![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 77111 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() على أنه من الواجب، إنصافاً للحقائق الواقعية، أن يُقال إن هذه النظرية الجديدة في الإجرام هي في جزءٍ منها ردة فعل على موقف متطرف آخر ذهب إليه قومٌ في الماضي. فبينما يعتبر المجرمون اليوم مرضى عقلياً، كان المرضى عقلياً وسائر المنكوبين في الماضي غالباً ما يُعتبرون مجرمين، وقد تفنن الناس في ابتكار وسائل من شأنها أن توقع أشد الآلام هولاً على الأشخاص الذين يُعتبرون مذنبين وأهلاً للقصاص. لكن مثل هذه الممارسات، وإن كانت تفسح المجال لترويج النظرية الجديدة، ليست مسوِّغاً لها ولا تُزكيها . فالفكرة الجديدة متميزة، شأنها شان القديمة، لكونها لا تُنصف فداحة الخطية بل تسلب الإنسان حريته وتهبط به إلى مستوى الحيوان، وتتحدى بكل وقاحة طبيعة الإنسان الأدبية بما فيها من ضمير وشعور بالذنب، وتقوِّض من حيث المبدأ كامل أساس السلطة والحكومة وإجراء القضاء. وبغض النظر عن المحاولات التي يبذلها العلم للبرهنة على حتمية الخطية، فإن أي شخص لم يتبلَّد فيه الضمير ولم يفقد الحس بعد، يشعر في ذاته أنه مُلزَم أن يفعل الخير ومسؤول عن فعل الشر. فمن المؤكد أن رجاء الثواب ليس هو الدافع الوحيد والأهم لفعل الخير، كما أن خوف العقاب ربما لا يكون هو الدافع الوحيد الذي يحدو الناس على الكفِّ عن الشر. ولكن أي من يستجيب لهذين الدافعين الثانوييين فيفعل الخير ويمتنع عن الشر، وإن يكن بمعنىً خارجي فقط، يكونُ رغم ذلك في وضعٍ أفضل جداً ممن يتجاهل هذين الدافعين ويسترسل في العيشة بحسب أهوائه. أضف إلى هذا أن الفضيلة والسعادة، وكذلك الخطية والعقاب، مترابطٌ بعضها ببعض ليس فقط على سبيل تعاقب السبب والنتيجة وفقاً لاعتبار خارجي، بل هي متواجدة جميعاً في الإدراك الخُلُقي أيضاً منذ البداية. فإن محبة الخير الحقيقة الصادقة، أي ملء الشركة مع الله، تعني أن الإنسان بكليَّته يدخل إلى أعماق تلك الشركة، في السر والعلن على السواء. وبالخطية كذلك، بمثل هذا الشمول تنطوي عند اكتمالها على فساد الإنسان نفساً وجسداً. إن العقوبة التي حددها الله لقاء الخطية هي الموت (تكوين 2: 7)، غير أن هذا الموت الجسدي العارض ليس وحده إذ تسبقه وتلحقه عقوبات أخرى عديدة. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 77112 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() حالما أخطأ الإنسان انفتحت عيناه، فخجل لأنه عريان واختبأ من وجه الرب (تكوين 3: 7 و 8). فالخزي والخوف عند الإنسان لا ينفصلان عن الخطية لأنه يشعر حالاً أنه مذنب ومدنَّس من جراء خطيته. فالشعور بالذنب، وهو قريب الصلة بالعقاب، والتدنُّس أو التلوُّث، وهو فسادٌ أدبي، هما العاقبتان اللتان حصلتا حالاً بعد السقوط. ولكن فضلاً عن هذا النوع الطبيعي من العقوبة، أضاف الله أحكام قصاصٍ أخرى. فقد عوقبت المرأة من حيث هي أنثى وأم: فبالوضع تحمل الأولاد وتلدهم، إلا أن اشتياقها إلى زوجها يظلُّ فعالاً رغم ذلك (تك 3: 16). كذلك عوقب الرجل في الدعوة التي أوكلت إليه بتعهد الأرض بعمل يديه (تك 3: 17 - 19). حقاً إن الموت لم يحدث حالاً بعد التعدي، بل أُرجئ بالفعل مئات السنين، لأن الله لا يتخلى عن مقاصده من نحو الجنس البشري. غير أن الحياة الموهوبة الآن للإنسان تصير حياة معاناة للألم، مليئةً بالجهاد والحزن، توطئةً للموت، بل موتاً متواصلاً. فالإنسان لم يصبح مائتاً وحسب من جراء الخطية، بل إنه بدأ يموت. إنه يموت باستمرار من المهد إلى اللحد. إذ ليست حياته سوى معركة مع الموت قصيرةٍ وعبثية. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 77113 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() حقيقة تتجلى للعيان في الشكاوى الكثيرة التي يوردها الكتاب المقدس بخصوص هشاشة الحياة البشرية وزوالها المصيري وبطلانها. فالإنسان كان تراباً، حتى قبل سقوطه. ومن حيث الجسد، صُنع الإنسان من تراب الأرض، وهكذا كان ترابياً من الأرض، لكنه كان أيضاً نفساً حية (1 كورنثوس 15: 45، 47). غير أن حياة الإنسان الأول تلك كان مقصوداً لها أن تصير روحانية وممجدة إذ يسيطر عليها الروح في سبيل حفظ الناموس الإلهي. ولكن نتيجةً للتعدي، بات الناموس الفعال الآن هو هذا: أنك تراب، وإلى ترابٍ تعود (تك 3: 19). فبدل أن يصير الإنسان روحاً، صار جسداً من جراء الخطية. وها حياته الآن ظلٌّ أو حلمٌ أو هزيعٌ من الليل، جسر عبور أو خطوة، موجةٌ من المحيط تعلو وتنكسر وتتلاشى، شعاعٌ من النور يتوهج ثم يخبو، زهرةٌ تتفتح ثم تذوي. وهي بالحقيقة لا تستحقُّ أن تُسَّمى "حياة"، هذه الاسم المجيد الزاخر بالمعنى. إنها موتٌ دائم في الخطية (يوحنا 8: 21، 24)، موتٌ بالخطايا والذنوب (أفسس 2:1). |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 77114 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() تلك هي الحياة منظوراً إليها من الداخل، وقد أفسدت الخطية نواتَها وجرَّت عليها الوبال والانحلال. ثم إنها، من الخارج أيضاً، عرضةٌ في كل حين لمخاطر تأتيها من كل جهة. فبعد السقوط في التعدي مباشرةً، طُرد الإنسان من الجنة، ولا يجوز له الرجوع إليها بأي حق خاص به، إذ غُرِّم بفقدان حق الحياة، ولم يعُد مكان الراحة والسلام ذاك خليقاً بالإنسان الساقط. فكان يجب أن يخرج إلى العالم الفسيح ليكسب خبزه بعرق جبينه متمماً بذلك دعوته. إن الفردوس هو المسكن اللائق بالإنسان غير الساقط، والمُبارَكون يعيشون في السماء. أما الإنسان الخاطئ، وإن كان عتيداً أن يُفدى، فله الأرض مكان إقامة - أرض تشترك في عواقب سقوطه، وهي ملعونةٌ بسببه، وقد أُخضِعت وإياه للبُطل (رومية 8: 20). |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 77115 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() بتوافق الباطن والظاهر مرةً أخرى، إذ إن بين الإنسان ومحيطه انسجاماً. فالأرض التي نعيش على سطحها ليست نعيماً، إلا أنها كذلك ليست جحيماً. إنها بين هذا وذاك، ولها شيءٌ من خصائص كليهما. وليس في وسعنا أن نتبين على وجه الخصوص العلاقة القائمة بين خطايا البشر ومصائب الحياة. فالمسيح نفسُه حذر من فعل هذا، إذ قال إن الجليليين الذين خلط بيلاطس دماءهم بدماء ذبائحهم لم يكونوا خطاةً أكثر من سواهم (لوقا 13: 1- 3)، وإن الرجل المولود أعمى لم يكن معاقباً على خطاياه ولا على خطايا أبويه، بل ابتُلي بعلَّته لكي تظهر أعمال الله فيه (يوحنا 9: 3). فليس علينا إذاً أن نستدل من حقيقة نزول الآلام والمصائب بأحد الناس على أنه مستحقٌ ذلك بسبب ذنبه الشخصي. ومع أن أصحاب أيوب احتجوا بهذه الحجة، فقد تبين أنها باطلة. