على ذاته. اعتقد الناس قديماً بآلهة كثيرة. فكان لكل أمة إلهها الخاص. لكل من هذه الآلهة اسم شخصي يعرف به، فإله الموآبين كان يدعى "كموش" وإله العمونيين "مولك" وإله الصيدونيين "البعل" ولكن اسم إله العبرانيين كان يهوه. "أنا الرب (يهوه) هذا اسمي". 2. اسم وصفيكانت الأسماء الوصفية الدالة على خلق أو مزية تطلق على الناس في تلك الأيام فاسم يعقوب أطلق على الابن الثاني المولود لإسحق ورفقة ويعني هذا الاسم أنه أخذ محل شخص آخر بالخداع ثم أبدل باسم إسرائيل عندما أصبح من عظماء الله. وعلى هذا الغرار كان اسم الرب اسماً وصفياً لله فهو يحمل في طياته معنى الكائن الخالد ذي الطبيعة غير المتغيرة أو المتحولة فعندما سأله موسى أي اسم يطلقه عليه عندما يخبر بني إسرائيل بأن "إله أباكم أرسلني إليكم" (خروج 14:3) وهذا الاسم يشتق من ذات المصدر الذي اشتق منه يهوه. يهوه هو أ ْهيَهْ الكائن العظيم الذي لا فرق فيه بين ماضٍ وحاضر ومستقبل. إنه الواحد السرمدي. إنه الإله الأزلي الإله غير المتحول، هو هو أمسا واليوم وإلى الأبد. "منذ الأزل إلى الأبد أنت الله" (مزمور 2:90). 3. اسم مقدسعندما أعطى الله وصاياه لإسرائيل قال: "أنا الرب (يهوه) إلهك" (خروج 2:20) وفي الوصية الثالثة 4. اسم تذكاريقال " لا تنطق باسم الرب (يهوه) إلهك باطلا لأن الرب (يهوه) لا يبرئ من نطق باسمه باطلاً" (خروج 7:20).وعندما علمنا يسوع صلته النموذجية قال "أبانا الذي في السموات ليتقدس أسمك" (متى 9:6). لأن اسمه كان اسماً مقدساً لدرجة أن اليهود تهيبوا أن يلفظوه بشفاههم وكانوا يستخدمون كلمة "السيد" بدلاً منه. قال الله لموسى عندما أظهر اسمه "هذا اسمي للأبد وهذا ذكري إلى دور فدور". لقد كان ذكر إحساناته لبني إسرائيل عندما أعتقهم من ربقة العبودية حتى كل ما ذكروا اسمه في الأجيال التالية تذكروا كيف فداهم في مصر، الذي كان رمزاً لعمله الفدائي في الجلجثه. طبيعة اللهأي كائن هو الله؟ 1. بعض الكلمات الوصفيةإننا نجد في الكتاب المقدس أربع عبارات صريحة تصف الله. 2. الله غير محدود(1) الله روح. هذه هي العبارة التي فاه بها يسوع "الله روح" (يوحنا 24:4). الله ليس إنساناً عظيما بجسد من لحم ودم. إنه كائن روحي. وهو مجرد من كل الحدود التي يفرضها الجسد. إن بعض الفقرات التي استعملت في وصف أعضاء الله الجسدية كالذراع والعينين واليدين أدت بالكثيرين لأن ينظروا إلى الله كمن له جسد شبيه بجسدنا. والبعض يتصورنه شيخاً جليلاً عرشه في سماواته. إنه ليصعب على العقول المحدودة أن تفكر بالله دون أن تلصق به شكلاً من الأشكال الجسدية – ولكن مثل هذا الكائن لابد أن يكون محدود بأمور كثيرة. الله روح فهو إذن مجرد من كل الحدود. وبما أنه روح فالله إله حي. وقد وصف هكذا في الكتاب "أما الرب الإله فحق. هو إله حي" (أرميا 10:10). "وكيف رجعتم إلى الله من الأوثان لتعبدوا الله الحي الحقيقي" (1 تسالونيكي 9:1). وبما أنه إله حي لا يحوي الحياة في ذاته فقط ولكنه منبع الحياة ومصدرها وبما أنه روح فالله إله شخصي وكائن بار ذو وعي وإرادة ذاتيين. ونحن غالباً نربط الشخصية بالجسد. فالشخص كائن نستطيع أن نراه. أما الشخصية فلا تختص بالجيد ولكنها تختص بالروح. وبما أن الله كائن شخصي يمكننا أن تكون لنا شركة معه. (2) الله نور. هذا هو الوصف الذي أسبغه يوحنا على الله. "الله نور وليس فيه ظلمة البتة" (1 يوحنا 5:1) . الظلام رمز الجهل والخطأ والخطية. والنور يرمز إلى الحكمة والطهارة والله كائن كلي الحكمة وكلي الكمال. (3) الله محبة. كلمة أخرى من الكلمات التي استعملها يوحنا هي "محبة" (1 يوحنا 8:4). إن الله العظيم القدوس هو أيضاً إله محبة هذه السجية من سجايا الله تمنح الأمل للقلب الخاطئ. إن معرفة الله كإله كلي القوة والقداسة فقط تجعل الفرد في خوف ورهبة دائمين ولكن المعرفة أن هذا الإله العظيم القدوس هو إله محبة، توقد شعلة الأمل في القلب. لقد ظهرت محبة الله بعدة طرق ولكن أسمى مظاهرها هي أنه وهبنا ابنه: "بهذا أظهرت محبة الله فينا أن الله قد أرسل ابنه الوحيد إلى العالم لكي نحيا به" (1 يوحنا9:4). وهناك عدة اختبارات قد تترك الإنسان مشككاً في محبة الله، ولكن ما من أحد يستطيع الوقوف أمام صليب الجلجثه ويبقى فيه أي شك "ولكن الله بيّن محبته لنا لأنه وبعد خطاة مات المسيح لأجلنا" (رومية 8:5). (4) الله نار آكلة. إن كاتب الرسالة إلى العبرانيين في 29:12 قد اقتبس من سفر التثنية 24:4 "لأن الرب إلهك هو نار آكلة". الله ليس فقط إله محبة، ولكنه إله بر أيضاً. يعظم بعض الناس محبة الله ولكنهم يتجاهلون بره. فصاحب المزامير يصوره إلهاً غير متناهي المحبة "الرب رحوم ورؤوف طويل الروح وكثير الرحمة" (مزمور8:103). ولكنه في غلاطية 7:6 نقرأ "لا تضلوا الله لا يشمخ عليه. فإن الذي يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضاً". لا يستطيع البشر أن يستهينوا بالله ثم يتنصلوا من دينونة بره. ربما كانت أجمل كلمة تصف الله هي أنه غير محدود والتي تعني أن لانهاية له ولا حدود. 3. الله آب(1) سرمدي. ليس لله بداية ولا نهاية إنه الإله السرمدي. "منذ الأزل إلى الأبد أنت الله" (مزمور 2:90). لأن وجود كائن دون بداية أمر فوق العقل البشري، وكثيرون هم الذين عثروا بهذا الأمر. "من أين جاء الله؟" سؤال طالما تردد على أفواه الناس. إننا نتكلم عن مستقبل أبدي، مستقبل بلا نهاية. وأملنا أن نحيا إلى الأبد. إن الاعتقاد بماضٍ لا بداية له وكذلك فهمنا إن الله قد كان منذ الأزل وأن لا بداية له ليس أصعب من فهمنا أننا سنحيا حياة أبدية لا نهاية لها. إن الله لا يحده زمان: "لأن ألف سنة في عينيك مثل يوم أمس بعدما عبر" (مزمور4:90). "إن يوماً واحداً عند الرب كألف سنة وألف سنة كيوم واحد" (2 بطرس 8:3). (2) كلّي الوجود. إن الله كلي الوجود. وهذا لا يعني أنه منتشر ف الكون بأسره، لكن الله بكامله حاضر في كل مكان. هناك عبارات في الكتاب المقدس تظهر وكأنما هي تحصر وجود الله في مكان معين "أبانا الذي في السموات" (متى 9:6). "يا ساكناً في السموات" (مزمور 1:123). "الرب في السموات ثبت كرسيه" (مزمور 19:103). إن هذه العبارات يجب أن ننظر إليها كتعابير رمزية تماماً كتلك التي تتكلم عن ذراعيه أو يديه. لا يمكننا أن نحصر الله بمكان أو في مكان. إن في الكتاب المقدس عدة آيات تعلن أن الله حاضر في كل مكان. "أين أذهب من روحك ومن وجهك أين أهرب. إن صعدت إلى السموات فأنت هناك وإن فرشت في الهاوية فها أنت. إن أخذت جناحي الصبح وسكنت في أقاصي البحر فهناك أيضاً تهديني يدك وتمسكني يمينك" (مزمور 7:139-10). "مع أنه عن كل واحد منا ليس بعيداً لأننا به نحيا ونتحرك ونوجد" (أعمال 27:17- 28). (3) كلي المعرفة. إن الله إله كلي المعرفة. وهو يعلم كل شيء، يعلم الماضي والحاضر والمستقبل. وهو يعلم بكل شيء ويعرف عن كل شيء ويعرف عن كل مخلوق. لا شيء يخفى عليه. وقد قال صاحب المزامير "أنت عرفت جلوسي وقيامي. فهمت فكري من بعيد مسلكي ومربضي ذريت وكل طرقي عرفت. لأنه ليس كلمة في لساني إلا وأنت يا رب عرفتها كلها" (مزمور 2:139- 4). (4) كلي القدرة. إن الله كلي القدرة يملك كل القوى. "مرة واحدة تكلم الرب وهاتين الاثنتين سمعت أن العزّة لله" (مزمور 11:62). وفي أكثر من مرة صرّح الكتاب بأن ليس شيء غير ممكن لدى الله. وهذا ما يقوله الله عن نفسه "هأنذا الرب إله كل ذي جسد. هل يعسر علي أمر ما؟" (أرميا 27-32). وهذا ما قاله يسوع."هذا عند الناس غير مستطاع ولكن عند الله كل شيء مستطاع" (متى 26-19). وبالطبع هذا لا يعني أن الله يستطيع أن يعمل أشياء تضاد طبيعته. فقد أعلن بولس أن الله لا يستطيع أن يكذب. "على رجاء الحياة الأبدية التي وعد بها الله المنـزه عن الكذب قبل الأزمنة الأزلية" (تيطس 2:1). كما أنه لا يعني أن الله يستطيع أن يعمل أشياء تناقض بعضها بعضاً. لأن هذا يعني إنكار طبيعته. والدكتور مولنـز يوضح الحقيقة بهذا الصدد بقوله "قولنا أن الله قدير يعني أن قوته غير المحدودة تعمل أي شيء وكل شيء يتفق وطبيعته وغرضه". هناك إشارات في تاريخ العهد القديم إلى الله كأب "أبو اليتامى وقاضي الأرامل الله في مسكن قدسه" (مزمور5:68). "أسيرهم إلى أنهار ماء في طريق مستقيمة لا يعثرون فيها. لأني صرت لإسرائيل أباً" (أرميا 9:21). "فإن كنت أنا أباً فأين كرامتي" (ملاخي 6:1). غير أن المسيح هو الذي بسط حقيقة أبوة الله بكل كمالها وجمالها. الله المثلث الأقانيمماذا نعني بقولنا أن الله أب؟ إن سوء الفهم وسوء التفسير لهذا الأمر قد قادا إلى أخطاء جمة. (1) علاقة خلق. هناك معنى بأن الله هو أبٌ للجميع وفي هذا يقول بولس "لأننا أيضاً ذريته فإذ نحن ذرية الله لا ينبغي أن نظن أن اللاهوت شبيه بذهب أو فضة أو حجر نقش صناعة واختراع إنسان" (أعمال 28:17- 29). الله آب للجميع بمنى انه خالق الجميع وحافظهم ومن هذه الحقيقة رسم البعض التعليم القائل بخلاص الجميع والذي يناقض كلمة الله. (2) علاقة الفداء. إن الله – بتعبير خاص – أبٌ لأولئك الذين أصبحت لهم علاقة روحية بيسوع المسيح. "وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه" (يوحنا 12:1). والكتاب المقدس يذكر ثلاث طرق بها يصبح الفرد ابناً روحياً لله أو بالأحرى هي جوانب ثلاثة للاختبار نفسه. أولاً، نصبح أبناء بالإيمان "لأنكم جميعاً أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع" (غلاطية 26:3).ما من أحد يستطيع أن يكون ابنا حقاً لله إلا إذا وضع ثقته بالمسيح يسوع. ثانياً، نحن أبناء الله بالولادة الروحية. "الذين ولدوا ليس من دم ولا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل بل من الله" (يوحنا13:1). فالإنسان يصبح ابنا لله باختيار التجديد أو الولادة الجديدة فقط. ثالثاً، نحن أبناء الله بالتبني. "إذ لم تأخذوا روح العبودية أيضاً للخوف بل أخذتم روح التبني الذي به نصرخ يا أباً الآب" (رومية 15:8). فأبوة الآب للمؤمنين هي من أكثر التعاليم تعزية في الكتاب المقدس فهذا التعليم يعني أن الله الكلي الحكمة والقوة بالذات هو أبونا الخاص وكأبناء لله فنحن محاطون بمحبته وعنايته الدائمين "وأكون لكم أباً وأنتم تكونون لي بنين وبنات يقول الرب القادر على كل شيء" (2كورنثوس 18:6). وكأبناء لله "فنحن ورثة الله ووارثون مع المسيح" (رومية 17:8). يظهر الله في الكتاب المقدس إلهاً مثلث الأقانيم أي ثالوثاً. إن كلمة الثالوث في الأسفار المقدسة فقد استعملها ترتوليانس في القرن الثاني ليظهر حقيقة الله في ثلاثة أقانيم. إن الثالوث هو من أعظم الأسرار إطلاقاً ولم نكن لنعرفه لو لم يعلن في الأسفار المقدسة. هذا التعليم لمّح إليه العهد القديم وظهر جلياً في العهد الجديد. وهناك حقيقتان ضمنيتان في الثالوث. 