06 - 07 - 2015, 07:38 PM | رقم المشاركة : ( 8261 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
راهبان وعفة الفكر كان راهبان يسيران في طريق العودة إلى الدير، فصادفا فتاة جميلة تلبس ثيابًا نظيفة، وتتزيّن بالحليّ. فحيّت الفتاة الراهبين وقالت: "لقد انهار الجسر ليلة أمس أثناء هبوب عاصفة، وليس من وسيلة لعبور النهر. واليوم تُزّف صديقتي إلى شاب، وأنا ذاهبة لأحضر العرس. لكنّي أخشى النـزول في الماء فتتلوّث ثيابي النظيفة. فهل يمكنكما مساعدتي في عبور النهر؟". وكان أحد الراهبين عجوزا، فتقدّم من الفتاة وحملها بين ذراعيه وعبر النهر وتركها على جانب النهر الآخر. تبعهما الراهب الثاني صامتًا، وكان شابّا يافعًا، يشعُّ حياة ونضارة. وعندما ابتعدت الفتاة عنهما، بدأ الراهب الشاب يؤنّب الراهب العجوز: "كيف حملتَ هذه الفتاة؟ ألا تعلم أن الشيطان يأتي أحيانًا في هيئة ملاك النور، فيجمّل الخطيئة ويخفيها تحت ستار عمل الخير؟ أتدري ما ستقوله هذه الفتاة لأصدقائها؟ إنها ستفتخر أن راهبًا حملها بين ذراعيه...". وتابع الراهب الشاب تأنيب الراهب الكهل، وهذا لا يردّ جوابًا، حتى وصلا إلى الدير. وقبل أن يعبُرا بوّابة الدير الصغيرة، توقف الراهب العجوز وقال: "اسمعني الآن جيّدًا. يقول أحد النساك إن اقتراف الخطيئة أقلّ خطورة من التفكير فيها أو اشتهائها. فذاك يدوم لحظة وهذا يستمر أيّامًا. أنا لا أريد أن أدافع عن نفسي أو أبرّر فعلي، لكني تركت الفتاة على ضفة النهر.... فإن كنت ما تزال تحملها في فكرك إلى الآن، دعها هنا، ولندخل الدير اثنين لا ثلاثة". منقول |
||||
06 - 07 - 2015, 07:41 PM | رقم المشاركة : ( 8262 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
من هم الذين يسكنون السماء ؟ -هم خطاة مخلصون بالنعمه . لا يوجد بينهم انسانا لم يكن خاطئا وقلبه نجس . - هناك اللص والسكير والقاتل والزانى والسحره والكذبه والمتكبرين - قال الكتاب المقدس : ولا سارقون ولا طماعون ولا سكيرون ولا شتامون يرثون ملكوت الله ( 1 كورنثوس 6 : 10 ) - ولكنهم سمعوا لقول الله : هنذا واقف على الباب وأقرع - إن سمع أحد صوتى وفتح الباب أدخل اليه ( رؤيا 3 : 20 ) - سكان السماء لم يكونوا يوما أفضل منك لأن الجميع أخطأوا ولكن نقطة التحول العظيمه هى أنهم التجأوا الى المخلص العظيم فطهرهم بدمه . - لا تؤجل توبتك لأن الله يقول : هاأنا آتى كلص . طوبى لمن يسهر ويحفظ ثيابه لئلا يمشى عريانا فيروا عريته ( رؤيا 16 : 15 ) -وكل من لم يوجد مكتوبا فى سفر الحياه طرح فى بحيرة النار(رؤيا 20 : 15) -- فهل تأتى الى المسيح الآن وهو يناديك ’’ من يقبل الى~ لا أخرجه خارجا ’’ -- ليتك تأتى فتكون من سكان السماء . |
||||
07 - 07 - 2015, 05:44 PM | رقم المشاركة : ( 8263 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
صار بشرا ليذوق كل ما يذوقه البشر
في ما هو قد تألم مجربا يقدر أن يعين المجربين ( عب 18:2) هنا استعلان بشرية المسيح فى اعمق معناها وطبيعتها.. . لقد صار بشرا ليذوق كل ما يذوقه البشر من آلام... حتى يكون كطبيب مارس الألم.... فاصبح يعرف كيف يعالج المتألم.... ومحام ذاق الظلم... فيعرف كيف يحامى عن المظلوم.... وكقائد ذاق مذلة الأسر فيعرف كيف يصر على فك المأسورين.... وكملك ذاق مذلة العبيد.. لكى حينما يجلس على عرشه يرفع العبيد رفقاءه للجلوس معه.. فهى ليست معونة من على بعد... بل معونة من داخل التجربة... . لا كمنقذ يمد يده من فوق ليرفع غريقا... بل كغواص نزل الى العمق ليرفع الغريق على كتفه... لا كطبيب يداوى مرض درسه... بل كطبيب اخذ العدوى بإرادته ليمَّرض كل مريض بذات المرض.. وكأنه يقول للمريض عن حق: لا تخف! جسمى كجسمك، ونفسى كنفسك، وألمك ألمى، وحزنك حزنى، وشفاؤك عندى أبونا متى المسكين |
||||
07 - 07 - 2015, 05:55 PM | رقم المشاركة : ( 8264 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
حالتنا الإيمانيّة في مصرنا المسيحيّة إلهنا المُتواضع في سِرِّي التجسُّد والفداء (2) بقلم الأب فاضل سيداروس اليسوعيّ في سياق ما سبق من مقالات حول "حالتنا الإيمانيّة في مصرنا المسيحيّة"، ولا سيّما نظرتنا المسيحيّة إلى الله المختلفة عن غيرنا، بل والمختلفة عن نظرتنا الشعبيّة أحيانًا، أبغي، في هذا المقال، إلقاء الضوء على سِمة رئيسة من سمات إلهنا، ألا وهيتواضعه تعالىكما يتجلّى في السِّرّين المسيحيّين،التجسُّدمن جهة، والفداءمن جهة أخرى... إفراغ الذات في الفداء إنّ الحدث الأوّل، حدث تجسُّد الابن الوحيد، ولَّد الموقف عينه من إفراغ مُتواضع حتّى آخر لحظة من حياته، حيث "أحبّ خاصّته الذين في العالم، فبلغ به الحبُّ لهم إلى أقصى حُدوده" (يو 13: 1)، أي إلى الموت (عب 2: 15-18)، موت الصليب، طاعةً للآب (فل :2 8). وقد بلغ به التواضع أن صرّح: "ما من حُبٍّ أعظم من حبِّ مَن يبذل (thé ) نفسه في سبيل أحبّائه" (يو 15: 13). فألمُ "الخُروج" من حضن الآب، وألمُ "دُخوله" العالم، قابلهما، في نهاية حياته الأرضيّة، ألمُ "الانتقال من هذا العالم" (يو 13: 1) بسبب رفض البشر إيّاه وعنفهم تجاهه، هو الذي جاء من أجلهم وتعلّق بهم وأحبّهم وعلّمهم وخدمهم. فلقد صارع مع الحياة والموت، في صراعه مع البشر، بل ومع الآب نفسه. لقد أيقن يسوع أنّه ذاهب إلى الموت إذ رأى أنّ مُعارضة الناس إيّاه ستؤدّي به إلى الاشتراك في مصير عبد يهوه البارّ المُضطهَد المُتألِّم (راجع أناشيد أشعيا الأربعة: 42-53، ومزمور 21)، وكذلك مصير الأنبياء الذين رفضهم الشعب. لذا خاطب أورشليم عندما دخل مدينة داود: "يا أورشليم، يا أورشليم، يا قاتلة الأنبياء وراجمة المُرسَلين إليها. كم مرّة أردتُ أن أجمع أبناءك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها! فلم تُريدوا" (لو 13: 34)، فأخذ يُنبئ بأنّ ابن الإنسان سوف يُسلَم ويُحاكَم، ويُصلَب ويموت، فيقوم ويُمجَّد (مر 8: 31-33، 9: 30-32، 10: 32-34). ويُمكننا تصوُّر شِدّة حُزنه وفظاعة ألمه المعنويِّ بسبب ذلك، بل وعظمة تواضعه وكامل إفراغه أمام قساوة قلب الإنسان وعماه، بل وأمام اقتراب ساعته (متّى 13: 15، يو :12 37ت) ، حتّى دمعت عيناه أمام قبر لعازر (يو 11: 35-39، 12: 27). كما يُمكننا تصوُّر جسامة صِراعه الباطنيِّ أمام موته - هو رئيس الحياة وواهبها - من أجل خطأة يرفضونه. غير أنّه صمّم أن يموت لأجل خلاصهم: "مات المسيح في الوقت المُحدَّد من أجل قوم كافرين. ولا يكاد يموت أحد من أجل امرئ بارّ، وربّما جرؤ أحد أن يموت من أجل امرئ صالح. وأمّا [...] المسيح فقد مات من أجلنا إذ كُنّا خاطئين" (روم 5: 6-8). هكذا تمثّل تواضعه بأنّه قدّم حياته و"كرّس نفسه" (يو 17: 19) من أجل بشر لا يستحقّون علامة محبّته العُظمى هذه، بل يستوجبون الهلاك، ولكنّ حُبّه المجروح المتواضع، الذي لم ينتظر المُقابل، قد غلب وانتصر. ومن مظاهر تواضعه، أنّه لم يُصارع مع البشر فحسب، بل صارع مع مشيئة الآب أيضًا، هو الذي "واحد" مع الآب دائمًا، هو الذي في "حِضن" الآب منذ الأزل، هو الذي "يُقيم" في الآب والآب يُقيم فيه دومًا. فانفصاله الأوّل عن الآب بتجسُّده، عندما "خرج" منه، قد آل به إلى مُصارعة مُضنية بينهما في بستان الزيتون، وكذلك وهو مُعلَّق على الصليب، مِثل مصارعة يعقوب مع الله (تك 32). فثمّة "الخُروج" العظيم حيث مُصارعة المشيئتين الإنسانيّة والإلهيّة: مشيئة الضعف البشريِّ الذي يُقاوم ألم الظُّلم والإهانة، والصلب والموت، أمام قصد الآب الذي يشاء خلاص البشر، ذلك الخلاص الذي يتمُّ عن طريق الآلام والموت. ولقد عبّرت الرسالة إلى العبرانيّين خير تعبير عن ذلك الصراع الذي لا مثيل له إذ لم يختبره الإنسان ولم يذكره التاريخ: "هو الذي، في أيّام حياته البشريّة، رفع الدُّعاء والابتهال بدُموع ذوارِف وصُراخ شديد إلى الذي بوُسعه أن يُخلِّصه من الموت، فاستُجيب لتقواه. وتعلّم الطاعة، وهو الابن، بما عانى من الألم. ولمّا بلغ به إلى الكمال، صار لجميع الذين يُطيعونه سبب خلاص أبديّ" (عب 