![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 72841 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() الأقباط في عصر السلاطين المماليك 1250–1587 م - مقدمة انتهت الدولة الأيوبية بموت الملك الصالح أيوب، حيث قامت دولة المماليك البحرية منذ عام 1250 إلى عام 1381، ثم تلتها دولة المماليك البرجية (الشراكة) منذ عام 1381 حتى فتح العثمانيين لمصر في عام 1517. وكان هؤلاء المماليك (ومفردها مملوك = رقيق أو عبد) عبيدًا بيضًا يُشْتَرون بالمال من تجار النخاسة في أسواق الرقيق، أو من أسرى الحرب، وممن يُخْتَطَفون من الأطفال أو الشباب بأساليب الخداع والاستيلاء من جلابة الرقيق أو من يبيعونهم أهلهم خشية الفقر والفاقة، وكان معظم الجلابة أو تجار الرقيق في تلك الفترة من الأقاليم الجبلية الكائنة في شمال وشرق أوربا الوسطى، وكانوا في معظمهم من أصل تركي، أبشع الناس آنئذ طباعًا وتعاملًا. وهكذا كان المماليك لا ينتمون إلى جنس بعينه أو إلى أصل واحد، فمنهم الأتراك ومنهم من حول بحر القلزم أو من القوماز في آسيا الصغرى وبلاد (أرمينيا جورجيا وما جاورهم الآن) وكان منهم عدد قليل من أوكرانيا ومن فارس وبلاد ما وراء النهر (دجله). وكانت مصر بحكم موقعها وضعف القوات فيها وكثرة خبراتها والأطماع فيها كل هذا دفع إلى تشجيع تجار الرقيق هؤلاء في التواجد فيها فراجت تجارتهم النكراء هذه وأصبحت (بورصة) للمضاربة على أثمان هؤلاء البشر التعساء، ومن ثم نشأ هؤلاء أمام كل هذه العوامل والاجتماعية في شكل بناء نفسي فاسد جعل منهم شخصيات لا يمكن الجزم بكنهها وإنما كانوا مجموعة من مرضى نفسيين، ألقت ظلها على التعامل بينهم وبين الشعوب التي حكموها وبخاصة من حالتهم في الدين الذي فرض عليهم (الإسلام) خاصة وأن منهم من كان يدرك أنه من أصل مسيحي. ومن هذا النسيج النفسي المتباين لم يكن سهلًا على هؤلاء المماليك مشاركة الشعب المصري آماله ولغته العربية التي يجهلونها، والإسلام الذي ادخلوا عليه وانتموا إليه بسطحية وليس عن إيمان، بل كل ما كانوا يتدربون عليه هو الطاعة العمياء (لأستاذهم) أو قائدهم أو من اشتراهم وأطعمهم من جموع وأنهم من خلاف، يحملوا شخصية في شخصيتهم وطباعه بين طباعهم، وماتوا فداءه. ولم يدخل الجلابة برقيقهم إلى مصر فجأة وإنما شجعهم الملوك الأيوبيون في أواخر عهدهم على الشراء منهم ليكونوا حرسًا لهم وجنودًا مخلصين في جيشهم. فاشترى الصالح نجم الدين أيوب ألفًا منهم جندهم لخدمته، بل ورفع منهم الكثيرين فكانوا أمراء الدولة وصحابها (وزراءها) وظل عددهم يتكاثر شيئًا فشيئًا وقويت شوكتهم، وألّفوا جيشًا جرارًا عظيمًا هدد أمن الدولة المصرية في أواخر عهده، واستغل الصراع الدائم بين البيت الأيوبي، فشعر المماليك بكيانهم، وقبضوا على زمام الأمور في مصر، وأنهم أرقى من المصريين وأقوى من سادتهم الأيوبيين، واستطاعوا بذلك إنشاء دولتهم على حطام دولة بنى أيوب. إلا أنهم إزاء تكوينهم هذا وأصولهم المختلفة ظلوا في صراع وتباين جعلهم ينفصلون إلى قسمين قسم سكن حول ضفاف النيل في منطقة جزيرة الروضة التي يحددها النيل وكان يسمى البحر الأعظم فسموا بالمماليك البحرية، والقسم الآخر تخص أبراج قلعة صلاح الدين بالجبل، فسُمّوا بـ"المماليك البرجية". ولشعورهم بأنهم حماة بنى أيوب فأحسوا بأنهم أعلى قدرًا من المصريين جميعًا، وظلوا منفصلين عنهم بشكل عام وتعالوا على الأقباط منهم على وجه الخصوص، على الرغم من أن بعضًا من هؤلاء المماليك قد تزوجوا من بنات المسيحيين الأقباط، إلا أنها لم تكن علاقة قوية بينهم، وظلوا محتفظين بشخصيتهم المتعالية وما تميزوا به من كبرياء ممقوت، أورثهم صراعًا حادًا وداميًا مع بعضهم البعض، وكانوا في صراعهم يتداخل معهم المصريون علهم يلقمونهم عظمة من أسلافهم. وللأسف كم اشتركوا معهم في اضطهاد الأقباط تحت دعوى رابطة الدين. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 72842 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() الأقباط في عصر السلاطين المماليك 1250م – 1587: - وضع الأقباط كان وضع الأقباط سيئًا للغاية في نهاية عصر الأيوبيين وبداية عصر المماليك للأسباب السابق ذكرها، إلا أننا نضيف سببًا آخر، وهو سوط الحروب الصليبية (حروب الفرنجة) الذي لم يصب المسلمين بقدر ما أصاب الأقباط بشكل مباشر وغير مباشر. فموجة اضطهاد الأقباط الأخيرة كانت عميقة وكبيرة وطويلة، فقد بدأت منذ عهد الحاكم بأمر الله الفاطمي وانحسرت شيئًا ما في نهايته لترتفع مرة أخرى في العصر الأيوبي والعصر المملوكي وهذه الطفرة الأخيرة كانت بسبب الحروب الصليبية، فعند ما رأى المسلمون في الشرق جحافل الجيوش الأوروبية حاملة الصليب لم يفرقوا بين صليب وآخر واعتبروا الجهاد الديني على كل المسيحيين في مصر وخارجها، بالإضافة إلى أساليب الأوروبيين ومنهم اليهود في استنفار الحكام المصريين على الأقباط تهديدًا لهم وانتقامًا منهم كي يقفوا في صفوفهم ضد المسلمين، بينما حسب الأقباط المسألة وحسموها إذ كيف يقفون أمام بقية نسيجهم في مواطنهم في صف الأجانب الذين لا يعرفونهم وبينهم نار مجمع خلقيدونية 451، وظلوا كاظمين غيظهم منهم وصامدين جراحهم من المصريين المسلمين والحكام الأيوبيين وغيرهم انتظارًا لانفراج الأزمة، وإن كان قد كلفهم هذا الشيء الكثير: من قتل وهدم منازل وكنائس ومصادرة ممتلكات وبيع البعض في سوق النخاسة.. الخ ثم جاء المماليك فلم يأبهوا بهذه الطبقة القليلة العدد بل كانوا يعاملوهم كجزء من الأمة نظير ما كانوا يقدمونه لهم من خدمات كبيرة في الواقع وهي تقدير الضرائب وجمعها وأمانتهم في ذلك، وفي نفس الوقت كان المماليك الحكام يمكنهم بسهولة ابتزاز أموال القبط دون أن يخشوا منهم مقاومة أو ثورة مضادة، فرتبوا مصير الأقباط حسب هواهم. وقد استطاع بعض الكتبة الأقباط أن يشغلوا بعض الوظائف الكبرى في الدولة لمهارتهم وعلمهم وأمانتهم في العمل ولأنهم كانوا يشكلون الطبقة المتعلمة في المجتمع، مما أدى إلى تمتعهم بالجاه والسلطان والثروة الواسعة آنذاك. فالأقباط بمقدراتهم تلك قد وصلوا إلى ما دخلوا إليه هذا، إلا أن الحاقدين من عامة الشعب كانوا يظهرون غضبهم بمجرد رؤيتهم قبطيًا، لأنه لم يكن يقبل أن تكون يده فوق يده. إلا أن القبطي، وسط هذه الاعتبارات كلها، استطاع أن يعيش ويتقدم لأن أخاه المسلم لم يكن حائزًا عليها، ورغم كل هذا كان القبطي يشعر بأنه شخص غير مرغوب فيه، وبذلك أصبح الأقباط يدربون بعضهم البعض على العلوم المطلوبة، ليظلوا على داريتهم لهذا الاتجاه. ففي عصر السلاطين المماليك قاس الأقباط كثيرا، وأن لم يتعرض المماليك لآرائهم ومعتقداتهم الدينية. ولكن لم تكن سياسة المماليك في معاملاتهم واحدة، والحق أن الأقباط كانوا ذوى نشاط ظاهر في دواوين الحكومة، وكانت خدمتهم ضرورية لحسن سير الأمور المملوكية في البلاد في حين أن الحكومة كانت تبعدهم عن وظائفهم بين الحين والحين، تجنبًا للشغب الذي كان يقوم به الشعب المصري ضدهم، وتجنبًا للعامة، وإرضاءً لروح التعصب. ولكن هذا الإبعاد كان لعدة أيام قصيرة، لأن وجودهم في تلك الوظائف كان ضروريًا وحتى لا يتوقف سير العمل في البلاد، وأن الحكام المماليك كانوا يشعرون بخلل في الإدارة الحكومية أثناء بعد الأقباط عنها وبخاصة في النواحي المالية والضرائب. إلا أنه رغم كل هذا كان شعور المماليك يثور على الأقباط بسبب العداء بين المماليك والصليبيين ويحدث ما سبق الإشارة إليه، ويظهر هذا في شكل اضطهاد الأقباط وهجوم المسلمين عليهم أحيانًا واعتدائهم على النساء والأطفال، كما كانت الأعياد الإسلامية الكبرى فرصة لهجوم الجنود على أحياء الأقباط بدعوى البحث عن الكنوز. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 72843 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() الأقباط في الحكومة بين الأخذ والرد أحس المماليك في أول عهدهم بعلم الأقباط وأمانتهم فعينوهم في كبرى الوظائف، فهذا السلطان (أيبك) وهو أول من تولى الحكم في دولة المماليك البحرية عيَّن (شرف الدين أبو سعيد هبة الله) وزيرًا، ومنحة سلطات واسعة، وان كان المقريزي يشير إلى اعتناق هذا الرجل الإسلام وجاز بين آخر سلاطين الدولة الأيوبية وعمل بينهم كطبيب، إلا أنه صُلِبَ على باب القلعة أيام السلطان قطز، وفي أيام المماليك وقبل صلبه اظهر براعة في التشريع الضريبي لجمع أكبر كَمّ من الأموال باسم قانون (الحقوق السلطانية) وحصلت الدولة المملوكية به على المال الكثير، ومن هنا بدأ المماليك يستعملون الأقباط في دواوينهم بكثرة. أما الرد فنجده في عام 1265 أيام السلطان بيبرس، والذي وجد الخزينة خاوية نتيجة الحروب ضد الصليبيين (وهذه كارثة الحروب الصليبية (حروب الفرنجة) على الأقباط مصر). وكان في حاجة إلى سبعين ألف دينار كما يروى لنا المقريزي، يورد المؤرخ "الفضل بن