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 77116 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() بحسب تعليم كلمة الله كلها، أن ارتباطاً يقوم بين الجنسين البشري الساقط والأرض الساقطة. فكلاهما قد خُلِق منسجماً مع الآخر، وهما معاً أُخضعا للبُطل، وقد افتداهما المسيح كليهما من حيث المبدأ، ولسوف يقامان معاً ذات يوم ويمجدان. ومع أن العالم الحاضر ليس أفضل الممكن ولا أردأه، فإنه عالم صالح للإنسان الساقط. فلأن الأرض من تلقاء ذاتها تنبتُ فقط شوكاً وحسكاً، فهي تضطر الإنسان إلى العمل، وتصونه من الفساد، وتُنشئ في صميم قلبه رجاءً لا يُخمد بان سيكونُ بعدُ خيرٌ مقيم وسعادةٌ أبدية. رجاءٌ يجعل الإنسان يحيا، وإن تكن حياته قصيرة الأمد وملأى بعدم الاستقرار ليس إلا. فإن كل حياة ما تزال للإنسان بحسب الطبيعة هي عرضةٌ لفساد الموت. وإذا كان الإنسان قوياً، يستمر في الجهاد سبعين سنة أو ثمانين، غير أن الحياة عادة ما تنقصف في مرحلةٍ أبكر كثيراً، في عز الشباب أو ريعان الصبا، وبُعَيد الولادة أو قبلَها أحياناً. ويقول الكتاب المقدس إن هذا الموت هو دينونة من الله، غرامة عقوبة على الخطية؛ وهذه الحقيقة يشعر بها قلب البشرية كلِّها وقلب كل بشري بمفرده. حتى الشعوب المسماة بدائية تصدر عن الفكرة القائلة بأن الإنسان في جوهره فان، وأن ما يعوزنا البرهان عليه ليس هو الخلود بل الموت الذي يحتاج إلى تفسير. إلا أن كثيرين، في الأزمنة القديمة والحديثة، قد اعتقدوا أن الموت بجملته ظاهرةٌ طبيعية وحتمية، لا بوصفه أمراً خارجياً يأتي من الخارج بعنف بل عملية انحلالٍ تحدث داخلياً. وبحسب هذه النظرة فإن الموت، في ذاته ليس رهيباً، إنما يبدو هكذا للإنسان لأن غريزة الحياة تقاومه. وحينما يحقق العلم في تقدُّمه فتوحات جديدة، سيؤول ذلك أكثر فأكثر إلى الحد من الموت المبكر وغلى رفع مستوى الموت الطبيعي من جراء فراغ القوى. حينئذٍ يموت الناس بسلام وهدوء كما الأزاهير إذ تذوي أو البهائم إذ تنفق. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 77117 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() لكن رغم وجود قلةٍ ممن يتكلمون هكذا، هنالك بالحقيقة آخرون يعزفون لحناً آخر. فليس أهل العلم على وفاق، بأي حال من الأحوال، حول أسباب الموت وطبيعته. إذ في مقابل أولئك الذين يرون في الموت نهاية للحياة طبيعية وضرورية، كثيرون يجدون الموت لغزاً أكثر تحييراً حتى من الحياة، ويعلنون صراحةً أنه لا يوجد سبب واحد يحتم الموت على الكائنات الحية لضرورة ما داخلية. بل إنهم يقولون أيضاً إن الكون كان في الأصل كائناً حياً ضخماً إلى ما لا نهاية، وإن الموت أدخل عليه ملامحه فيما بعد، وإن هنالك بعض الحيوانات ما تزال غير ميتة. كلام يتشربه بشغف في الزمن الحاضر من يعتقدون أن النفوس كان لها وجود سابق ويعتبرون الموت تغييراً في الشكل يجتازه الإنسان في سبيل الارتقاء إلى حياةٍ أسمى - كاليُسروع الذي يصير فراشة. واختلاف الآراء في حد ذاته بينةٌ على حقيقة كون العلم غير قادر على النفاذ إلى علل الأشياء الأساسية والنهائية، ولا قدرة له على تفسير الموت أكثر من قدرته على تفسير الحياة. فكلا هذين يظل لغزاً أمام العلم. ولحظة يحاول العلم أن يقدم تفسيراً، يتعرض لخطر قائم في ألا يُنصف إما حقيقة الموت وإما حقيقة الحياة. فإذا قال العلم إن الحياة في الأصل أزلية، يتعين عليه عندئذ أن يقدم جواباً عن السؤال: من أين جاء الموت؟ فهو يتحدث عنه كما لو كان مجرد مظهر أو تغيير في الشكل، وإلا فإنه يحاول فهمه كأمر طبيعي بجملته. وفي هذه الحال لا يدري ماذا يقول في الحياة، ويُلفي نفسه مضطراً إلى إنكار الخلود. وفي كلتا الحالين يمحو الخط الفاصل بين الموت والحياة، كما بين الخطية والقداسة. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 77118 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() في حين لا يبرهن العلم الإقرار بأن الموت أجرةٌ للخطية، فهو لا ينقض ذلك أيضاً. فهذا الأمر إنما يقع خارج نطاق البحث العلمي وبعيداً عن متناوله. ثم إن هذا الإقرار لا يحتاج إلى بيّنة يقدمها العلم. فهو مؤسس على الشهادة الإلهية ومؤكد ساعة فساعة بالخوف من الموت الذي به يخضع الناس للعبودية كل حياتهم (عبرانيين 2: 15). فمهما قيل إذاً في مجال البرهنة على ضرورة الموت، أو الدفاع عن شرعيّته، فهو يبقى أمراً غير طبيعي. إنه غير طبيعي نظراً لجوهر الإنسان ومصيره فيما يتعلق بخلقه على صورة الله، لأن الشركة مع الله تتعارض والموت. فالله ليس إله أموات، بل إله أحياء (متى 22: 32). وعلى نقيض هذا، فالموت طبيعي كلياً نسبة إلى الإنسان الساقط، إذ أن الخطية متى كملت تُنتج موتاً (يعقوب 1: 15). ورغم كل شيء، فبحسب الكتاب المقدس يجب عدم المساواة بين الموت والفناء، كما يجب عدم اعتبار الحياة محتوية على مجرد الوجود الخالص. فالحياة تمتُّعٌ وغبطة بركة ووفرة فياضة، أما الموت فشقاء وفقر وجوع وافتقار إلى السلام والسعادة. الموت انحلالٌ وانفصال لِما ينتمي بعضُه إلى بعض. فالإنسان المخلوق على صورة الله، مقامه الشركة مع الله، حيث يحيا ملء الحياة وفي سعادة إلى الأبد. لكنه متى فصم عري هذه الشركة، يموت في تلك اللحظة عينها ويظل يموت بعد ذلك دائماً أبداً. فتُحرم حياتُه الفرح والسلام وغبطة البركة إذ يكون قد أصبح ميتاً بالخطية. وهذا الموت الروحي، هذا الانفصال بين الله والإنسان، يستمر في الجسد ويبلغ ذروته في الموت الأبدي. ذلك أن مصير الإنسان الأبدي يكون قد خُتم عليه عند انفصال النفس عن الجسد، غير أن وجوده لا ينتهي عندئذٍ. فإنه قد وضع للناس أن يموتوا مرة ثم بعد ذلك الدينونة (عبرانيين 9: 27).. ومن ذا يستطيع الوقوف في تلك الدينونة؟ |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 77119 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() الراعي الصالح والمعرفة والإصغاء
![]() الأحد الرابع للفصح: الراعي الصالح والمعرفة والإصغاء (يوحنا 10: 27-30) الأب لويس حزبون - فلسطينالنص الإنجيلي (يوحنا 10: 27-30) 27 إِنَّ خِرافي تُصْغي إلى صَوتي وأَنا أَعرِفُها وهي تَتبَعُني 28 وأَنا أَهَبُ لَها الحَياةَ الأَبديَّة فلا تَهلِكُ أَبداً ولا يَختَطِفُها أَحَدٌ مِن يَدي. 29 إِنَّ أَبي الَّذي وَهَبَها لي أَعظمُ مِن كُلِّ مَوجود. ما مِن أَحَدٍ يستطيعُ أَن يَختَطِفَ مِن يَدِ الآبِ شَيئاً. 