منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 16 - 01 - 2015, 02:55 PM   رقم المشاركة : ( 7111 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,078

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

آحاز


(2 مل 16، 2 أخ 28، إش 7-12)
الملك الذي أحرق أبناءه أحياء
كثيرًا ما نسمع العبارة التي تقول «لا يهم ما يؤمن به الإنسان، طالما انه يؤمن بشيء ما». ولكن ياله من قول غير منطقي، وحيث أن العقيدة تؤثر في السلوك، فمن الأهمية بمكان أن نؤمن بالعقيدة الصحيحة، لأن العقيدة تشكِّل الشخصية. إن آحاز الذي عُيِّن ملكًا بنعمة الله، لم يعبد إله السماء، كما كان يجب أن يفعل كيهودي، بل عبد مولك، إله عمّون، الذي بني له سليمان معبدًا.
كان وادي ابن هنوم البقعة التي كانت تشهد طقوسًا وحشية تكريمًا للأله الوهمي الذي دعاه جون ملتون «مولك، الملك القاسي، الملطخ بالدماء» في وادي ابن هنوم كانت العادة المخيفة لحرق الأطفال أحياء تنفَّذ هناك، وكان يبدو أن آحاز ملك يهودي يقدم مثل هذه الذبيحة المرعبة «أحرق بنيه بالنار» يقول (اليكوت) تعليقاً على هذه الذبيحة الإنسانية «إنه، بلا شك، كان يعتبر ذلك الملاذ اليائس ضد الظلم الذي عانى منه من قبل أعدائه في الشمال ... فمثل هذه الذبائح المرعبة كانت تقدم فقط في حالات الضرورة القصوى». إن ملك موآب قدم ابنه محرقة (2 مل 3: 27). وفي أوقات الكارثة القومية الحالكة السواد، كان العبرانيون، مثل جيرانهم، مدفوعين كرهًا لطلب العون بممارسة نفس هذه الطقوس المرعبة (انظر منسى، 2 أخ 33: 6، وايضًا مز 106: 37 – 39).
لا شك أن آحاز شعر أن مثل هذه الذبيحة البشرية يمكن أن تخفِّف من غضب الإله الذي ينوي تدميره، ولو كانت كل ثقته في إله النعمة والرحمة، لاختلف سلوكه تمامًا، ولكان الأثر الذي تركه كملك، تأثيرًا صحيًا وليس شريرًا.
اعتلى يوثام بن آحاز العرش في سن العشرين أو نحو ذلك، وملك لمدة 16 سنة. وقد اشتهر بأنه كان أشر ملوك يهوذا وأكثرهم وثنية، ويطلق عليه أيضا اسم يهوآحاز.
وإذ كان شابًا وذا إرادة قوية، فقد قصد أن يبيًِن كيف أنه لا يتأثر بنفوذ والديه. وهكذا، ففي بداية حكمه، أراد أن يُعرف عنه، أنه مقاوم تمامًا للتقاليد الدينية لأمته، ولذا فقد ابتدأ بصنع وتوزيع مسبوكات لتماثيل الإله الكنعاني وإحياء العبادة المكروهة لملوك.
وبإغلاقه للهيكل وتوقف العبادات التي رتبها الله، وإقامة المعابد الوثنية، يكون آحاز قد بدأ يحكم بطريقة تؤدي لوقوع الكارثة. كان عزو رصين ملك دمشق، وفقح ملك السامرة، يعني كارثة خطيرة على مملكة يهوذا، وفي نفس الوقت لم تنجح مؤامرة الاطاحة بآحاز، وبالرغم من أن تقدم الملكين كان بلا نجاح، إلا أن اليهود قد أجبروا على الانسحاب من إيله على البحر الأحمر (2 مل 16: 6).
