![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 71311 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() كثيرين يحاولون التملُّص من حتمية الخطية بوصفهم للفساد الأدبي الذي يصحب الإنسان منذ ولادته بالتعبير الغامض "الشهوة". وبالطبع، ليس استعمال هذه الكلمة خطأً في ذاته. فالكتاب المقدس أيضاً يستخدمه غالباً. ولكن بتأثير النزعة التقشُّفية التي نشأت في الكنيسة المسيحية بالتدريج، غالباً ما استخدم علمُ اللاهوت هذه اللفظة بمعنىً محدود جداً، إذ مال إلى اعتبارها تدلُّ فقط على الشهوة الجسدية أو التناسلية الموجودة في الإنسان على نحو خاص، وبذلك انتهى إلى الفكرة القائلة بأن هذه الشهوة، وإن كانت قد أُعطيت للإنسان عند خلقه، ولذلك فهي ليست أثيمة بحد ذاتها، إلا أنها توفر مع ذلك فرصة مواتية لارتكاب الخطية. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 71312 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() كان كالفن هو من عالج مفهوم الشهوة على أنه الخطية. فهو لم يعترض على إطلاق اسم "الشهوة" على الفساد الأدبي الذي يولد الإنسان عليه. لكنه أراد أن تُفهم هذه الكلمة حقَّ الفهم. ومن الأمور التي رآها ضرورية أن نميز بين الرغبة والشهوة. فالرغبات ليست بحد ذاتها خاطئة، وكلُّها أُعطيت للإنسان عند خلقه. ولأنه، بوصفه إنساناً، مخلوقٌ محدود ومتناهٍ وغير مستقلٍ، فإن له حاجاتٍ كثيرة العدد، وبالتالي له رغباتٌ عديدة جداً. فإذا جاع رغب في الطعام، وإذا عطش رغب في الشراب، وإذا تعب رغب في الراحة. وهذا المبدأ عينه يصدق على الناحية الروحية في الإنسان. فإن عقل الإنسان خُلِق على حالٍ تجعله يرغب في الحق؛ كما أن إرادة الإنسان، بفضل طبيعتها من حيث إن الله خالقُها، ترغب في الصلاح. فنقرأ في (أمثال 11: 8) أن "منتظر الصديقين مفرِّح"، أي أن رغبة الأبرار مُسِرَّة. فلما رغب سليمان في الحكمة لا في الغنى، حسن ذلك في عيني الرب (1 ملوك 3: 5 - 14). ولما اشتاق ناظم المزمور (42) لله كما يشتاق الأيل إلى جداول المياه، كانت تلك أيضاً رغبةً صالحة وعزيزة. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 71313 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() ليست الرغبات في حدِّ ذاتها أثيمة، غير أنها - شأنها شأن الذهن والإرادة - أفسدتها الخطية وبذلك صار بينها وبين ناموس الله صراع ونزاع. فالرغبات الأثيمة هي تلك الرغبات التي أفسدتها الخطية فلم تعُد منظمة ولا منضبطة بالتالي، وليس الرغبات الطبيعية الخالصة طبعاً. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 71314 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() الخطايا غير مقتصرة بأي حالٍ على طبيعة الإنسان الحسية والجسدية فقط. فالخطايا هي من خصائص الإنسان الروحية الأثيمة أيضاً. وليست الشهوة الجسدية هي الرغبة الطبيعية الوحيدة، بل هي واحدة بين كثيرات. حتى هذه الشهوة ليست أثيمةً في ذاتها، لأنها أُعطيت للإنسان عند خلقه. وهي ليست الشهوة الوحيدة التي أفسدتها الخطية، لأن جميع الرغبات، الطبيعية والروحية، صارت وحشية وغير منضبطة من جراء الخطية. وبذلك مُسِخت الرغبات الصالحة في الإنسان فصارت رغبات شريرة. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 71315 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() فإذا دُعي الفساد الأدبي في الإنسان رغبة أو شهوةً، بهذا المعنى، فإن طبيعته الأثيمة وذنبه مؤكدان طبعاً. عن هذه الشهوة تنهي بصراحة وصيةٌ خاصة من الوصايا العشر (خروج 20: 17). ويقول بولس في هذا المجال ما يُختصَر بعبارة: إنه لم يعرف الخطية لو لم يقل الناموس لا تشته (رومية 7: 7). فلما أصبح بولس يعرف نفسه، وقاس لا أعماله فقط بل ميوله ورغباته أيضاً، بمعيار ناموس الله، تبين له أن هذه الأخيرة أيضاً فاسدة وغير طاهرة وهي تشدُّه نحو المحرَّم. وعند بولس أن ناموس الله هو المصدر لمعرفة الخطية والمعيار الوحيد لقياسها. فليس في وسع المرء أن يصل إلى معرفة الخطية حقَّ المعرفة عن طريق التمني أو التصوُّر، بل فقط بواسطة ناموس الله الذي يحدد كيف وماذا ينبغي أن يكون الإنسان أمام وجه الله، في سيرته وسريرته معاً، وفي الجسد والروح، والقول والفعل، والفكر والميل. فإذا ما قيست طبيعة الإنسان بموجب محك الناموس الإلهي، لا يمكن أن يكون أيُّ شك في كونها فاسدة وفي كون شهوته أثيمة. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 71316 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() الإنسان لا يفكر ويتصرَّف فقط على نحوٍ خاطئ، بل إنه هو خاطئ منذ الحبَل به. ثم أن الاعتقاد بأن الرغبة في حد ذاتها ليست خاطئة بل تصير هكذا من خلال الإرادة فقط، لهو موقف يتعذر الدفاع عنه عقلياً أيضاً.