أبي الفضائل" في كتابه "تاريخ مفضل أبي الفضائل ج 12" لما قدم السلطان من الشام، أمر النصارى واليهود، فمسكوا عن بكرة أبيهم وأوقدت لهم النار بالأحطاب في جورة كانت بالقلعة التي هي دار للملك السعيد، وأراد إحراقهم، فاشتراهم الحبيس الراهب بخمسمائة ألف دينار يقوم بدفعها في كل سنة بخمسين ألف دينار، وكان هذا الحبيس في مبدأ أمره كاتبًا في صناعة الإنشاء، ثم ترهب وانقطع في جبل حلوان، فيقال أنه وجد في مقارة مالًا كان للحاكم العبيدي أحد الخلفاء المصريين، فلما حصل له هذا المال وفد به الفقراء والصعاليك من سائر الأديان، فاتصل خبره بالسلطان الملك الظاهر، فأحضره وطلب منه المال فقال له: إن طلب منى السلطان شيئًا أدفعه من يدي، ولكنه يصل إليك من جهة من تصادره وهو لا يقدر على ما يطلب منه فاني أعطيه وأساعده على خلاص نفسه منك، فلا تعجل، فلما كانت هذه الواقعة ضمنهم من السلطان بذلك المال المقرر على النصارى وكان يدخل الحبوس ويطلق فيها من كان عليه دين وهو عاجز عن وفائه، ثقيل كان أو خفيف، وكذلك لما طلب من أهل الصعيد المقرر من أهل الذمة، سافر إليهم وأرى عنهم ما طلب منهم، وكذلك سافر إلى الإسكندرية فرأى أهلها منه ما هالهم... وقد أحصى ما وصل إلى بيت المال في جهة على تلك الوجوه المقدم ذكرها في مدة سنتين فكان ستمائة ألف دينارًا مصريًا خارجًا عما كان يعطيه من يده سرا للناس وما خلص به من الحبوس. ثم ما لبث الظاهر بيبرس هذا أن أقال جميع الأقباط الذين كانوا يعملون في ديوان الحرب وأحل المسلمين محلهم، وفي نفس يوم تنفيذ هذا القرار هدم دير الخندق الكائن خارج القاهرة بالقرب من باب الفتوح ولم يترك فيه حجر على حجر. أما في عهد الملك المنصور قلاوون 1284 م. عدل عن التزيد في الضرائب على الأقباط وساوى بينهم وبين المسلمين في ذلك وأعادهم إلى وظائفهم، إلا أنه فتح أذنيه لضعاف النفوس من المسلمين، وعاد إلى العنف مع الأقباط؛ فنجده يدفن قبطيًا حيًا لتزوجه من امرأة مسلمة، وأمر بجزع أنفها! وبمرور السنين تمرد بعض المماليك عليه، فغضب غضبًا شديدًا أعمى بصيرته وأفقده صوابه، ونشر الذعر بين المصريين جميعًا دون تفريق بين مسلم وقبطي، ونال الشعب منه الذي الكثير. وإذ تقدم إليه علماء المسلمين طالبين الرحمة بالرعية ثاب إلى رشده وقرر أن يكفر عن أخطائه، فبنى التكايا والأسيلة والمستشفيات. وإضافة إلى ما ظنه ثوابًا أن اضطهد الأقباط واشتد عليهم، وعاد إلى الأمر بركوبهم الحمير وشد الزنانير وألا يحدث نصراني مسلمًا وهو راكب دابته، ولا يلبسون ثيابًا مصقولة.. وظل على ذلك حتى ولاية ابنه الأشرف الذي زاد من اضطهادهم، إلا أنه دُهِشَ من صمودهم وثباتهم، حتى أنهم وشموا أيديهم وأذرعهم بعلامة الصليب المقدس، وأصبحت هذه العادة متبعة إلى اليوم. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 72844 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() الأشرف خليل بن قلاوون وجازته عن الغزال السمسار 1290 م لم يجد قلاوون أمامه إلا أن يعيد الأقباط إلى وظائفهم بعد أن توقفت حركة العمل في الدواوين، وكذلك سار على نهجه ابنه الأشرف. إلا أنه لما كان لكل فعل رد فعل، فإن الأقباط لم تتسع الدنيا بهم من الفرحة عندما عادت إليهم حقوقهم كمواطنين وكمتعلمين وأمناء، إلا أن الضغط الذي لاحقهم في الماضي والتعسف الذي عاشوا في كنفه جعلهم يستغلوا وظائفهم ليستعيدوا ما فقدوه من أبهمه وعظمة ككبار موظفين. وهنا يقول المقريزى، أن هؤلاء النصارى أصبحوا العاملون المسلمين بأنفة، وأرادوا أن يظهروا أهميتهم بارتداء الأزياء الثمينة. ويروى أن أحد النصارى وكان اسمه "عين الغزال" صادف يومًا في طريق مصر سنة 682 هـ. سمسار شونة مخدومه، فنزل السمسار عن دابته وقبل رجل الكاتب، فأخذ يسبه ويهدده على مال قد تأخر عليه من ثمن غلة الأمير، وهو يترفق له ويعتذر، فلا يزيده ذلك عليه إلا غيظة، وأمر غلامه فنزل وكتف السمسار ونصبه، والناس تتجمع عليه حتى صار إلى صليبة جامع أحمد بن طولون ومعه عالَم كبير، وما منهم إلا يسأله أن يخلي سبيل السمسار وهو يمتنع عليهم. فتكاثروا عليه وألقوا عليه حجارة وأطلقوا السمسار. وكان قد قرب من بيت أستاذه، فبعث غلامه لينجده بمن فيه، فأتاه بطائفة من غلمان الأمير وإذ لاقيته فخلصوه من الناس، وشرعوا في القبض عليهم ليفتكروا بهم، فصاحوا عليهم ما يحل، ومروا مسرعين إلى أن وقفوا تحت القلعة واستفتوا نصر الله