5: 7-9). وتجلّى إفراغه التامُّ وهو مُعلَّق على الصليب، عندما قال: "تمّ كلُّ شيء" (يو 19: 30)، أي أنّه حقّق مشيئة الآب كاملًا، هو الذي سبق أن صرّح: "طعامي أن أعمل بمشيئة الذي أرسلني، وأن أُتمّ عمله" (يو 4: 34)؛ ثمّ قال: "إنّي عطشان" (يو 19: 18)، أي أنّه عطشان لإتمام مشيئة أبيه. هكذا تجرّد تمامًا عن مشيئته لإتمام مشيئة أبيه. وإذ "علم أنّ كلّ شيء قد انتهى، [...] أسلم الروح [القدس] (parédoken to Pneuma )" (يو 19: 28-30)[1]، وقد سبق أن تجرّد فأعطى أُمّه للتلميذ الحبيب (يو 19: 27)، وقبْل ذلك أنّه ضحّى فأعطى جسده ودمه (مر 14: 22-24). هكذا وصل تخلِّيه إلى ذروته، إلى المُنتهى، على قدر حبِّه "إلى أقصى الحدود". ما عاشه يسوع في أيّام حياته الأرضيّة (الإيقونوميا) قد كشف لنا حقيقة الله، الله الآب والروح القدس مِثل الابن (الثِّيولوجيا). لنتأمّل الآن في تواضع الآب، ثمّ في تواضع الروح. ثانيًا – تواضع الآب يظهر تواضع الآب ضابط الكلِّ في سرِّ تجسُّد ابنه الوحيد الحبيب، وفي سرِّ فدائه، كما عاشهما بتواضع تامٍّ يُجسِّد فعلًا تواضع الآب في جوهر أُقنومه. فما التواضع الإيقونوميُّ سوى تعبير عن تواضع ثِيولوجيٍّ يتميّز به الآب. تواضع الآب بإرسال ابنه إلى البشر بعدما خلق الله العالم والإنسان على صورته ومِثاله – رغبةّ منه في إشراكه في أُلوهيّته، وهي بادرة من تواضعه -، اختار شعبًا وقطع عهدًا معه بالرغم من أخطائه، وقد وعده بخلاصه – تأكيدًا منه على تواضعه -. و"في مِلء الأزمنة، أرسل الله ابنه مولودًا لامرأة" (غل 4:4). هذه الملحمة الإلهيّة غاية من التواضع المقرون بالحُبِّ المجّانيّ، إذ "أحبّ الله [الآب] العالم حتّى جاد (édoken ) بابنه الوحيد (Monogénès) لكي لا يهلك كلُّ مَن يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبديّة" (يو 3: 16). وهذا القصد الإلهيُّ جعل الابن "يظهر في الجسد" (1 طيم 3: 16)، إذ "حلّ الروح على [مريم]، وظلّلتها قُدرةُ العليّ" (لو 2: 35) : عظيم سِرُّ التواضع الإلهيِّ في جوده اللامتناهي، إذ لم يكتف بإرسال الأنبياء والكهنة والمُلوك، بل أرسل ابنه "ليُخلِّص به العالم" (يو 3: 17)، بدافع حُبٍّ مجّانيّ، قابلًا أن ينفصل عنه ابنُه الوحيد الحبيب ليسكن مع بني البشر، وذلك بتجرُّد كامل وإخلاء تامّ. تواضع الآب بقبول إرادة البشر الشرِّيرة نحو ابنه ولم يكتف الآب بتضحية انفصاله عن ابنه، بل تجاوز ذلك الفعلَ المتواضع في فعل آخر هو قمّة التجرُّد والإخلاء والإفراغ، عندما "لم يضنَّ بابنه نفسه، بل أسلمه إلى الموت من أجلنا جميعًا" (روم 8: 32). فيكمن اكتمال البذل الإلهيِّ في تبنّى الآبِ شرَّ إرادة البشر التي صمّمت على قتله، جاعلًا منها مشيئتَه. هكذا فهمها يسوع عندما قال لبطرس الذي كان يُريد أن يُدافع عنه: "أفلا أشرب الكأس التي ناولني أبي إيّاها؟" (يو 18: 11)، خاتمًا هكذا مُصارعته مع مشيئة أبيه – "اِصرف عنّي هذه الكأس..." – بإطاعة مشيئة الآب – "... لكن لا ما أنا أشاء، بل ما أنت تشاء" (مر 14: 36//) -. فالواضح أنّ كلّ ما كان يُريده البشر من شرٍّ تجاه يسوع قد تبنّته مشيئةُ الآب الشخصيّة – علامةً واضحة لتخلّيه المُتجرِّد كلّ التجرُّد، إذ قبل موت ابنه مصلوبًا - ليُحوِّله إلى خلاص لهم - علامةً واضحة لقُدرة تواضعه المُحبّ، إذ أقامه من بين الأموات -[2]. فهيهات بين هذا الإله المُتواضع والإله المُتسلِّط المُنتقم المُعاقِب الجبّار! إنّه حقًّا الإله الوافر الرحمة والطويل الأناة الذي تغنّت به المزامير وردّده بولس بإيمانه بقُدرة الله التي "تبلغ الكمال في الضُّعف" (2 قور 12: 9): "كُنّا بطبيعتنا أبناء الغضب كسائر الناس، ولكنّ الله الواسع الرحمة، لحُبِّه الشديد الذي أحبّنا به، مع أنّنا كُنّا أمواتًا بزلّتنا، أحيانا مع المسيح (بالنِّعمة نلتم الخلاص)، وأقامنا معه وأجلسنا معه في السماوات في المسيح يسوع. فقد أراد أن يُظهر للأجيال نعمته الفائقة السَّعة بلُطفه لنا في المسيح يسوع" (أف 2: 4-5). فالله يُظهر قُوّته المُطلقة في تواضعه، بحُبِّه ورحمته، وبمُصالحته ومغفرته. كم هو عظيم حقًّا سِرُّ التواضع الإلهيّ القادر على كلِّ شيء! ثالثًا – تواضع الروح ما يُقال في الآب وفي الابن، يُقال في الروح القدس أيضًا، ذلك الروح المُتواضع في شخصيّته تواضعًا مُميَّزًا، إذ إنّه لا يملك اسمًا شخصيًّا، مِثلما يملكه الآب والابن، بل يحمل اسمُه صِفتي الأُلوهة: إنّه روح لأنّ الآب والابن روح، وإنّه قدّوس لأنّ الآب والابن قدّوس، فهو روح الآب والابن[3]. بناءً على ذلك، كيف يظهر لنا تواضع الروح؟ تواضع الروح في تجسُّد الابن وحياته وكنيسته كان الروح، في بداية الخليقة، "يرفُّ على المياه" (تك 1: 2) بحُرِّيّة مُطلقة، لا يحدُّه أحد أو أيُّ شيء. ولقد عبّر يسوع عن الحقيقة عينها إذ قال لنيقوديمس إنّ الروح[4] "يهبُّ حيثما يشاء" (يو 3: 8). وإنّ الروح، بحُرِّيّته هذه، كان يقود يسوع: "أخرجه الروح إلى البرِّيّة" (مر 1: 12). وهكذا ظهر الروح للتلاميذ يوم الخمسين، "بِدَويٍّ كريح عاصفة" (رسل 2: 2)، رمزًا لقُدرته الفائقة الجبّارة، تلك القدرة التي قادت الرسل في الكنيسة الناشئة وألهمت خدمتهم. ومع ذلك كلِّه، فلم يحُلَّ على مريم إلاّ بعدما وافقت على القصد الإلهيِّ بقولها: "أنا أمة الربّ، فليكن لي كما قلتَ" (لو 2: 38). حينذاك، تدخَّل الروح لتحبل بالابن، إذ الله يعرض دائمًا ولا يفرض أبدًا، فاحترم حرِّيّة مريم وانتظر تجاوبها الحُرّ والمتواضع في آن واحد. وما يُقال في تعامله المُتواضع مع مريم، يُقال في تعامله مع البشر أيضًا، ذلك أنّه يعمل في باطن ضمائرهم وفي داخل إرادتهم كأنّهم هم الذين يحكمون ويعملون، لأنّه يُلهمهم بتواضع من دون أن يشعروا بتدخُّله. هكذا عمل في الخلق، كما صوّره القدّيس إيريناوس: فالآب قد خلق بيديه العالمَ والإنسان، بيده الظاهرة وهي ابنُه، وبيده الخفيّة غير المرئيّة وهي الروح. فالروح وديع، وداعة الحمامة التي نزلت على يسوع في عماده (مر 1: 10)، وهو دائمًا مخفيٌّ خُفية التواضع (متّى 6: 4، 6، 18). تواضع الروح في الفداء وتظهر وداعة الروح وتواضعه في أنّه مُعرَّض للرفض هو أيضًا، على مِثال يسوع المسيح. لذا أوصي بولس المؤمنين: "لا تُحزنوا روح الله القدّوس الذي به خُتمتم ليوم الفداء" (أف 4: 30)[5]. فإن كان البشر يقومون بـ"أعمال الجسد"، غير أنّه يعرض عليهم "ثمر الروح"، منها الوداعة واللُّطف... على مثال شخصيّته المتواضعة (غل 5: 13ت). فيتصارع في داخل الإنسان "المولود من الجسد" / "المولود من الروح" (يو 3: 6)، ويقود الروح الإنسان على دروب التحرُّر من ذاته ومن أعمال الجسد لنيل "حرِّيّة أبناء الله" (روم 8)، لا سيّما وأنّ الروح يسكن في الإنسان، بل وفي جسده الذي هو "هيكل الروح" (1 قور 3: 16-17). ويتحقّق ذلك بفضل منح يسوع الروح القدس، فقد "خرج من جنبه دمٌ وماء" (يو 19: 34): ما يلفت النظر أنّ عطيّة الروح تمّت بإراقة الدم، علامة الألم والتضحية والبذل. وعندما استعمل يوحنا فعل "خرج" (exelten)، استعمل تحديدًا اللفظ عينه الذي استعمله ليصف خُروج الابن من الآب (يو 13: 1)، علامة العطاء الكامل كما جاد الآب ابنه الحبيب للبشر، وعلامة الانفصال كما انفصل الابن عن الآب ليأتي إلى البشر. فمصير الآب والابن والروح مصير واحد في سبيل الإنسان، بغية خلاصه والسُّكنى فيه[6]، وهو مصير يُميِّزه التواضع بالإخلاء والتجرُّد والإفراغ. الخاتمة: ونحن؟ في ضوء ما سبق عن الأقانيم الثلاثة، ما مصيرنا نحن في علاقتنا بالله وفي علاقتنا بالبشر؟ إنّنا مدعوّون إلى أن نضع رأسنا "في حِضن" يسوع (eis tou kolpou) مِثل التلميذ الحبيب (يو 13: 23)، بل وعلى صورة يسوع نفسه وهو "في حِضن الآب" (يو 1 :18). إنّ علاقتنا بالله علاقة باطنيّة حميمة يسمح بها الروح القدس، روح الآب والابن، الروح الذي يسكن فينا: "حياتنا مُحتجبة مع المسيح في الله" (قول 3 :3). حينذاك سنعرف أسرار قلب الله المطعون المفتوح، فندخل فيه، نحن أصدقاءه وأحبّاءه (يو 15 :15)، ويكشفها لنا الروح في صميم قلوبنا لأنّه يفحص عن أعماق الله وعن عُمق ما في الإنسان (1 قور 2 :10ت). كما أنّنا مدعوّون إلى أن نقتدي بأقانيم الثالوث الباذلة: "إنّما عرفنا المحبّة بأنّ [المسيح] قد بذل (étéken) نفسه في سبيلنا، فعلينا نحن أيضًا أن نبذل (teinai) نفوسنا في سبيل إخوتنا" (1 يو 3: 16). ويتّسم ذلك البذل بالتواضع، من إفراغ وإخلاء وتجرُّد، إذ إنّنا على صورة الله ومثاله. |