فوقوف مثل هذا الموقف هو اعتناقٌ للفكرة اللا منطقية القائلة بأن إرادة الإنسان حيادية وخارجية بالنسبة إلى الرغبة، وأنها بحد ذاتها لم تفسد من جراء الخطية، ولذلك تقرر بحرية هل تسترسل في تحقيق الرغبة أو لا. صحيح أن الاختبار يؤكد لنا انه من الممكن لشخص ما في عدة حالات، وعلى أساس اعتبارات شتى، كالعرف ومراعاة احترام المجتمع له وما شابه، أن يتغلب على رغبته الأثيمة بواسطة عقله وإرادته، فيحول دون تحقيق تلك الرغبة بشكل أفعالٍ أثيمة. حتى الإنسان الطبيعي أيضاً ما يزال يختبر صراعاً بين النزعة والواجب، والرغبة والضمير، والشهوة والعقل. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 71317 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() حتى الإنسان الطبيعي أيضاً ما يزال يختبر صراعاً بين النزعة والواجب، والرغبة والضمير، والشهوة والعقل. غير أن هذا الصراع يختلف من حيث المبدأ عن الصراع الذي يستمرُّ في الإنسان المولود ثانيةً بين الجسد والروح، بين الإنسان القديم والإنسان الجديد. ذلك أنه صراعٌ موجهٌ من الخارج لكبح جماح الشهوة، لكنه لا يغزو حصن القلب الداخلي، ولا يهاجم الشر في جذوره.و عليه، فهو صراعٌ قد يساهم في كبح الشهوة الشريرة ووضع حدود لها، إلا أنه لا يقوى على تطهيره داخلياً ولا على تجديد الإنسان. فإن الصفة الأثيمة الخاصة التي تتميز بها الشهوة لا تتغير البتة من جراء ذلك. وليس هذا كل ما في الأمر. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 71318 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() حتى لو استطاع العقل والإرادة أحياناً أن يكبحا جماح الرغبة والشهوة، فإن العقل والإرادة غالباً ما يُقْمَعَان ويُستعبَدان لخدمة الشهوة. إنهما لا يقفان ضدها في المبدأ، بل بطبيعتهما يُسَران بها، فيرعيانها ويعززانها، ويزكيانها. وليس بنادرٍ أن يسمحا بأن تجرفهما الشهوة إلى حدٍّ يحرم الإنسان كلَّ استقلالٍ ويُحيله عبداً لأهوائه. فالأفكار الشريرة والرغبات الشريرة تنبع من قلب الإنسان ثم تتقدم فتغشي الفهم بالظلام وتلوِّث الإرادة. ذلك أن القلب من الدهاء بحيث يستطيع أن يخدع حتى الرأس الفهيم. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 71319 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() إن هاتين المحاولتين لتفسير شمولية الإثم للجنس البشري كله تصلان في نهاية المطاف إلى هذه الحصيلة الواحدة: أنهما تبحثان عن علة ذلك في سقوط كلِّ إنسانٍ بمفرده. فحسب البيلاجيوسية، يسقط كلُّ إنسان بالاستقلال عن غيره، وهو يفعل ذلك إذ يختار حراً أن يقتدي بقدوة الآخرين السيئة. وبحسب شبه البيلاجيوسية، يسقط كلُّ إنسانٍ لوحده لأنه باختياره الشخصي يُدخِل الرغبة الموروثة، لكن غير الخاطئة، إلى حيِّز إرادته ويحيلها فعلاً خاطئاً. فكلتا النظريتين لا تُنصف الحقائق الخُلُقية المؤكدة في ضمير كل إنسان، وكلتاهما لا تفسر كيف يُمكن لطبيعة الإثم الشاملة التي تعمُّ الجنس البشري كلَّه أن تنشأ من ملايين الملايين من القرارات التي تتخذها الإرادة البشرية. بيد أن هاتين النظريتين قد اكتسبتا في الزمن الحديث مؤيدين عديدين، وإن كانتا قد اتخذتا شكلاً جديداً ومختلفاً. وقد كان فيما مضى قومٌ يقولون بوجود سابقٍ للإنسان. غير أن للتأثيرات البوذية أعطت هذا المعتقد قوة دافعة كبيرة في السنين الأخيرة. فيفترض أن الإنسان عاش منذ الأزل، أو على الأقل قروناً قبل ظهوره على الأرض؛ وإلا ؛ وهنا يطالعنا شكلٌ من النظرية أكثر اتصافاً بالفلسفة - فيجب تمييز حياة الإنسان الحسية على الأرض عن ذلك الشكل السابق لوجوده القديم الذي يُمكن إدراكه جيداً وإن كان مستعصياً على التصور. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 71320 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() شمولية الإثم للجنس البشري كله تصلان في نهاية المطاف إلى هذه الفكرة يُضاف بُعد أن الناس، في وجودهم السابق هذا الفعلي أو المتصور، سقطوا جميعاً، كلُّ واحد منهم بمفرده، وأنهم عقاباً على ذلك يجب أن يعيشوا هنا على هذه الأرض في هذه الأجساد المادية الكثيفة. وبذلك يُعدِّون أنفسهم لحياةٍ أخرى فيما بعد ينالون في أثنائها مكافآت بحسب أعمالهم. وعلى ذلك، يوجد فقط ناموسٌ واحد تخضع له الحياة البشرية، قبل الحياة على الأرض وفي أثنائها وبعدها، ألا وهو ناموس المجازاة: فكلُّ إنسانٍ نال،وينال وسينال، ما اكتسبه بأعماله - كلٌّ يحصد ما زرع. |
||||