يقول السجل المقدس إن 120,000 رجل من يهوذا قد قتلوا، وأن 200,000 أخذوا أسرى على يد فقح. فلا عجب أن قلب آحاز وقلوب شعبه رجفت كرجفان شجر الوعر قدام الريح (إش 7: 2)! لجأ آحاز في وقت شدته إلى ملك إسرائيل طلبًا للمعونة، وليس إلى الله كما فعل ابنه حزقيا عندما هدده سنحاريب.
واجه إشعياء النبي ذلك الملك الشرير المستهتر مرتين، وهو يقدم له رسائل صادقة. ولكنها قوبلت بالاحتقار. كان آحاز يبحث عن العون من أشور وليس من السماء. قيل عن ملك أشور أنه «سمع له (لآحاز)»، ولكننا نقرأ أيضا أنه ّ«ضايقه ولم يشددّهّ»(2 مل 16: 9، 2 أخ 28: 20). وكلا هاتين العبارتين المتناقضتين صحيحتان.
إن ملك أشور ساعد آحاز فعلا، فقد أخذ دمشق وخلّص آحاز من قوة السوريين. ولكن هذه الخدمة كانت ذات فائدة قليلة، لأن ملك أشور لم يساعد آحاز ضد الأدوميين أو الفلسطينيين، وضايقه بأخذ الخزائن الملكية وكنوز الهيكل، ولم يقدم له سوى خدمة ضئيلة مقابل هذه التضحية العظيمة.
يقول الأسقف هورن: «إن التناقض الظاهري يمكن توضيحه بما حدث في بريطانيا. فالبريطانيون دعوا الساكسونيين لمساعدتهم ضد الاسكتلنديين والبكتيين، وبناء على ذلك جاء الساكسونيين وساعدوهم لبعض الوقت، ولكن في النهاية جعلوا أنفسهم سادة البلاد».
إن التحالف مع تغلث فلاسر زاد من متاعب آحاز، وجعل مملكته أقرب ما تكون الى الانهيار، ولو أنه اتبع نصيحة إشعياء، لحدث الصدام بين الأعداء، واستعادت يهوذا حريتها. كانت المأساة تتمثل في أنه كلما اشتدت الوطأة على آحاز، ازدادت خطيته. «وفي ضيقه زادت خيانته للرب».
كانت ممارسات آخاب التي تتفق مع طبيعته وهي في نفس الوقت، ممارسات شريرة، تتضمن عمل مزولة، وإقامة مذبح دمشق، وهو مذبح وثني ذو نمط غريب، كانت تقدّم عليه الذبائح. إن الشرور الأخرى وأعمال الارتداد التي انغمس فيها، جلبت عقابًا مستحقًا ، وأشعل عداوات أخرى من الأعداء المجاورين، وهكذا فبعد 16 سنة من إساءة استخدام آحاز للقوة، مات غير مأسوف عليه، وفي حين أن جسده دُفن في اورشليم، إلا أنه لم يكن من الملائم أن يُدفن في المقابر الملكية.
ولكن حقيقة أن النعمة تسود على الشر، يتضح في حقيقة أن آحاز يظهر في سلسلة نسب يسوع (مت 1: 9).
ومن المستحسن أن نختتم تأملاتنا في آحاز بالموجز الذي يقدمه الأسقف رولنسون:
«ترك آحاز خلفه سمعة بأنه من بين أردأ الملوك، إن لم يكن بالفعل أردأهم على الاطلاق من كل رؤساء بيت داود. لم تكن لديه الشجاعة ولا الوطنية ولا الطاقة ولا الفطنة ولا التقوى ولا حتى أي اعتبار لتقاليد بيته وأمته. حذره إشعياء دون جدوى، ووبخه وقدم له آيات، وهدده، وحثَّه أن يعتمد على الرب، ولكنه اتبع طريقه بعناد، وطلب العون من كل اتجاه سوى من الاتجاه الصحيح، ووضع ثقته في أسلحة الجسد، أو في آلهة الأمم، ولم يأبه لكونه قد سبب الهوان لبلده، وحط من قدر سلالته النبيلة، وأصر على فعل الشر، بل عصى أكثر وأكثر حتى قطعه الله من أرض الأحياء في ربيع حياته».
ولمثل ملك شرير كآحاز، قدم إشعياء النبوة عن مجيء عمانوئيل (إش 7: 14)، الشخص الذي يطهر أكثر الخطاة.
 