||||
07 - 07 - 2015, 05:59 PM | رقم المشاركة : ( 8265 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
حالتنا الإيمانيّة في مصرنا المسيحيّة إلهنا المُتواضع في سِرِّي التجسُّد والفداء – (1) بقلم الأب فاضل سيداروس اليسوعيّ المقدِّمة في سياق ما سبق من مقالات حول "حالتنا الإيمانيّة في مصرنا المسيحيّة"، ولا سيّما نظرتنا المسيحيّة إلى الله المختلفة عن غيرنا، بل والمختلفة عن نظرتنا الشعبيّة أحيانًا، أبغي، في هذا المقال، إلقاء الضوء على سِمة رئيسة من سمات إلهنا، ألا وهي تواضعه تعالى كما يتجلّى في السِّرّين المسيحيّين، التجسُّد من جهة، والفداء من جهة أخرى. فنظرتنا العاديّة إلى الله تعرف فخّين: إمّا أنّها تستهين بصفة تواضع الله هذه، مُعتبرةً إيّاها عرَضيّة لا جوهريّة؛ وإمّا أن تعتبرها تحقيقًا لنُبوءات العهد القديم، مُتجاهلةً أنّها اختيارٌ وقرار إلهيّان، بل ومن صميم جوهر الله. أتوخّى، في هذا المقال، إظهار الصلة الوثيقة بين تواضع الإله الذي تجسّد والذي ذهب إلى الموت على الصليب، ذلك أنّ منطقًا واحدًا يُوجِّه هذين السِّرّين، وهو منطق التواضع الإلهيّ، وذلك إلى جانب كونه ضابط الكلّ (باليونانيّة: Pantokrator )، والقادر على كلِّ شيء (باللاتينيّة: Omnipotens )، والمُتسامي (بالفرنسيّة: Transcendant). فإنّما قصدي أن أُبيِّن كيف أنّ عظمته وجلاله يتجسّدان ويظهران في تواضعه. ولقد تكلّم آباء الكنيسة، ولا سيّما الشرقيّون منهم، على "إفراغ الذات" الإلهيّ، اعتمادًا منهم على نشيد فيلبّي: "هو الذي في صورة الله، لم يُعِدّ مُساواته لله غنيمة، بل أفرغ ذاته (ékénosen)، مُتَّخذًا صورة العبد..." (فل 2: 6). وما قصدوه هو أنّ إفراغ الذات والتجرُّد والتخلِّي لا يتعلّق بالابن المُتجسِّد فحسب، بل بالآب أيضًا، ويُمكننا القول بالروح كذلك. فما قام به يسوع المسيح في سرِّ تجسُّده واكتمل في سرِّ فدائه (ما يُسمّيه اللاهوتيّون البُعد الإيقونوميّ، أي المُختصّ بالتدبير الإلهيِّ وعلاقته بالبشر)، يُعبِّر خير تعبير عن ماهيّة الله (ما يُسمّيه اللاهوتيّون البُعد الثِّيولوجيّ، أي الإلهيّ الخاصّ بالله في جوهره وكينونته). فما عاشه الله الكلمة المُتجسِّد مُدّة ثلاث وثلاثين سنة كشف لنا حقيقة الله في ذاته، وهو أنّ الأقانيم الثلاثة هم مُتواضعون مُتجرِّدون مُتخلُّون مُفرَغون في حدِّ ذاتهم. وبالتالي، فهُم يتعاملون مع البشر بهذه السِّمات الإلهيّة[1]. ولمّا كان يسوع المسيح هو الذي كشف لنا سرّ الله و"أخبر عنه" (يو 1: 18)، فسنبدأ تأمُّلنا به، ومن هذا المُنطلق سنتأمّل في تواضع الآب والروح من زاويتَي التجسُّد والفداء. أوّلًا– تواضع الابن لقد صرّح يسوع نفسه أنّه "وديع ومُتواضع القلب" (متّى 11: 29). فكيف يظهر تواضعه من زاويتَي التجسُّد والفداء؟ نشيد فيلبّي 2: 5-11 ننطلق من هذا النشيد لأنّه من أقدم الأناشيد التي تصف سِرَّ المسيح، من تجسُّد وموت على الصليب وقيامة وتمجيد في السماء. نورده كاملًا لأنّه يخدم مسيرتنا تمامًا: "ليكن في ما بينكم الشُّعور الذي هو في المسيح يسوع: هو الذي في صورة الله لم يَعُدّ مُساواته لله غنيمة بل أفرع ذاته مُتّخذًا صورة العبد وصار على مثال البشر وظهر في هيئة إنسان فوضع نفسه وأطاع حتّى الموت، موت الصليب. لذلك رفعه الله إلى العُلى ووهب له الاسم الذي يفوق جميع الأسماء كيما تجثو لاسم يسوع كلُّ رُكبة في السموات وفي الأرض وتحت الأرض ويشهد كلُّ لسان أنّ يسوع المسيح هو الربّ تمجيدًا لله الآب". إنّ الكلمة المِحوريّة هي إفراغ الذات (ékénosen - kénosis)، أي إخلاء وإنكار وتجرُّد الذات؛ وذلك يظهر فعلًا في سرِّ التجسُّد – بكلمات صورة العبد، هيئة الإنسان، عدم اختلاس المُساواة والمُميِّزات الإلهيّة[2] -، وكذلك في سرِّ الفداء– بكلمات طاعته حتّى الموت مصلوبًا، رفعُه، اسمه، رُبوبيّته[3] -. إفراغ الذات في التجسُّد إنّ يسوع المسيح، منذ أن تجسّد، قد اختار طريق الإفراغ المتواضع في حياته البشريّة بعامّة، والخلاصيّة بخاصّة. ذاك الذي "هو صورة الله غير المرئيّ" (قول 1: 15)، ذاك الذي "هو شُعاع مجده وصورة جوهره" (عب 1: 3)، ذاك الذي خاطب الآب قائلًا: "المجد الذي كان لي عندك قبل أن يكون العالم" (يو 17: 5)، قد قرّر، منذ أن "أصبح بشرًا" (يو 1: 14)، أن "لا يستحي أن يدعو [البشر] إخوة [...] يشاركهم في اللحم والدم مُشاركة تامّة" (عب 2: 10-14)، بل أن يجد بينهم فرحه وملاذه؛ ألاّ يتحسّر على ما كان له من امتيازات إلهيّة، بل أن يعيش مِلء الوضع البشريّ الذي تبنّاه. ذاك "الابن الوحيد الذي في حِضن (eis ton kolpon) الآب" (يو 1: 18)، ذاك الذي أعلن: "أنّا والآب واحد" (يو 10: 30، 17: 11، 22)، "الآب فيّ وأنا فيه" (يو 10: 38، 14: 11، 20، 17: 3)، وذلك في علاقة حميمة رابطُها المحبّة التي يُقيم فيها هو والآب (يو 15/10)، ومنبعُها الروح القدس (روم 5: 5)، منذ الأزل وقبل إنشاء العالم، هذا بعينه قد "خرج (exelten) من الآب" (يو 13: 1، 16: 27-30، 17: 8)، "ونصب خيمته بين [البشر]" (يو 1: 14) و"أتى إلى العالم" (يو 16: 28). أهناك تضحية وبذل، وإفراغ وإخلاء، وتجرُّد وتواضع أعظم من أن يترك الحضن الأبويّ والمجد الإلهيّ اللامحدود ليُشارك الإنسان في وضعه البشريّ؟ ولقد قال القدّيس إيريناوس إنّه "تعوّد"، أو "تكيّف"، أو "تطبّع" (باللاتينيّة: Accomodatio– بالفرنسيّة:Accoutumance) والوضع البشريّ، أي، بتعبيرنا المُعاصر، "نأنْسَن" (s’humaniser - humanisation)، مايؤكِّد أنّ حدثَ فعلِ التجسًّد تطلَّب منه جُهدًا مُستديمًا ليُصبح إنسانًا حقيقةً. ويُضيف إيريناوس أنّه "تكيّف" مع الوضع البشريّ لكي "يتكيّف" الإنسان مع الوضع الإلهيّ. وجدير بالتذكير أنّ إيريناوس صاحب هذه المقولة الشهيرة: "أصبح الله إنسانًا لكي يُصبح الإنسان إلهًا". إن كانت هذه المقولة تُركِّز على حدث التجسُّد نفسه، فإنّ المقولة الأُولى تُركِّز على عمليّة التجسُّد المًستمرّة في محكِّ الزمن، من الحبل به في أحشاء مريم إلى وضعه في القبر، مُتبنِّيًا جميع الأُمور والأوضاع والمواقف البشريّة التي يعيشها الإنسان ما عدا الخطيئة، تجسُّدًا منه في واقع حياة كلِّ إنسان. لم ينته الأمر عند هذا الحدّ، بل إنّ دخوله العالم– لا خُروجه من حضن الآب فحسب – قد تطلّب منه تجرُّدًا وإخلاء إذ "جاء إلى بيته فما قبله أهلُ بيته" (يو 1: 11): في بيت لحم لم يستضفه أحد (لو 2: 7)؛ ثمّ اضطرّ أن يهرب إلى مصر (متّى 2: 13-23)؛ ولمّا قُدِّم لله في الهيكل، تنبّأ سمعان الشيخ أنّه "جُعل لسُقوط كثير من الناس وقيام كثير منهم في إسرائيل، وآيةً مُعرَّضة للرفض" (لو 2: 34)؛ وعندما بلغ اثنتي عشرة سنة، أخذ مسافة تجاه والديه ليكون "عند أبيه"، "ولم يفهما ما قال لهما" (لو 2: 43-50)... كلّ ذلك كان تحت شارة التخلّي والتجرُّد والإخلاء، لا مجد الامتيازات الإلهيّة. ونخطو الآن خطوة أُخرى، خطوة الفداء، في أثناء حياته العلنيّة. |
||||
07 - 07 - 2015, 06:02 PM | رقم المشاركة : ( 8266 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