30 أَنا والآبُ واحِد)). المقدمة يصف إنجيل يوحنا (يوحنا 10: 27-30) عمل الراعي الصالح للتعبير عن دور يسوع المسيح، الذي يفتح نافذة على العلاقة والمعرفة والثقة المتبادلة بين الراعي وخرافه المؤمنين من ناحية، وعلى المعرفة المتبادلة بين الآب والابن من ناحية أخرى، وذلك لدعوة المؤمنين للمشاركة في حياته. فهي تحتفل بيوم صلاة عالميٍ من لأجل الدعوات الكهنوتية والرهبانية كما أوصانا سيدنا يسوع المسيح " الحَصادُ كثيرٌ ولكِنَّ العَمَلَةَ قَليلون، فاسأَلوا رَبَّ الحَصَاد أَن يُرسِلَ عَمَلَةً إِلى حَصادِه (لوقا 10: 2)، إذ نعرف وندرك، كم هو ضروري وجود الكاهن في العالم اليوم. ويُعلق البابا القديس يوحنا بولس الثاني: إنَّ يوم الصلاة العالمي للدّعوات هو مناسبة للتبشير بأنَّ روح الله القدّوس، يكتب في قلب كلِّ مُعمّد، خطة محبة ونعمة. وإنَّ الرّوح يُفيقُ في قلب كلِّ مُعمّد، روح اختيار هذه الوظيفة الخفيّة فيه". "لذا جميعنا مدعوون لكي نشارك في رسالة المسيح في جمع البشريّة المشتّتة ومصالحتها مع الله " (رسالة البابا فرنسيس بمناسبة اليوم العالمي التاسع والخمسين للصّلاة من أجل الدعوات 2022). ومن هنا تكمن أهمية البحث في وقائع النص الإنجيلي وتطبيقاته. أولا: وقائع النص الإنجيلي (يوحنا 10: 27-30) 27 إِنَّ خِرافي تُصْغي إلى صَوتي وأَنا أَعرِفُها وهي تَتبَعُني تشير عبارة" خرافي"(د€دپل½¹خ²خ±د„خ±) إلى "القَطيعُ الصَّغير" (لوقا 12: 32)، أي شعب المسيح الحقيقي المؤمن الذي سلم نفسه إليه طوعا واختيارا. وقطعان الغنم هي عنصر أساسي في الثروات في مناطق الرعي في فلسطين. إذ أن ألبانها ولحومها تستخدم طعاما، كما يستخدم صوفها في صنع الثياب وأغطية الخيام، ويمكن الاستفادة من جلودها وعظامها، وكانت الخراف من أهم السلع التجارية. كما كانت أهم الحيوانات التي تُقدَّم كذبائح حسب أحكام الشريعة (خروج 29: 22). وتمَّ ذكر الخراف بمختلف مسمياتها بما في ذلك الكباش والحملان والغنم والضأن في الكتاب المقدس. وكانت الخراف تجمع ليلاً في حظائر، قد تكون كهفًا أو بقعة مسورة بقطع غير منتظمة من الحجارة، أو بسور من الأغصان والأشواك، ويُشبِّه الرب شعبه بأنهم " غَنَمَ مرعاه" (مزمور 79: 13)؛ والمؤمنون يُشبهون بالخروف في عدم الأذى، والوداعة والطاعة (الانقياد للراعي)، والضعف واحتياجهم للراعي وقبول التعليم والنفع للآخرين والخدمة. أمّا عبارة " تُصْغي إلى صَوتي" فتشير إلى إحدى علامات خراف المسيح، وهي أنَّها تسمع صوته كراعٍ لها، لأنها تعيش معه، وتُميِّز صوته، وتُنفِّذ إرادته في التوبة والإيمان والبذل والتبشير والشهادة. والإصغاء في تفسير البابا فرنسيس هو "لقاؤنا قلبا لقلب مع المعلم الإلهي، الراعي الصالح". والإصغاء المطيع يقتضي إتّباع المسيح في المسلك والموقف والمبادرات. خراف المسيح هم الذين يسمعون صوت المسيح ويتبعونه. ويُعلق العلامة كيرلس الإسكندري "إن هناك تناقض بين أولئك الذين يصغون إلى صوت الراعي الصالح وأولئك الذين يغلقون آذانهم على دعوته. فعلامة خراف المسيح هي استعدادهم للإصغاء والطاعة، أمّا علامة أولئك الذين ليسوا هم خاصته فهي العصيان"(مقتطف من التعليق على إنجيل يوحنا 1: 7). وكيف يمكننا أن ننمو في الإصغاء إلى صوت راعينا يسوع المسيح؟ إذا طلبنا سيفتح آذاننا لسماعه فيتحدث إلى قلوبنا وعقولنا كما تنبا أشعيا النبي " يُنَبِّهُ أُذُني صَباحاً فصَباحاً لِأَسمعَ كتِلْميذ. السَّيِّدُ الرَّبُّ فَتَحَ أُذُني فلمِ أَعصِ ولا رَجَعتُ إلى الوَراء" (أشعيا 50: 4-5). أمّا عبارة "أَعرِفُها" فتشير إلى الاتحاد بشعبه، إذ "يَدعو خِرافَه كُلَّ واحدٍ مِنها بِاسمِه ويُخرِجُها، فإِذا أَخرَجَ خِرافَه جَميعاً سارَ قُدَّامَها وهي تَتبَعُه لأَنَّها تَعرِفُ صَوتَه" (يوحنا 10: 3-4). انه يعلم حاجاتها وتجاربها وأحزانها وخطاياها وجودة مقاصدها. فتكتشف محبته وتتبعه. إنها معرفة متبادلة بين يسوع وخرافه، وكما يقول بولس الرسول "إِنَّ الرَّبَّ يَعرِفُ الَّذينَ لَه "(2 طيموتاوس 2: 19). والمعرفة تؤدي إلى محبة متبادلة تجد ينبوعها في المحبة التي تربط الآب والابن؛ ويُعلق القدّيس البابا غريغوريوس الكبير "أَعرِفُ خِرافي، أي أحبّها، وخِرافي تَعرِفُني". وكأنّه يقول بكلّ وُضوح: "مَن يحبّني يَتبعُني!"، لأنّ مَن لا يُحبّ الحقيقة لم يعرفها بعد" (العظة 14 حول الإنجيل المقدّس). أمّا عبارة "تَتبَعُني" فتشير إلى دعوة يسوع إلى المؤمنين التي تؤدِّي إلى أسلوب حياة جديد، وهي اتباعه عن حب وثقة وخبرة. لدى خروجنا من متاهة الدروب الخاطئة، وابتعادنا عن التصرفات الأنانية، يُمكننا السير على الدروب الجديدة، دروب الأخوّة وعطاء الذات على مثال الراعي الصالح. والراعي الصالح يقود الخراف إلى المرعى، لا تساق سوقًا بل يتقدمها الراعي وهي تتبعه كما يصفه يوحنا الإنجيلي " فإِذا أَخرَجَ خِرافَه جَميعاً سارَ قُدَّامَها وهي تَتبَعُه لأَنَّها تَعرِفُ صَوتَه " (يوحنا 10: 4). يسوع الراعي يمشي قدَّام الخراف، وهكذا يدلُّها على الطريق، ويقودها إلى المراعي الخصبة كما ورد في المزامير "في مَراعٍ نَضيرةٍ يُريحُني. مِياهَ الرَّاحةِ يورِدُ في ويُنعِشُ نَفْسي" (مزمور 23: 2). والجدير بالملاحظة أن عادة ما يسير الراعي في فلسطين وراء قطيعه، وفي الأمّاكن الخطرة يسير أمام قطيعه كدليل. وهو يدعو كل خروف باسمه، إنها تخصّ الراعي وتسمع نداءه. هي تصغي لصوته. وهكذا من يصغون إلى صوت الراعي فينالون حياة ابديه، ومن لا يتجاوبون معه، فهم ليسوا من خاصته. وبكلمة موجزة، يقوم موقف التلاميذ على أمرين هما: الإصغاء والاتِّباع. وكلما أصغى الإنسان، كلما ازداد اتباعه لله. وأمّا موقف الراعي فيقوم بمعرفة المؤمن وهبته الحياة الأبدية، إذ يأخذ مكان خرافه ويموت من أجلها لتستطيع أن تحيا إلى الأبد، إذ يتقدّمها وهي "تتبع الحمل أينما ذهب" (رؤيا 4: 4). فالعلاقة بين الراعي وخرافه هي المحبة والثقة والإتباع. 28وأَنا أَهَبُ لَها الحَياةَ الأَبديَّة فلا تَهلِكُ أَبداً ولا يَختَطِفُها أَحَدٌ مِن يَدي تشير عبارة "وأَنا أَهَبُ لَها الحَياةَ الأَبديَّة" إلى العلاقة بين إتِّباع يسوع والحياة الأبدية كما أوضح في موضع آخر " أَنا نُورُ العالَم مَن يَتبَعْني لا يَمْشِ في الظَّلام بل يكونُ له نورُ الحَياة" (يوحنا 8: 12)، وليس بإمكان أحد غير المسيح أن يقول "وأَنا أَهَبُ لَها الحَياةَ الأَبديَّة"، وهذا دليل على لاهوته ونعمته. أمَّا عبارة "الحَياةَ الأَبديَّة" فتشير إلى حياة من الصداقة مع الله تبدأ على الأرض وتدوم إلى الأبد. وتضمن هبة الحياة الأبدية المغفرة والمصالحة والسعادة في الدنيا وفي الآخرة مع المجد. ويقدِّم السيد المسيح الحياة الأبدية هنا كهبة لمن يؤمن به؛ والإيمان يرتبط بالحياة الأبدية؛ كيف؟ يوضِّح ذلك البابا غريغوريوس الكبير "يدخل المؤمن في باب الإيمان(يسوع)، ويخرج من الإيمان إلى الرؤية، ومن الرؤية إلى المشاهدة، فيجد المرعى في الوليمة الأبدية". أمّا عبارة "فلا تَهلِكُ أَبداً" في الأصل اليوناني ل¼€د€ل½¹خ»د‰خ½د„خ±خ¹ (معناها "يهلك" أو "يخرب") فتشير إلى المصير المُرعب لدمارٍ أبدي، لكن الراعي يدفع عن نفوس المؤمنين به كل خطر، ولا سيما خطر الموت الثاني، أي الهلاك الأبدي (رؤيا 2: 11)؛ انه يصونهم من الأخطار الداخلية كشهوات الجسد وفساد القلب ومن الأخطار الخارجية، وهي تجارب الشيطان والعالم. وهكذا تعيش النفوس آمنة مطمئنة بدون فساد أو هلاك؛ وهذا ما يؤكده بولس الرسول "إِنِّي على يَقينٍ مِن أَنَّ ذاكَ الَّذي بَدَأَ فيكم عَمَلاً صالِحًا سيَسيرُ في إِتمامِه إلى يَوم المسيحِ يسوع" (فيلبي 1: 6)؛ فالمسيح لن يترك المؤمنين به في حالة وقوعهم في ظلال إلى سقوطهم في هاوية الهلاك. فالخلاص من الهلاك لا يُقدر بثمن. أمّا عبارة "يَختَطِفُها" فتشير إلى جذب شيء وأخذه بسرعة