السلطان، فأرسل يكتشف الخبر، فعرفوه ما كان من استطالة الكاتب النصراني على السمسار وما جرى لهم، فطلب يمين الغزال ورسم للعامة بإحضار النصارى إليه، وطلب الأمير "بدر الدين بيدرا" النائب والأمير سنجر الشجاعي وتقدم إليها بإحضار النصارى جميعًا بين يديه ليقتلهم، فما زالا به حتى استقر الحال على أن ينادى في القاهرة ومصر أن لا يخدم أحد من النصارى واليهود عند أمير، وأمر الأمراء بأجمعهم أن يعرضوا على من عندهم من الكتاب النصارى الإسلام، فمن امتنع من الإسلام ضُرِبَت عنقه، ومن أسلم استخدموه عندهم. ورسم للنائب بعرض جميع مباشري ديوان السلطان ليفعل فيهم ذلك منزل الطلب لهم وقد اختفوا فصارت العامة تسبق إلى بيوتهم وتنهبها حتى عم النهب بيوت النصارى واليهود بأجمعهم وأخرجوا نساءهم مسبيات وقتلوا جماعة نايديهم. فقام الأمير بيدرا النائب مع السلطان في أمر العامة والتلطف به، حتى ركب والى القاهرة ونادى من نَهَبَ بيت نصراني شُنِقَ، وقبض على طائفة من العامة وشهرهم بعد أن ضربهم فانكفوا عن النهب بعد ما نهبوا كنيسة المعلقة بمصر وقتلوا منها جماعة، ثم جمع النائب كثيرًا من النصارى كتاب السلطان والأمراء، وأوقفهم بين يدي السلطان عن بعد منه، فرسم للشجاعي وأمير جاندرا أن يأخذا عدة معهما وينزلوا إلى سوق الخيل تحت القلعة ويحفروا حفرة صغيرة كبيرة ويلقوا فيها الكتاب الحاضرين ويضرموا النار من الحطب، فتقدم الأمير بيزرا وشفع فيهم فأبى أن يقبل شفاعته وقال: لا أريد في دولتي ديوانًا نصرانيًا، "فلم يزل به حتى سمع بأن مَنْ أسلم منهم يستقر في خدمته، ومن امتنع ضُرِبَت عنقه. فاسلموا. إلا أنهم استغلوا إسلامهم في الانتقام مما حل بهم وببقية الأقباط، فيقول المقريزي: "صار الذليل منهم بإظهار الإسلام عزيزًا بيدي من إذلال المسلمين والتسلط عليهم بالظلم ما كان يمنعه نصرانيته من إظهاره". ولكن لم تمنع هذه الاعتبارات المسلمين من استعمال العنف في معاملة أهل الذمة، وكانوا في هذا إنما ينقمون لأنفسهم من الأقباط كلما غزا بعض القراصنة الأوربيين سواحلهم، أي أخذوا القبط بذنب الكاثوليك الفارين!! ثم حدثت حادثة أخرى كانت كارثة على الأقباط أكثر، ففي عام 700 هـ (1301م) وصل إلى القاهرة وزير صاحب المغرب في طريقة للحج، فيقول المقريزي "وبينما هو ذات يوم بسوق الخيل تحت القلعة، إذ هو برجل راكب على فرس وعليه عمامة بيضاء وفرجية مصقولة، وجماعة يمشون في ركابه. وهم يسألونه ويتضرعون إليه ويُقَبِّلون رجليه، وهو مُعْرِضٌ عنهم وينهرهم ويصيح بغلمانه أن يطردهم عنه. فقال بعضهم "يا مولاي الشيخ بحياة ولدك النشو تنظر في حالنا". فلم يزده ذلك إلا عنفًا وتحامقًا، فَرَقَّ الغربي لهم وهَمَّ بمخاطبته في أمرهم، فقيل له "وأنه مع ذلك نصراني". فغضب لذلك وكاد أن يبطش به، ثم كف عنه وطلع إلى القلعة، حيث اجتمع بالملك الناصر محمد بن قلاوون ونائبة يومئذ الأمير سلار، فتحدث الأمير بيبرس الجاشنكير في أمر اليهود والنصارى وأنهم عندهم في غاية الزلة والهوان، وأنهم لا يمكن أحد منهم من ركوب الخيل ولا الاستخدام في الجهات الديوانية وأنكر حال نصارى الديار المصرية ويهودها بسبب أفخر الثياب وركوبهم الخيل والتعالي، واستخدامهم في أجلّ المناصب وتحكيمهم في رقاب المسلمين، وذكر أن عهد ذمتهم قد انقضى منذ سنة 600 الهجرية النبوية. فكان لكلامه أثره في نفس الأمير بيبرس الجاشكير، فأمر بجمع النصارى واليهود ورسم ألا يستخدم أحد منهم في الجهات السلطانية ولا عند الأمراء، وأن تتغيَّر لو عمائمهم؛ فيلبس النصارى العمائم الزُرق، وتُشَدّ في أوساطهم الزنانير، ويلبس اليهود العمائم الصفراء. والتزام العهد العمرة أما عما بالكنائس والأديرة، فقد قفلت الكنائس لفترة أيام، وأن الأديرة الموجودة في الضواحي لم تُمَسّ بسوء، وفي الإسكندرية هدم الكنائس وبيوت الأقباط، وألقى الملط محمد بن قلاوون والأمير بيبرس الجاشنكير عيد الشهيد بشبرا، وفي سنة 755 هـ. تحرك المسلمون على النصارى وهدمت كنيسة الشهيد بشبرا وأخذ إصبع الشهيد في صندوق خشبي وأحرقه الملك الصالح في ميدان بالقرب من القلعة، وزوى رماده في البحر، ويطلب منذئذ عيده وهدمت كنيستين. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 72845 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() - موقف المماليك من الكنسية القبطية أتسم عهد السلاطين المماليك بالظلم والخيانة والحقد، وانتشار الجهل والفسق بين المماليك بعضهم وبعض، وبينهم وبين رعاياهم، فهم كما عرفنا كانوا من أجواء مختلفة ومستويات متباينة لا تجمعهم أية رشائج أو علاقات، ومن ثم كان استمرار وجودهم مرهونًا بهذه الحيل من أجل البقاء، أما مصر بشقيها مسلمين وأقباط فهم الذين دفعوا الثمن. ولما لم يكن لهم ظهير يحميهم كتراث أو أهل أو صحب ظنوا أن العنف والقسوة إنما هي التي توقع خشيتهم في نفوس المصريين وتثبت أقدامهم. وبسبب السياسة القاسية هذه وتعطيل الأعمال لاسيما الزراعة لأن معظم الأراضي وأجودها كانت قد نزعت من يد أصحابها وأعطيت للأمراء، فأغلقوا أبواب الرزق أمام العامة، فكثر الفقر وانتشرت الجريمة وزاد عدد الأوباش والحرافيش خصوصا في مدينة القاهرة. ولما كثر إقبال على الإسلام خوفًا من جهة وحفاظًا على وظائفهم من جهة أخرى. كانوا هم أيضًا وسيلة ضغط على المسلمين بأن شددوا عليهم الأحكام وقسوا في تنفيذها، وأصبحوا موضع شكوى المسلمين من جديد ولذلك أصدر السلطان أمرًا ألا يبقى منهم أحد في دواوين الحكومة حتى ولو أسلم، وإلا يُكرهوا بعد ذلك على الإسلام منعا للانتقام لأنفسهم عن طريق إسلامهم وتوليهم الوظائف العليا، وإذا أسلم أحد منهم من تلقاء نفسه فلا يبرح باب أحد المساجد، بل يعيش من إحسان المسلمين أهل الخير. وكان هذا الحكم الصارم موجبا لسمع عامة المسلمين في الأقباط، فهجموا على بيوتهم وخاصة الأغنياء منهم الذين فقدوا جاههم بطردهم من خدمة الحكومة، ولا يستبعد أن يكونوا أسوأ معاملة أصاغر المسلمين تشفيًا لهم من مكايد غيرهم بالتظاهر بالأبهة والافتخار والظلم. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 72846 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() الأقباط في عصر المماليك: - المماليك وهدم الكنائس لما شرع الملك الناصر محمد بن قلاوون في بناء ميدان فسيح في الجهة المعروفة الآن بـ"الناصرية" في آخر شهر ربيع الأول من عام 721 هـ. كان الحفر إلى جانب كنيسة الزهري وهي كنيسة واسعة جميلة البناء سكن حولها عدد كبير من الأقباط وما يزالون يسكنون (وهى المنطقة التي تحوى الأزهر وحارة زويلة وحارة الروم والغورية حتى منطقة الأنبا رويس بالعباسية) فأشار عليه المغرضون بهدمها لأنه لا يصح أن تكون للنصارى كنيسة ظاهرة بهذه الكيفية، أما هو فلم يرد أن يهدمها، بل أمر أن تحفر حول جدرانها حتى تنهار من تلقاء نفسها، إلا أنها لما كانت على جانب عظيم من المتانة استمرت قائمة ولم تهدم فاغتاظ المسلمون ونقموا على الأقباط لما رأوا السلطان يدافع عنهم، وكثرت في هذه الفترة العمارات في القاهرة، فتواطأ المسلمون مع بعض الأمراء المماليك على هدم الكنائس انتقاما من الأقباط من ناحية وليستخدموا أنقاضها وأدواتها في بناء عماراتهم. ويصف المقريزي الموقف بقوله: اخذ الفعلة في الحفر حوالي كنيسة الزهري حتى بقيت قائمة وسط الموقع الذي عينه السلطان ليحفر وهو اليوم بركة الناصرية، وزاد الحفر حتى تعلقت الكنيسة وكان القصد من ذلك أن تسقط من غير قصد لخرابها، وصارت العامة من غلمان الأمراء العاملين في الحفر وغيرهم من الغوغاء المتعصبين يصرخون على الأمراء في طلب هدمها، وهم يتغافلون عنهم إلى إن كان يوم الجمعة التاسع من شهر ربيع الأول من هذه السنة وقت اشتغال الناس بصلاة الجمعة والعمل في الحفر متوقف، فتجمع عدد من الغوغاء بغير مرسوم السلطان وقالوا بصوت عال "الله أكبر" وامتدت أيديهم نحو كنيسة الزهري وهدموها حتى بقيت كوما وقتلوا كل من كان من النصارى، وأخذوا جميع ما كان فيها، وهدموا كنيسة مارمينا التي كانت بالحمراء، وكانت مُعَظَّمةٌ عند النصارى من قديم الزمان، وموضع اعتبارهم، وبها عدد من النصارى قد انقطعوا فيها -أي أقام حولها- كثير من الرهبان والراهبات ويحمل إليها نصارى مصر سائر ما يحتاج إليه الشعب، ويبعث إليها بالنذور الجليلة والصدقات الكثيرة، فوجد فيها مال كثير ما بين نقد ومصاغ وغيره، وتسلق العامة إلى أعلاها، وفتحوا أبوابها وأخذوا منها مالًا وقماشًا وخربوا واهلكوا كل ما فيها، فكان أمرا مهولًا. ثم مضوا إلى كنيسة الحمراء بعد ما اهدموها إلى كنيستين بجوار السبع سقايات تصرف إحداهما بكنيسة البنات (دير الراهبات) كان يسكنها بنات النصارى وعدد من الرهبان، فكسروا أبواب الكنيستين وسبوا البنات، وكانوا زيادة على ستين بنتًا، ونزعوا ثيابهم وسلبوا كل ما وجدوه معهن، ونهبوا سائر ما ظفروا به وحرقوا وهدموا تلك