دور المرأة الليتورجيّ في الكتـــاب المقدّس - (2) هل يمكننا التكلّم عن دور المرأة الليتورجيّ في الكتاب المقدّس؟ ما هي المهامّ التي يُمكن إسنادُها إلى المرأة والتي توافق شخصيّتها وطبيعتها ومواهبها ودورها الأنثوي؟ إنّنا إذ نعي وضوح الأدوار الليتورجيّة، لماذا يصبح الأمر ملتبسًا عندما ننسبه إلى المرأة؟ هل ما زالت أصداء التمييز بين الرجل والمرأة ترنّ في بالنا رغم الاهتمامات التي حظيَتْ بـها المرأة في الكنيسة؟ هل صحيح أنّ التباين الجنسيّ بينها وبين الرجل هو الذي يُثير مسألة كهذه؟ لماذا لا نعتبر أنّ التمايز يشكّل مصدرًا للمكانة الفردية لكلٍّ منهما ولخصائصه وميزاته؟ وأخيرًا، إذا كان الله حبا المرأة سهولة التواصل الإنسانيّ فما هي العوائق التي تحول دون إسدائها دورًا أساسيًا في الخِدَم الليتورجيّة؟ 1- بعض المعطيات الكتابيّة ... 2- بعض الأسباب التي تمنع المرأة من القيام بالدور الليتورجي الذي يقوم به الرجل إنطلاقًا من الكتاب المقدّس يُمكننا أن نجد أسبابًا تعليليّة تحدّد دور المرأة ببعض المهام الليتورجيّة دون سواها؛ منها ما يعود إلى نموذجيّة المسيح، أو إلى التقليد، أو إلى الخَلق والأنتروبولوجيا، أو غيره. 2-أ- نموذجية المسيح يشكِّل الجنس الذكوريّ عنصرًا ذا علامة أسراريّة يتأتّى مباشرة من إرادة المسيح ذاته. فالطريقة التي تصرّف بـها المسيح تبدو نموذجيّة. أضف إلى ذلك، فالأسرار التي أسّسها ابن الله ترتبط بالتاريخ بصورة دقيقة، لأنّ المسيحيّة وُلدت إثر حدث تاريخيّ: إنّه مجيء ابن الله في الزمن وفي بلدٍ معيّن. والأسرار تشكّل ذكرى لأحداثٍ خلاصيّة، ولهذا فإنّ علاماتها ترتبط بـهذه الأحداث عينها. إنّها تتعلّق بحضارة وثقافة معيّنة بالرغم من أنّها مهيّأة لأن تتكرّر في كلّ مكان وحتى نهاية الأزمنة. وعليه، فإنّ يسوع لم يدعُ أيّة امرأة لتنتمي إلى الرسل الاثني عشر، أو لتقوم بالمهام التي أوكلها إليهم، فلهؤلاء أعطى يسوع مفاتيح ملكوت السماوات بصورة حصريّة. وبالتالي، فكهنوت الخدمة الناجم عن فعل تكريس خاص، يجعل الرجل نظير المسيح الكاهن، لكي يتمكّن من القيام، وباسم المسيح، بعمله في العشاء الأخير وعلى الجلجلة. فتمثيل المسيح بشخص الكاهن ليس وظيفة بحتة، ولكنّ الكاهن ملتزم بكلّ كيانه، وبصورة خاصة بذكورته، بأن يكون أيقونة المسيح في وسط الجماعة المؤمنة[1]. فالمرأة غير قادرة بأن تنعم بالميزة التي حظي بـها الرجل بأن تمثِّل المسيح من خلال تماثل شخصيّتها وإيّاه. وإذا كان الله أراد أن يظهر على الأرض بشكل جسد رجل، فهو بالتالي يريد أن يستمرّ في الظهور في الجماعة المؤمنة بالشكل عينه محوّلاً الرجل إلى رمز أسراري، والرموز الأسراريّة عليها أن تمثّل ما تعنيه من خلال الشبه الطبيعيّ. من هنا، عندما نقوم أسراريًا بدور المسيح في الإفخارستيا، من غير الممكن أن نُسندَه إلى امرأة لأنّ المسيح تجسّد كرجل. 2-ب- التقليد لا يُمكن للمرأة أن تمارس الكهنوت وذلك بموجب إرادة إلهيّة. والتقليد الكنسيّ الذي يشكّل امتدادًا لموقف يسوع، حافظ على عدم إعطاء سرّ الكهنوت للمرأة أمانة من الرسل وخلفائهم لإرادة المؤسّس. فبعد الصعود، شغلت مريم مكانًا ذا امتياز (أع 1: 14)، ولكنّها ليست هي التي دُعيَتْ لأن تنضمّ إلى جماعة الرسل بل اختار هؤلاء رجلَين متيّا وبرسابا بغية وقع القرعة على أحدهما (أع 1: 21-26). لقد حاول بعضهم شرح موقف يسوع والرسل إنطلاقًا من تأثير البيئة والزمن. ولكنّنا نجد في الأناجيل أنّ يسوع اخترق انحيازات عصره وخالف التمييز الممارس إزاء النساء[2] . أمّا بالنسبة لبولس الرسول، إذا كنّا ندين له بالنص الذي ربّما يكون من نصوص العهد الجديد الأكثر بأسًا في المساواة بين الرجل والمرأة كونهم جميعًا أبناء الله في المسيح[3] ، هذا لا يعني أنّه علينا أن نستعمل مبدأ "ليس هناك ذكرٌ وأنثى" لأنّ هذا المبدأ إذا كان يُثبت المساواة المطلقة بين الجنسين على مستوى العماد والكهنوت الملكي، فلا يمكنه أن يُطبَّق على مؤسّسة كهنوت الخدمة التي تملك قواعدها الخاصة. 2-ج- الخلق والأنتروبولوجيا كثيرٌ من الناس يعتقدون أنّ النساء هنّ، معنويًا وروحيًا، أدنى درجة من الرجال، أمّا على الصعيد الجسدي فهنّ نجسات. من هنا، على المرأة أن تخضع للرجل تماشيًا ونظام الطبيعة، إذ إنّه في الخلق، سبق الرجل المرأة في الوجود، فهو بالتالي المؤهّل للتسلّط بلا منازع، وبما أنّ الكهنوت هو عملٌ إداري، يبقى أنّه على الرجال أن يزاولوه بصورة حصريّة[4] . لقد وُصفَت المرأة بأنّها مذنبة بالطبيعة، كونها وقعت في الخطيئة وجذبت الرجل إلى السقطة، فهي تحتفظ بضعفها الطبيعي وتبقى واهية وخاضعة للاندفاع اللاإرادي وتتأثّر بالإغراءات بسهولة. عندما يفرض بولس الصمت على النساء في الجماعات، فهو يقصد مهمّة التعليم الرسميّة في الجماعات المسيحيّة كما توحيه لنا الرسالة الأولى إلى طيموتاوس: "لا أجيز للمرأة أن تعلِّم ولا أن تتسلّط على الرجل، بل تحافظ على السكوت" (2: 12)[5] . فبولس الذي يقرّ علانية بدور العنصر النسائيّ الممثّل في الجماعات الليتورجية وبالتحديد في الصلاة والنبوءة (1كو 11: 5)، هو بذاته يرفض بتاتًا بأن تُعطى المرأة حقّ التعليم في الجماعة، إذ إنّ التعليم الموازي للوعظ في أيامنا يتّسم بطابع رئاسيّ لا يتطابق مع حالة المرأة التي خُلقت بعد الرجل وتبقى في حالة خضوع له. بالرغم من الإكرام للمكانة الرفيعة للعذراء مريم، ظلّت وصمة الخطيئة مرتبطة بالمرأة، فهي تشكّل خطرًا دائمًا كونـها تحرّض على الإثم، لذلك فهي غير مخوَّلة لأن تقوم بأدوار في الاحتفالات الليتورجية. بشكل عام، لا شك في أنّ الرؤية الأنتروبولوجية تتمحور حول طابع الذكورة، بحيث إنّ المرأة تُنسَب إلى الرجل دون أن يكون العكس صحيحًا لأنّ الرجل يشكِّل الجنس المثالي للبشرية. 3- بعض الأسباب التي تُجيز للمرأة القيام بالدور الليتورجي الذي يقوم به الرجل 3-أ- الخلق والأنتروبولوجيا "فخلق الله الإنسان على صورته، على صورة الله خلقه، ذكرًا وأنثى خلقهم" (تك 1: 27). في هذه الآية تبدو المساواة بيِّنة بين الرجل والمرأة. إنّهما متساويان ومتكاملان في الكرامة. أمّا خضوع المرأة للرجل "إلى رجلِك تنقاد أشواقك وهو يسودكِ" (تك 3: 16)، فلا يتعلّق بعمل الخلق بل هو نتيجة الخطيئة. ثمّ، أليس صحيحًا أنّ عاقبة خطيئة حواء قد التأمت وفُديت بالولادة الطاهرة والقبول المجاني والحرّ لوالدة الله؟ من جهة ثانية، إذا اعتقدنا أنّ المرأة تأتي في الدرجة الثانية بعد الرجل لأنّها أُخذت منه، إذًا عليها أن تخضع له، فهذا يعني تلقائيًا أنّ الابن الذي أُخذ من الآب يأتي في درجة ثانية وعليه أن يخضع له؛ والحال أنّه، في الله الثالوث لا يوجد أيّ بُعد للوقت الماضي أو المستقبلي لأنّ عنده الحاضر الأزلي، ثمّ إنّ ركيزة إيماننا تقوم على أنّ الابن مساوٍ للآب في الزمن والجوهر[6] . وعلى صعيد آخَر، إذا سلّمنا أنّه على المرأة أن تتبع الرجل كونه خُلق أولاً، أفلا نجد التبعيّة ذاتها من الرجل للمرأة؛ فها هي حواء تهتف بعد ولادتها قايين: "قد اقتنيتُ رجلاً من عند الرب" (تك 4: 1). فكما أنّ المرأة تنحدر من الرجل بفضل العمل الإلهي، هكذا على الرجل بدوره أن يدين بنشأته إلى المرأة، وذلك طبعًا بفضل الله. يؤكّد بولس هذا التبادل في التبعية: "فكما أنّ المرأة استُلّت من الرجل، فكذلك الرجل تلده المرأة، وكلُّ شيء يأتي من الله (1كو 11: 12). في تك 2: 23، يكتشف آدم باندهاش أنّ الشخص الذي يقف أمامه ليس بالحقيقة سوى هو بذاته، أّنه وجه آخَر لكائنه؛ فهو لم يتّخذ اسمًا له إلاّ بعد أن سمّى امرأته: "هذه تسمّى امرأة (hV'ai ) لأنّها من امرئ (vyai ) أُخذت". يشكّل الرجل والمرأة وحدة متكاملة، فهما يشتركان بالطبيعة ذاتها، والاسم الذي يعطيه الرجل للمرأة يبدو وكأنّه اسمه هو مع إضافة علامة التأنيث. وفي العهد الجديد، لا نجد أيّ مبدأ يمنع المرأة من الصلاة أو ممارسة النبوءة في الجماعات الليتورجيّة. ففي 1كو 11: 3-16 يحدّد بولس سلوك النساء المتزوِّجات في ممارسة هذه الخِدَم القائمة على تغطية الرأس أثناء الصلاة، ولكنّ هذا الحدّ بذاته لا تُمليه إلاّ عادات المجتمع آنذاك. والسبب في تشديد بولس على هذه الفكرة هو أنّه في كورنتس كانت تشاع فكرة غنوصية ثنائية تُنكر كلَّ تمييز بين الرجل والمرأة، فالجنس يخصّ الشهوة والمادّة ولا يكترث بأمور الروح. يعترض بولس على عدم التمييز هذا، إذ إنّ المساواة بين الرجل والمرأة (غل 3: 28) لا ينفي تمايزهما ودورهما الخاص بطبيعة