واختلاسه. فالخاطف هو من يأخذ شيئاً ليس له قسراً وبسرعة بدافع من الطمع والجشع والظلم، مثلما يخطف الأسد الفريسة (حزقيال 22: 25) أو يخطف الذئب الخراف (يوحنا 10: 12)؛ وتدل هنا على سلوكٍ عنيفٍ ضد الإنسان، ليس من يقدر أن يحمينا منها سوى يد الله القديرة التي تحفظنا. والخطف قد يكون في الخفاء كما يفعل السارق أو في العَلن كما يفعل اللص المُغتصب؛ ولا خوف على نفس المؤمن التي هي في يد المسيح. لا أحد يجذب نفوس المؤمنين إلى خدمة الخطيئة وترك المسيح إذ لا يقدر على ذلك الإنسان بفصاحته وخبثه وقوته، ولا يستطيع الشيطان ذلك بحيله ووكذبه كما يؤكد ذلك بولس الرسول " وإِنَّنا نَعلَمُ أَنَّ جَميعَ الأشياءِ تَعمَلُ لِخَيْرِ الَّذينَ يُحِبُّونَ الله، أُولئِكَ الَّذينَ دُعُوا بِسابِقِ تَدْبيرِه "(رومة 8: 38). ولا يعني ذلك أنَّ المؤمن لا يُجرّب ولا يخطئ ولا يسقط في ضلال، بل المعنى إنَّ الله لن يتركه في الضلال كي لا يسقط في هاوية الهلاك. إذ ليس قوة في العالم تُقاوم قوة الله ومقاصد يسوع الخيرية لتلاميذه. وأمّا عبارة "ولا يَختَطِفُها أَحَدٌ مِن يَدي" فتشير إلى تعبير بطريقة مختلفة عن بذل المسيح لذاته من أجلنا، أي أنه لن يسمح للشر، والألم، والموت أن يمنعونا من أن نكون مع الله، وبين يديه تعالى، كي نحقِّق ذاتنا، ودعوتنا. أمّا تلك الخراف فيقول عنها الرسول بولس "إِنَّ الرَّبَّ يَعرِفُ الَّذينَ لَه" (2 طيموتاوس 2: 19)، " الَّذينَ سَبَقَ أَن قَضى لَهم بِذلك دَعاهم أَيضاً، والَّذينَ دَعاهُم بَرَّرَهم أَيضاً والَّذينَ بَرَّرَهم مَجَّدَهُم أَيضاً" (رومة 8: 30). ليس أحد من هذه الخراف يمسك بها الذئب، أو يسرقها سارق، أو يذبحها لص. فان قوة الراعي الصالح، التي لا تضاهيها قوة، هي قادرة أن تحمي الخراف وتحفظها، كما يقول صاحب المزامير "دَعا بائِسٌ والرَّبُّ سَمِعَه ومِن جَميعِ مَضايِقهِ خَلَّصَه. يُعَسكِرُ مَلاكُ الرَّبً حَولَ مُتَّقيه ويُنَجيهم" (مزمور 34: 6-7)؛ لهذا تقدر الخراف أن تتق به كل الثقة. فلا خوف على المؤمنين من أي قوة أرضية. قطيع السيد المسيح هو هبة يتسلمها الابن من يد الآب، ويبقى محفوظًا في يد الابن؛ يعلن يسوع عن الأمّان الذي يتمتع به المؤمن، إذ هو محفوظ في يده. ويُعلق البابا فرنسيس "حياتنا هي بأمان تام بين يدي يسوع والآب".لكن ربما يقول قائل " أعلم أن الشيطان لا يستطيع أن يخطفني، والإنسان يعجز عن القيام بهذا العمل، ولكن أنا قد أُهلك نفسي" إذا تهلك أليس كذلك؟ يحاول الشيطان بطُرق عديدة أن ينتزع منا الحياة الأبديّة ويهلكنا. لكن الشرير لن يفلح أبدًا ما لم نفتح له بأنفسنا أبواب نفوسنا، متبعين أفكاره المُغرية المُهلكة. حياتنا هي بأمان تام بين يدي يسوع والآب. 29 إِنَّ أَبي الَّذي وَهَبَها لي أَعظمُ مِن كُلِّ مَوجود. ما مِن أَحَدٍ يستطيعُ أَن يَختَطِفَ مِن يَدِ الآبِ شَيئاً تشير عبارة "إِنَّ أَبي الَّذي وَهَبَها لي أَعظمُ مِن كُلِّ مَوجود" إلى الآب الذي هو المصدر النهائي للسلطان الذي عليه يؤسس ضمانة وأمن أبنائه، وذلك قبل تأسيس العالم كما يُوضِّح بولس الرسول " ذلِك بِأَنَّه اختارَنا فيه قَبلَ إِنشاءِ العالَم لِنَكونَ في نَظَرِه قِدِّيسينَ بِلا عَيبٍ في المَحبَّة " (أفسس 1: 4). وهذه النفوس انتقلت من يد الله الخالق إلى يد الفادي ليُخلصها. ويمنع يسوع إمكان خطف النفوس من يده وكونه يسوع أعظم من الكل. أمّا عبارة "ما مِن أَحَدٍ يستطيعُ أَن يَختَطِفَ مِن يَدِ الآبِ شَيئاً" فهي مقتبسة من أشعيا النبي "مُنذ اليَومَ أَنا هو ولا مُنقِذَ مِن يَدي أَفعَلُ ومَن يَرُدّ"(أشعيا 43: 13)؛ وهي تشير إلى الآب الكلي القدرة الذي هو المسؤول الأخير عن الخراف. وهو حريص على كلّ من يتقرّب منه؛ ويُعلق القديس أمبروسيوس "الخراف التي تسمع صوت المسيح لن يقدر أحد أن يخطفها من الآب أو من الابن أو من الروح القدس". وكان يسوع أول من اختبر هذه العلاقة مع الآب، فقد سلّم حياته له وأصغى إليه، كذلك لا يجوز للخراف أن تخاف مهما كانت الاضطهادات قاسية، فحياتها بيد الله فهي لا تهلك بل تصبح حياة أبدية. وبكلمة أخرى، دخل التلاميذ مع المسيح في اتحاد وثيق لا تستطيع أيَّة إرادة في العالم أن تفصلهم عنه، لأنه يعطيهم حياة أبدية فلن يهلكوا إلى الأبد (يوحنا 10: 28). أمّا عبارة " يَدِ الآبِ " فتشير إلى القوة، فإن قوة الآب والابن واحدة. ويربط يسوع بين عمله وعمل الآب ليُظهر الوحدة بينهما. ويُعلق القديس يوحنا الذهبي الفم "يده ويد أبيه واحدة في القدرة، ومن جوهر واحد نفسه"؛ وفي الواقع، ورد ذكر كلمة "يد" مرتين في هذا النص الإنجيلي: يد يسوع (يوحنا 10: 28) ويد الآب (يوحنا 10: 29). خراف السيد المسيح هي هبة يتسلمها الابن من يد الآب، وتبقى محفوظًة في يد الابن كما في يد الآب، أي محفوظة بالروح القدس الذي هو روح المسيح وروح الآب أيضًا. للمؤمنين إذًا سندان: الأول عظمة محبة المسيح لهم، والثاني عظمة قدرة الآب المحيطة بهم. ومن هذا المنطلق، يحمي يسوع بيديه أتباعه ويصون الأمانة من غير أن يخسر ما وضعه الآب في يديه. 30 أَنا والآبُ واحِد تشير عبارة "أَنا والآبُ واحِد" في الأصل اليوناني ل¼گخ³ل½¼ خ؛خ±ل½¶ ل½پ د€خ±د„ل½´دپ ل¼•خ½ ل¼گدƒخ¼خµخ½ (معناها أنا والأب نكون واحد) إلى "مساواة يسوع الابن مع الآب في اللاهوت" كما يؤكد القديس أوغسطينوس. إن الآب والابن طبيعة إلهية واحدة، ولذلك يكون عمل الفداء والرعاية والحفظ وإعطاء الحياة الأبدية متكامل بينه وبين الآب، الآب يريد، والابن يُنفذ ويأتي بالمُفديين بدمه للآب. هم رعية الابن، والآب يحفظهم، فالآب يحفظ والمسيح يحفظ، نحن في يد المسيح كما في يد الآب، وهذا تعبير عن وحدة القوة الإلهية، إنها وحدة حب وعمل كما هي وحدة جوهر. وهنا يُبين يوحنا الإنجيلي وحدة الألوهية من ناحية، ووحدة الجوهر من الناحية الأخرى؛ أمّا عبارة "واحد" باليونانية (ل¼•خ½) فتشير إلى طبيعة واحدة، جوهر واحد حيث لا يوجد انفصال في السلطان وفي الطبيعة. ولهذا فالابن ليس إلهًا آخر" جَميعُ ما هو لِلآب فهُو لي "(يوحنا 16: 15)، وبعد ذلك يضيف يسوع "أنَّ الآبَ فيَّ وأَنيِّ في الآب " (يوحنا 14: 38)، ويُعلق القديس أمبروسيوس "إنها وحدة حب وعمل، ولهذا فهي وحدة فريدة لا يمكن لخليقة ما أن تبلغها، وإنما هي المَثل الأعلى للوحدة التي يشتهيها من يلتصق بالله، ويتحد معه". ووحدة الآب والابن لا تمنع من التمييز بينهما في الاقنومية والوظيفة. الآب والابن هما واحد، ولكن ليس مثل الشيء الواحد الذي ينقسم إلى جزأين، كما أنهما ليسا مثل الواحد الذي يسمى باسمين، فمرة يُدعى الآب، ومرة أخرى يُدعى هو نفسه ابنه الذاتي. لكن هما اثنان، لأن الآب هو الآب، ولا يكون ابنًا، والابن هو ابن ولا يكون أبًا. لكن الطبيعة هي واحدة، لأن المولود شبيه لوالده، إذ هو صورته، وكل ما هو للآب هو للابن (يوحنا 16: 15). كلاهما واحد في الذات، وواحد في خصوصية الطبيعة وفي وحدة الألوهية. فإن تساوي الأعمال يدلُّ على سلطان غير المختلف. ويوحي هذه