قديم 16 - 01 - 2015, 02:58 PM   رقم المشاركة : ( 7112 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,078

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

يوحنا الرسول

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
وهو الصيغة اليونانية لاسم "يوحانان" أو يهوحانان" فى العبرية. ومعناه".. حنان". وهذا الأسم لم يعرف فقط للرسول يوحنا فقط بل عرف وذكر هذا الاسم لعدة شخصيات منها اسم خمسة رجال فى سفرى المكابيين الاول والثانى، وخمسة رجال فى أسفار العهد الجديد.
الرسول يوحنا:
(i) هو يوحنا بن زندى الذى كان صياداً فى بحر الجليل (مرقس 1: 20.19، لو 5: 10) وأمة سألومة (مت 27: 56 مع مرقس 15: 40)، ولا نعلم شيئا عن خلفية أبيه زبدى الدينية أو عن علاقته بأحداث الانجيل، أما "سالومة" أمه فقد كانت إحدى النساء اللواتى تبعن الرب يسوع حتى إلى الجلجثة.
(ii) حياته المبكرة: الأرجح أن يوحنا كان أصغر من أخيه يعقوب (مث 4: 21). ويبدو أن يوحنا كان من عائلة ميسورة الحال. وذلك لأن زبدى أباه كان لديه أجرى (مرقس 1: 20)، كما أن أمه سالومة كانت إحدى النساء اللواتى كن يخدمن الرب يسوع من أموالهم (لو 8: 3)، وكان ليوحنا بيت خاص فى أورشليم (يو 19: 27)، كما أنه كان معروفاً عند رئيس الكهنة (يو 18: 15). ويبدو أن وقد منع يوحنا واحداً كان يخرج الشياطين باسم الرب يسوع" لأنه لم يكن يتبع الرب يسوع معهم، فقال له الرب: "لا تمنعوه لأن من ليس علينا فهو معنا" (لو 9: 50.49). وقد طلب يوحنا وأخوه يعقوب من الرب أن يدعمها يقولان "أن تنزل نار من السماء لتفنى قرية للسامرين لأنهم لم يقبلوا دخول السعيد إليهم (لو 9: 54) كما طلب يعقوب ويوحنا وأمهما من الرب يسوع أن يعطيهما أن يجلس أحدهما فى يمينه، والآخر على يساره فى ملكوته (مت 20: 20-28، مرقس 10: 35-445). كما كان يوحنا ويعقوب وبطرس وأندرواس مع الرب يسوع على جبل الزيتون- على انفراد- عندما تكلم عن تدمير الهيكل، وسألوه متى يكون ذلك؟ (مرقس 13: 1-4). كما أن الرب أرسل "بطرس ويوحنا" ليعدا لفصح له وللتلاميذ (لو 22: 8). وكان يوحنا متكئا فى حضن الرب يسوع عندما قال لهم" إن واحداً منكم سيسلمنى، فأومأ إليه سمعان بطرس أن يسأل من عسى أن يكون الذى قال عنه" (يو 13: 21- 25).
وقد أخذ الرب معه "بطرس ويعقوب ويوحنا إلى بستان جثمانى، ورأوه وهو "يدهش ويكتب. فقال لهم: نفسى خزينة جداً حتى الموت" (مرقص 14: 33.32).
وعندما قبض على الرب يسوع وأخذوه إلى المحاكمة، تبعه يوحنا وبطرس، ودخل يوحنا مع الرب يسوع إلى دار رئيس الكهنة. إذ كان يوحنا معروفاً عنده. واستطاع يوحنا أن يُدخل بطرس معه (يو 18: 15, 16). وكان يوحنا التلميذ الوحيد الذى وقف عند الصليب إذ تركه الآخرون وهربوا. وقد عهد الرب إليه بأمه قائلاً له: "هوذا أمك. ومن تلك الساعة أخذها التلميذ إلى خاصته" (يو 19: 25-27). ويبدو من المقارنة بين مت 27: 56، ومرقس 15: 40 مع يو 19: 25، أن سالومه أم ابنى زبدى كانت أخت مريم أم يسوع (أى أن العذراء مريم أم يسوع كانت خاله يوحنا، فهى لم تكن غريبة عنه).