كلٍّ منهما على حدة. ثُمّ في ما يتعلّق بلباس المرأة في الجماعات، يريد بولس أن يشدّد على الحشمة والتواضع. ففي الأديان السرّيّة، كان شعر النساء مشعّثًا ورأسهنّ مكشوفًا، وبولس يعارض إدخال مثل هذه العادة إلى الجماعات المسيحية. أمّا في ما يخصّ 1كو 14: 34-35، لو كان بولس يعتقد أنّ إعطاء المجال للمرأة لأن تتكلّم في الجماعة يشكِّل تجاوزًا غير مسموح به، لكان أدلى برأيه منذ الفصل الحادي عشر، ما يحدو بنا إلى القول إنّه من المحتمل أن يكون هذا الملحق متأتّيًا من الوسط اليهو-مسيحي[7] . أمّا حتى ولو سلّمنا بأنّ المقطع أصيل، فالمقصود أنّ بولس يرغب تفادي التكلّم سويّة في الجماعات، فهو قد سبق وطلب من الرؤساء أن يتّفقوا على افساح المجال للآخرين بالتكلّم مداورةً: "لأنّه بوسعكم جميعًا أن تتنبّأوا، الواحد بعد الآخر، ليتعلّم جميع الحاضرين ويتشدّدوا" (1كو 14: 31)، وها هو الآن يتوجّه نحو الجماعة بذاتها، حيث يفرض الصمت على النساء ربّما لمقاومة إفراط "الثرثارات اللواتي يتشاغلن بما لا يعنيهنّ ويتكلّمن بما لا ينبغي" (1طيم 5: 13). إنّها قواعد اللياقة والآداب وحسن التصرّف المتأصِّلة بكل مجتمع. وبالتالي، فالأحاجيج التي يقدّمها بولس تتعلّق بسنن النظام والاجتماع وليس باللاهوت. في 1طيم 2: 11، يطلب بولس من المرأة أن تتلقّن التعليم وهي صامتة بكلّ خضوع؛ يبدو واضحًا أنّ بولس يقاوم بدعة كان العنصر النسائي يساهم في نشرها، كما جاء في 2طيم 3: 2-7، حيث إنّ بعض الناس "المحبّين لأنفسهم وللمال، المتعجرفين، المتكبّرين، الشتّامين (...)، كانوا يتسلّلون إلى البيوت ويفتنون نسيّات مثقلات بالخطايا، منقادات لمختلف الشهوات، واللواتي يتعلّمن دائمًا ولا يستطعن البلوغ إلى معرفة الحق". باختصار نذكر: -إن أسباب الاحتشام واللياقة التي يعرضها الرسول ليست جوهريّة، بل أخذها بعين الاعتبار ليُبيّن لنا أنّ الإيمان يدخل في العالم ليروحنه تدريجيًا لا ليخترقه ثورويًا. هذه الأسباب ليست إذًا إلهيّة بل قابلة للتغيير. -من جهة أخرى، تندرج الأسباب التي يقدّمها بولس في إطار الدفاع عن الإيمان المسيحيّ. هو يسعى إلى تحذير الجماعات المسيحيّة من البدع، وبنوع خاص من الاستخدام المفرط للمهام الأنثويّة بغية نشر الأفكار المبلبلة. -نجد في رسائل بولس صدًى للأحاجيج التقليديّة، لاسيّما تلك المأخوذة من تك 2-3 والمستوحاة من تعاليم الربّانيين حول عُطوبيّة المرأة وضعفها أمام الخطيئة. غير أنّ بولس يُظهر الفرق في تلطيف براهينه، وهذا ما يجعل الأمور تجري بطريقة مختلفة، بحيث إنّ الرجل بدوره عليه أن يخضع لزوجته: "ليخضع بعضكم لبعض بتقوى المسيح" (أف 5: 21). -للوهلة الأولى، يبدو لنا أنّ التفكير اللاهوتيّ البولسيّ يقوم على أنّ الزوج وحده قادرٌ أن يكون وسيط الخلاص: "لأنّ الرجل رأسُ المرأة كما أنّ المسيح رأسُ الكنيسة التي هي جسده وهو مخلِّصها" (أف 5: 23)، شرط أن يمارس وساطته "في الرب" ولكنّه لا يلبث أن يُقيم شوازات، عندما يجعل من الزوجة المسيحيّة أهلاً للوساطة الخلاصيّة في شأن زوجها غير المؤمن: "لأنّ الزوج غير المؤمن يتقدّس بامرأته" (1كو 7: 14). ختامًا، نستنتج أنّ المرأة هي كائن مخلوق على صورة الله، وبذات الفعل، هي قادرة على المشاركة في الحياة الإلهيّة بالاتّحاد مع المسيح، إذ ما من شيء يمنعها من أن تشارك الرجل الاحترام والكرامة والمسؤوليّة في النداء الإلهيّ. 3-ب- الطبيعة الإنسانية والكريستولوجيا خلق الله الرجل والمرأة في المساواة بالطبيعة، وأعطاهما كليهما الحقوق ذاتَها، كما دعاهما سواسية إلى الفرح الأبديّ. ففي حين أنّ الانتماء إلى الجنس المذكّر أو المؤنّث هو تفصيل ثانويّ ومؤقّت للوضع البشريّ لأنّه لا يدوم بعد القيامة، تبرز الطبيعة الإنسانيّة المشتركة كضرورة للخلاص ولوحدة الحياة المتجليّة كاملة: "لأنّكم جميعًا واحدٌ في المسيح يسوع" (غل 3: 28)، والمرأة المعمَّدة كما الرجل المعمَّد قد اتّحدا بالمسيح، لأنّهما بالعماد قد لبسا المسيح (غل 3: 27). يُعرب بولس عن المماثَلة الدقيقة إلى أبعد حدّ باستعماله فكرة الصورة-الأيقونة الموحية: "ونحن جميعًا نعكس صورة مجد الرب بوجوه مكشوفة كما في مرآة، فنتحوّل إلى تلك الصورة" (2كو 3: 18). لا لزوم ولا ضرورة لأيّ تمييز في الجنس، فصورة المسيح لا تكمن في الشبه الجنسيّ مع يسوع الرجل، بل في التشبّه بسيرة حياته الرحومة والمحرِّرة بقوة الروح[8] . وإذا كانت المرأة خلقت على صورة الله، فكيف تعجز أن تكون على صورة المسيح؟ وبالتالي، كيف يمكن تبرير التناقض بين الأنتروبولوجيا اللاهوتيّة والكريستولوجيا؟ بالتالي، أن نقول أنّ الكاهن عليه أن يكون رجلاً ليعبِّر عن الشبه بالمسيح، يبدو غير مقنع. زيادة على ذلك، فالكاهن لا يتماهى مع المسيح، وإلاّ لتحوّل هو بنفسه إلى إفخارستيا، والحال أنّه عندما يحتفل بالعشاء السرّي ويقول كلام التأسيس، يتكلّم بصيغة الغائب وليس بصيغة المتكلّم. ثمّ، ألا تقدّم لنا كريستولوجيا العهد الجديد الحكميّة يسوع المسيح بشكل شخص الحكمة الخالقة، الفادية والمجدّدة شعب الله؟ فيسوع، بأقواله وأفعاله، يظهر كأنّه ابن الحكمة، نبيّها وتجسيدها[9] . أخيرًا، إذا أخذنا بالقول المسيحي المأثور:"كلّ ما لم يأخذه المسيح بالطبيعة، لم ينل الخلاص"، هذا يعني أنّ النساء لم يزلن خارج دائرة الخلاص، لأنّ "الكلمة" عندما أخذ جسدًا، لم يأخذ الجسد الأنثوي[10] . 3-ج- التقليد إذا كان صحيحًا أنّ التقليد البيبلي يسلّم بأنّ التاريخ هو صنع الرجال، وبالتالي فالتعبير الليتورجيّ في العبادة يعود بالطبع إليهم، بالمقابل، فالباب ليس مقفلاً تمامًا على العنصر النسائي، ذلك أنّ التقليد البيبلي بذاته يعترف أنّ التاريخ هو أيضًا صنع النساء، فهؤلاء يشاركن الله في عمله الخلاصي[11] . يقولون إنّ موقف يسوع معياريّ بالنسبة للمسيحيّين، ولكنّ السؤال الذي يطرح نفسه: هل إنّ كلّ المؤسَّسات الكنسيّة المعاصِرة وردت في الإنجيل؟ ألم تستجدّ تغييرات عدّة في التاريخ؟ على سبيل المثال نذكر إستبدال التوبة العلنيّة، غير القابلة للإعادة، بالتوبة على حدة والتي يُمكن تكرارها. كذلك الأمر بالنسبة إلى العبور من الاحتفال بقدّاس يوم الأحد العلنيّ إلى القدّاس اليوميّ والفردي. أمّا موضوع بتوليّة الكهنة الإلزاميّة في الطقس اللاتيني، ألا تتنافى وإرادة يسوع الذي لم يشكّل عنده الزواج أيّ عائق في الخدمة الكهنوتيّة[12] ؟ في شرحه مشهد ترائي يسوع لمريم المجدلية بعد قيامته (يو 20: 11-18)، لا يتردّد أحد مفسّري الكتاب المقدّس من أن يكتب: تقدّم دعوة مريم المجدليّة إلى الرسالة الميزات الجوهريّة ذاتها التي تتميّز بـها دعوة بولس الطرسوسي؛ فلقد رأت يسوع القائم وسمعته وأرسلها هو نفسه بمثابة شاهدة. وعليه فلقد أعلن بولس بالصواب أنّه مساوٍ للرسل، ومريم بدورها تحيّيها الليتورجيا الشرقية بـ "المساوية للرسل"[13]. 4- الدور الليتورجي الأكثر تناسبًا وطبيعة المرأة بعد عرض كلّ البيّنات التي تتحفّظ عن دور المرأة الليتورجيّ المماثل للرجل والأخرى التي تُجيز لها أن تقوم به، يمكننا أن نستخلص ما يلي: 4-أ- للمرأة دور ليتورجي على ضوء ميزات المرأة الأنثويّة يمكننا أن نستنتج الدور الموافق لشخصيّتها. وبالفعل، فإنّنا نلاحظ تطابقًا عميقًا بين مهام الشمّاسيّة والمواهب الأنثويّة. هنا سؤالان يطرحان ذاتهما: أليست المرأة في معظم الحضارات هي التي تعطي الغذاء؟ ثمّ، إنّ إصرار التقاليد الإنجيليّة على رواية الخِدَم التي تؤدّيها النساء، أليست صدىً لمطالبة النساء بممارسة بعض المهام الكنسيّة؟ بناءً على مسؤولياتها، يمكن للمرأة الشمّاسة أن تتدخّل في مختلف الأجهزة والمجالس التي تُهيّئ المشاريع الرعائية والتي تتّخذ القرارات التي تُلزِم مستقبل الكنيسة. أمّا في ما يخصّ التبشير، فليس من باب الإدّعاء أن نقول أنّ الله الذي أراد تعاون مريم مع المخلّص في عمل الفداء، هو ذاته يبغي تعاون المرأة مع الكاهن في عمل التبشير الكنسيّ. وبالفعل، فإنّ حضور مريم وبعض النساء يوم العنصرة يشير إلى أنّ مواهب الروح القدس حلّت عليهنّ كما على سائر الرسل. والحال، أنّه بين هذه المواهب، توجد موهبة التبشير؛ ممّا يؤهّل المرأة، التي قامت بدروس مناسبة وبتنشئة مخصّصة لها أن تكرز بالإنجيل مثل الشمامسة الرجال. إنّ الامتياز الذي حظيت به النساء خلال الظهورات الأولى بعد القيامة، يؤكّد أنّ يسوع لم يكن لديه أيّة نيّة لإبعادهنّ إلى مستوى ثانويّ، بل بالعكس، فهو يقدِّر أمانتهنّ المتجذِّرة في الارتباط. من هنا، يمكن للنساء أن تحظين بمهمّة حقيقيّة في سبيل خدمة كلمة الله. 4-ب- للمرأة دور رسوليّ للمرأة دور رسوليّ يرتبط مباشرة بالعذراء مريم، العروس والأم. فالطريق التي سلكتها أمّ المسيح تعلّمنا وجود إرادة إلهيّة بأن يكون للمرأة رسالة خاصة توافق شخصها كامرأة. هذه الرسالة ليست غريبة عن الكهنوت بل تتعاون وإيّاه. فمريم كانت تعيش ملء متطلِّبات الكهنوت الملكي بصورة أفضل من أيّ شخص آخر، بقبولها بالطفل الإلهيّ في داخلها وبتقديمها إيّاه للآب[14]. يرمز العالم الأنثوي إلى أمومة الكنيسة وطواعيّتها وقبولها المملوء حبًا تلبيةً لمبادرة المسيح، الذي يريد أن يُغدق نعمه على عروسه وأن يجعلها منـزّهة عن كلّ عيب ومتألّقة بالجمال، والمرأة تتفوّق على الرجل في تجسيد الحب؛ ففي خضمّ الآلام، يشهد الانجيليّون الأربعة أنّ النساء كنّ أكثر أمانة ليسوع من الرسل أنفسهم. على مثال العذراء مريم، تقوم النساء بدورٍ سامٍ ولكنّه خفيّ، تمامًا كدور الروح القدس. أليس الروح القدس الذي ترأّس سرّ التجسّد بصورة لامنظورة، يستمرّ في ترؤّس ولادة أبناء الله الفوق-طبيعيّة؟ إمتدادًا لعمل الروح هذا، يعود للمرأة المسيحيّة أمر إيلاد البنين الروحيّين بالألم. فالمرأة لا تحقِّق طبيعتها إلاّ بالعطاء، وبفعل إعطائها ذاتها تنقل الحياة، وتوطّد قيم الألفة والمودّة مع المسيح، إنّها القيم الجوهريّة للكنيسة العروس. لا يجوز أن تُستَبعد المرأة عن كهنوت الكنيسة فهي تشارك بكهنوت المسيح مثل سائر المؤمنين، وبالتكرّس العماديّ تتحوّل إلى هيكل الروح القدس فتصبح قادرة لأن تتمّم أفعال العبادة المسيحيّة، وبنوع خاص، لأن تتّحد في تقدمة المسيح في الجماعة الإفخارستية. في فعل التكريس، تحوِّل المرأة وجودها إلى تسبيح لله، إلى تقريب شخصها "ذبيحة حيّة مقدّسة مرضيّة عند الله" (رو 12: 1). تمثّل فضائل الطاعة والانقياد والارتباط لدى المرأة موقف الكائن الإنسانيّ تجاه الله، إنّه موقف المخلوق تجاه الخالق. أضف إلى ذلك، فهي ترمز بأمانة إلى تصرّف المسيح الجوهري في طاعته المثلى لتقديم ذاته، وفي البشارة، أظهرت مريم خضوعها لله، فاستَبَقت استسلام المسيح لإرادة أبيه[15]. إذًا، للمرأة دور ثنائي في رسالتها كعروس، ممّا يفترض المودّة والاتّحاد بالمسيح في عطاء كامل للذات، ثمّ بصفتها أم تلد أبناء الله بالتبنّي. أن تلد المرأة أبناء روحيين وتجعلهم ينمون بالمسيح، أليست هذه أمومة روحية باهرة[16]؟ 4-ج- التكامل بين الرجل والمرأة لا يوجد أيّ التباس بين مصير المرأة والرجل إذ إنّ كُلاًّ منهما مدعو للقداسة. كلاهما مدعوّان للمشاركة في تحمّل مسؤولية الرسالة المشتركة، لا الخاصة بكل شخص على حدة. فالفرق بين الرجل والمرأة عليه أن يُعاش كموهبة تتكيّف مع الواحد والآخر، على أن تعود بالخير على الجميع. والمساواة لا تفترض التماثل، لأنّ الكنيسة هي جسد مميَّز، ولكلّ واحد دوره المغاير وليس المتمازج مع الآخر. في 1كو 11: 11، يقول بولس: "إلاّ أنّه لا تكون المرأة بلا رجل عند الرب ولا الرجل بلا المرأة"، وبـهذا، يؤكِّد الرسول قناعته أنّه ليس هناك طبيعة إنسانيّة سيّئة بل كيفية عيش مختلفة. على الإنسان، أكان رجلاً أم امرأة، أن يكتشف دوره في مخطّط الله على البشريّة. فما هو جوهريّ في الله-الثالوث، إنّما هو وحدة الأشخاص في الاتّحاد، كذلك الأمر في ما يخصّ خلق الإنسان، رجلاً وامرأة، فما هو أوّلي، إنّما هو التناغم الأساسيّ، كنتيجة حتميّة للحبّ الذي يؤدّي إلى ارتفاع الخليقة كلّها صوب الله. في النهاية، يؤدّي التكامل بين المرأة والرجل إلى جمع غناهما وديناميّتهما الخاصة فيعملا على بناء عالم ليس متساوٍ ومتماثل بل متناغم وموحّد. الخاتمة لم يزل الله يتكلّم بأشكالٍ شتّى، ولم يزل يُملي إرادته من خلال أحداثٍ يُمكنها أن تكون، في بعض الأحيان، ذات وقعٍ بالغٍ. أمّا لقراءتها وسبر أغوارها، فالروح القدس وحده يمكنه أن يأتي لنجدة المؤمنين ليقوموا بقراءة صحيحة. قد ترسم الكنيسة الكاثوليكيّة والأرثوذكسيّة يومًا ما نساءً كاهنات، وقد لا تفعلان، ولكن المهم أنّه يجب الاّ تقومان بعملٍ كهذا في سبيل إرضاء رغبات متطفِّلة لدى البعض بل تلبيةً لحاجات الخدمة. فالمقصود ليس المنافسة الأنثويّة-الذكوريّة أو محو الفروقات بين الرجل والمرأة، لأنّ النتيجة ستكون خسارة لكليهما على السواء. المستقبل ليس مُلكًا لأحد؛ إنّه مُلك الله، لنترك المسألة مفتوحة على آفاقٍ مستقبليّة. المهمّ أنّ عدم تمكّن المرأة من اكتساب سائر الخدم والمسؤوليّات المعطاة للرجل، ليس عليه أن يشكّل عائقًا، أو يكوِّن مشكلة لا حلّ لها، أو يخلق شعورًا بالدونيّة لديها، بل بعكس ذلك، فالمرأة منعَمٌ عليها بكلّ المواهب الإنسانيّة. بالإضافة إلى ذلك، إذا كان الكاهن يتشرّف بتمثيل المسيح في احتفاله بالأسرار، فهي أيضًا تمثِّل الروح القدس بعمله الصامت وإحيائه المثمر كلَّ أسرار الكنيسة. في النهاية على المرأة ألاّ تنسى أنّها مدعوّة للاتّحاد بالمسيح قبل أن تمثّله. دعوتها هي بالحري الانضمام والالتحام في ذبيحة الابن، لكيما بعد ذلك تُنجب له البنين الروحيين. |
||||
07 - 07 - 2015, 06:07 PM | رقم المشاركة : ( 8267 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
دور المرأة الليتورجيّ في الكتاب المقدّس - (1) المقدّمة هل يمكننا التكلّم عن دور المرأة الليتورجيّ في الكتاب المقدّس؟ ما هي المهامّ التي يُمكن إسنادُها إلى المرأة والتي توافق شخصيّتها وطبيعتها ومواهبها ودورها الأنثوي؟ إنّنا إذ نعي وضوح الأدوار الليتورجيّة، لماذا يصبح الأمر ملتبسًا عندما ننسبه إلى المرأة؟ هل ما زالت أصداء التمييز بين الرجل والمرأة ترنّ في بالنا رغم الاهتمامات التي حظيَتْ بـها المرأة في الكنيسة؟ هل صحيح أنّ التباين الجنسيّ بينها وبين الرجل هو الذي يُثير مسألة كهذه؟ لماذا لا نعتبر أنّ التمايز يشكّل مصدرًا للمكانة الفردية لكلٍّ منهما ولخصائصه وميزاته؟ وأخيرًا، إذا كان الله حبا المرأة سهولة التواصل الإنسانيّ فما هي العوائق التي تحول دون إسدائها دورًا أساسيًا في الخِدَم الليتورجيّة؟ 1- بعض المعطيات الكتابيّة في العهد القديم، لم يكن وضع المرأة يسمح لها بأن تلعبَ دورًا فعّالاً في الحياة السياسيّة والدينيّة: ففي حين كان يحقّ للرجال الدخول إلى خيمة الموعِد[1] ، لم يكن مسموحًا للنساء سوى الاكتفاء بالوصول إلى الباب المؤدّي إليه[2] . لا تشترك المرأة رسميًا في العبادة حتى وإن كان لها الحق أن تُبدي ابتهاجًا علنًا خلال الأعياد والمناسبات[3] كما أنّ الذكور وحدهم ملزَمون بفريضة الحجّ (خر 23: 17). لا ينبغي على المرأة المحافظة الدقيقة على السبت[4] . أمّا موهبة النبوءة، فلم تكن دائمًا تُمنح للمرأة، والدليل على ذلك أنّه إزاء وفرة عدد الرجال الأنبياء، لا يذكر العهد القديم سوى أربع نبيّات بأسمائهنّ: مريم أخت هارون (خر 15: 20-21)، دبّورة (قض 4: 4)، حُلدة (2 مل 22: 14) ونوعاديّة (نح 6: 14)، هذا بالرغم من أنّ النبي يوئيل يُعلن أنّ الربَّ سيُفيض روحَه على كلِّ بشر فيتنبأ البنون والبنات على السواء (3: 1). أما في ما يخصّ العهد الجديد فبالرغم من أنّ يسوع نفسه حين كان يبشّر بملكوت الله دون التمييز بين الرجال والنساء، وبالرغم من أنّ كلامه لاقى وقعًا طيّبًا لدى النساء، فمنهنّ مَن اصطحبنه وسرن معه في المدن والقرى ورافقنه حتى أورشليم ومنهنّ مَن ساعدن يسوع والاثني عشر بأموالهنّ[5] ، وبالرغم من أنّ جماعة الرسل، كلَّهم تركوا المعلِّم، باستثناء أحدهم، فقد تبعت النساء يسوع حتى الجلجلة وشاهدن