1. إله واحدهذه الحقيقة مذكورة عدة مرات في الكتاب المقدس: "اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا إله واحد" (تثنيه 4:6). "هكذا يقول الرب ملك إسرائيل وفاديه رب الجنود. أنا الأول وأنا الآخر ولا إله غيري" (أشعيا 6:44). "نعلم أن ليس وثن في العالم وأن ليس إلا واحداً" (1 كورنثوس 4:8) وهكذا فالتعليم القائل بالتثليث لا يعني أن لنا ثلاثة آلهة. 2. في ثلاثة أقانيمإن الله الواحد موجود ، ويظهر ذاته بطريقة مثلثة: الآب والابن والروح القدس. فمن أجل تعبير أفضل وأوضح نقول بثلاثة أقانيم في اللاهوت. هؤلاء الثلاثة واحد في الجوهر متميزون بشخصياتهم. عمل اللهإن أياً من هذه الأقانيم الثلاثة في الله لا يعمل منفرداً عن الأقنومين الآخرين. ومع ذلك فقد كان هناك ثلاثة مظاهر لمعاملة الله للجنس البشري (1) الآب. لدينا القصة الجزئية لظهوره في العهد القديم. كما كان هناك ظهورات خاصة للروح القدس وربما للابن أيضاً في شخص "ملاك الرب" ولكنه كان دائماً "الرب الإله" الذي يتعامل مباشرة مع الجنس البشري. هذا الظهور تميز بثلاث وجهات. أولاً، كان الله غير منظور لا يستطيع البشر رؤيته. كما أنه كان يرسل بين الحين والآخر ملائكة لمخاطبة البشر ولكنه لم يسمح لإنسان قط أن يرى الله ذاته. التمس موسى هذا الامتياز، ولكن كل ما منحه الرب كان أن يقف في ثغرة في الصخرة ويرى مجد الله مجتازاً (خروج 18:33-23). كما نقرأ في يوحنا 18:1 ما نصه "الله لم يره أحد قط". ثانياً، لم يقترب الله من الإنسان بل كان يتعامل معه عن بعد. حل على رأس الجبل متحجباً بالغيوم والدخان، وخاطب موسى. أما فيما يتعلق بالشعب كمجموعة فقد قال "احترزوا من أن تصعدوا إلى الجبل أو تمسوا طرفه، كل من يمس الجبل يقتل قتلاً" (خروج 12:19). وعندما بنيت خيمة الاجتماع وعد الله بأن يكون في قدس الأقداس ولم يسمح لأحد غير رئيس الكهنة بالدخول إليه،وحتى هذا الامتياز لم يمنح له أكثر من مرة واحدة في السنة. ثالثا، قداسة الله كانت المزية الإلهية المشدد عليها. فقد قال مرنم المزامير "يحمدون اسمك العظيم والمهوب. قدوس هو" (مزمور3:99). وكما قال في مكان آخر "علوا الرب إلهنا واسجدوا عند موطئ قدميه. قدوس هو" (مزمور5:99). وفي رؤيا أشعيا للرب في الهيكل سمع السرافيم يرتلون" قدوس قدوس قدوس رب الجنود" (أشعيا 3:6). (2) الابن. إن لنا في الأناجيل الأربعة سجلاً وافياً. ففي هذه المرة الله الابن هو الذي يتعامل مع الناس مباشرة. كما أن هذه الفترة موسومة بمظاهر ثلاثة أيضاً. أولا، بمجيء المسيح وجد الناس إلهاً منظوراً، إلهاً باستطاعتهم أن يروه. فقد قال يسوع لتلاميذه "الذي رآني فقد رأى الأب" (يوحنا9:14). كما نجد في يوحنا 18:1 هذه الكلمات "الله لم يره أحد قط، الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبَّر". وهكذا نرى أن الله الغير منظور قد أصبح منظوراً في المسيح يسوع. ثانياً، اقترب الله من الإنسان. إنه في شخص ابنه قد انحدر من على السحب ليقترب إلى الناس ويلتصق بهم. "والكلمة صار جسداً وحل بيننا ورأينا مجده مجداً كما لوحيد من الآب مملوءاً نعمة وحقاً" (يوحنا 14:1). فبالمسيح يسوع حلّ الله وساكن البشر وخاطبهم وجها لوجه. ثالثاً، لقد ازدادت محبة الله وضوحاً. كما أن أجمل ما قيل في هذه الفترة هم في انجيل يوحنا 16:3 "لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد". إن الله، ذا الاسم العظيم الرهيب كما وصفه مرنم المزامير، أصبح أباً محباً لأبنائه المؤمنين. (3) الروح القدس. هذا الظهور ابتدأ بالحوادث التي سُجّلت في سفر الرسل في الأصحاح الثاني وظل مستمراً إلى يومنا هذا. عندما كان يسوع يخاطب تلاميذه بخصوص مغادرته للأرض قال "وأنا أطلب من الآب فيعطيكم معزياً آخر ليمكث معكم إلى الأبد روح الحق" (يوحنا 16:14 – 17). لقد اقترب الله أكثر إلى أبنائه في شخص الروح القدس. إنه لا يمكث معهم فقط ولكنه يسكن فيهم. "لأنه ماكث معكم ويكون فيكم" (يوحنا 17:14). بالروح أصبحت قوة الله ظاهرة. فقد قال الرب المقام لتلاميذه "أنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم" (أعمال 8:1). يمكننا تفصيل عمل الله بثلاث نقاط رئيسة: 1. خلق العالميبتدئ الكتاب المقدس "في البدء خلق الله السموات والأرض" ثم يلي ذلك قصة الخليقة فترينا المراحل المختلفة التي مرت بها. فقد كانت الخليقة على نوعين، أشياء لا حياة لها وأشياء حية. والأشياء الحية كانت على نوعين، نبات وحيوان. وحياة الحيوان أيضاً كانت على نوعين، دنيا وهي الحيوانات العجماوات وعليا وهي الإنسان. 2. حفظ العالموهنا يبرز لنا سؤالان عما يتعلق بالخليقة. (1) طريقة الخلق. كيف صنع الله العالم وكل ما فيه؟ وهناك عدة نظرات في الأمر إلا أننا منجذبون إلى تلك العبارة البسيطة "الله خلقه". إن كلمة "خلق" تحمل معها فكرة إيجاد شيء لم يكن موجوداً. لقد استُعملت هذه الكلمة لله وحده في الأسفار المقدسة. ولم يقل قط عن إنسان أنه خلق شيئاً. إنه لأمر هام الإشارة إلى أن كلمة "خلق" ترددت ثلاث مرات في قصة الخلق. أولاً، فيما يتعلق بالأشياء المادية. "في البدء خلق الله السموات والأرض" (تكوين 1: 1) وليس هناك تعليل آخر لأصل المادة. ثانياً، فيما يتعلق بخلق حياة الحيوان. "فخلق الله التنانين العظام وكل ذوات الأنفس الحية الدبابة التي فاضت بها المياه كأجناسها وكل طائر ذي جناح كجنسه" (تكوين 1: 21). وليس هناك أيضاً تعليل آخر لأصل الحياة الحيوانية. ثالثاً، فيما يتعلق بخلق الإنسان. "فخلق الله الإنسان على صورته" (تكوين 1: 27). وليس هناك تعليل آخر لأصل الإنسان. فقد خلق الله الكون المادي وخلق الله الحيوان كما أنه خلق الإنسان. ولكن كيف خلق الله هذه الأشياء؟ إن الكتاب المقدس يعطينا الحقيقة على بساطتها دون أن يظهر لنا الأسلوب بأكثر من أن "قال ليكن فكان ...". "وقال الله ليكن نور فكان نور" (تكوين 1: 3). "وقال الله ليكن (الجلد) فاصلاً بين مياه ومياه. فعمل الله الجلد وفصل بين المياه التي تحت الجلد والمياه التي فوق الجلد وكان كذلك" (تكوين 1: 6 – 7). "وقال الله لتجتمع المياه تحت السماء إلى مكان واحد ولتظهر اليابسة وكان كذلك" (تكوين 1: 9). "وقال الله لتنبت الأرض عشباً وبقلاً يبزر بزراً وشجراً ذا ثمر يعمل ثمراً كجنسه بزره فيه على الأرض وكان كذلك" (تكوين 1: 11). هذه هي العبارة التي تتردد في قصة الخليقة كلها: "وقال الله فكان كذلك". أما صاحب المزامير فيصف لنا الخليقة هكذا "بكلمة الرب صنعت السموات وبنسمة فيه كل جنودها" (مزمور 33: 6) "لأنه قال فكان. هو أمر فصار" (مزمور 33: 9). هذا ويتفق الكاتب إلى العبرانيين مع مرنم المزامير في تعليل الكون "بالإيمان نفهم أن العالمين أتقنت بكلمة الله حتى لم يتكون ما يرى مما هو ظاهر" (عبرانيين 11: 3). (2) زمن الخلق. كم من الوقت قضى الله في خلق كل الأشياء؟ تقول الأسفار المقدسة أن الخليقة قد أكملت في ستة أيام: "لأن في ستة أيام صنع الرب السماء والأرض والبحر وكل ما فيها" (خروج 20: 11). ترى هل كانت تلك الأيام تعادل في طولها أيامنا ذوات الأربع والعشرين ساعة، أم كانت تشير إلى فترات زمنية غير محدودة؟ إن تعبير "مساء وصباح" قد فسره البعض بمعنى أن الأيام كانت في طولها كأيام الأسبوع. وقد يكون التفسير الآخر أكثر انطباقاً على كل الحقائق. فكلمة "يوم" قد استعملت مرات عديدة في الأسفار المقدسة لتدل على زمن غير محدد كما في "يوم الرب" و "يوم الخلاص" و "يوم الغضب" الخ .. استعملت كلمة يوم في سفر التكوين 2: 4 لتحوي كل الخليقة. "يوم عمل الرب الإله الأرض والسموات". إن "كيف" و "متى" في الخليقة ليستا مهمتين كحقيقة أن الله صنعها بطريقته الخاصة وفي وقته هو. ليس الله صانع كل الأشياء فحسب ولكنه حافظها وضابطها أيضاً فهو لم ينسحب من الكون بعد أن خلقها. لكنه وضع أنظمة خاصة يسيّر بها الكون إلا أنه غير مقيد بهذه الأنظمة التي وضعها لأنه إذا رأى مناسباً أن ينسخها لأي مقصد فهو قادر على ذلك فللخوارق مكان في خطة الله. 3. الخلاصإن الله قصداً يريد أن يتممه في الخليقة أو بواسطتها. إن يده هي التي توجه الكون. قد تظهر بعض أعماله غريبة كما أن أعمال عنايته الإلهية غير مفهومة دائماً ولكن لنا الإيمان الذي يجعلنا نعتقد بأن الله يعرف كل شيء وإن كل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الله" (رومية 8: 28). "لماذا يسمح الله للخطية أن تدخل خليقته ولماذا يسمح للشر أن يستمر في العالم؟" هذا السؤال طالما تردد على ألسنة الناس. لكنه سؤال ليس له جواب محدد يستوعبه عقل الإنسان المحدود. كما أن الله لم ير مناسباً أن يعطينا جواباً. ولكن هناك ثلاث حقائق نستطيع أن نتأكد منها. أولاً، لا يستطيع الشر أن يحدث بدون سماح الله به فالشيطان لم يستطع أن يضايق أيوب حتى سمح له الله بذلك. ثانياً: إن الله أيضاً يحدد المدى الذي يستطيع الشرب أن يمتد إليه فالشيطان بمضايقته أيوب لم يستطع أن يذهب لأبعد من المدى الذي سمح به الله. ثالثاً: إن الله غالباً ما يحوّل ما كان يقصد به شراً إلى خير وبركة. فقد قال يوسف لإخوته "أنتم قصدتم لي شراً أما الله فقصد به خيراً لكي يفعل كما اليوم ليحي شعباً كثيراً" (تكوين 50: 20). وقال مرنم المزامير "لأن غضب الإنسان يحمدك" (مزمور 76: 10). يجدر بنا ونحن نبحث في عناية الله أن نقول كلمة عن الملائكة. لقد خلق الملائكة قبل خلق العالم وهم كثر في عددهم. وقد وصفوا بأنهم أرواح خادمة. "أليس جميعهم أرواحاً خادمة مرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص" (عبرانيين 1: 14). يستعمل الله الملائكة لتنفيذ خطط عنايته الإلهية "لأنه يوصي ملائكته بك لكي يحفظوك في كل طرقك. على الأيدي يحملونك لئلا تصطدم بحجر رجلك" (مزمور 91: 11 – 12). عجيبة حقاً هي الخليقة الأولى. ولكن الأعجب منها هي خليقته الجديدة. "إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة" (2 كورنثوس 5: 17). إن الإنسان الذي خلقه الله على صورته أخطأ ضد الله وسقط من علياء مركزه جالباً الخراب لنفسه ولكل الجنس البشري. ولكن الله برحمته لم يتركه لمصيره. لكنه يسر له طريقة للخلاص بإرساله ابنه إلى العالم ليفدي الإنسان من الخطية بموته الكفاري على الصليب. إن موضوع الخلاص بكامله سيبحث في فصل آخر، ولكننا سنؤكد هنا بأن الخلاص هو عمل الله. فالله هو الذي أخذ زمام المبادرة في الخلاص، وهو الذي وضع خطة الخلاص والله هو الذي يخلص بنعمته. قال مرنم المزامير "للرب الخلاص" (مزمور 3: 8)، وأعلن بولس "لأنكم بالنعمة مخلصون بالإيمان وذلك ليس منكم هو عطية الله" (أفسس 2: 8). وفي الأصحاح ذاته والعدد العاشر منه نرى هذه العبارة. "لأننا نحن عمله مخلوقين في المسيح يسوع." "فليحمدوا الرب على رحمته وعجائبه لبني آدم" (مزمور 107: 8). |