القول بوحدة من المحبة المتبادلة التي هي نتيجة الاتحاد الذي يجمع بين الآب والابن كما أعلن يسوع في صلاته الكهنوتية " لِيَكونوا واحِداً كما نَحنُ واحِد" (يوحنا 17: 11 و22). ولأن يسوع يشارك الآب في قدرته بلا حدود (يوحنا 5: 17-19)، يُمكنه حماية خاصته حماية تامة (يوحنا 5: 17-19). وهذه العبارة "َأنا والآبُ واحِد") تدحض مذهب سبليوس (القائل ليس في اللاهوت سوى أقنوم واحد، ومذهب أريوس (القائل المسيح أدني من الآب). واعتبر العلامة أوغسطينوس أنَّ الفعل اليوناني ل¼گدƒخ¼خµخ½. (نكون) يدحض ويفنّد مذهب سبَليوس Sabelius من القرن الثالث القائل أنَّ التثليث كناية عن ثلاثة تجليات مختلفة لإله واحد منفرد الأقنوم أي أنَّ الألفاظ آب وابن وروح قدس ليست أقانيم متميّزة بل أسماء مظاهر أقنوم واحد سُمّي الآب، لأنه خالق، وسُمّي الابن، لأنه الفادي، وسُمّي الروح القدس لأنه المعزِّي والمقدِّس. وأمّا لفظة ل¼•خ½ (واحد) صيغة للجماد فهي تدحض وتفنّد مذهب أريوس القائل أنَّ الآب هو الآصل، وان الابن والروح القدس مخلوقان لهما المقام الأول بين الخلائق وطبيعتهما تشبهان طبيعته الإلهية. وأمّا اليهود فقد فسّروا هذه الكلمات "أنا والآبُ واحِد" كادعاء المسيح بالسلطان المُطلق، لذا أرادوا أن يرجموه (يوحنا 10: 31) كمجذِّف بدون أي محاكمة. ولم يستطع اليهود أن ينكروا الأعمال، لكنهم لم يحتملوا كلماته، حاسبين أنه قد تجاسر وساوى نفسه بالله، كما جاء في تصريح اليهود للمسيح "لا نَرجُمُكَ لِلعَمَلِ الحَسَن، بل لِلتَّجْديف، لأَنَّكَ، وأَنتَ إنْسان، تَجعَلُ نَفْسَكَ الله" (يوحنا 10: 33). لكن القديس يوحنا الإنجيلي يؤكد أن ذبيحة المسيح هي موضوع حب الآب لنا، وأنها ثمرة الحب المتبادل بين الآب والابن. فالحب الإلهي هو سمة الثالوث القدوس وليس خاصًا بأقنوم دون آخر. ويمكننا أحيانًا أن نقول: نحن في الله والله فينا، لأن الله يحتوينا، والله فينا لأننا صرنا هيكل الله. لكن هل يمكننا القول: "نحن والآب واحد"؟ إنَّها امتياز الرب الذي هو مساواة للآب. وهذه الآية هي جوب لسؤال اليهود "حَتَّامَ تُدخِلُ الحَيرَةَ في نُفوسِنا؟ إِن كُنتَ المَسيح، فقُلْه لَنا صَراحَةً" (يوحنا 10: 24). ثانياً: تطبيقات النص الإنجيلي انطلاقا من هذه الملاحظات الوجيزة حول وقائع النص الإنجيلي (يوحنا 10: 27-30)، يمكن الاستنتاج انه يتمحور حول خطاب سيدنا يسوع المسيح كراعٍ صالحٍ في عيد تجديد الهيكل. وعبّر هذا الخطاب عن العلاقة والمعرفة والثقة المتبادلة بين الراعي وخرافه. ومن هنا نبحث في نقطتين: مكان الخطاب ومناسبته، وموضوع الخطاب. 1) مكان الخطاب ومناسبته في فصل الشتاء كان يسوع يتمشّى في هيكل اورشليم تحت رواق سليمان في عيد تجديد أو تكريس الهيكل. إذ كان اليهود في أواخر كانون الأول يحيون ذكرى إعادة بناء الهيكل وتدشينه الجديد الذي جاء على أثر انتصار يهوذا المكابي على انطيوخس ابيفانوس الرابع ملك الدولة السلوقية سنة 167 ق. م. (1ملوك 4: 36-59) الذي دنّس الهيكل، إذ الزم اليهود بالعبادة الوثنية، ومنعهم من تطبيق الشريعة اليهودية من ختان الأطفال وحفظ السبت. ويُسمًى عيد تجديد الهيكل أيضا حانوكا (×—ض²×*ض»×›ض¸ض¼×”) أي “تدشين"، ويشير هذا الاسم إلى تدشين الهيكل من جديد بعد ترميمه على يد الحشمونيين إثر نجاح ثورتهم ضد السلوقيين (1 المكابيين 4: 51-57). وقد ورد عيد "التدشين في كتاب "تاريخ اليهود" للمؤرخ اليهودي الروماني يوسيفوس فلافيوس، الفصل 12). ولا يُحتفل بهذا العيد في أورشليم وحدها كعيد الفصح (פ×،×—) والمظال ×،וכו×ھ (عيد العرش)، وعيد الأسابيعשבועו×ھ، وإنما يحتفل به أيضا في كل مكان. ويُعرف هذا العيد أيضا ب "عيد الأنوار" (×—×’ ×”×گורי×) لكثرة استعمال الإنارة. يستمر عيد الأنوار ثمانية أيام وتُوقد في مساء كل يوم من أيامه شموع بأعداد متزايدة كل يوم في شمعدان مُعدٍ خصوصاً لذلك الغرض. ويتم إضاءة شمعة واحدة في اليوم الأول، ثم شمعة ثانية في مساء اليوم الثاني وهكذا حتى تكتمل إضاءة الشموع الثمانية. ويضيف التلمود إليها شرحا لعدد أيام العيد، حيث يقول إن أيام العيد الثمانية تشير إلى معجزة حدثت للحشمونيين عند تدشين الهيكل. إذ لم يبق في الهيكل ما يكفي من الزيت الصالح لإيقاد الشمعدان المقدس، وبرغم ذلك فإنه أنار الهيكل 8 أيام بالكمية القليلة من الزيت الباقي حتى تمَّ تحضير الزيت الجديد. وفيما كان اليهود يحتفلون بعيد تقديس الهيكل وتكريسه (يوحنا 10: 22)، أعلن يسوع المسيح لهم أنه هو الذي كرَّسه الآب وأرسله إلى العالم راعيا صالحا، جاء إلى بيته وبيت أبيه، أي الهيكل، ليُخدم كل نفس تطلبه ويفتديها بحياته. 2) موضوع الخطاب أمّا خطاب يسوع فيتناول ملامح الراعي الصالح مبيّنا العلاقة والمعرفة والثقة المتبادلة بين الراعي وخرافه المؤمنين. ا) العلاقة بين الراعي وخرافه العلاقة بين الراعي وخرافه مألوفة في الشرق القديم، إذ إنها ترقى إلى عهد البداوة عند الشعب العبراني (التكوين 13: 2-5). ويذهب الراعي إلى الحظيرة في الصباح، ويدعو خرافه التي تعرف صوته وتتبعه. أمّا الصوت الغريب فلا تعرفه (يوحنا 10: 2-5) ويقودها راعيها إلى المرعى ويقضي معها هناك النهار كله، وفي بعض الأحيان الليل أيضًا (التكوين 31: 4) ويحرسها من الوحوش، واللصوص (1 صموئيل 17: 34). ويرد الضال (لوقا 15: 4) ويعني بصفة خاصة بالصغار والضعفاء منها؛ فيقوِّي الضعيفة، ويداوي المريضة، ويَجْبر المكسورة ويردّ الشاردة ويبحث عن الضالة (حزقيال 34: 4). ويحمل الراعي عادة عصا طويلة لقيادة الغنم وجمْعها معًا والدفاع عنها وتأديب العُصاة منها (مزمور 23: 4). والأرض في فلسطين أرض تلال ومناطق وعرة بها وحوش، لذلك تحتاج ليقظة من الراعي في النهار والليل، وهم دائمًا في نوبات حراسة، كما يؤكد الإنجيل " رُعاةٌ يَبيتونَ في البَرِّيَّة، يَتناوَبونَ السَّهَرَ في اللَّيلِ على رَعِيَّتِهم" (لوقا 2: 8). ولأن الماء قليل في فلسطين فالرعاة يأخذون خرافهم للماء. فالخروف يخاف من المياه الجارية لئلا يبتل ويثقل صوفه فيغرق. لذلك يشرب من المياه الراكدة. فيأتي الراعي ويضع حجرًا كبيرًا في طريق المياه الجارية فتهدأ سرعتها فتشرب الخراف، وبهذا تُسمَّى المياه، مياه الراحة. والراعي له عصا يطرد بها الوحوش والذئاب وله عكاز (عصا طويلة مثنية في نهايتها حتى لا يؤلم الخروف) يرد بها الخروف لطريقه إذا ضلَّ، وهذا العكاز يستعمله الراعي في أن يمرِّر خرافه من تحتها لتدخل الحظيرة مساءً فيتأكد من عددها، وبذلك لا يضيع خروف، وإن ضل خروف، يذهب وراءه ليردَّه إلى الحظيرة (متى 18: 12 -14). وكانت في العهد القديم من أرقى الوظائف، لذا من هذه الطبقة كانوا يختارون الملوك ورؤساء الكهنة، وإن الله فد اختار أكثر وأشهر الأنبياء من هذه الطبقة. ولذا تستعملها الكنيسة لأحسن وظيفة فيها، أعني وظيفة الأسقف والكاهن. وفي الواقع، صورة الراعي واحدة من أغنى تعابير العهد بين الله والشعب القديم "الرَّبُّ راعِيَّ فما مِن شيَءٍ يُعوِزني" (مزمور 23: 1)، "فإِنَّه هو إِلهُنا ونحنُ شَعبُ مَرْعاه وغَنَمُ يَدِه" (مزمور95: 7). ارتبط الله بشعبه، كما يرتبط الراعي بقطيعه. والشعب القديم هو قطيع الله. ومن أجل هذه الرعاية صار يطلق على الملوك والبطاركة والأساقفة لقب راعي، بل أطلق الاسم على الله، فهو راعي إسرائيل. "الرب راعيَّ فلا يعوزني شيء" (مزمور 23: 1). هذا المثل الأعلى لصورة الراعي يتحقق في المسيح، فنسب يسوع إلى نفسه صورة الراعي (يوحنا 10: 1-18) الذي يبحت عن الخروف الضال (متى 18: 12) ويتفقد شعبه لأنهم " كَغَنَمٍ لا راعيَ لها" (متى 9: 36). فهل الله هو المسئول عن حياتي وحمايتي وكل احتياجاتي؟ ونستنتج مما سبق أنَّ استعارة صورة الراعي تعبّر بشكل عن ناحيتين من السلطة: قائد ورفيق. إن الراعي هو في الوقت نفسه قائد ورفيق؛ يتولّى أمر القطيع (إرميا 23: 3)، ويجمعه (ميخا 4: 6)، ويعيده إلى مرتعه (إرميا 50: 19)، وأخيراً يحفظه (إرميا 31: 10). انه رجل قويّ، قادرٌ على أن يدافع عن قطيعه ضد الحيوانات الضارية (1 صموئيل 17: 34-37). ومن ناحية أخرى، يعامل نعاجه برقَّة، فيعرف وجوهها (أمثال 27: 23)، ويتكيّف وفق حالها (تكوين 33: 13-14)، ويحملها على ذراعيه (أشعيا 40: 11) ويعزّ الواحدة والأخرى "كابنته" (2 صموئيل 12: 3). استخدم الله صورة الراعي لوصف علاقة العهد به ورعايته لشعبه المختار الذي استدعاه باسمه (مزمور 80: 1 و100: 3). دعا الله داود، الذي رعى قطيع أبيه في شبابه، ليكون الملك الممسوح والراعي لشعبه في العهد القديم (حزقيال 37:24). وأطلق يسوع، مسيح الله الممسوح والملك، المولود من نسل داود، أطلق على نفسه اسم الراعي الصالح لرعاية الشعب الذي عهد إليه أبوه السماوي رعايته (يوحنا 10: 29). كلمة صالح في أصلها اللغوي اليوناني خ؛خ±خ»ل½¹د‚، تعني جميل، طيب، حسن، جيد. وبالتالي فهي تدل على الصلاح مع الجمال. فالراعي الصالح له شخصية جميلة النفس مُحبَّبة عند خرافه. هو يُحب خرافه محبة شديدة ويبذل نفسه عنها، وخرافه تعرفه وتُحبُّه. فإن الراعي الصالح يُعبِّر عن الصلاح الجذاب للرعية. فمع صلاح رعايته تتمتع الرعية بجاذبية شخصه، أو انجذابهم إليه. وإعلان يسوع نفسه "أنا هو الراعي" ليس له معنى تفسيري وإعلاني فحسب، إنَّما أيضا لاهوتي أيضا، إذ يرتبط بعبارة "أنا هو" التي استخدمها الله في العهد القديم لكي يكشف نفسه للشعب انه هو إلهه ومخُلصه، وانه دائم الحضور والعمل (خروج 3: 14). ولهذه العبارة معنى الوعد والالتزام أيضا. فالمسيح يلتزم تجاه خرافه، وتجاه الآب الذي عهد إليه بهذه الخراف (يوحنا 29: 29)، وهو لن يخون عهده، ولن يتنكر لرسالته. بل اعتبر يسوع نفسه مرسلاً إلى الخراف الضالة من آل إسرائيل (متى 15: 24)، ويجمع حوله " القطيع الصغير"، أي التلاميذ (لوقا 12: 32)، والنعاج المُشتَّتة التي تأتي على السواء من حظيرة إسرائيل ومن الأمم (يوحنا 10: 16). فإن القطيع الواحد الذي جمعه يسوع هكذا يظلّ موحّداً إلى الأبد، لأنَّ محّبة الآب القدير هي التي تحفظه وتكفل له الحياة الأبدية (يوحنا 10: 27-30). وأخيراً، فإنَ يسوع هو الراعي المثالي، لأنه يبذل نفسه عن الخراف (يوحنا 10: 15 و17-18). وببذل نفسه باختياره (يوحنا 10: 18). فإن يسوع يخرج الخراف "إلى مرعى صالح يرعاها" (يوحنا 10: 11). فحينئذ تعرف الربّ (يوحنا 10: 15) الذي يُخلصها (يوحنا 10: 9). المسيح وحده هو المخلص، السيد، معطي ذاته كما جاء في كلامه " فقَد أَتَيتُ لِتَكونَ الحَياةُ لِلنَّاس وتَفيضَ فيهِم " (يوحنا 10: 10). من ثمَّة، تشير صورة الراعي والخراف إلى العلاقة الوثيقة التي يريد يسوع أن يقيمها مع كل واحد منا. هو مرشدنا، ومعلمنا، وصديقنا، ومثالنا وقبل كل شيء مخلِّصنا كما صرّح " وأَنا أَهَبُ لَها الحَياةَ الأَبديَّة فلا تَهلِكُ أَبداً ولا يَختَطِفُها أَحَدٌ مِن يَدي" (يوحنا 10: 28). صار الراعي حَمَلاً، وسمح بأن يُصبح ذبيحة ليأخذ على عاتقه خطيئة العالم ويرفعها. بهذا الشكل منحنا الحياة، كما صرّح يسوع "أمّا أَنا فقَد أَتَيتُ لِتَكونَ الحَياةُ لِلنَّاس وتَفيضَ فيهِم" (يوحنا 10، 10). يسوع هو "الراعي الواحد" المنتظر (حزقيال 34: 23)، كما يعلن يسوع نفسه "أَنا الرَّاعي الصَّالِح والرَّاعي الصَّالِحُ يَبذِلُ نَفْسَه في سَبيلِ الخِراف" (يوحنا 10: 11). لذا سلطته مؤسسة على البذل والمحبة والحياة؛ فقد أتى يسوع "لِتَكونَ الحَياةُ لِلنَّاس وتَفيضَ فيهِم" (يوحنا 10: 10). والحياة في إنجيل يوحنا هي مختصر كل الخيرات، ولكي يوفر هذه الخيرات لخرافه، لا يتردد الراعي الصالح عن التضحية بحياته "والرَّاعي الصَّالِحُ يَبذِلُ نَفْسَه في سَبيلِ الخِراف" (يوحنا 10: 12) يسوع يبذل نفسه حتى الموت ليحيا تلاميذه (يوحنا 11: 50-52). إنه الراعي الصالح يريد الخير لخرافه، "أَنا أَرْعى خِرافي وأَنا أُربِضُها، يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ، فأَبحَث عنِ الضالَّةِ وأَرُدُّ الشارِدَةَ وأَجبُرُ المَكْسورَةَ وأُقَوِّي. الضَّعيفَةَ وأُهلِكُ السَّمينَةَ والقَوِّية، وأَرْعاها بِعَدْل" (حزقيال 34: 15-16) المسيح هو ذبيحة الحب الذي يموت عن قطيعه. وفي العصور المسيحية الأولى كانت صورة الراعي الصالح المثل الأكمل للمُخلص يسوع المسيح، وكانت أوّل صورة نعرفها عن يسوع الراعي الصالح التي وُجد منقوشة في دياميس روما حيث كان المسيحيون في القرون الأولى يلتجئون بسبب إيمانهم خوفا من بطش الرومان. مسؤولية الرعاية على خطى الراعي الصالح هي مسؤولية مشتركة يحملها كلُّ واحدٍ بحسب المهمة الموكلة إليه وفي المكان المُخصَّص له، كما جاء في قول عمر بن الخطاب "كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالإمامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ". فلا يتنصل أحدٌ من القيام بنصيبه من خدمة مجتمعه. وتفترض هذه الرعاية المحبة والتضحية والبذل والعطاء حتى بالحياة. ب) المعرفة المعرفة في مفهوم الكتاب المقدس تُفيد علاقة وجودية في اختبار الحياة أكثر منها في إطار علمي نظري؛ وبهذا المعنى نعرف الألم (أشعيا 53: 3)، والخطيئة (حكمة 3: 13)، والحرب (قضا ة 3: 1)، والسلام (أشعيا 59: 8)، والخير والشر (التكوين 2: 9)؛ وأمّا معرفة شخص ما فتعني الدخول في علاقات شخصية معه، التي تؤدي إلى التضامن والألفة. فالمعرفة تعني الحضور الحميم بين شخصين (الزواج)، كما أنَّها تعني الاستقبال والثقة المتبادلين، والتشارك في القلب والأفكار. والمسيح لا يتردَّد في معرفته لخرافه "وأَنا أَعرِفُها وهي تَتبَعُني". إنه يعرف خاصته، إذ يتطلع إليهم بعيني الحب والاهتمام الرعوي، يعرفهم فيبذل ذاته بكل سرور من أجلهم كما يقول يوحنا الإنجيلي " أَحَبَّنا قَبلَ أَن نُحِبَّه" (1 يوحنا 4: 19). وكما يؤكد ذلك بولس الرسول " أمّا الآن، وقَد عَرَفتُمُ الله، بل عَرَفَكمُ الله" (غلاطية 4: 9). ويُشبِّه معرفته أي ارتباطه بخرافه، بارتباطه بأبيه “أَعرِفُ خِرافي وخِرافي تَعرِفُني كَما أَنَّ أَبي يَعرِفُني وأَنا أَعرِفُ أَبي " (يوحنا 