الكنائس كلها بعد ذلك أطلقوا النار في بيوت النصارى القائمة حول كنيسة مارمينا، وحرقوا الكنائس الثلاث هذا والناس في صلاة الجمعة. فعندما خرج الناس من الجوامع شاهدوا هولًا كبيرًا من كثرة الغبار ودخان الحريق ومرج الناس وشدة حركاتهم ومعهم ما نهبوا مما شبه الناس الحال لهوله بيوم القيامة، وكانت أخبار تلك التعديات قد وصلت إلى مسمع السلطان وقيل أن لم تسرع في إنقاذ الأقباط في بابليون هلكوا عن آخرهم، وذلك لأن الغوغاء لم يكفهم ما حدث بل قاموا إلى بابليون التي يسكنها أكثر الأقباط وأعيانهم قاصدين الفتك بهم، ولكن هؤلاء شعروا بهم قبل وصولهم وأغلقوا باب الحصن القديم وكان داخل سوره ستة كنائس، واستعد الأقباط للدفاع عن أنفسهم كما بلغ السلطان وجود عصابة أخري تسعى إلى هدم كنائس الموسكي وحارة زويلة، وفي قلعة الخيل سمع السلطان ضجة عظيمة ورجة نكرة أفزعته فبعث لكشف الخبر فلما بلغه ما وقع انزعج انزعاجا عظيما وتعجب من جرأة العامة وأقدامهم على ذلك بغير أمره. وأمر الأمير إيدغمش أمير أخور أن يركب بجماعة لم ذشاقية، وبتدارك هذا الخلل ويقبض على من فعله، فأخذ "أيد غمش" يتهيأ للركوب وإذا بخبر ورد من القاهرة أن العامة ثارت في القاهرة وخربت كنيسة بحارة الروم وكنيسة بحارة زويلة وجاء الخبر من مدينة مصر أيضًا بأن العامة قامت بمصر في جمع كثير وزحفت إلى كنيسة المعلقة بقصر الشمع فأغلقها النصارى وهم محاصرون من بها وهي على وشك أن تؤخذ، فتزايد غضب السلطان وهم أن يركب بنفسه ويبطش بالعامة ثم تأخر لما راجعه الأمير ايدغمش ونزل من القلعة مع أربعة من الأمراء إلى مصر وركب الأمير بيبرس الحاجب والأمير الماسي الحاجب إلى موقع الحفر، وركب الأمير طينال إلى القاهرة وكل منهم معه عدد وافر من الرجال، وقد أمر السلطان بقتل من قدروا عليه من العامة بحيث لا يقعد عن أحد، فقامت القاهرة ومصر القديمة على ساق وهرب الغوغاء الغاصبون فلم يظفر الأمراء منهم إلا بمن عجز عن الحركة لما غلبه من السكر بالخمر الذي نهبه من الكنائس. ولحق الأمير ايدغمش بمصر القديمة وركب الوالي إلى المعلقة قبل وصوله ليخرج من زقاق المعلقة من حضر للنهب فأخذه الرجم حتى فر منهم ولم يبق إلا أن يحرق باب الكنيسة ، فجرد ايدغمش ومن معه السيوف يريدون الفتك بالعامة فوجدوا عالما لا يقع عليه حصر وخاف سوء العاقبة، فأمسك عن القتل وأمر أصحابه بإرهاب العامة من غير إهدار دم، ونادى منادية: مَنْ بقى حُلَّ دمه. ففرّ من اجتمع من العامة ثم نص والتزم والى مصر أن يبيت بأعوانه هناك، وترك معه خمسين من الاوشاقية أما الأمير الماس فإنه وصل إلى كنائس الزهري ليتداركها فإذا بها هدمت عن أخرها وتحولت ألي أكوام من التراب وليس بها جدار قائم، وينهب الناس ما بها، وعاد الأمراء فردد والخبر على السلطان، وهو لا يزداد إلا حنقًا، فما زالوا معه حتى سكن غضبه، وهكذا هدمت كنائس مصر والفسطاط فلم يجسر المسيحيين على الخروج من بيوتهم وبقوا محبوسين فيها أياما، وبعضهم تركها وسكن بابليون لحصانها وعدم إمكان الهجوم والتغلب عليها بسهولة. ثم حدثت أحداث أخري مماثلة نتيجة دعوة المتعصبين لهدم الكنائس وتخريب بيوت المسيحيين، فهدموا كنيسة أخري في القلعة وأخرى لمار مينا في الزاوية الحمراء والقاهرة وكنائس حارة الروم والبند قانيين وكنيستين بحارة زويلة. أما عن أخبار هدم كنائس الإسكندرية فيقول المقريزى "ومن يوم الأحد ثالث يوم الجمعة الذي حدث فيه هدم كنائس القاهرة ومصر القديمة، ورد الخبر من الأمير بدر الدين بيلبك المسني والى الإسكندرية... وقع صباح هدمت الكنائس فركب المملوك من فوره فوجد الكنائس صارت كوما من التراب وهدمت عن آخرها وكان عدد الكنائس التي هدمت أربعة في الإسكندرية واثنين في البحيرة وفي نفس اليوم ذكر عن مدينة قوص.. هدمت ستة كنائس وعدد من الأديرة وكذلك كنائس دمياط والغربية والشرقية ودمنهور والبهنسا وأسيوط وأسوان "فأشتد ضيق السلطان على العامة خوفًا، فساد الحال أدرك أن هذه الحوادث دبرت قبل حدوثها وأراد أن يقاصي مدبريها فأمر السلطان بالبحث عن رؤساء العصابة التي تسببت في هذه الفعلة الذميمة وإحضارهم لديه ليجازيهم بما يستحقون على هذا الاعتداء والافتراء فخاف بعضهم من افتضاح الأمر، إذ كانت لهم يد فيها في تسكين غضبه، وقالوا هذا الأمر ليس من قدرة البشر فعله، ولو أراد السلطان وقوع ذلك على هذه الصورة لما استطاع، وما هذا إلا بأمر الله سبحانه وتعالى وبقدرته، لِما عُلِمَ من كثرة فساد النصارى وزيادة طغيانهم ليكون ما وقع نقمة وعذابًا لهم، أما الطرق والشوارع في ذلك اليوم كانت مريعة جدًا لأنها كانت غاصة بالنهابين الحاملين فهي بيعات الكنائس وبيوت النصارى". كما هدمت الكنيسة في طنطا وتحولت إلى مسجد سنة 1320 فاضطروا إلى الالتجاء إلى كنيسة سبرباى للصلاة في كنيستها. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 72847 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() تواطأ المسلمون مع بعض الأمراء المماليك على هدم الكنائس لما شرع الملك الناصر محمد بن قلاوون في بناء ميدان فسيح في الجهة المعروفة الآن بـ"الناصرية" في آخر شهر ربيع الأول من عام 721 هـ. كان الحفر إلى جانب كنيسة الزهري وهي كنيسة واسعة جميلة البناء سكن حولها عدد كبير من الأقباط وما يزالون يسكنون (وهى المنطقة التي تحوى الأزهر وحارة زويلة وحارة الروم والغورية حتى منطقة الأنبا رويس بالعباسية) فأشار عليه المغرضون بهدمها لأنه لا يصح أن تكون للنصارى كنيسة ظاهرة بهذه الكيفية، أما هو فلم يرد أن يهدمها، بل أمر أن تحفر حول جدرانها حتى تنهار من تلقاء نفسها، إلا أنها لما كانت على جانب عظيم من المتانة استمرت قائمة ولم تهدم فاغتاظ المسلمون ونقموا على الأقباط لما رأوا السلطان يدافع عنهم، وكثرت في هذه الفترة العمارات في القاهرة، فتواطأ المسلمون مع بعض الأمراء المماليك على هدم الكنائس انتقاما من الأقباط من ناحية وليستخدموا أنقاضها وأدواتها في بناء عماراتهم. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 72848 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() حريق القاهرة بعد ثلاثين عامًا على هذه الأحداث المؤسفة، وقعت حادثة أضخم منها جميعًا إذ يروى المقريزي "قبض على راهبين وُجِدَا خارِج مدرسة فتحقق ظن الصائحين وسلموهما إلى السلطان فأمر بتعذيبهما ولم يكد ينطق بالحكم أتوه براهب آخر وجدوه في جامع الأزهر ومعه عدة أكياس فيها نفط وقطران، وبتعذيبهم اعترفوا بأنهم رهبان من دير البطل بجهة طره وأنهم أربعة عشر وقد تعاهدوا على إحراق مصر والفسطاط انتقامًا من المسلمين على هدم كنائسهم وأنهم اقتسموا القاهرة ومصر القديمة فجعلوا للقاهرة ثمانية ولمصر القديمة ستة. وفى أثناء ذلك اندلعت النار في دار القاضي "كريم" وهو من عائلة قبطية الأصل وأسلمت من مدة، فاستدعى إلية بطرك الأقباط، وإذ تأكدا أنه لا يعلم شيئًا عن هذه الحوادث، وتأسف له قائلًا: إنما هذه الحوادث فعل سفهاء المسلمين والنصارى ولا لام على الحكومة إذا أدَّبت مرتكبيها، فُسُرَّ "كريم الدين" بهذا الجواب الذي أزال الشك من جهة تواطؤ النصارى عمومًا على إيقاع الأذى بالمسلمين، وأمر بإعداد بغلة يركبها البطرك في العودة إلى داره. وفى صباح الغد بينما كان كريم الدين سائرًا إلى الديوان حسب عادته سخط عليه العامة واتهموه بالكُفْر واجتمع حوله المسلمون وأحاطوا به وأوسعوه سبًا وشتمًا لأخذه بناصر النصارى بعد أن ثبت له إدانتهم على إحراق بيوت المؤمنين، فلم يعبأ بهذه المظاهرة ولا بهذه التهديدات وظل سائرًا في طريقه إلى أن وصل إلى دار السلطان وأعلمه بما تحقق من أن هذه الحرائق لم تكن إلا من بعض سفهاء النصارى الذين أرادوا الانتقام من المسلمين على ما ارتكبوه ضدهم من القطائع، فأمر السلطان باستمرار تعذيب الرهبان حتى يعترفوا بأسماء الأغنياء من الأقباط الذين حرضوهم على هذه الفعل، ولكن الرهبان استمروا يحتملون العذاب بصبر، ولما لم يتحولوا عن كلامهم أرسل السلطان وهجم على دير البطل وأتى بكل من فيه من الرهبان وأمر بحرق أربعة منهم أمام ذلك الجمع المحتشد وانفجر بركان غيظ المسلمين على إثْر هذه الحادثة، وجالوا يبحثون عن الأقباط في كل مكان ليوردوهم موارد العذاب دون أن يراعوا أوامر الحكومة، فهجموا على بيوتهم ونهبوها وقتلوا من بها بغير رحمة، ومن هرب منهم قتلوه في الطريق وكانوا إذا عثروا على واحد قبطي في الشوارع يسلبونه ماله ويذبحونه، وقد أدت بهم الجرأة إلى أن اجتمع منهم كثيرون تحت قصر السلطان واحتجوا لمعاملته النصارى بالرفق، فرآهم حينما كان نازلًا من القلعة إلى الميدان وسمعهم يصيحون "نصر الله الإسلام" ويطلبون من السلطان أن يساعدهم على نصرته فلم يهتم بهم وسار إلى الميدان، وقبل وصوله أخبر أن اثنين من الأقباط قبض عليها وهما يحرقان منزلًا فاستشاط غيظًا، وأمر بحرقهما أحياء