||||
29 - 07 - 2015, 03:51 PM | رقم المشاركة : ( 8623 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
مصدر الإنسان من أين جاء الإنسان؟ إزاء هذا السؤال يقف العلم دون جواب شاف. إن النظريات العديدة التي وضعت جواباً عن هذا السؤال لم تزد عن كونها نظريات لا برهان على صحتها. ولكن الجواب الصحيح عن هذا السؤال يقدم لنا عن طريق الإعلان الإلهي بمفرده وهذا الجواب هو أن الله خلقه. وفي سفر التكوين 1: 27 يتردد ذكر خلق الله للإنسان ثلاثة مرات. 1- حقيقة الخلقورد في قصة التكوين ثلاثة أوصاف لخلق الإنسان. الوصف الأول في تكوين 1: 27 وفيه حقيقة خلقه. والثاني في تكوين 2: 7 ويصف كيفية خلقه. والثالث في تكوين 2: 21 – 22 ويبين كيفية خلق المرأة. ووردت قصة خلق الإنسان مرة أخرى في تكوين 5: 1 – 2. 2- كيفية الخلقبينما نرى حقيقة خل الإنسان تتردد عدة مرات نجد الطريقة التي بها صنع الله الإنسان غير واردة بوضوح. إن معظم ما نعرفه مدون في سفر التكوين 2: 7 "وجبل الرب الإله آدم تراباً من الأرض ونفخ في أنفه نسمة حياة فصار آدم نفساً حية". لقد اشتملت عملية الخلق على مرحلتين. المرحلة الأولى مرحلة خلق الجسد "وجبل الرب الإله آدم تراباً من الأرض" أي أن الجسد صنع من مواد موجودة آنفاً. وبالإمكان تحليل جسد الإنسان والتثبت من نسبة المواد التي يركب منها. أما كيف جبل الله جسد الإنسان فغير واضح. المرحلة الثانية من خلق الإنسان تشير إلى روحه أو طبيعته الروحية "ونفخ في أنفه نسمة حياة، فصار آدم نفساً حية" وهذا بالطبع يعني أكثر من الحياة التي منحت للحيوانات إن الله قد منح الإنسان شيئاً من ذاته. فيما نورد هذين الرأيين في خلق الإنسان، علينا ألا نفكر بأن الله قد جمع كرمة من التراب ثم مثل بها شكل إنسان ثم نفخ فيها الحياة! ففي وصف هذا الأمر يقول دلتش "إن صنع الإنسان من التراب ونفخ نسمة الحياة فيه يجب ألا يفهما فهما ميكانيكياً كأنما الله بنى أولاً شكلاً آدمياً من التراب ثم نفخ نسمة الحياة في هذه الكتلة الترابية التي صنعها على هيئة الإنسان جاعلاً منها كائناً حياً ... وبقدرته الإلهية الغلابة قام الإنسان من التراب وفي ذات اللحظة التي بها أصبح التراب بقوة الله الخلاقة الغلابة على شكل إنسان منح نسمة الحياة الإلهية وخلق كائناً حياً. وهكذا لا يمكننا القول أن الجسد خلق قبل الروح. أما أصحاب نظرية النشوء والارتقاء، فيدعون بالطبع، بأن الخليقة كلها هي نتيجة أجيال طويلة من التطوير. وبأن الإنسان تطور من الحيوانات الدنيا إلى ما هو عليه الآن. أما أصحاب نظرية النشوء والارتقاء الماديون فيحذفون الله من حسابهم بالمرة. بينما يعتقد البعض الآخر بأن جميع مراحل التطوير تمت بتوجيه من الله. على كل فإن أصحاب هذه النظرية – النشوء والارتقاء – غير متفقين بعضهم مع البعض ونظريتهم هذه بدلاً من أن تحل الأشكال وتجلو الغموض زادتها تعقيداً وغموضاً. إن المسيحي العادي مقتنع ومتأكد بأن الله خلق الإنسان وله في هذا كل الكفاية. |
||||
29 - 07 - 2015, 03:51 PM | رقم المشاركة : ( 8624 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
طبيعة الإنسان ما هي طبيعة هذا المخلوق، الإنسان، الذي خلقه الله على مثاله؟ 1- مزدوجة – جسد وروحإن للإنسان كما تبين لنا من البحث السابق طبيعة مزدوجة جسدية وروحية. أي أن للإنسان جسداً ونفساً يقول بعض علماء الكتاب المقدس بأن للإنسان طبيعة ثلاثية تتألف من جسد ونفس وروح. ففي رسالة بولس الأولى إلى أهل تسالونيكي 5: 23 كتب بولس "وإله السلام نفسه يقدسكم بالتمام ولتحفظ روحكم ونفسكم وجسدكم كاملة بلا لوم عند مجيء ربنا يسوع المسيح". وكاتب الرسالة إلى العبرانيين يقول: "إلى مفرق النفس والروح" (4: 12). وبناء على هذا التفسير فإن كلمة "النفس" تشير إلى الإنسان ككائن حي أو كائن ذي وعي ذاتي بينما تدل الروح على انه كائن ذو إدراك بوجود الله. 2- على صورة اللهعلى أية حال فإن كلمتي "روح" و "نفس" غير مميزتين بوضوح في الكتاب المقدس ويظهر أحياناً أنهما استعملتا مترادفتين. والدكتور أهـ سترونغ يقول "إن طبيعة الإنسان ليست بيتاً مؤلفاً من ثلاث طبقات بل بيت من طبقتين تحوي الطبقة العلوية منه نوافذ تطل على ناحيتين، نحو الأرض ونحو السماء". إن الوصف الوارد في سفر التكوين يظهر لنا أن للإنسان طبيعة مزدوجة الجسد والنفس. والجسد والنفس يتحدان فيؤلفان شخصية واحدة. ومع أن النفس هي الجزء الأهم في الشخص فإن الجسد يجب ألا يحتقر بل على العكس يجب أن يحترم لقيمته الحقة ولكرامته. إن جسد المسيحي قد دعي هيكل الروح القدس "أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم الذي لكم من الله وأنكم لستم لأنفسكم لأنكم قد اشتريتم بثمن فمجدوا الله في أجسادكم" (1 كورنثوس 6: 19 – 20). يجب ألا نهمل الجسد أو نسيء استعماله بل علينا أن نحفظه طاهراً معافى قوياً لخدمة الله. ينفرد الإنسان بين جميع الخلائق في أنه يحمل صورة الله. "وقال الله نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا" (تكوين 1: 26) لا يظهر أن هناك فرقاً واضحاً بين "صورة" و "مثال"، فالإنسان مخلوق على شبه الله. فكيف صنع الإنسان على شبه أو مثال الله؟ هذا بالتأكيد لا يعني أنها مشابهة جسدية لأن الله روح بلا شكل جسدي فالمشابهة أذن في طبيعته الروحية. يقترح الدكتور ملنـز ثمانية أشياء تظهر كون الإنسان مخلوقاً على صورة الله. له طبيعة مفكرة، وطبيعة أدبية، وطبيعة عاطفية، وإرادة، وكيان حر، وميل إلى البر، وتسلط على الخلائق الدنيا، وخلود. ويمكننا جمع هذه تحت ثلاث نقاط رئيسية: (1) الشخصية: الإنسان كائن ذو عقل ووعي ذاتي وإرادة حرة. أما الحيوانات الدنيا فلها حياة ولكن ليس لها شخصية. لها غرائز خاصة تقودها إلى عمل أشياء معينة، ولكن ليس لها المقدرة على التفكير والتخطيط كما يقول المرنم: "لا تكونوا كفرس أو بغل بلا فهم" (مزمور 32: 9). الإنسان كائن حر، متمتع بالقدرة على اختيار الطريق التي يسلكها. إن الله لا يرغمه على أن يكون باراً، كما أنه لا يردعه عندما يختار الطريق الخاطئة، وحق الاختيار هذا قسم من الصورة الإلهية الكائنة في الإنسان. وبما أن الإنسان كائن عاقل ذو وعي ذاتي وذو إرادة حرة فهو قادر على أن يقيم علاقات مع أخيه الإنسان وكذلك مع الله. وبما أنه شخص فهو لذلك يستطيع أن تكون له شركة مع الآخرين كما يستطيع أن تكون له شركة مع الله. (2)الناحية الأخلاقية: إن كون الإنسان على مثال الله يعني أن الإنسان ذو طبيعة أخلاقية. فهو قادر على التمييز بين الخير والشر كما أن له الحق في أن يختار أياً منهما وهذا أمر لا ينطبق على الحيوانات الدينا. إذ أنه ليس لها أية حاسة للتمييز بين الخير والشر. كان الإنسان عندما خلقه الله كاملاً بأخلاقه ودون أية خطية وبعد خلق الإنسان قيل: "ورأى الله كل ما عمله فإذا هو حسن جداً" (تكوين 1: 31). لقد كان الكل كما أراده الله أن يكون بما في ذلك الإنسان فالله الكامل لا يمكنه أن يخلق كائناً غير كامل. (3) الخلود: إن الإنسان المخلوق على صورة الله، هو كائن خالد. بينما إن الشبه بالله أمر روحي وليس أمراً جسدياً. فالخلود لا ينطبق على جسد الإنسان لكنه ينطبق على روحه. فالجسم يموت ولكن للروح كياناً دائماً. وقد قال الحكيم في وصفه الموت: "فيرجع التراب إلى الأرض كما كان وترجع الروح إلى الله الذي أعطاها" (جامعة 12: 7). أي أن الجسم يموت وأما الروح فتبقى حية. وبما أن الإنسان كائن خلقي عاقل فقد سلطه الله على كل خلائقه "وباركهم الله وقال لهم اثمروا واكثروا واملأوا الأرض واخضعوها وتسلطوا على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى كل حيوان يدب على الأرض" (تكوين 1: 28). ومرة أخرى نقرأ في المزمور 8: 4 – 6 هذه العبارة: "فمن هو الإنسان حتى تذكره وابن آدم حتى تفتقده. وتنقصه قليلاً عن الملائكة وبمجد وبهاء تكلله. تسلطه على أعمال يديك. جعلت كل شيء تحت قدميه". وبما أن الإنسان قد خلق على مثال الله، فهناك كرامة لشخصيته الإنسانية لا بد وأن تحترم. فقد رأى الله مناسباً أن يمنح بعض الناس مواهب وسجايا أكثر مما منح غيرهم ولكن هذا لا يعني بحال أن المنعم عليهم يحق لهم أكثر من غيرهم أن يحتقروا من هم دونهم نعماً وسجايا. فالكل مخلوق على صورة الله وعلى هذا الأساس يجب أن يعاملوا. فلا موضع لاستعباد البشر مباشرة أو غير مباشرة. ليس في العلاقات البشرية أي مكان للنظرية القائلة بجواز تحكم فئة صغيرة بمصائر جماهير البشر دون اعتبار لإرادتهم. وإن الإنسان ليس سوى سن أو برغي في آلة كبيرة. لذا يقول بطرس أنه تعلم درساً قيماً في قيصرية وهو "أن الله لا يقبل الوجوه" (أعمال 10: 34). |
||||
29 - 07 - 2015, 03:52 PM | رقم المشاركة : ( 8625 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