تكفينه ودفنه[6] ، وهنّ اللواتي سيلتقين القائم من الموت (أو ملاكه) وسيعلن البشرى السارّة للرسل المرتابين[7] ، رغم كلِّ ذلك، فيسوع لم يدعُ قط أيّة امرأة باسمها لكي تتبعه كما فعل مع الاثني عشر[8] . بدورهم، عندما عزم الرسل المجتمعون في العليّة، هم وبعض النساء، اختيار بديل ليهوذا، لم يفكّروا قط بالنساء (را أع 1: 14-26) بل توجّهت أبصارهم نحو رجلين. كذلك الأمر، لم يُذكر أيّ اسم أنثوي في لائحة المعاونين السبعة الذين أَوكَل إليهم الاثنا عشر خدمة الموائد وتوزيع الأرزاق اليوميّة على الأرامل، علمًا أنّه من البديهي أن تتفوّق جدارة المرأة على الرجل في هكذا نوع من الخدمة. من ناحية أخرى، فكنيسة أنطاكية التي كانت تعتبر نفسها أكثر انفتاحًا من كنيسة أورشليم، لن تعهد توجيه حياتها إلاّ إلى رجال دون سواهم (أع 13: 1-13). أمّا بولس الرسول، فقد اختبر في أثناء رحلاته التبشيريّة، وفاء بعض النساء المتفانيات، والدليل على ذلك لائحة السلامات المدرجة في نهاية رسالته إلى أهل روما. ففي بداية الأمر، يَطرح موضوع فيبة، شمّاسة[9] كنيسة قنخرية (رو 16: 1)، فالخدمة التي قامت بـها هي أنّها حمت كثيرًا من الأخوة من بينهم بولس ذاته (آ 2)؛ لذا، يمكننا أن نعتقد أنّها كانت تفتح منـزلها لاجتماع الأخوة وتشارك في الخدمة الرسوليّة. بعد فيبة، يرسل بولس تحيّاته إلى برسقلّة وأقيلا، ويدعوهما "معاونيه في المسيح". هذا اللقب الذي يُسبغه بولس عليهما، يُسنده عادةً لمعاونيه المباشِرين في عمل الإنجيل[10] . فإلى هذا الزوج يعود الفضل في تفسيرهما طريقة الربّ لأبلّس على وجه أدقّ، أي أنّهما استكملا تعليم مَن سيصبح شخصيّة مسيحيّة بارزة في تبشير كنيسة كورنتس (أع 18: 24-28). هنا لا بدّ من لفت النظر إلى أنّه في أعمال الرسل (18: 18، 26) كما هي الحال في الرسالة إلى الرومانيين (16: 3)، وفي الرسالة الثانية إلى طيموتاوس (4: 19)، يَرِدُ اسم برسقلّة الزوجة قبل زوجها؛ ربّما كانت الشخصية المهيمنة بين هذين الزوجين. بالإضافة إلى النساء التي ورد ذكرهنّ آنفًا، يسلّم بولس أيضًا على مريم (رو 16: 6)، وطَروفانية وطَروفوسة وبرسيس (آ 12)، ووالدة روفس (آ 13)، ويولية واخت نيروس (آ 15) وأفودية وصنطيخة (فل 4: 2-3). أمّا في شأن النبوءة، فالروح القدس الذي يوزِّع مواهبه كما يشاء على كلِّ إنسان، لم يحجب عن النساء موهبة النبوءة ذاتها التي كان يفيضها على مسيحيّي الكنيسة الأولى. فالمبشِّر فيلبّس كان له أربع بنات عذارى يتنبّأن (أع 21 :9)، وفي جماعة كورنتس، كانت النساء يتنبّأن تمامًا كالرجال، ولم يرَ بولس أيّ عيبٍ في ذلك، لكنّه تمسّك بشدّة بعادات عصره التي تفرض على المرأة أن تغطّي رأسها وقت الصلاة بينما على الرجل أن يكون مكشوف الرأس حين يصلّي (1كور 11: 4-5). باختصار، يبدو واضحًا أنّ بولس أفاد من مؤازرات أنثوية عدّة في كَدِّه الرسولي، فالنساء لم يظهرن أقلّ اضطرامًا من الرجال في نشر البشرى السارّة حيثما كان[11] . 2- بعض الأسباب التي تمنع المرأة من القيام بالدور الليتورجي الذي يقوم به الرجل إنطلاقًا من الكتاب المقدّس يُمكننا أن نجد أسبابًا تعليليّة تحدّد دور المرأة ببعض المهام الليتورجيّة دون سواها؛ منها ما يعود إلى نموذجيّة المسيح، أو إلى التقليد، أو إلى الخَلق والأنتروبولوجيا، أو غيره. 2-أ- نموذجية المسيح يشكِّل الجنس الذكوريّ عنصرًا ذا علامة أسراريّة يتأتّى مباشرة من إرادة المسيح ذاته. فالطريقة التي تصرّف بـها المسيح تبدو نموذجيّة. أضف إلى ذلك، فالأسرار التي أسّسها ابن الله ترتبط بالتاريخ بصورة دقيقة، لأنّ المسيحيّة وُلدت إثر حدث تاريخيّ: إنّه مجيء ابن الله في الزمن وفي بلدٍ معيّن. والأسرار تشكّل ذكرى لأحداثٍ خلاصيّة، ولهذا فإنّ علاماتها ترتبط بـهذه الأحداث عينها. إنّها تتعلّق بحضارة وثقافة معيّنة بالرغم من أنّها مهيّأة لأن تتكرّر في كلّ مكان وحتى نهاية الأزمنة. وعليه، فإنّ يسوع لم يدعُ أيّة امرأة لتنتمي إلى الرسل الاثني عشر، أو لتقوم بالمهام التي أوكلها إليهم، فلهؤلاء أعطى يسوع مفاتيح ملكوت السماوات بصورة حصريّة. وبالتالي، فكهنوت الخدمة الناجم عن فعل تكريس خاص، يجعل الرجل نظير المسيح الكاهن، لكي يتمكّن من القيام، وباسم المسيح، بعمله في العشاء الأخير وعلى الجلجلة. فتمثيل المسيح بشخص الكاهن ليس وظيفة بحتة، ولكنّ الكاهن ملتزم بكلّ كيانه، وبصورة خاصة بذكورته، بأن يكون أيقونة المسيح في وسط الجماعة المؤمنة[12] . فالمرأة غير قادرة بأن تنعم بالميزة التي حظي بـها الرجل بأن تمثِّل المسيح من خلال تماثل شخصيّتها وإيّاه. وإذا كان الله أراد أن يظهر على الأرض بشكل جسد رجل، فهو بالتالي يريد أن يستمرّ في الظهور في الجماعة المؤمنة بالشكل عينه محوّلاً الرجل إلى رمز أسراري، والرموز الأسراريّة عليها أن تمثّل ما تعنيه من خلال الشبه الطبيعيّ. من هنا، عندما نقوم أسراريًا بدور المسيح في الإفخارستيا، من غير الممكن أن نُسندَه إلى امرأة لأنّ المسيح تجسّد كرجل. 2-ب- التقليد لا يُمكن للمرأة أن تمارس الكهنوت وذلك بموجب إرادة إلهيّة. والتقليد الكنسيّ الذي يشكّل امتدادًا لموقف يسوع، حافظ على عدم إعطاء سرّ الكهنوت للمرأة أمانة من الرسل وخلفائهم لإرادة المؤسّس. فبعد الصعود، شغلت مريم مكانًا ذا امتياز (أع 1: 14)، ولكنّها ليست هي التي دُعيَتْ لأن تنضمّ إلى جماعة الرسل بل اختار هؤلاء رجلَين متيّا وبرسابا بغية وقع القرعة على أحدهما (أع 1: 21-26). لقد حاول بعضهم شرح موقف يسوع والرسل إنطلاقًا من تأثير البيئة والزمن. ولكنّنا نجد في الأناجيل أنّ يسوع اخترق انحيازات عصره وخالف التمييز الممارس إزاء النساء[13] . أمّا بالنسبة لبولس الرسول، إذا كنّا ندين له بالنص الذي ربّما يكون من نصوص العهد الجديد الأكثر بأسًا في المساواة بين الرجل والمرأة كونهم جميعًا أبناء الله في المسيح[14] ، هذا لا يعني أنّه علينا أن نستعمل مبدأ "ليس هناك ذكرٌ وأنثى" لأنّ هذا المبدأ إذا كان يُثبت المساواة المطلقة بين الجنسين على مستوى العماد والكهنوت الملكي، فلا يمكنه أن يُطبَّق على مؤسّسة كهنوت الخدمة التي تملك قواعدها الخاصة. 2-ج- الخلق والأنتروبولوجيا كثيرٌ من الناس يعتقدون أنّ النساء هنّ، معنويًا وروحيًا، أدنى درجة من الرجال، أمّا على الصعيد الجسدي فهنّ نجسات. من هنا، على المرأة أن تخضع للرجل تماشيًا ونظام الطبيعة، إذ إنّه في الخلق، سبق الرجل المرأة في الوجود، فهو بالتالي المؤهّل للتسلّط بلا منازع، وبما أنّ الكهنوت هو عملٌ إداري، يبقى أنّه على الرجال أن يزاولوه بصورة حصريّة[15] . لقد وُصفَت المرأة بأنّها مذنبة بالطبيعة، كونها وقعت في الخطيئة وجذبت الرجل إلى السقطة، فهي تحتفظ بضعفها الطبيعي وتبقى واهية وخاضعة للاندفاع اللاإرادي وتتأثّر بالإغراءات بسهولة. عندما يفرض بولس الصمت على النساء في الجماعات، فهو يقصد مهمّة التعليم الرسميّة في الجماعات المسيحيّة كما توحيه لنا الرسالة الأولى إلى طيموتاوس: "لا أجيز للمرأة أن تعلِّم ولا أن تتسلّط على الرجل، بل تحافظ على السكوت" (2: 12)[16] . فبولس الذي يقرّ علانية بدور العنصر النسائيّ الممثّل في الجماعات الليتورجية وبالتحديد في الصلاة والنبوءة (1كو 11: 5)، هو بذاته يرفض بتاتًا بأن تُعطى المرأة حقّ التعليم في الجماعة، إذ إنّ التعليم الموازي للوعظ في أيامنا يتّسم بطابع رئاسيّ لا يتطابق مع حالة المرأة التي خُلقت بعد الرجل وتبقى في حالة خضوع له. بالرغم من الإكرام للمكانة الرفيعة للعذراء مريم، ظلّت وصمة الخطيئة مرتبطة بالمرأة، فهي تشكّل خطرًا دائمًا كونـها تحرّض على الإثم، لذلك فهي غير مخوَّلة لأن تقوم بأدوار في الاحتفالات الليتورجية. بشكل عام، لا شك في أنّ الرؤية الأنتروبولوجية تتمحور حول طابع الذكورة، بحيث إنّ المرأة تُنسَب إلى الرجل دون أن يكون العكس صحيحًا لأنّ الرجل يشكِّل الجنس المثالي للبشرية. 