أمام الجموع وبينما هم يحرقونهما إذ بكاتب ديوان الأمير "بكتمر الساقي" قد مر يريد مولاه وكان نصرانيًا، فعندما عاينه العامة ألقوه عن دابته على الأرض وجردوه من جميع ما عليه من الثياب وحملوه ليلقوه في النار، فصاح بالشهادتين واعتنق الإسلام! وأطلقوه "... واستمر هذا الخراب مدة طويلة هدم ما هدم وقتل من قتل. ويحصِ المقريزي الخراب الذي حدث "كنيسة في خرائب التتر لقلعة الجبل وكنيسة الزهري في الموقع الذي فيه بركة الناصرية، وكنيسة الحمراء وكنيسة السبع شعايات وكنيسة بحارة الروم وكنيسة البندقايين، وكنيستان بحارة زويلة، وكنيسة بخزائن التتر وكنيسة بالخندق، وأربعة كنائس بثغر الإسكندرية وكنيستان بدمنهور وأربع كنائس بالغربية وثلاث كنائس بالشرقية وستة كنائس بالهناوية وبأسيوط ومنفلوط ومنية الحطب وثمان كنائس بقوص وبأسوان إحدى عشر كنيسة وبأطفيح مركز الجيزة كنيسة وبقطر الشمع ومصر القديمة ثمان كنائس. وضرب من الديارات شيء كثير وظل دير شهران ودير البطل مدة ليس فيهما أحد من الرهبان، وقد حدث هذا الخراب وتلك المصائب في وقت كثير جدًا بالقياس على التحويلات التاريخية الأخرى إذ لم يقع مثلها عبر التاريخ البشرى أو الثورات العالمية في مثل هذا الوقت القصير، وقد هلك من الأنفس وتلف فيها من الأموال وخرب فيها من الأماكن ما لا يمكن وصفه لكثرته، بالإضافة إلى ذلك وخاصة بعد حالة الهدوء التي أعقبت فترة الحرائق العامة أصدرت الأوامر بمنع النصارى من التظاهر بالأبهة وركوب الخيل والتجمل بلبس الثياب المصقولة والعمائم البيضاء". |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 72849 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ردود الفعل العالمية حول حريق القاهرة أمر الملك الناصر قلاوون بغلق جميع كنائس النصارى، وبقيت مغلقة أكثر من سنة ونصف، وفي هذه الفترة جاء إلى مصر ملك برشلونة (أسبانيا) يحمل فدية لأسير كان قد أسره السلطان، فلما شاهد رجال هذا الوفد ما يقع على رؤوس الأقباط من الظلم والبلاء انذهلوا، فطلبوا من السلطان فتح الكنائس مقابل مبلغ من المال يدفعونه له، وقد توسط ملك القسطنطينية وملك أسبانيا وقاما بإرسال وفد فأذن السلطان بفتح كنيستين إحداها للأقباط والثانية للروم الأرثوذكس. وكذلك في سنة 1329 لما علم ملك الأحباش بما حل للنصارى أرسل رسلًا بكتاب منه إلى السلطان يعاتبه فيه على هدم الكنائس وقتل الأبرياء ويذكره بالمعاهدات التي بين أسلافه ملوك مصر السابقين، وطلب منه أن يعيد بناء ما خربه، وإلا سوف يقوم بهدم جوامع المسلمين التي في بلاده، إلا أن السلطان أعاد الرسول بلا جواب. وبعد مضي فترة صَرَّح للنصارى بأن يبنوا بعض الكنائس التي هدمت بناءً على طلبهم، بشرط ألا يتوسع فيها أو يزيد عليها شيئًا، حتى أن بعضها هدم بعد إعادة بناءه بدعوى أنهم أزادوا على ما كان قديمًا أو أضافوا إليها بعض الزخارف؛ كما حدث في إعادة بناء كنيسة القديسة بربارة. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 72850 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() حريق القاهرة رد الفعل على الكنسية ونشاطها كانت هذه الاضطهادات التي شنها المماليك على الأقباط تحول دون سيامة الرعاة، كما أن تحول الكثيرين من المسيحيين إلى الإسلام أدى إلى قلة دَخْل الكنائس وفقر الرعاة، كما حال دون شغل منصب البطريركية مما أدى إلى اضطراب كثير من الأهالي الأقباط في حياتهم الدينية، وقد تسبب ذلك في دفن كثير من الموتى دون الصلاة عليهم، وتكفين أجسادهم في الحصر لعدم وجود أكفان تكفي أو الفقر الشديد لشراء الأكفان، كما أدت هذه إلى زواج كثيرين دون طقس الإكليل. وإذا سيم كاهنًا فإنه كان يُسام كاهنًا دون كفاءة، وبدون علم بأصول تعاليم المسيحية أو تفسير للإنجيل أو دون تعليم على الإطلاق فقلت العناية الروحية بالشعب المسيحي. كما أن ما تعرضت له الأديرة من هدم وتخريب أدى إلى تبديد الثروة، وإذا كان قد بقى فيها عدد من الرهبان فقد عمدوا إلى إخفاء ما تبقى، ولكن إذا ماتوا لا يعرف أحد أين خبئوها، فانحط المستوى اجتماعيًا واقتصاديًا وروحيًا. كما تدخل السلاطين في كثير من الأحيان في انتخاب الأساقفة وحالوا دون إقامتهم؛ كما فعل الظاهر بيبرس حين امتنع عن الموافقة على انتخاب مطران للحبشة مما أدى إلى لجوء الإمبراطور الحبشي إلى بطريرك السريان كي يرسل إليه مطرانًا للحبشة لرعاية الشعب وتوجيهه. |
||||