مسكن الإنسان إن وصف المسكن الذي أعده الله للإنسان موجود في سفر التكوين 2: 8 – 17 فهو جنة من غرس الله ذاته "وغرس الرب الإله جنة في عدن شرقاً ووضع هناك آدم الذي جبله" (تكوين 2: 8). 1. موقعهينظر بعض طلاب الكتاب المقدس إلى قصة الخليقة بكاملها نظرتهم إلى قصة رمزية فالجنة بالنسبة لهم شيء رمزي ترمي إلى بعض الحقائق الخاصة. ولكن القصة كما يرويها الكتاب المقدس تمثل حقائق واقعة. كانت الجنة واقعة حتماً في عدن شرقاً. إن لفظتي "عدن" و "الجنة" ليستا لفظتين مترادفتين "فعدن" ومعناها "السرور" هي البلاد التي جعلت فيها الجنة. أما أين تقع هذه البلاد فليس واضحاً تماماً، ولو أن الوصف المعطى والأنهار المذكورة تشير إلى أنها واقعة في أواسط آسيا. 2. المعيشة فيهفي تلك الجنة التي غرسها الله حيث الوفرة والجمال "وأنبت الرب الإله من الأرض كل شجرة شهية للنظر وجيدة للأكل" (تكوين 2: 9) غرس الله شجرتين عجيبتين – شجرة الحياة، التي جعلها لخلاص الإنسان من الموت لو لم يخطئ، وشجرة معرفة الخير والشر التي جعلت لامتحان مقدار ولاء الإنسان لله. "وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها لأنك يوم تأكل منها موتاً تموت" (تكوين 2: 17). 3. عمل الإنسانلم يكن للبطالة محل في برنامج لله للإنسان "وأخذ الرب الإله آدم ووضعه في جنة عدن ليعملها ويحفظها" (تكوين 2: 15). لم يكن الإنسان ليأكل من ثمار الجنة ويتمتع بجمالها فقط. بل كان عليه أن يعمل فيها ويحفظها. لم يكن مقصد الله مطلقاً أن يعيش الإنسان بطالاً، لا في هذه الحياة ولا في الأخرى. وفي هذا المعنى يقول الرائي في أجمل ما كتب من أوصاف عن البيت السماوي وفي آخر فصل من فصول الكتاب المقدس ما يلي: "وعبيده يخدمونه" (رؤيا 22: 3). |
||||
29 - 07 - 2015, 03:53 PM | رقم المشاركة : ( 8626 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
سقوط الإنسان لم يبق الإنسان على حالته الأولى كاملاً وبلا خطية. فقد عصى الله فسقط من علياء حالته السعيدة وفي الأصحاح الثالث من سفر التكوين وصف لسقوطه. 1. عامل السقوطإن القصة حسب ما يرويها الكتاب المقدس تقول إن الحية هي العامل "وكانت الحية أحيل جميع حيوانات البرية التي عملها الرب الإله فقالت للمرأة ... " (تكوين 3: 1). أما كون الشيطان هو العامل الأساسي في التجربة فوارد إذ أنه قيل عنه فيما بعد "فطرح التنين العظيم الحية القديمة المدعو إبليس والشيطان الذي يضل العالم كله" (رؤيا 12: 9). 2. نتائج السقوطأما كيف كان شكل الحية ومظهرها وميزاتها الخاصة قبل السقوط فهو على الراجح أمر غامض. يصورها البعض مخلوقاً جميلاً يسير منتصباً لا زاحفاً على الأرض والكتاب المقدس يقول أنها كانت أدهى الحيوانات وأمكرها. ولهذا السبب بالذات اختار الشيطان الحية وسيطاً للتجربة. فمن هو الشيطان؟ يقول الكتاب المقدس إنه رئيس الأرواح الشريرة الكثيرة العدد. أما من أين جاء هذا العدد الضخم فإن ما نعرفه عنه لا يعدو النـزر القليل من الآيات الواردة في الكتاب المقدس، التي تذكر شيئاً عن هذه الأرواح نستنتج منها أنها كائنات مخلوقة كانت في يوم من الأيام بلا خطية. وتحت قيادة الشيطان عصوا الله فطردوا من حضرته. ويقول الكتاب المقدس عن سقوطهم "والملائكة الذين لم يحفظوا رياستهم بل تركوا مسكنهم" (يهوذا 6). وبطرس يقول "لأنه إن كان الله لم يشفق على ملائكة قد أخطأوا بل في سلاسل الظلام طرحهم في جهنم وسلمهم محروسين للقضاء" (2 بطرس 2: 4). وقال يسوع لرسله: "رأيت الشيطان ساقطاً مثل البرق من السماء" (لوقا 10: 18). أما سبب سقوط الشيطان وملائكته فغير مذكور. ويبين بولس أنه الكبرياء "لئلا يتصلف فيسقط في دينونة إبليس" (1 تيموثاوس 3: 6). وهكذا أصبح الشيطان عدو الله الأول وقد قاد أنصاره لمحاربة الله بكل طريقة ممكنة. لذلك عندما خلق الله الإنسان بدأ الشيطان يسعى ليجلب عليه الخراب. وكانت طرقه ذات الطرق التي يستعملها إلى اليوم. استعمل الخبث مخفياً شخصيته مستشيراً الشهوات والرغائب، بعث الشك حول صلاح الله، مكذباً ومناقضاً كلمة الله. اقترب الشيطان من الامرأة التي كما يظهر كانت أكثر تصديقاً له. وقد استسلمت للتجربة وأكلت من الثمرة المحرمة. ثم إنها أغرت آدم ليشترك معها في عصيانها لله وهنا يقول بولس: "إن المرأة أغويت ولكن الرجل لم يغو. لأنه كان يعرف ما هو فاعل كل المعرفة. وآدم لم يغو ولكن المرأة أغويت فحصلت في التعدي" (تيموثاوس 2: 14). ومن الطبيعي أن يثار السؤال التالي وهو لماذا سمح الله للخطية أن تأتي إلى العالم؟ ولن نجني إلا القليل من تفحصنا لدوافع الله ومقاصده ولكن يمكن القول أن الإنسان، ما لم تكن له الفرصة في الخيار بين الصواب والخطأ، لا يمكن أن يكون مخلوقاً حراً. إذ بذلك يكون صلاحه إجبارياً. لقد نتج من خطية الإنسان وعصيانه ثلاث نتائج مفجعة: (1) للرجل والمرأة: من جراء سقوطهما شوه الرجل والمرأة صورة الله فيهما، وخسرا شركتهما مع الله. امتلأ آدم وحواء بالخوف والخجل وحاولا أن يختبئا من وجه الله. وقد حلت بهما لعنة. "وقال للمرأة تكثيراً أكثر أتعاب حبلك بالوجع تلدين أولاداً وإلى رجلك يكون اشتياقك وهو يسود عليك" (تكوين 3: 16). "وقال لآدم لأنك سمعت لقول امرأتك وأكلت من الشجرة التي أوصيتك قائلاً لا تأكل منها ملعونة الأرض بسببك. بالتعب تأكل منها كل أيام حياتك وشوكاً وحسكاً تنبت لك وتأكل عشب الحقل. بعرق وجهك تأكل خبزاً حتى تعود إلى الأرض التي أخذت منها" (تكوين 3: 17 – 19). وطرد الرجل والمرأة من الجنة: "فأخرجه الرب الإله من جنة عدن ليعمل الأرض التي أخذ منها" (تكوين 3: 23). ولكن العاقبة المرعبة لخطيئة الإنسان يمكن جمعها كلمة واحدة "الموت" "لأنك يزم تأكل منها موتاً تموت" (تكوين 2: 17) وهذا الموت كان موتاً جسدياً وموتاً روحياً أيضاً. منذ اليوم الذي عصى به الإنسان الله أصبح مخلوقاً ميتاً. إن جسده لم يمت يوم أخطأ بالذات، ولكنه أصبح عرضة للمرضى والوهن التي تنتهي إلى الموت. إلا أن الإنسان قد مات روحياً منذ اليوم الذي أخطأ فيه ضد الله. إن الموت لا يعني توقف الحياة ولكنه يعني الانفصال أو الانحلال. الموت الطبيعي يعني انفصال الروح عن الجسد. وقد وصف بأنه تسليم للروح "وأسلم إبراهيم روحه ومات" (تكوين 25: 8). والموت الروحي هو انفصال النفس عن الله. وكل البشر في حالتهم الطبيعية أموات روحياً. والإيمان هو انتقال من الموت إلى الحياة. "الحق الحق أقول لكم إن من يسمع كلامي ويؤمن بالذي أرسلني فله حياة أبدية ولا يأتي إلى دينونة بل قد انتقل من الموت إلى الحياة" (يوحنا 5: 24). هذا وسنتوسع في بحث هذا الموضوع في الفصل التالي. (2) للجنس البشري. إن الإنسان بسقوطه لم يجلب الدمار على نفسه فحسب بل على ذريته أيضاً. وبما أن آدم هو أبو الجنس البشري فتأثير خطيته قد تعداه إلى نسله. لأنهم أصبحوا ورثة لطبيعته الساقطة. هذه الحقيقة ظاهرة بوضوح في العهدين القديم والجديد فقد قال داود: "هائنذا بالإثم صورت وبالخطية حبلت بي أمي" (مزمور 51: 5). لم يتهم داود أمه بالخطية ولكنه يعلن أنه قد ولد بطبيعة فاسدة والعهد الجديد يبين هذه الحقيقة بوضوح أجلى. نجد في الفصل الخامس من الرسالة إلى أهل رومية هذا التعبير "من أجل ذلك كأنما بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم وبالخطية الموت وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع" (عدد 12) و "لأنه إن كان بخطية الواحد قد ملك الموت بالواحد" (عدد 17). "فإذاً كما بخطية واحدة صار الحكم إلى جميع الناس للدينونة" (عدد 18) "لأنه كما بمعصية الإنسان الواحد جعل الكثيرون خطاة" (عدد 19). وفي أفسس 2: 3 يقول بولس "الذين نحن أيضاً جميعاً تصرفنا قبلاً بينهم في شهوات جسدنا عاملين مشيئات الجسد والأفكار وكنا بالطبيعة أبناء الغضب كالباقين أيضاً". ومن جراء الخطية أصبح الإنسان فاسداً بطبيعته وبعد سنين عديدة قال يسوع: "هكذا كل شجرة جيدة تصنع أثماراً جيدة. وأما الشجرة الرديئة فتصنع أثماراً ردية. لا تقدر شجرة جيدة أن تصنع أثماراً ردية ولا شجرة ردية أن تصنع أثماراً جيدة" (متى 7: 17 – 18) وهكذا فإذا كان رأس الجنس البشري فاسداً فإنه لا يستطيع أن يثمر إلا نسلاً فاسداً. إن البراهين على صدق هذه الحقيقة غير قائمة في الأسفار المقدسة فحسب، ولكن يمكن أن نبرهن على صحتها باختباراتنا الخاصة. لقد ظل أبناء آدم يحملون طبيعتهم الفاسدة. ولم يكن ميل سلالته للتحسين ولكن ميلهم كان للفساد الخلقي حتى "رأى الرب أن شر الإنسان قد كثر في الأرض وأن كل تصور أفكار قلبه إنما هو شرير كل يوم" (تكوين 6: 5). وكذلك كانت السلالات المتعاقبة فلم تنتج صالحاً واحداً "الله من السماء أشرف على بني البشر لينظر هل من فاهم طالب الله. كلهم قد ارتدوا معاً فسدوا ليس من يعمل صلاحاً ليس ولا واحد" (مزمور 53: 2 – 3). كل مولود يأتي هذا العالم لا يلبث حتى تظهر عليه مظاهر الطبيعة الشريرة. "الفساد الكلي" هو تعبير استعمل لوصف حالة الجنس البشري. وهذا لا يعني أن الإنسان فاسد كل الفساد وأن لا أثر للخير فيه، ولا يعني أيضاً أن الكل متساوون في الخطية، ولكننا نعني أن الكيان بأسره مصاب بالخطية، وأن طبيعة الإنسان بكاملها قد أصيبت بضربتها. وهنا لا بد أن يبدر سؤال هو: ما هي حالة الأطفال الذين يموتون أطفالاً أو قبل بلوغهم سن الرشد؟ هل يهلكون؟ لقد آمن بهذا الإيمان بعض الناس قبل مدة من الزمن. وقد يكون هذا الاعتقاد – اعتقاد هلاك الأطفال الذين يموتون إن لم يعمل شيء لهم – هو الذي قاد إلى معمودية الأطفال. نحن نعتقد أن الذين يموتون قبل بلوغهم سن الرشد يخلصون إن كانوا معمدين أو غير معمدين. فهم غير خاضعين للدينونة إلى أن يبلغوا سن الرشد. فليس لماء المعمودية أية فاعلية لتطهير الطبيعة الفاسدة. والذين يموتون في حالة الطفولة يخلصون برحمة الله ونعمته. وقد أكد داود هذا الرأي بخصوص ابنه الصغير الذي مات فقال "أنا ذاهب إليه وأما هو فلا يرجع إلي" (1 صموئيل 12: 23). أما كيف ومتى يخلص الطفل الصغير فغير واضح في الأسفار المقدسة. وفي هذا المعنى يقول الدكتور ا.