10: 15). فهذه المعرفة أو الاتحاد يعني حضور الواحد في الآخر حضوراً روحيا "أَنَّ الآبَ فيَّ وأَنيِّ في الآب" (يوحنا 10: 38) هذه هي علاقة المسيح بتلاميذه. ويقدم لنا إنجيل يوحنا المعرفة الفريدة المتبادلة بين الآب والابن، علامة وحدة الفكر والإرادة ووحدة العمل معًا مع وحدة الجوهر الإلهي، كمثال للمعرفة بينه وبيننا كخاصته المحبوبة لديِّه التي تجد أبديتها في قبول مشيئته وقوته والعمل به ومعه! ويحُدِّد يوحنا الإنجيلي مراحل هذه المعرفة. ينبغي على التلاميذ أن يدعوا الآب كي يُعلّمهم ويجذبهم نحو يسوع (يوحنا 6: 44-45). فيسوع يعرفهم، وهم يعرفونه (يوحنا 10: 14)، ويسوع بدوره يقودهم نحو الآب (يوحنا (14: 6). ومع ذلك فإن كل ما يقوله يسوع ويصنعه سيظل بالنسبة إليهم لغزاً (يوحنا 16: 25)، حتى يرتفع على عود الصليب. (يوحنا 8: 28)، وهو وحده ينال للتلاميذ هبة الروح (يوحنا 7: 39). ويكشف هذا الروح لهم كل ما ترمي إليه كلمات يسوع وأعماله (يوحنا 14: 26)، ويقودهم إلى معرفة الحق كله (يوحنا 16: 13). يعرف التلاميذ يسوع على هذا النحو، وبيسوع يعرفون الآب (14: 7 و20). ولذلك تقوم علاقة جديدة مع الله "إنَّ ابنَ اللهِ أَتى وأَنَّه أَعْطانا بَصيرةً لِنَعرِفَ بِها الحَقّ. نَحنُ في الحَقِّ " (1 يوحنا 5: 20). إن الحياة" الأبدية تقوم على الحَياةُ الأَبدِيَّة " والحَياةُ الأَبدِيَّة هي أَن يَعرِفوكَ أَنت الإِلهَ الحَقَّ وحدَكَ ويَعرِفوا الَّذي أَرسَلتَه يَسوعَ المَسيح " (يوحنا 17: 3)، وهي معرفة مباشرة، "فلَيسَ بِكم حاجَةٌ إلى مَن يُعَلِّمُكم" (1 يوحنا 2: 27). وهذه المعرفة تتضمن قدرة على التمييز (1 يوحنا 2: 3 5). على أن معرفة الله هذه، إذا ما أخذت بكل معناها الواسع، فتستحق أن تسمّى " الاشتراك " ذاكَ الَّذي رَأَيناه وسَمِعناه، نُبَشِّرُكم بِه أَنتم أَيضًا لِتَكونَ لَكَم أَيضًا مُشاركَةٌ معَنا ومُشاركتُنا هي مُشاركةٌ لِلآب ولاَبنِه يسوعَ المسيح (1 يوحنا 1: 3)، لأنها مشاركة في نفس الحياة الواحدة (يوحنا 14: 19-20)، ووحدة كاملة في حقيقة المحبة (يوحنا 17: 26). وهنا نتساءل هل هناك معرفة متبادلة بين الراعي والرعية، هل هناك تفاهم أو لغة مشتركة أم "فالراعي في واد، والرعية في واد". ج) الثقة بناء على المعرفة المتبادلة بين الراعي وخرافه ينتج رباط وثيق بينهما كما يؤكده يسوع:" أَنا الرَّاعي الصَّالح أَعرِفُ خِرافي وخِرافي تَعرِفُني" (يوحنا 10: 15). والمعرفة تعني الثقة والشعور بالارتباط المتبادل في الرضى والمحبة. ويقيم يسوع على المعرفة" المتبادلة بين الراعي وخرافه (يوحنّا 10: 3-4) حياةً جديدة مبنيةً على المحبة المتبادلة التي توحِّد بين الآب والابن، كما أعلن يسوع " إِنَّكم في ذلك اليَومِ تَعرِفونَ أَنِّي في أَبي وأَنَّكم فِيَّ وأَنِّي فِيكُم"(14: 20). وكشف الراعي الصالح عن قوة في حماية الخراف والحفاظ عليها بقوله "لا يَختَطِفُها أَحَدٌ مِن يَدي" (يوحنا 10: 28)؛ لهذا تقدر الخراف أن تتق به كل الثقة. فلا خوف على المؤمنين من أي قوة أرضية. ويَعد الرب الأتقياء بأنه " مِنَ الظّلمِ والعُنفِ يَفتَدي نُفوسَهم ودَمُهم في عَينَيه ثَمين" (مزمور 72: 14). لذا يقول الراعي الصالح "إِنَّ خِرافي تُصْغي إلى صَوتي وأَنا أَعرِفُها وهي تَتبَعُني" (يوحنا 10: 27) إنها تخصّ الراعي وتسمع نداءه. ولذلك فإنهم ينالون حياة أبديه كما وعدهم يسوع "وأَنا أَهَبُ لَها الحَياةَ الأَبديَّة فلا تَهلِكُ أَبداً ولا يَختَطِفُها أَحَدٌ مِن يَدي"(يوحنا 10: 28). قطيع السيد المسيح هو هبة تسلمها الابن من يد الآب، ويبقى محفوظًا في يد الابن؛ ويؤكد الراعي الصالح ضمان المؤمنين ضماناً أبدياً " أنا أَهَبُ لَها الحَياةَ الأَبديَّة فلا تَهلِكُ أَبداً ولا يَختَطِفُها أَحَدٌ مِن يَدي. إِنَّ أَبي الَّذي وَهَبَها لي أَعظمُ مِن كُلِّ مَوجود. ما مِن أَحَدٍ يستطيعُ أَن يَختَطِفَ مِن يَدِ الآبِ شَيئاً أَنا والآبُ واحِد" (يوحنا 10: 27 28-30). د) الإصغاء يقدِّم السيد المسيح علامات مُميزة لخرافه، فهي تسمع صوته كراعٍ ٍ لها، وتعرف صوت حبِّه واهتمامِه، وتتبعه "إِنَّ خِرافي تُصْغي إلى صَوتي وأَنا أَعرِفُها وهي تَتبَعُني" (يوحنا 10: 27). والصوت الذي تسمعه هو قوله "تَعالَوا إِليَّ جَميعاً" (متى 11: 28)، "َتوبوا" (مرقس 1: 15)، "فآمِنوا بي" (يوحنا 14: 1)، وتكونونَ لي شُهودًا (أعمال الرسل 1: 8): " فاذهَبوا وتَلمِذوا جَميعَ الأُمَم" (متى 28: 19). إن خرافه تطيعه، وتؤمن (يوحنا 3: 21-36) وتتلمذ للراعي الصالح (يوحنا 6: 45) وترفقه وتصحبه كيفما سار (رؤيا 7: 17)، وتسير في نوره وعلى خطاه (يوحنا 8: 12)، لان صوته لا يخدع، وكلمته هي كلمة الابن الذي جعل الآب كل شيء في يده (يوحنا 10: 29)، وتتأهل أن تكون موضع معرفته. وكما يقول الرسول: " إِنَّ الرَّبَّ يَعرِفُ الَّذينَ لَه" (2 طيموتاوس 2: 19). يعرف يسوع تلاميذه مثلما يعرف الله شعبه. ما من أحد بإمكانه أن يقول إنه يتبع يسوع، إن لم يكن يصغي إلى صوته. وهذا "لإصغاء" ليس مجرد أمر سطحي، لكنه يُلزم، لدرجة أنه يسمح بمعرفة متبادلة حقيقية، يولد منها إتّباع سخيّ، يُعبّر عنه في الكلمات "وهي تَتبَعُني" (يوحنا 10: 27). والإصغاء لا يعتمد على الأذان، بل إصغاء للقلب! ولا يكون الناس للمسيح خرافا إلا بمقدار ما يصغون إليه، ويؤمنون به راعيا ويتبعونه ويتمتعون معه بحياته. وهو يهبها الحياة الأبدية. وهي تميّز صوته من بين الأصوات كلها، صوت الراعي من صوت السارق الذي يريد الضرر والذبح " كالسَّارِقُ الذي لا يأتي إِلاَّ لِيَسرِقَ ويَذبَحَ ويُهلِك"، (يوحنا 10: 10) الذي يتنبأ عنهم ارميا النبي قوله " وَيلٌ لِلرُّعاةِ الَّذينَ يُبيدونَ ويُشَتِّتونَ غَنَمَ رَعِيَّتي، يَقولُ الرَّبّ " (ارميا 23: 1). وتميّز الخراف أيضا صوت الراعي من صوت الغريب الذي لا يهمّه أمر الخراف، والقطيع يعرف صاحبه فيلتصق به، وأمّا صوت الغرباء فيهرب القطيع منهم. وكما قيل: عَرَفَ اكورُ مالِكَه " (أشعيا 1: 3). وأخيرا تميّز الخراف صوت الراعي من صوت الأجير الذي يشتغل لقاء أجرة ويوازي بين اهتمامه بالخراف والأجرة التي تعطى له. فهو يُفضِّل الأجرة على الخدمة وعلى محبته لرعيته (يوحنا 10: 12). فهو يرعى الخراف لأجل نفسه ويأخذ أجرة، أو يقبض راتب في آخر الشهر، ويطلب دومًا ما هو لسلامه غير مبالٍ بالخراف وغير مستعد أن يموت لأجلها. ولو ظهر خطر مفاجئ كظهور ذئب يهرب لينجو بحياته. فالأجير يرعى نفسه لا الغنم" كما جاء في تنبؤات حزقيال (حزقيال 34: 4). الأجير يترك في لحظات الخطر ويهرب للنجاة بنفسه. ويصف بولس الرسول الأجير ذاك الذي يطلب ما هو لنفسه لا ما هو ليسوع المسيح" (فيلبي 2: 21). أمّا الراعي الصالح فيعمل مجانا كما امر الرب " َخَذتُم مَجَّاناً فَمَجَّاناً أَعطوا" (متى 10: 8)، ويطلب ما هو للخراف غير مبالٍ بما هو لنفسه كما جاء في تعليم بولس الرسول "لا يَسْعَيَنَّ أَحَدٌ إلى مَنفَعَتِه، بل إلى مَنفَعَةِ غَيرِه" (1 قورنتس 10: 24). ويضحّي