2- بعض الأسباب التي تُجيز للمرأة القيام بالدور الليتورجي الذي يقوم به الرجل 2-أ- الخلق والأنتروبولوجيا "فخلق الله الإنسان على صورته، على صورة الله خلقه، ذكرًا وأنثى خلقهم" (تك 1: 27). في هذه الآية تبدو المساواة بيِّنة بين الرجل والمرأة. إنّهما متساويان ومتكاملان في الكرامة. أمّا خضوع المرأة للرجل "إلى رجلِك تنقاد أشواقك وهو يسودكِ" (تك 3: 16)، فلا يتعلّق بعمل الخلق بل هو نتيجة الخطيئة. ثمّ، أليس صحيحًا أنّ عاقبة خطيئة حواء قد التأمت وفُديت بالولادة الطاهرة والقبول المجاني والحرّ لوالدة الله؟ من جهة ثانية، إذا اعتقدنا أنّ المرأة تأتي في الدرجة الثانية بعد الرجل لأنّها أُخذت منه، إذًا عليها أن تخضع له، فهذا يعني تلقائيًا أنّ الابن الذي أُخذ من الآب يأتي في درجة ثانية وعليه أن يخضع له؛ والحال أنّه، في الله الثالوث لا يوجد أيّ بُعد للوقت الماضي أو المستقبلي لأنّ عنده الحاضر الأزلي، ثمّ إنّ ركيزة إيماننا تقوم على أنّ الابن مساوٍ للآب في الزمن والجوهر[17] . وعلى صعيد آخَر، إذا سلّمنا أنّه على المرأة أن تتبع الرجل كونه خُلق أولاً، أفلا نجد التبعيّة ذاتها من الرجل للمرأة؛ فها هي حواء تهتف بعد ولادتها قايين: "قد اقتنيتُ رجلاً من عند الرب" (تك 4: 1). فكما أنّ المرأة تنحدر من الرجل بفضل العمل الإلهي، هكذا على الرجل بدوره أن يدين بنشأته إلى المرأة، وذلك طبعًا بفضل الله. يؤكّد بولس هذا التبادل في التبعية: "فكما أنّ المرأة استُلّت من الرجل، فكذلك الرجل تلده المرأة، وكلُّ شيء يأتي من الله (1كو 11: 12). في تك 2: 23، يكتشف آدم باندهاش أنّ الشخص الذي يقف أمامه ليس بالحقيقة سوى هو بذاته، أّنه وجه آخَر لكائنه؛ فهو لم يتّخذ اسمًا له إلاّ بعد أن سمّى امرأته: "هذه تسمّى امرأة (hV'ai ) لأنّها من امرئ (vyai ) أُخذت". يشكّل الرجل والمرأة وحدة متكاملة، فهما يشتركان بالطبيعة ذاتها، والاسم الذي يعطيه الرجل للمرأة يبدو وكأنّه اسمه هو مع إضافة علامة التأنيث. وفي العهد الجديد، لا نجد أيّ مبدأ يمنع المرأة من الصلاة أو ممارسة النبوءة في الجماعات الليتورجيّة. ففي 1كو 11: 3-16 يحدّد بولس سلوك النساء المتزوِّجات في ممارسة هذه الخِدَم القائمة على تغطية الرأس أثناء الصلاة، ولكنّ هذا الحدّ بذاته لا تُمليه إلاّ عادات المجتمع آنذاك. والسبب في تشديد بولس على هذه الفكرة هو أنّه في كورنتس كانت تشاع فكرة غنوصية ثنائية تُنكر كلَّ تمييز بين الرجل والمرأة، فالجنس يخصّ الشهوة والمادّة ولا يكترث بأمور الروح. يعترض بولس على عدم التمييز هذا، إذ إنّ المساواة بين الرجل والمرأة (غل 3: 28) لا ينفي تمايزهما ودورهما الخاص بطبيعة كلٍّ منهما على حدة. ثُمّ في ما يتعلّق بلباس المرأة في الجماعات، يريد بولس أن يشدّد على الحشمة والتواضع. ففي الأديان السرّيّة، كان شعر النساء مشعّثًا ورأسهنّ مكشوفًا، وبولس يعارض إدخال مثل هذه العادة إلى الجماعات المسيحية. ...يتبع... |
||||
07 - 07 - 2015, 06:09 PM | رقم المشاركة : ( 8268 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
مثل الابن الضال يروي لنا هذا المثل قصّة أبانا الّذي يحبّنا مهما بلغت أفعالنا من حقارة، إنّها فكرة مُحبّبة لدى الجميع، ولا أريد أن أنفيها. ومع ذلك، فلم تكن هذه الفكرة ما رغب يسوع إيصاله لمستمعيه، فهم يعلمون مُسبقًا أنّ أباهم الّذي في السماوات، مُحبّ وغفور ورحوم. لكنّ لوقا يُحضّر في إنجيله لهاتين الفكرتين (التوبة والمغفرة) بالطريقة التالية: إذ استهلّ هذا المثل بمثلَين قصيرين هما: مثل الخروف الضائع، ومثل الدرهم المفقود. ويُنهيهما الإنجيليّ بحقيقة أنّه سيكون في السماء فرحٌ بخاطئ تائب أكثر من تسعة وتسعين صالحين لا يحتاجون إلى التوبة". ولكن، أهذا بالفعل ما ترغب الأمثال أن تقوله لنا؟ لم يتكلّم المسيح عن خطيئة الخروف أو عن جشع النقود؛ فالخروف لا يشعر بالذنب والنقود لا تتوب. أكثر من ذلك، الراعي يفقد الخروف؛ والمرأة تفقد نقودها. ولكن الله لا يفقدنا بل يتفقّدنا. فالمثلَين الأوّلَيّن ليسا عن التوبة والمغفرة. بل عن العدّ: لاحظ الراعي خروفًا مفقودًا من أصل مئة، ولاحظت المرأة فلسًا مفقودًا من أصل عشرة. بحثوا، وجدوا، فرحوا، فاحتفلوا. وبعدها نصل إلى المثل الثالث. فتبدأ قصّة الابن الضّال: "كان لرجلٍ ابنان..." إذا ركزنا على الابن الضال، سنفهم البداية بشكلٍ خاطئ. كلّ يهوديّ مثقّف في الكتاب المقدّس يعلم أنّه في حال وجود ابنان، الله يرجّح كفّة الابن الأصغر: هابيل على قايين، اسحق على اسماعيل، يعقوب على عيسو، افرايم على منسى. ولا تسير الأمور في المثل كما نظنّ. لا يمكننا أن نعتبر الأمر مماثل مع الابن الأصغر هنا، الّذي "بذّر كل ما أخذه من أموال أبيه على حياة الفسق". وبعد ذلك إذا تأمّلنا في دهشة الأبّ وترحيبه بعودة ابنه الأصغر إلى المنزل، سنفهم بشكلٍ خاطئ الهدف من المثل مرةً أُخرى. ابتهج الأبّ ببساطة لمجرّد عودة ابنه: ابتهج وأقام وليمة، اذا توقّفنا هنا، فهذا يعني أنّنا فشلنا في العدّ. فالابن الأكبر ذكّر أباه عندما سمع صوت الموسيقى والرقص بأنّه كان يملك الوقت ليقيم احتفالاً ووليمة، ولكنّه لم يفكر بأبنه الأكبر أبدًا. هو لديه ابنان، ولكنّه لم يدخل في مسألة العدّ. مَثَلنا هذا هو أقلّ عن المغفرة وأكثر عن العدّ، والتأكّد من أنّ الجميع موجود ومعدود. |
||||
07 - 07 - 2015, 06:10 PM | رقم المشاركة : ( 8269 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
مثل السامريّ الصالح عادةً ما يتيه بنا فكرنا ومعلوماتنا عن الكتاب المقدّس عن الغاية الّتي ضرب يسوع من أجلها هذا المثل بالتحديد، وسنكتفي هنا باثنتين: إمّا أن يفترض القرّاء بأنّ اللاويّ والكاهن تجاهلا الشخص الجريح كي لا يتجنّسا. لكن هذا ليس له معنى، فكلّ هذه التفسيرات تُظهر الشريعة اليهوديّة بصورةٍ سلبيّةٍ. فلم يكن الكاهن ذاهبًا صعودًا إلى أورشليم، المكان الّذي يهتمّ فيه الشخص لطهارته، بل كان نازلاً إلى أريحا. والشريعة لا تمنع اللاويّ من لمس الجثث، وهناك العديد من الأسباب الأُخرى التي تبيّن أنّ طقوس الطهارة هنا ليس لها علاقة بالموضوع. يذكر المسيح الكاهن واللاويّ ليبيّن الفئة الثالثة. أن نذكر الفئتين الأوليّتين يعني بأنّ الحديث موّجه للفئة الثالثة أيضًا، على مبدأ: "الحكي إلك يا كنّة… اسمعي يا جارة". أو يُنظر عادةً إلى هذا المثل على أنّه قصّة الأقليّة المضطهدة: المهجّرون، الشاذّون،السامريّون. ولكنّهم ليسوا الأقليّة المضطهدة، بل الأعداء. ونحن نعلم هذا ليس فقط من المؤرّخ يوزيفوس، وإنّما من لوقا الإنجيليّ. في فصلٍ واحدٍ فقط قبل هذا المثل، نرى المسيح يعبر بمدينة السامرة، ولكنّهم رفضوا حسن ضيافته. علاوة على ذلك، السامرة كان لها اسم آخر: شكيم. في شكيم، اغتصب شيخها دينا ابنة يعقوب. وكان مركز أبيمالك القاتل. لذا، إذا كنّا عند البئر لحظة وصول يسوع إليه، ورأينا السامريّة، فأوّل ما يتبادر في ذهنها: "سيغتصبني. سيقتلني". ثم نُدرك: أنّ عدوّنا قد يكون أوّل شخص قد ينقذنا. وأعمق من ذلك، إذا سألنا ذواتنا ببساطة " أين السامرة اليوم؟" |
||||
07 - 07 - 2015, 06:11 PM | رقم المشاركة : ( 8270 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
مثل عمال الساعة الأخيرة يروي لنا هذا المثل قصّة مجموعة من العمّال أتوا ليعملوا في الحقل بأوقاتٍ مختلفة من النهار، لكنّ المالك دفع لهم الأجرة ذاتها. يُقرأ هذا المثل في بعض الأحيان من نظرة مُعادية لليهود، وبالتالي فإنّ الأجير الأوّل هو "اليهوديّ" الّذي يُعيد إرسال الوثنيّ والخاطئ إلى حقل الرّب، وهذا سوء فهم آخر. لم يستقبل مستمعي يسوع هذا المثل على أنّه توجيه للخلاص إلى الحياة الأبديّة، بل قصّة تتناول حالتهم الاقتصاديّة في وقتها. درسًا عن كيفيّة مطالبة العمّال بحقوقهم. وكيف لأصحاب الأموال والموارد أن يتيقّظوا لحالة البطالة في بلادهم. لم يطرح يسوع فكرة محاربة البطالة أو مشاركة الموارد من عدم. فالمشكلة عينها كانت منذ أيام داوود الملك. ولكن، إن كنّا لا نعلم المصادر التوراتيّة والإنجيليّة، مرةٍ أخرى سنقع في سوء فهمٍ للمثل. |
||||