هـ سترونغ "بما أنه ليس من دليل على أن المواليد الذين يموتون أطفالاً يتجددون قبيل موتهم، إما بواسطة خارجية أو بغيرها فمن الممكن إذاً أن عملية التجديد تحدث بواسطة الروح بما يتعلق بروح الطفل بعد النظرة الأولى التي يرى بها المسيح في الحياة الأخرى". "وكما أن بقايا الفساد الطبيعي في المسيحي تستأصل، ليس بالموت ولكن عند الموت برؤية المسيح والاتحاد به، كذلك فإن اللحظة الأولى التي يعود بها الطفل إلى وعيه تطابق ذات اللحظة التي يرى بها المسيح المخلص الذي يتمم التقديس الكامل لطبيعته". (3) لبقية الخليقة. هناك آيات كتابية تشير إلى أن لعنة خطيئة الإنسان قد حلت على كل الخليقة. حلت اللعنة على الحيوانات. فقد قال الله للحية: لأنك فعلت هذا ملعونة أنت من جميع البهائم ومن جميع وحوش البرية. على بطنك تسعين وتراباً تأكلين كل أيام حياتك" (تكوين 3: 14). إن جميع المملكة الحيوانية قد تأثرت بهذه السقطة فأصبح الوحش ضد الوحش، يسعى كل للفتك بالآخر وتمزيقه. إذ أنه من المؤكد أن الوحوش لم تخلق هكذا منذ البدء. وكذلك حلت اللعنة بالخليقة المادية. فقد قال الله لآدم: "لأنك سمعت لقول امرأتك وأكلت من الشجرة التي أوصيتك قائلاً لا تأكل منها، ملعونة الأرض بسببك. بالتعب تأكل منها كل أيام حياتك وشوكاً وحسكاً تنبت لك" (تكوين 3: 17 – 18). كما أن بولس يقول في رسالته إلى أهل رومية 8: 20 – 22 "إذ أخضعت الخليقة للبطل ليس طوعاً بل من أجل الذي أخضعها على الرجاء لأن الخليقة نفسها أيضاً ستعتق من عبودية الفساد إلى حرية مجد أولاد الله فإننا نعلم أن كل الخليقة تئن وتتمخض معاً إلى الآن". وكما أن الخليقة قد سقطت بأسرها تحت لعنة الخطية، كذلك فإنه سيكون لها نصيب في أمجاد الفداء. ولهذا فإن أشعيا في وصفه لحكم المسيح المجيد يقول: "فيسكن الذئب مع الخروف ويربض النمر مع الجدي والعجل والشبل والمسمن معاً وصبي صغير يسوقها. والبقرة والدبة ترعيان. تربض أولادهما معاً والأسد كالبقر يأكل تبناً. ويلعب الرضيع على سرب الصل ويمد الفطيم يده على حجر الأفعوان. لا يسوءون ولا يفسدون في كل جبل قدسي لأن الأرض تمتلئ من معرفة الرب كما تغطي المياه البحر" (أشعياء 11: 6 – 9). وفي تفسير هذه الفقرة السابقة يقول الدكتور الكسندر مكلارن: "إننا لا نستطيع القطع في موضوع معرفتنا به قاصرة، كما أننا لا نستطيع التأكد من مقدار الرمزية في هذه الصورة الحلوة، يكفينا أنه لا بد من أن يأتي يوم فيه يعيد ملك البشر وسيد الطبيعة السلام والوئام بين الاثنين كما يستعيد تلك الموسيقى العذبة التي سيعزفها كل مخلوق إلى ربه العظيم". أما الرائي فيقول في وصف عجيب لواحدة من رؤاه. "وكل خليقة ما في السماء وعلى الأرض وتحت الأرض وما على البحر كل ما فيها سمعتها قائلة للجالس على العرش وللخروف البركة والكرامة والمجد والسلطان إلى أبد الآبدين" (رؤيا 5: 13). ولكن لا بد من الرجوع إلى ما يذكرنا به الدكتور مكلارن وهو "أننا لا نستطيع القطع في موضوع معرفتنا به قاصرة". |
||||
29 - 07 - 2015, 03:54 PM | رقم المشاركة : ( 8627 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
تاج الخليقة مصدر الإنسانوقال الله نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا (تكوين 1: 26) الإنسان، هو الاسم الذي أطلقه الله على أسمى خلائقه وهو بالعبرية "آدم" وهذه الكلمة ليست اسماً علماً كقايين أو هابيل ولو أنها استعملت أحياناً كذلك كما في سفر أخبار الأيام الأول 1: 1، و "آدم" كلمة عبرية ترجمت بكلمة "إنسان". وكلمة "آدم" لا تعني "الرجل" أي للتمييز بين الذكر والأنثى. فهناك كلمة أخرى للدلالة على هذا المعنى أما آدم فإنها تعني كلا الجنسين الرجل والمرأة. أي أنها أطلقت لتعني الجنس البشري وهذا واضح في عبارة سفر التكوين 1: 27: "فخلق الله الإنسان على صورته على صورة الله خلقه ذكراً وأنثى خلقهم." قد ترددت الحقيقة ذاتها في سفر التكوين 5: 1 – 2: "يوم خلق الله الإنسان على شبه الله عمله ذكراً وأنثى خلقه وباركه ودعا اسمه آدم يوم خلق" أما المعنى الجذري للكلمة فهو "التراب الأحمر" وقد يدل هذا على حقيقة خلقه من تراب الأرض. والقصة الواردة في سفر التكوين تظهر عدة حقائق عن البشر. من أين جاء الإنسان؟ إزاء هذا السؤال يقف العلم دون جواب شاف. إن النظريات العديدة التي وضعت جواباً عن هذا السؤال لم تزد عن كونها نظريات لا برهان على صحتها. ولكن الجواب الصحيح عن هذا السؤال يقدم لنا عن طريق الإعلان الإلهي بمفرده وهذا الجواب هو أن الله خلقه. وفي سفر التكوين 1: 27 يتردد ذكر خلق الله للإنسان ثلاثة مرات. 1- حقيقة الخلقورد في قصة التكوين ثلاثة أوصاف لخلق الإنسان. الوصف الأول في تكوين 1: 27 وفيه حقيقة خلقه. والثاني في تكوين 2: 7 ويصف كيفية خلقه. والثالث في تكوين 2: 21 – 22 ويبين كيفية خلق المرأة. ووردت قصة خلق الإنسان مرة أخرى في تكوين 5: 1 – 2. 2- كيفية الخلقبينما نرى حقيقة خل الإنسان تتردد عدة مرات نجد الطريقة التي بها صنع الله الإنسان غير واردة بوضوح. إن معظم ما نعرفه مدون في سفر التكوين 2: 7 "وجبل الرب الإله آدم تراباً من الأرض ونفخ في أنفه نسمة حياة فصار آدم نفساً حية". طبيعة الإنسانلقد اشتملت عملية الخلق على مرحلتين. المرحلة الأولى مرحلة خلق الجسد "وجبل الرب الإله آدم تراباً من الأرض" أي أن الجسد صنع من مواد موجودة آنفاً. وبالإمكان تحليل جسد الإنسان والتثبت من نسبة المواد التي يركب منها. أما كيف جبل الله جسد الإنسان فغير واضح. المرحلة الثانية من خلق الإنسان تشير إلى روحه أو طبيعته الروحية "ونفخ في أنفه نسمة حياة، فصار آدم نفساً حية" وهذا بالطبع يعني أكثر من الحياة التي منحت للحيوانات إن الله قد منح الإنسان شيئاً من ذاته. فيما نورد هذين الرأيين في خلق الإنسان، علينا ألا نفكر بأن الله قد جمع كرمة من التراب ثم مثل بها شكل إنسان ثم نفخ فيها الحياة! ففي وصف هذا الأمر يقول دلتش "إن صنع الإنسان من التراب ونفخ نسمة الحياة فيه يجب ألا يفهما فهما ميكانيكياً كأنما الله بنى أولاً شكلاً آدمياً من التراب ثم نفخ نسمة الحياة في هذه الكتلة الترابية التي صنعها على هيئة الإنسان جاعلاً منها كائناً حياً ... وبقدرته الإلهية الغلابة قام الإنسان من التراب وفي ذات اللحظة التي بها أصبح التراب بقوة الله الخلاقة الغلابة على شكل إنسان منح نسمة الحياة الإلهية وخلق كائناً حياً. وهكذا لا يمكننا القول أن الجسد خلق قبل الروح. أما أصحاب نظرية النشوء والارتقاء، فيدعون بالطبع، بأن الخليقة كلها هي نتيجة أجيال طويلة من التطوير. وبأن الإنسان تطور من الحيوانات الدنيا إلى ما هو عليه الآن. أما أصحاب نظرية النشوء والارتقاء الماديون فيحذفون الله من حسابهم بالمرة. بينما يعتقد البعض الآخر بأن جميع مراحل التطوير تمت بتوجيه من الله. على كل فإن أصحاب هذه النظرية – النشوء والارتقاء – غير متفقين بعضهم مع البعض ونظريتهم هذه بدلاً من أن تحل الأشكال وتجلو الغموض زادتها تعقيداً وغموضاً. إن المسيحي العادي مقتنع ومتأكد بأن الله خلق الإنسان وله في هذا كل الكفاية. ما هي طبيعة هذا المخلوق، الإنسان، الذي خلقه الله على مثاله؟ 1- مزدوجة – جسد وروحإن للإنسان كما تبين لنا من البحث السابق طبيعة مزدوجة جسدية وروحية. أي أن للإنسان جسداً ونفساً يقول بعض علماء الكتاب المقدس بأن للإنسان طبيعة ثلاثية تتألف من جسد ونفس وروح. ففي رسالة بولس الأولى إلى أهل تسالونيكي 5: 23 كتب بولس "وإله السلام نفسه يقدسكم بالتمام ولتحفظ روحكم ونفسكم وجسدكم كاملة بلا لوم عند مجيء ربنا يسوع المسيح". وكاتب الرسالة إلى العبرانيين يقول: "إلى مفرق النفس والروح" (4: 12). وبناء على هذا التفسير فإن كلمة "النفس" تشير إلى الإنسان ككائن حي أو كائن ذي وعي ذاتي بينما تدل الروح على انه كائن ذو إدراك بوجود الله. 2- على صورة اللهعلى أية حال فإن كلمتي "روح" و "نفس" غير مميزتين بوضوح في الكتاب المقدس ويظهر أحياناً أنهما استعملتا مترادفتين. والدكتور أهـ سترونغ يقول "إن طبيعة الإنسان ليست بيتاً مؤلفاً من ثلاث طبقات بل بيت من طبقتين تحوي الطبقة العلوية منه نوافذ تطل على ناحيتين، نحو الأرض ونحو السماء". إن الوصف الوارد في سفر التكوين يظهر لنا أن للإنسان طبيعة مزدوجة الجسد والنفس. والجسد والنفس يتحدان فيؤلفان شخصية واحدة. ومع أن النفس هي الجزء الأهم في الشخص فإن الجسد يجب ألا يحتقر بل على العكس يجب أن يحترم لقيمته الحقة ولكرامته. إن جسد المسيحي قد دعي هيكل الروح القدس "أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم الذي لكم من الله وأنكم لستم لأنفسكم لأنكم قد اشتريتم بثمن فمجدوا الله في أجسادكم" (1 كورنثوس 6: 19 – 20). يجب ألا نهمل الجسد أو نسيء استعماله بل علينا أن نحفظه طاهراً معافى قوياً لخدمة الله. ينفرد الإنسان بين جميع الخلائق في أنه يحمل صورة الله. "وقال الله نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا" (تكوين 1: 26) لا يظهر أن هناك فرقاً واضحاً بين "صورة" و "مثال"، فالإنسان مخلوق على شبه الله. فكيف صنع الإنسان على شبه أو مثال الله؟ هذا بالتأكيد لا يعني أنها مشابهة جسدية لأن الله روح بلا شكل جسدي فالمشابهة أذن في طبيعته الروحية. مسكن الإنسانيقترح الدكتور ملنـز ثمانية أشياء تظهر كون الإنسان مخلوقاً على صورة الله. له طبيعة مفكرة، وطبيعة أدبية، وطبيعة عاطفية، وإرادة، وكيان حر، وميل إلى البر، وتسلط على الخلائق الدنيا، وخلود. ويمكننا جمع هذه تحت ثلاث نقاط رئيسية: (1) الشخصية: الإنسان كائن ذو عقل ووعي ذاتي وإرادة حرة. أما الحيوانات الدنيا فلها حياة ولكن ليس لها شخصية. لها غرائز خاصة تقودها إلى عمل أشياء معينة، ولكن ليس لها المقدرة على التفكير والتخطيط كما يقول المرنم: "لا تكونوا كفرس أو بغل بلا فهم" (مزمور 32: 9). الإنسان كائن حر، متمتع بالقدرة على اختيار الطريق التي يسلكها. إن الله لا يرغمه على أن يكون باراً، كما أنه لا يردعه عندما يختار الطريق الخاطئة، وحق الاختيار هذا قسم من الصورة الإلهية الكائنة في الإنسان. وبما أن الإنسان كائن عاقل ذو وعي ذاتي وذو إرادة حرة فهو قادر على أن يقيم علاقات مع أخيه الإنسان وكذلك مع الله. وبما أنه شخص فهو لذلك يستطيع أن تكون له شركة مع الآخرين كما يستطيع أن تكون له شركة مع الله. (2)الناحية الأخلاقية: إن كون الإنسان على مثال الله يعني أن الإنسان ذو طبيعة أخلاقية. فهو قادر على التمييز بين الخير والشر كما أن له الحق في أن يختار أياً منهما وهذا أمر لا ينطبق على الحيوانات الدينا. إذ أنه ليس لها أية حاسة للتمييز بين الخير والشر. كان الإنسان عندما خلقه الله كاملاً بأخلاقه ودون أية خطية وبعد خلق الإنسان قيل: "ورأى الله كل ما عمله فإذا هو حسن جداً" (تكوين 1: 31). لقد كان الكل كما أراده الله أن يكون بما في ذلك الإنسان فالله الكامل لا يمكنه أن يخلق كائناً غير كامل. (3) الخلود: إن الإنسان المخلوق على صورة الله، هو كائن خالد. بينما إن الشبه بالله أمر روحي وليس أمراً جسدياً. فالخلود لا ينطبق على جسد الإنسان لكنه ينطبق على روحه. فالجسم يموت ولكن للروح كياناً دائماً. وقد قال الحكيم في وصفه الموت: "فيرجع التراب إلى الأرض كما كان وترجع الروح إلى الله الذي أعطاها" (جامعة 12: 7). أي أن الجسم يموت وأما الروح فتبقى حية. وبما أن الإنسان كائن خلقي عاقل فقد سلطه الله على كل خلائقه "وباركهم الله وقال لهم اثمروا واكثروا واملأوا الأرض واخضعوها وتسلطوا على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى كل حيوان يدب على الأرض" (تكوين 1: 28). ومرة أخرى نقرأ في المزمور 8: 4 – 6 هذه العبارة: "فمن هو الإنسان حتى تذكره وابن آدم حتى تفتقده. وتنقصه قليلاً عن الملائكة وبمجد وبهاء تكلله. تسلطه على أعمال يديك. جعلت كل شيء تحت قدميه". وبما أن الإنسان قد خلق على مثال الله، فهناك كرامة لشخصيته الإنسانية لا بد وأن تحترم. فقد رأى الله مناسباً أن يمنح بعض الناس مواهب وسجايا أكثر مما منح غيرهم ولكن هذا لا يعني بحال أن المنعم عليهم يحق لهم أكثر من غيرهم أن يحتقروا من هم دونهم نعماً وسجايا. فالكل مخلوق على صورة الله وعلى هذا الأساس يجب أن يعاملوا. فلا موضع لاستعباد البشر مباشرة أو غير مباشرة. ليس في العلاقات البشرية أي مكان للنظرية القائلة بجواز تحكم فئة صغيرة بمصائر جماهير البشر دون اعتبار لإرادتهم. وإن الإنسان ليس سوى سن أو برغي في آلة كبيرة. لذا يقول بطرس أنه تعلم درساً قيماً في قيصرية وهو "أن الله لا يقبل الوجوه" (أعمال 10: 34). إن وصف المسكن الذي أعده الله للإنسان موجود في سفر التكوين 2: 8 – 17 فهو جنة من غرس الله ذاته "وغرس الرب الإله جنة في عدن شرقاً ووضع هناك آدم الذي جبله" (تكوين 2: 8). 1. موقعهينظر بعض طلاب الكتاب المقدس إلى قصة الخليقة بكاملها نظرتهم إلى قصة رمزية فالجنة بالنسبة لهم شيء رمزي ترمي إلى بعض الحقائق الخاصة. ولكن القصة كما يرويها الكتاب المقدس تمثل حقائق واقعة. كانت الجنة واقعة حتماً في عدن شرقاً. إن لفظتي "عدن" و "الجنة" ليستا لفظتين مترادفتين "فعدن" ومعناها "السرور" هي البلاد التي جعلت فيها الجنة. أما أين تقع هذه البلاد فليس واضحاً تماماً، ولو أن الوصف المعطى والأنهار المذكورة تشير إلى أنها واقعة في أواسط آسيا. 2. المعيشة فيهفي تلك الجنة التي غرسها الله حيث الوفرة والجمال "وأنبت الرب الإله من الأرض كل شجرة شهية للنظر وجيدة للأكل" (تكوين 2: 9) غرس الله شجرتين عجيبتين – شجرة الحياة، التي جعلها لخلاص الإنسان من الموت لو لم يخطئ، وشجرة معرفة الخير والشر التي جعلت لامتحان مقدار ولاء الإنسان لله. "وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها لأنك يوم تأكل منها موتاً تموت" (تكوين 2: 17). 3. عمل الإنسانلم يكن للبطالة محل في برنامج لله للإنسان "وأخذ الرب الإله آدم ووضعه في جنة عدن ليعملها ويحفظها" (تكوين 2: 15). لم يكن الإنسان ليأكل من ثمار الجنة ويتمتع بجمالها فقط. بل كان عليه أن يعمل فيها ويحفظها. لم يكن مقصد الله مطلقاً أن يعيش الإنسان بطالاً، لا في هذه الحياة ولا في الأخرى. وفي هذا المعنى يقول الرائي في أجمل ما كتب من أوصاف عن البيت السماوي وفي آخر فصل من فصول الكتاب المقدس ما يلي: "وعبيده يخدمونه" (رؤيا 22: 3). سقوط الإنسانلم يبق الإنسان على حالته الأولى كاملاً وبلا خطية. فقد عصى الله فسقط من علياء حالته السعيدة وفي الأصحاح الثالث من سفر التكوين وصف لسقوطه. 1. عامل السقوطإن القصة حسب ما يرويها الكتاب المقدس تقول إن الحية هي العامل "وكانت الحية أحيل جميع حيوانات البرية التي عملها الرب الإله فقالت للمرأة ... " (تكوين 3: 1). أما كون الشيطان هو العامل الأساسي في التجربة فوارد إذ أنه قيل عنه فيما بعد "فطرح التنين العظيم الحية القديمة المدعو إبليس والشيطان الذي يضل العالم كله" (رؤيا 12: 9). 2. نتائج السقوطأما كيف كان شكل الحية ومظهرها وميزاتها الخاصة قبل السقوط فهو على الراجح أمر غامض. يصورها البعض مخلوقاً جميلاً يسير منتصباً لا زاحفاً على الأرض والكتاب المقدس يقول أنها كانت أدهى الحيوانات وأمكرها. ولهذا السبب بالذات اختار الشيطان الحية وسيطاً للتجربة. فمن هو الشيطان؟ يقول الكتاب المقدس إنه رئيس الأرواح الشريرة الكثيرة العدد. أما من أين جاء هذا العدد الضخم فإن ما نعرفه عنه لا يعدو النـزر القليل من الآيات الواردة في الكتاب المقدس، التي تذكر شيئاً عن هذه الأرواح نستنتج منها أنها كائنات مخلوقة كانت في يوم من الأيام بلا خطية. وتحت قيادة الشيطان عصوا الله فطردوا من حضرته. ويقول الكتاب المقدس عن سقوطهم "والملائكة الذين لم يحفظوا رياستهم بل تركوا مسكنهم" (يهوذا 6). وبطرس يقول "لأنه إن كان الله لم يشفق على ملائكة قد أخطأوا بل في سلاسل الظلام طرحهم في جهنم وسلمهم محروسين للقضاء" (2 بطرس 2: 4). وقال يسوع لرسله: "رأيت الشيطان ساقطاً مثل البرق من السماء" (لوقا 10: 18). أما سبب سقوط الشيطان وملائكته فغير مذكور. ويبين بولس أنه الكبرياء "لئلا يتصلف فيسقط في دينونة إبليس" (1 تيموثاوس 3: 6). وهكذا أصبح الشيطان عدو الله الأول وقد قاد أنصاره لمحاربة الله بكل طريقة ممكنة. لذلك عندما خلق الله الإنسان بدأ الشيطان يسعى ليجلب عليه الخراب. وكانت طرقه ذات الطرق التي يستعملها إلى اليوم. استعمل الخبث مخفياً شخصيته مستشيراً الشهوات والرغائب، بعث الشك حول صلاح الله، مكذباً ومناقضاً كلمة الله. اقترب الشيطان من الامرأة التي كما يظهر كانت أكثر تصديقاً له. وقد استسلمت للتجربة وأكلت من الثمرة المحرمة. ثم إنها أغرت آدم ليشترك معها في عصيانها لله وهنا يقول بولس: "إن المرأة أغويت ولكن الرجل لم يغو. لأنه كان يعرف ما هو فاعل كل المعرفة. وآدم لم يغو ولكن المرأة أغويت فحصلت في التعدي" (تيموثاوس 2: 14). ومن الطبيعي أن يثار السؤال التالي وهو لماذا سمح الله للخطية أن تأتي إلى العالم؟ ولن نجني إلا القليل من تفحصنا لدوافع الله ومقاصده ولكن يمكن القول أن الإنسان، ما لم تكن له الفرصة في الخيار بين الصواب والخطأ، لا يمكن أن يكون مخلوقاً حراً. إذ بذلك يكون صلاحه إجبارياً. لقد نتج من خطية الإنسان وعصيانه ثلاث نتائج مفجعة: (1) للرجل والمرأة: من جراء سقوطهما شوه الرجل والمرأة صورة الله فيهما، وخسرا شركتهما مع الله. امتلأ آدم وحواء بالخوف والخجل وحاولا أن يختبئا من وجه الله. وقد حلت بهما لعنة. "وقال للمرأة تكثيراً أكثر أتعاب حبلك بالوجع تلدين أولاداً وإلى رجلك يكون اشتياقك وهو يسود عليك" (تكوين 3: 16). "وقال لآدم لأنك سمعت لقول امرأتك وأكلت من الشجرة التي أوصيتك قائلاً لا تأكل منها ملعونة الأرض بسببك. بالتعب تأكل منها كل أيام حياتك وشوكاً وحسكاً تنبت لك وتأكل عشب الحقل. بعرق وجهك تأكل خبزاً حتى تعود إلى الأرض التي أخذت منها" (تكوين 3: 17 – 19). وطرد الرجل والمرأة من الجنة: "فأخرجه الرب الإله من جنة عدن ليعمل الأرض التي أخذ منها" (تكوين 3: 23). ولكن العاقبة المرعبة لخطيئة الإنسان يمكن جمعها كلمة واحدة "الموت" "لأنك يزم تأكل منها موتاً تموت" (تكوين 2: 17) وهذا الموت كان موتاً جسدياً وموتاً روحياً أيضاً. منذ اليوم الذي عصى به الإنسان الله أصبح مخلوقاً ميتاً. إن جسده لم يمت يوم أخطأ بالذات، ولكنه أصبح عرضة للمرضى والوهن التي تنتهي إلى الموت. إلا أن الإنسان قد مات روحياً منذ اليوم الذي أخطأ فيه ضد الله. إن الموت لا يعني توقف الحياة ولكنه يعني الانفصال أو الانحلال. الموت الطبيعي يعني انفصال الروح عن الجسد. وقد وصف بأنه تسليم للروح "وأسلم إبراهيم روحه ومات" (تكوين 25: 8). والموت الروحي هو انفصال النفس عن الله. وكل البشر في حالتهم الطبيعية أموات روحياً. والإيمان هو انتقال من الموت إلى الحياة. "الحق الحق أقول لكم إن من يسمع كلامي ويؤمن بالذي أرسلني فله حياة أبدية ولا يأتي إلى دينونة بل قد انتقل من الموت إلى الحياة" (يوحنا 5: 24). هذا وسنتوسع في بحث هذا الموضوع في الفصل التالي. (2) للجنس البشري. إن الإنسان بسقوطه لم يجلب الدمار على نفسه فحسب بل على ذريته أيضاً. وبما أن آدم هو أبو الجنس البشري فتأثير خطيته قد تعداه إلى نسله. لأنهم أصبحوا ورثة لطبيعته الساقطة. هذه الحقيقة ظاهرة بوضوح في العهدين القديم والجديد فقد قال داود: "هائنذا بالإثم صورت وبالخطية حبلت بي أمي" (مزمور 51: 5). لم يتهم داود أمه بالخطية ولكنه يعلن أنه قد ولد بطبيعة فاسدة والعهد الجديد يبين هذه الحقيقة بوضوح أجلى. نجد في الفصل الخامس من الرسالة إلى أهل رومية هذا التعبير "من أجل ذلك كأنما بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم وبالخطية الموت وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع" (عدد 12) و "لأنه إن كان بخطية الواحد قد ملك الموت بالواحد" (عدد 17). "فإذاً كما بخطية واحدة صار الحكم إلى جميع الناس للدينونة" (عدد 18) "لأنه كما بمعصية الإنسان الواحد جعل الكثيرون خطاة" (عدد 19). وفي أفسس 2: 3 يقول بولس "الذين نحن أيضاً جميعاً تصرفنا قبلاً بينهم في شهوات جسدنا عاملين مشيئات الجسد والأفكار وكنا بالطبيعة أبناء الغضب كالباقين أيضاً". ومن جراء الخطية أصبح الإنسان فاسداً بطبيعته وبعد سنين عديدة قال يسوع: "هكذا كل شجرة جيدة تصنع أثماراً جيدة. وأما الشجرة الرديئة فتصنع أثماراً ردية. لا تقدر شجرة جيدة أن تصنع أثماراً ردية ولا شجرة ردية أن تصنع أثماراً جيدة" (متى 7: 17 – 18) وهكذا فإذا كان رأس الجنس البشري فاسداً فإنه لا يستطيع أن يثمر إلا نسلاً فاسداً. إن البراهين على صدق هذه الحقيقة غير قائمة في الأسفار المقدسة فحسب، ولكن يمكن أن نبرهن على صحتها باختباراتنا الخاصة. لقد ظل أبناء آدم يحملون طبيعتهم الفاسدة. ولم يكن ميل سلالته للتحسين ولكن ميلهم كان للفساد الخلقي حتى "رأى الرب أن شر الإنسان قد كثر في الأرض وأن كل تصور أفكار قلبه إنما هو شرير كل يوم" (تكوين 6: 5). وكذلك كانت السلالات المتعاقبة فلم تنتج صالحاً واحداً "الله من السماء أشرف على بني البشر لينظر هل من فاهم طالب الله. كلهم قد ارتدوا معاً فسدوا ليس من يعمل صلاحاً ليس ولا واحد" (مزمور 53: 2 – 3). كل مولود يأتي هذا العالم لا يلبث حتى تظهر عليه مظاهر الطبيعة الشريرة. "الفساد الكلي" هو تعبير استعمل لوصف حالة الجنس البشري. وهذا لا يعني أن الإنسان فاسد كل الفساد وأن لا أثر للخير فيه، ولا يعني أيضاً أن الكل متساوون في الخطية، ولكننا نعني أن الكيان بأسره مصاب بالخطية، وأن طبيعة الإنسان بكاملها قد أصيبت بضربتها. وهنا لا بد أن يبدر سؤال هو: ما هي حالة الأطفال الذين يموتون أطفالاً أو قبل بلوغهم سن الرشد؟ هل يهلكون؟ لقد آمن بهذا الإيمان بعض الناس قبل مدة من الزمن. وقد يكون هذا الاعتقاد – اعتقاد هلاك الأطفال الذين يموتون إن لم يعمل شيء لهم – هو الذي قاد إلى معمودية الأطفال. نحن نعتقد أن الذين يموتون قبل بلوغهم سن الرشد يخلصون إن كانوا معمدين أو غير معمدين. فهم غير خاضعين للدينونة إلى أن يبلغوا سن الرشد. فليس لماء المعمودية أية فاعلية لتطهير الطبيعة الفاسدة. والذين يموتون في حالة الطفولة يخلصون برحمة الله ونعمته. وقد أكد داود هذا الرأي بخصوص ابنه الصغير الذي مات فقال "أنا ذاهب إليه وأما هو فلا يرجع إلي" (1 صموئيل 12: 23). أما كيف ومتى يخلص الطفل الصغير فغير واضح في الأسفار المقدسة. وفي هذا المعنى يقول الدكتور ا.هـ سترونغ "بما أنه ليس من دليل على أن المواليد الذين يموتون أطفالاً يتجددون قبيل موتهم، إما بواسطة خارجية أو بغيرها فمن الممكن إذاً أن عملية التجديد تحدث بواسطة الروح بما يتعلق بروح الطفل بعد النظرة الأولى التي يرى بها المسيح في الحياة الأخرى". "وكما أن بقايا الفساد الطبيعي في المسيحي تستأصل، ليس بالموت ولكن عند الموت برؤية المسيح والاتحاد به، كذلك فإن اللحظة الأولى التي يعود بها الطفل إلى وعيه تطابق ذات اللحظة التي يرى بها المسيح المخلص الذي يتمم التقديس الكامل لطبيعته". (3) لبقية الخليقة. هناك آيات كتابية تشير إلى أن لعنة خطيئة الإنسان قد حلت على كل الخليقة. حلت اللعنة على الحيوانات. فقد قال الله للحية: لأنك فعلت هذا ملعونة أنت من جميع البهائم ومن جميع وحوش البرية. على بطنك تسعين وتراباً تأكلين كل أيام حياتك" (تكوين 3: 14). إن جميع المملكة الحيوانية قد تأثرت بهذه السقطة فأصبح الوحش ضد الوحش، يسعى كل للفتك بالآخر وتمزيقه. إذ أنه من المؤكد أن الوحوش لم تخلق هكذا منذ البدء. وكذلك حلت اللعنة بالخليقة المادية. فقد قال الله لآدم: "لأنك سمعت لقول امرأتك وأكلت من الشجرة التي أوصيتك قائلاً لا تأكل منها، ملعونة الأرض بسببك. بالتعب تأكل منها كل أيام حياتك وشوكاً وحسكاً تنبت لك" (تكوين 3: 17 – 18). كما أن بولس يقول في رسالته إلى أهل رومية 8: 20 – 22 "إذ أخضعت الخليقة للبطل ليس طوعاً بل من أجل الذي أخضعها على الرجاء لأن الخليقة نفسها أيضاً ستعتق من عبودية الفساد إلى حرية مجد أولاد الله فإننا نعلم أن كل الخليقة تئن وتتمخض معاً إلى الآن". وكما أن الخليقة قد سقطت بأسرها تحت لعنة الخطية، كذلك فإنه سيكون لها نصيب في أمجاد الفداء. ولهذا فإن أشعيا في وصفه لحكم المسيح المجيد يقول: "فيسكن الذئب مع الخروف ويربض النمر مع الجدي والعجل والشبل والمسمن معاً وصبي صغير يسوقها. والبقرة والدبة ترعيان. تربض أولادهما معاً والأسد كالبقر يأكل تبناً. ويلعب الرضيع على سرب الصل ويمد الفطيم يده على حجر الأفعوان. لا يسوءون ولا يفسدون في كل جبل قدسي لأن الأرض تمتلئ من معرفة الرب كما تغطي المياه البحر" (أشعياء 11: 6 – 9). وفي تفسير هذه الفقرة السابقة يقول الدكتور الكسندر مكلارن: "إننا لا نستطيع القطع في موضوع معرفتنا به قاصرة، كما أننا لا نستطيع التأكد من مقدار الرمزية في هذه الصورة الحلوة، يكفينا أنه لا بد من أن يأتي يوم فيه يعيد ملك البشر وسيد الطبيعة السلام والوئام بين الاثنين كما يستعيد تلك الموسيقى العذبة التي سيعزفها كل مخلوق إلى ربه العظيم". أما الرائي فيقول في وصف عجيب لواحدة من رؤاه. "وكل خليقة ما في السماء وعلى الأرض وتحت الأرض وما على البحر كل ما فيها سمعتها قائلة للجالس على العرش وللخروف البركة والكرامة والمجد والسلطان إلى أبد الآبدين" (رؤيا 5: 13). ولكن لا بد من الرجوع إلى ما يذكرنا به الدكتور مكلارن وهو "أننا لا نستطيع القطع في موضوع معرفتنا به قاصرة". |
||||
29 - 07 - 2015, 03:56 PM | رقم المشاركة : ( 8628 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
فظاعة الخطية "لكي تصير الخطية خاطئة جداً بالوصية" (رومية 7: 13) استعملت عدة كلمات في الكتاب المقدس للدلالة على الانفصال الذي حدث بين الله والإنسان. فقد قيل فيه أنه تعدّ. إثم. شر، إهانة، معصية، تمرد، ولكن الكلمة المستعملة عادة لوصف سقوط الإنسان هي "الخطية". هذه هي الكلمة التي استعملها الله ذاته. فعندما أنذر قايين قال "إن لم تحسن فعند الباب خطية رابضة" (تكوين 4: 7). إن المعنى الجذري لكلمة خطية هو عدم إصابة الهدف أو التقصير. والخطية هي التقصير عن بلوغ الغاية التي وضعها الله أمامنا وإخطاء الهدف الذي نصبه الله لنا. ويفسر بولس هذا في رسالته إلى أهل رومية 3: 23: "إذ الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله". إنهم لم يتوصلوا إلى المقياس الذي أراد الله أن يتوصلوا إليه. |
||||
29 - 07 - 2015, 03:57 PM | رقم المشاركة : ( 8629 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
سبب الخطية لقد ذكر شيء عن كيفية ظهور الخطية في الفصول السابقة وكل ما نعرفه عن بدابة الخطية مسجل في الأعداد السبعة الأولى من الأصحاح الثالث من سفر التكوين. ومع أن اسم الشيطان غير مذكور في القصة إلا أنه من الواضح أنه السبب الحقيقي للخطية. كما أن القصة تبين طرفاً من الأساليب التي كان وما زال يستعملها. 1. أخفى شخصيته"وكانت الحية أحيل جميع حيوانات البرية التي عملها الرب الإله" (تكوين 3: 1) وهذا هو السبب الذي من أجله اختارها الشيطان من بين جميع الحيوانات. فقد كانت أحيل الجميع. 2. بذر الشك في محبة اللهإن للشيطان هيئات عديدة يتستر بها ويختبئ خلفها. إنه لا يقرب إنساناً قط ليقول له "إنني الشيطان". وبولس يقول أنه – أي الشيطان – يظهر أحياناً كملاك "ولا عجب لأن الشيطان نفسه يغير شكله إلى شبه ملاك نور" (2 كورنثوس 11: 14). "فقالت للمرأة أحقاً قال الله لا تأكلا من كل شجرة الجنة" (تكوين 3: 1). 3. ناقض كلمة لله"بل الله عالم أنه يوم تأكلان منه تنفتح أعينكما وتكونان كالله عارفين الخير والشر" (تكوين 3: 5). فإنه ألمح إليها أن الله يمنع عنهما شيئاً لهما كل الحق فيه. "فقالت الحية للمرأة لن تموتا" (تكوين 3: 4). إن الشيطان لينال نصراً كبيراً إذا ما استطاع أن يشكك أحداً في صدق كلمة الله. فالله يقول "النفس التي تخطئ هي تموت" (حزقيال 18: 4) والشيطان يقول "لن تموتا". 4. حاول استمالة رغبة المرأة الطبيعيةيقول الله "أجرة الخطية هي موت" (رومية 6: 23) والشيطان يقول "لن تموتا". "فرأت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل وأنها بهجة للعيون وأن الشجرة شهية للنظر فأخذت من ثمرها وأكلت ... " (تكوين 3: 6) وبعد سنين عديدة كتب يوحنا "لأن كل ما في العالم شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة" (1 يوحنا 2: 16). وهنا يجدر بنا أن نذكر التجارب الثلاث التي جرب الشيطان بها مخلصنا يسوع المسيح. 5. عمل بواسطة المرأة ليصطاد الرجل"وأعطت رجلها أيضاً معها فأكل" (تكوين 3: 6) قال يسوع للتلاميذ الذين سلموه حياتهم "ستكونون لي شهوداً" (أعمال 1: 8). والشيطان يقول للذين يسلمون نفوسهم له: "ستكونون لي شهوداً". فللشيطان شهود في العالم أكثر مما للرب وفي غالب الأحيان نراهم أكثر غيرة من شهود المسيح. |
||||
29 - 07 - 2015, 03:58 PM | رقم المشاركة : ( 8630 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
طبيعة الخطية في العالم آراء عديدة مختلفة فيما يتعلق بالخيطة. فهناك من ينكر وجودها، ولكن هذا الإنكار لا يبطل وجودها. فالله له تأكيدات مشددة يقولها بصدد هذا الموقف "إن قلنا أنه ليس لنا خطية نضل أنفسنا وليس الحق فينا" (1 يوحنا 1: 8). "إن قلنا أننا لم نخطئ نجعله كاذباًَ وكلمته ليست فينا" (1 يوحنا 1: 10). والبعض يستهزئ بالخطية ولكن الله يصف هذا البعض بأنهم حمقى "الجهال يستهزئون بالإثم" (أمثال 14: 9) والحق يقال أن الاستخفاف بالخطية غباوة ما بعدها غباوة. هناك آخرون يفاخرون بخطاياهم. وفي وصف خطايا أورشليم ويهوذا يقول أشعيا النبي "نظر وجوههم يشهد عليهم وهم يخبرون بخطيتهم كسدوم لا يخفونها" (أشعيا 3: 9). وفي الإنكليزية مثل قديم يقول "الساقط في الخطية إنسان، والنادم عليها قديس، أما المفتخر بها فشيطان" لكن أخطر موقف إزاء الخطية هو ذلك الموقف المقلل من أهميتها حتى لا تظهر في بشاعتها. فيطلقون عليها أسماء مختلفة مثل "سوء تكييف الإنسان لمحيطه" أو "هفوة أدبية" أو قد يذهبون إلى القول أنها مرض والإنسان غير مسؤول عنه. ولكن تغيير اسم الأشياء لا يغير شيئاً من جوهرها. اعتاد الدكتور شابمان أن يذكر قصة عن قسيس ألقى عظة بليغة عن الخطية. وبعد الخدمة ذهب إليه أحد العاملين في الكنيسة وقال "إننا لا نرغب أن تتكلم عن الخطية بمثل هذه الصراحة، لأن أبناءنا وبناتنا إذا ما سمعوك تتكلم عنها يصبحون خطاة بسهولة. سمها غلطة، إذا شئت، ولكن لا تتكلم بمثل هذه الصراحة عن الخطية". فما كان من القسيس إلا أن أخذ زجاجة "ستركنين" وقد ألصق عليها بطاقة تقول إن ما تحويه علاج سام ثم رفعها أمام نظر الزائر قائلاَ "لقد فهمت مرادك إن ما تريده هو أن أغير البطاقة. لنفترض أنني نـزعت هذه البطاقة وألصقت مكانها بطاقة أخرى كتب عليها "روح النعناع" ألا ترى ما الذي سيحدث؟ أنك كل ما حاولت أن تلطف ما كتب على البطاقة كل ما جعلت ما بداخل الزجاجة أشد خطراً". فمهما حاولنا تغيير اسم الخطية فإنها ستظل شيئاً شنيعاً يكرهه الله. اعتدنا أيضاً أن نصف الخطية كشيء أسود. فنقول إن جرائم سوداء قد ارتكبت مثلاً. ولكن هذا التعبير هو غير الذي استعمله الله في وصفه للخطية؟ إنه يدعوها "حمراء" أو "قرمزية" "هلم نتحاجج يقول الرب إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيضّ كالثلج. إن كانت حمراء كالدودي تصير كالصوف" (أشعيا 1: 18). شهد أحد خبراء الأصبغة بقوله إن باستطاعة الناس تغيير القماش من لون إلى لون آخر دون كبير جهد إلا في حالة القماش الأحمر اللون. فالأسود يمكن تغييره إلى أي لون آخر بسهولة. إلا أن الحالة ليست بمثل هذه السهولة في اللون الأحمر. قد يستطيعون تغيير الأحمر إلى لون آخر ولكن لفترة وجيزة إذ أن الخيوط القرمزية لا تلبث أن تظهر لونها ثانية. والله يصف الخطية بأنها حمراء لا سوداء. إن صباغها ثابت جداً ويصعب تغييره. وليس في العالم ما يستطيع غسلها إلا دم المسيح. "ودم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية" (1 يوحنا 1: 7). ويظهر أن بولس لم يستطع أن يجد الكلمة التي يصف بها فظاعة الخطية وصفاً قوياً. فبعد أن نقّب عن كلمة تفي بهذا الغرض وجد أن اللفظ الوحيد الذي يستطيع أن يقوله عن الخطية هو أن الخطية "خاطئة جداً" وفي قوله هذا لم يكن يصف خطية معينة، فهو لم يشر إلى جريمة فظيعة ليقول عنها "هذه خاطئة جداً". كل خطية، أية خطية، هي خاطئة جداً. هذا لا يعني أن ليس هناك خطايا أعظم من غيرها. فبالتأكيد هناك خطايا أعظم وأفظع من غيرها. ولكن ما أراد بولس أن يؤكده هو حقيقة كون كل الخطايا فظيعة في طبيعتها. 1. إنها ثورة ضد الله نقول إننا أخطأنا ضد إخواننا البشر، ونحن فعلاً نخطئ ولكن كل خطية هي ضد الله. ويوحنا يقول "الخطية هي التعدي" (1 يوحنا 3: 4) أي مخالفة الناموس. وأي ناموس نعني؟ إنه ليس ناموس البشر إذ أننا لا ندعو مخالفة القانون المدني خطية. ولكننا ننعتها بنعوت أخرى مثل ذنب أو مخالفة أو جناية، أو جريمة إلى آخر ما هنالك من مثل هذه النعوت. ولكن كلمة "خطية" مقصورة على مخالفة ناموس الله. وهذا ما يجعل الخطية شيئاً فظيعاً للغاية. إذ أنها ضد إله قدوس ومحب. وإدراك هذا الأمر هو الذي كسر قلب داود عندما وقع تحت التبكيت من جراء خطيته العظيمة ولذلك صرخ "قد أخطأت إلى الرب" (2 صموئيل 12: 13). مع أنه بالواقع قد أخطأ إلى أوريا الحثي وإلى زوجته ولكنه ما جعله يرتعب هو أنه أخطأ إلى الله. لقد كانت هذه الحقيقة تستعر في قلب داود، حتى أنه صلى نادماً فقال: "إليك وحدك أخطأت والشر قدام عينيك صنعت" (مزمور 51: 4). اقتاد الشيطان الرجل والمرأة الأولين إلى الخطية ليس لأنه مهتم بخلاصهما أو عدمه ولكن لأن همه الأول كان مقصوراً على أنه بواسطة خطيتهما يستطيع أن يطعن الله. وهذا هو قصده الأول من وراء كل خطية. لا يهم الشيطان مبدئياً أن نخلص أو نهلك، ولكن همه الأعظم والأوحد أن يقودنا إلى الخطية فيستطيع من جراء ذلك أن يستخدمنا في حرية ضد الله. وهذا ما تعنيه الخطية – إننا بها نضع أنفسنا في يد الشيطان فيستعملنا واسطة لطعنه يوجهها إلى قلب الله. ولكي نفهم طبيعة الخطية حقاً يجب أن نمضي إلى صليب الجلجثة. الخطية شيء أدى إلى صلب ابن الله. وهي التي رفعت السوط وجلدت ظهره حتى سالت دماه. وهي التي ضفرت إكليل الشوك وكللت به جبينه وهي أيضاً التي أهوت بالمطرقة لتسمِّر بالمسامير يديه ورجليه. فإن الشيء الذي ندعوه خطية هو الذي سمّر ابن الله على الصليب. خطية من هي التي صلبت يسوع المسيح؟ قد يقول البعض "إنها خطية يهوذا الإسخريوطي الذي أسلمه إلى أيدي أعدائه" أو "إنها خطية رؤساء اليهود الذين حكموا عليه بالموت" أو "إنها خطية بيلاطس البنطي الذي أسلمه إلى أيدي الجنود الرومانيين" أو "إنها خطية الجنود الرومانيين الذين سمروه على الصليب." صحيح أن خطايا هؤلاء جميعاً لها ضلع في صلب ابن الله ولكنهم لم يكونوا وحدهم في جريمتهم. خطية العالم هي التي صلبت المسيح. وخطيتك وخطيتي اشتركنا في هذا الأمر. وبالنسبة لنا فالصليب حادث تاريخي ولكن بالنسبة لله فالصليب عملية أبدية. إن الكتاب المقدس يتكلم عن صلب المسيح ثانية "إذ هم يصلبون لأنفسهم ابن الله ثانية ويشهرونه" (عبرانيين: 6: 6). وهذا ما يفعله البشر عندما يبتعدون عن محبة الله بالمسيح، ويسلمون أنفسهم للخطية. إنهم يقولون بأفعالهم وإن لم يقولوا بأفواههم "لآخذ السوط وأجلد ظهره ولآخذ إكليل الشوك وأغرزه في هامته، ثم لآخذ المطرقة وأسمِّر المسامير عميقة في يديه ورجليه." 2. عالمية في مداها إن شهادة الأسفار المقدسة في العهدين القديم والجديد هي أن الخطية عامة. سليمان يقول "لأنه ليس إنسان لا يخطئ" (ملوك الأول 8: 46) ومرنم المزامير يعلن أنه "ليس من يعمل صلاحاً ليس ولا واحد" (مزمور 53: 3). أما يوحنا فقد قالها بعبارة قوية "إن قلنا أننا لم نخطئ نجعله كاذباً وكلمته ليست فينا" (1 يوحنا 1: 10) وبولس يلخصها بهذه الكلمات: "إذ الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله" (رومية 3: 23). إن لفظة "كل" لفظة صغيرة ولكنها تشمل مجموعة الناس فهي ترجع بمعناها إلى بداية الخليقة وتشمل جميع الأجيال التي عاشت على الأرض. إنها تصل إلى ما وراء البحار والقارات كما تحوي كل إنسان كائن في الأرض اليوم. وتمتد إلى منتهى الزمن وتشمل جميع الأجيال المقبلة. وهذه ليست شهادة الكتاب المقدس فقط. ولكنها شهادة الاختبار البشري. إنه لم يوجد قط رجل أو امرأة كاملان تماماً. وحتى هؤلاء الذين توصلوا إلى قمة الأعالي في الاختبارات المسيحية هم على أتم الاستعداد للإقرار بإخفاقهم وقصورهم. فليست خطايا جميع الناس متشابهة فالبعض قد تعمقوا في الخطية أكثر من غيرهم، ولكن ليس هناك من لم يخطئ. بعض الناس لا يعدون ذواتهم خطاة لأنهم لم يرتكبوا الخطايا الجسيمة المعروفة في المجتمع. فهم ليسوا سكيرين ولا لصوصاً أو زناة أو مجرمين. ولكنهم قد يكونون مذنبين بخطايا أخرى هي في نظر الرب في نفس المرتبة. هذا هو الخطأ الذي وقع فيه الفريسي في الهيكل حينما صلى قائلاً: "اللهم أنا أشكرك إني لست مثل باقي الناس الخاطفين الظالمين" (لوقا 18: 11). اعتقد الفريسي أنه ما دام لم يقترف أياً من تلك الخطايا الجسيمة فهو ليس خاطئاً. ولكن خطيته كانت الرياء. والرياء من أفظع الخطايا في نظر الرب. إن يسوع لم يظهر غيظه أكثر مما كان يظهره في حديثه للمرائين "ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون" (متى 23: 15). يعتبر عدم الإيمان في الكتاب المقدس أكبر الخطايا. فعندما كان يسوع يتكلم عن مجيء الروح القدس قال "ومتى جاء ذاك يبكت العالم على خطية وعلى بر وعلى دينونة. أما على خطية فلأنهم لا يؤمنون بي" (يوحنا 16: 8 – 9). وكاتب الرسالة إلى العبرانيين ينذرنا بقوله "انظروا أيها الإخوة أن لا يكون في أحدكم قلب شرير بعدم إيمان (عبرانيين 3: 12). لم يقل يسوع أنه سيبكت العالم على خطية لأنهم سكيرون وقتلة وزناة الخ .. ولكن "لأنهم لا يؤمنون بي" وكاتب الرسالة إلى العبرانيين لا يقول "لئلا يكون في أحدكم قلب شرير في القتل والزنى أو في خطايا أخرى" ولكن "قلب شرير بعدم إيمان". منذ عدة سنين ذكرت مجلة Sunday School Times إن الدكتور يوجين ليمان فسك الطبيب قد صرح بما يلي: "هناك خلل صحي فينا جميعاً. إن الكمال الصحي هو أندر شيء في العالم. لقد تركنا كل أمل في العثوؤ على كمال صحي، ويمكنني أن أصرح بما هو أكثر فأقول إن الوصول إليه لم يعد ممكناً. إنني لم أعثر بين الرجال الذين قمت بفحصهم على رجل من الدرجة الأولى صحياً، وحتى رجل الدرجة الثانية نادر جداً. وأكثر من هذا فمن المستحيل أن تجد نموذجاً كاملاً حتى ولا عند الولادة". وإذا كان هذا الوصف صادقاً على كيان الإنسان الصحي فكم هو أصدق بكثير على طبيعته الأدبية. ليس هناك عينات بشرية كاملة. الله، الطبيب الأعظم، "من السماء أشرف على بني البشر لينظر هل من فاهم طالب الله" فكان الحكم "كلهم قد ارتدوا معاً فسدوا ليس من يعمل صلاحاً ليس ولا واحد" (مزمور 53: 2 – 3). 3. الخطية التي لا تغتفر هناك خطية يصفها الكتاب المقدس بأنها لا تغتفر. لقد قال يسوع "لذلك أقول لكم كل خطية وتجديف يغفر للناس وأما التجديف على الروح فلن يغفر للناس. ومن قال كلمة على ابن الإنسان يغفر له وأما من قال على الروح القدس فلن يغفر له لا في هذا العالم ولا في الآتي" (متى 12: 31 – 32). وفي الرسالة إلى العبرانيين 10: 26 تجد هذه العبارة "فإنه إن أخطأنا باختيارنا بعد ما أخذنا معرفة الحق لا تبقى بعد ذبيحة عن الخطايا". وفي رسالة يوحنا الأولى 5: 16 نقرأ "إن رأى أحد أخاه يخطئ خطية ليست للموت يطلب فيعطيه حياة للذين يخطئون ليس للموت. توجد خطية للموت ليس لأجل هذه أقول أن يطلب". وحيث يقول يسوع إن هنالك خطية واحدة لا تغتفر فلا بد وأن تكون إشارة هذه الفصول موجهة إليها. إن الخطية المذكورة في هذه الأعداد خطية لا تغتفر ليس لأن الله لا يريد أن يغفرها، ولكن لأن مرتكب هذه الخطية قد قسى قلبه ضد الله حتى لم تعد هناك فيه أية استجابة للتأثير الإلهي. والخوف الذي يشعر به البعض لظنهم أنهم ارتكبوا مثل هذه الخطية لدليل على أنهم لم يرتكبوها. إن أخطأ أحد بمثل هذه الخطية ينعدم الشعور عنده بها. إنه كترابة الإسمنت التي تقسو تدريجياً حتى تصبح حجراً. فما هي الخطية التي لا تغتفر؟ إن الأسفار المقدسة لم تكشف الشيء الكثير عنها. الخطية التي أدان بها يسوع الفريسيين كانت أنهم نسبوا العجائب التي أجراها المسيح بقوة الروح القدس إلى الشيطان. ولكن هذا كان أبعد حد في مدى قسوة قلوبهم ضد المسيح. وأخيراً فقد رفضوه عن إدراك وقصد وتصميم وإصرار وحقد. ولذلك يظهر من هنا ومن فصول أخرى في الأسفار المقدسة إن الخطية التي لا تغتفر هي نتيجة برهة طويلة لتصلب القلوب ضد التأثير الإلهي تنتهي بعمل حاسم عن قصد وتصميم نهائيين. قال الدكتور ا.هـ سترونغ نقلاً عن الدكتور جـ. ب. طمس معرّفاً الخطية التي لا تغتفر: "هي رفض الحق والنعمة الإلهيين عن سابق معرفة وتصميم ثابت وكره وتحقير، بعد إعلانهما للنفس بقوة الروح القدس المبكتة والمنيرة." |
||||