بنفسه لإنقاذ خرافه، وذلك لان الخراف خاصته. انه يجعل نفسه منها، وكل ما يصيبها يصيبه. وظهر الفارق واضحًا بين الراعي المهتم بخرافه وبين الأجراء؛ أي بين السيد المسيح الذي يشتاق إلى خلاص البشرية والفريسيين الذين يهتمون بكرامتهم الذاتية وسلطانهم ومكاسبهم كما جاء في رواية شفاء الأعمى (يوحنا 9: 1-4). فالمسيح قد تبنّنا وتضامن معنا إلى هذا الحد. ويُعلق القديس أوغسطينوس " إن وجدنا هذه الشخصيات الثلاث: الراعي، والأجير، واللص، نجد من يليق بنا أن نحبهم، ومن يجب علينا أن نحتملهم، ومن يلزمنا الحذر منهم. فالراعي يُحب، والأجير يُحتمل، واللص يُحذر منه ". لا خلاف حول يسوع "راعي الخراف العظيم". ولكن أحيانًا المشكلة في "رعاة" الشعب إذ يتأرجح بعضنا أحيانًا بين الراعي والأجير والذئب! أراد يسوع أن يجعل رسله رعاة بعده ونوابا عنه مع معرفته لنوائب ستحصل بسبب "هشاشة الطبيعة البشرية". ويُنهي يسوع خطبته بإظهار ولاء إلى ألآب المصدر الأول لعمل الخلاص "وهذا الأَمرُ تَلَقَّيتُه مِن أَبي" (يوحنا 10: 19). وخلاصة القول، فان مجد يسوع الراعي الصالح يقوم بإظهار الآب للناس، وبواسطته يبرز حب الآب للبشر. الخلاصة يقدم لنا إنجيل اليوم (يوحنا 10، 27-30) بعض العبارات التي تلفّظ بها يسوع خلال عيد تكريس الهيكل في أورشليم، والذي كان يُحتفل به في نهاية كانون الأول. ويقدّم يسوع ذاته كالراعي الصالح ويقول: "إِنَّ خِرافي تُصغي إلى صَوتي وأَنا أَعرِفُها وهي تَتبَعُني، وأَنا أَهَبُ لَها الحَياةَ الأَبديَّة فلا تَهلِكُ أَبدًا ولا يَختَطِفُها أَحَدٌ مِن يَدي" (الآيتان 27-28). أشار يسوع إلى وجه الشبه بين أتباعه المؤمنين والخراف، هي: عدم الأذى والوداعة والضعف والاحتياج إلى راع ٍ والتعرّض للضلال والعجز عن الرجوع ومقاومة الأعداء والنفع والطاعة وقبول التعليم. وأمّا سبب تشبيه يسوع أتباعه بالخرف فهي: محبته لهم، وانهم عطية آبيه له، وانه فداهم واشتراهم بدمه، وأنه اختارهم ودعاهم، وانه يرعاهم ويحميهم ويعتني بكل حاجاتهم وأخيرا انهم سلّموا أنفسهم إليه طوعا واختيارا. وتتضمن معرفة يسوع خرافه تقبلهم ومحبته لهم وفرحه بهم. وانه يعلم رغبتهم في رضاه وطاعته ويعرف حاجاتهم وتجاربهم وأحزانهم وخطاياهم ومقاصدهم. ويعترف بهم قدام آبيه السماوي. والذين يعرفهم المسيح لا يعرفهم العالم (1 يوحنا 3: 1)، ولا يبالي بهم بل كثيرا ما يحتقرهم ويضطهدهم "إِذا اضطَهَدوني فسَيَضطَهِدونَكم " (يوحنا 15: 20). ويتكلم الإنجيل عن صفات الخراف: كما يتبع الخراف راعيها كذلك يتبع المؤمنون المسيح معلمًا لهم بان يطيعوه ويتكلوا عليه ويسيرون في إثره، ويجدوا فيه قوتا لنفوسهم، ويتبعوه للعمل في كرم الرب. ويتَّخذوه مخلصًا وقائدًا من الظلمة إلى النور ومن الخطيئة إلى القداسة ومن الأرض إلى السماء. يُساعدنا النص الإنجيلي لنفهم أنه ما من أحد بإمكانه أن يقول إنه يتبع يسوع، إن لم يكن يصغي إلى صوته وإقامة علاقة حميمة معه. فيسوع يتكلم إلينا، ويعرفنا، ويعرف أمانينا ورجائنا، وأيضا فشلنا وخيبة أملنا ويعتني بكل واحد منا، ويبحث عن كل واحد منا، ويحب كل واحد منا على ما هو عليه بحسناته وعيوبه. ويحرسنا، ويقودنا بمحبة، لعبور الدروب الصعبة والخطرة في مسيرة حياتنا، ويهبنا أخيرا الحياة الأبدية ويعلّق القديس يوحنا الذهبي الفم بقوله "عندما يحضرنا إلى الآب يدعو نفسه "باباً"، وعندما يرعانا يدعو نفسه "راعيًا". فلكيلا تظنوا أن عمله الوحيد أن يحضرنا إلى الآب لذلك دعا نفسه راعيًا". الكنيسة في العالم أشبه بمرعى، حيث تضم في داخلها الخراف المُشتَّتة في العالم (يوحنا 11: 25)، ليتَّحدوا معه كقطيعٍ مقدس ٍ يرعاه الراعي القدوس بمحبته وإرشاده وقيادته. دعاء وضعت يا رب حياتك من أجل خرافك (يوحنا 15: 13). أنت في داخلنا ونحن في الخارج عن نفوسنا، أنت معنا، ونحن لسنا مع ذواتنا، أنت رجاؤنا، أيها الحب الذي يشتعل دوما ولا ينطفئ. قصة الراعي الصالح بينما كان أحد الرجال يتنزه على سفح جبل، سمع أنغام عذبة، فسار نحو مصدر هذه الأنغام، فرأى راعياً جالساً في ظل شجرة كبيرة، يعزفُ على الناي والأغنام حوله تلتهم العشب الأخضر بهدوء. فحيا الرجل الراعي وسأله عن حال القطيع، فبدأ الراعي يُحدّثُ زائره عن الخراف وخصال كل واحد منها، فتعجب الرجلُ من الكلام ولم يصدق أنَّ الراعي يعرفُ خرافهُ، وأن خرافهُ تعرفهُ، وأنه يدعو كل واحد منها باسمه. نهض الراعي من مكانهِ ونادى اسماً، فأتى إليه خروف، وبقي باقي القطيع في مكانه، ونادى أسماً ثانيا، فأتاه خروف آخر، وبقي القطيع في مكانه، ونادى اسماً ثالثاً ورابعاً حتى حضرت الخرافُ إليه واحداً واحداً، فدهش الرجل مما رأى، وسأل الراعي كيف يميّزُ الخراف وهي مُتشابهة، فابتسم الراعي وقال: " هذا أمرٌ في غايةِ السهولة، ففي هذا الخروف قطعة صوف مقطوعة، وفي ذلك نقطة سوداء، وفي هذه النعجة جرحٌ، وتلك مقطوعةُ الأذن..."، فسأله الرجل: أليس في القطيع خروفٌ كاملٌ؟ فابتسم الراعي وقال: إن الخراف الكاملة لا تحتاجُ إليّ. أعطى الراعي لكل خروف ذو عاهة اسماً وأحبه دون أن يجرح مشاعره، أمّا نحن فكم مرة نادينا شخصا ذو عاهة بعاهته وجرحنا مشاعره أمّا بإعطائه لقب أو حتى بطريقة نظرتنا إليه؟ |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 77120 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() الأحد الرابع للفصح: الراعي الصالح والمعرفة والإصغاء (يوحنا 10: 27-30) النص الإنجيلي (يوحنا 10: 27-30) 27 إِنَّ خِرافي تُصْغي إلى صَوتي وأَنا أَعرِفُها وهي تَتبَعُني 28 وأَنا أَهَبُ لَها الحَياةَ الأَبديَّة فلا تَهلِكُ أَبداً ولا يَختَطِفُها أَحَدٌ مِن يَدي. 29 إِنَّ أَبي الَّذي وَهَبَها لي أَعظمُ مِن كُلِّ مَوجود. ما مِن أَحَدٍ يستطيعُ أَن يَختَطِفَ مِن يَدِ الآبِ شَيئاً. 30 أَنا والآبُ واحِد)). يصف إنجيل يوحنا (يوحنا 10: 27-30) عمل الراعي الصالح للتعبير عن دور يسوع المسيح، الذي يفتح نافذة على العلاقة والمعرفة والثقة المتبادلة بين الراعي وخرافه المؤمنين من ناحية، وعلى المعرفة المتبادلة بين الآب والابن من ناحية أخرى، وذلك لدعوة المؤمنين للمشاركة في حياته. فهي تحتفل بيوم صلاة عالميٍ من لأجل الدعوات الكهنوتية والرهبانية كما أوصانا سيدنا يسوع المسيح " الحَصادُ كثيرٌ ولكِنَّ العَمَلَةَ قَليلون، فاسأَلوا رَبَّ الحَصَاد أَن يُرسِلَ عَمَلَةً إِلى حَصادِه (لوقا 10: 2)، إذ نعرف وندرك، كم هو ضروري وجود الكاهن في العالم اليوم. ويُعلق البابا القديس يوحنا بولس الثاني: إنَّ يوم الصلاة العالمي للدّعوات هو مناسبة للتبشير بأنَّ روح الله القدّوس، يكتب في قلب كلِّ مُعمّد، خطة محبة ونعمة. وإنَّ الرّوح يُفيقُ في قلب كلِّ مُعمّد، روح اختيار هذه الوظيفة الخفيّة فيه". "لذا جميعنا مدعوون لكي نشارك في رسالة المسيح في جمع البشريّة المشتّتة ومصالحتها مع الله " (رسالة البابا فرنسيس بمناسبة اليوم العالمي التاسع والخمسين للصّلاة من أجل الدعوات 2022). |
||||