(iv) زمالته لبطرس : رغم من حدث من انكار بطرس للرب، إلا أن يوحنا لم يقطع صلته به، بل ظل مرافقاً له، فقد جاءت إليها مريم المجدلية- فى صباح يوم القيامة، وقالت لهما: أخذوا السيد من القبر ولستا نعلم أين وضعوه". فخرج بطرس ويوحنا وأيتا إلى القبر راقعتين، وسبق يوحنا بطرس، وجاء أولاً أولا إلى القبر، فانحنى ونظر الأكفان موضوعة، ولكنه لم يدخل. ثم جاء سمعان بطرس يتبعه ودخل القبر ونظر الأكفان موضوعة، ورأى "المنديل الذى كان على رأسه ليس موضوعاً مع الأكفان، بل ملفوفاً فى موضع وحده، فحينئذ دخل أياضً التلميذ الآخر الذى جاء أولا إلى القبر، فرأى وآمن" (يو 20: 1-8). وقد ظلا على الأقل ثمانية أيام فى اورشليم (يو 20: 26)، عادوا بعدها إلى بحر الجليل، إلى مهنتهما، صيد السمك (يو 21: 1). وعندما ظهر لهم الرب عند بحر طبرية، كان يوحنا هو أول من أدرك أنه الرب المقام، وفى الحال ألقى بطرس بنفسه فى البحر ليصل إلى الرب (يو 21: 4-7). وقد أبدى بطرس اهتمامه بيوحنا بسؤاله للرب: وهذا ماله؟".؟
(v) يوحنا فى سفر أعمال الرسل: نجد الارتباطين بطرس ويوحنا مستمراً، فكلاهما شاهدا صعود الرب إلى المجدن وكلاهما اشتركا فى اختيار قياس ليحل محل يهوذا الاكزيوطى، وكلاهما كانا مع سائر التلاميذ عند حلول الروح القدس يوم الخمسين. ونراهما كليهما يصعدان معاً إلى الهيكل فى ساعة الصلاة التاسعة (أ ع 3: 1) وكلاهما وُضعا فى حبس للحقيق معهما لمنادتهما للشعب فى يسوع بالقيامة من الأموات" بعد شفاء الرجل الأعرج من بطن أمه عند باب الهيكل. ثم أمرهما رؤساء الكهنة والكتبة والشيوخ" ألا لا ينطقا البتة ولا يعلما باسم يسوع" ولكنهما أجابهم بالقول: "نحن لا يمكننا أن لا نتكلم بما رأينا وسمعنا". وأخيراً أطلقوهما (أع 4: 1-22).
ولا شك فى أن يوحنا كان مع الرسل عندما القى رئيس الكهنة ومن معه، القبض عليهم ووضعوهم فى حبس العامة، ولكن ملاك الرب فى الليل فتح أبواب السجن وأخرجهم، وقال: أذهبوا قفوا ولكموا الشعب فى الهيكل بجميع كلام هذه الحياة (أع 5ك 12-23).
وقد بقى يوحنا مع الرسل فى أورشليم رغم الاضطهاد العظيم الذى وقع على الكنيسة فى أورشليم.
ولما سمع الرسل الذين فى أورشليم بما عمله فيلبس فى السامرة، وكيف قبلت كلمة الله، أرسلوا إليهم بطرس ويوحنا (أع 8: 1و 14-17).
فى سفرى المكابيين الأول والثانى :
(1) يوحنان بن سمعان، وأبو متيا (1 مك 2 : 1).. وكان لميتا خمسة أبناء منهم يهوذا المكابى، ويمكن الرجوع إليه فى مادة يهوذا، ومادة سمعان فى موضعها من دائرة المعارف الكتابية).
(2) يوحنا المطلب "تكديس" وهو أكبر أبناء ميتا، وحفيد يوحنا المذكور آنفا. وقد اسره بنو يرى فى ميديا (1 مل 95: 36.35).
(3) يوحنا بن أكوس، وابو "أوبوطس" أجد اللذين اختراهما يهوذا المكابى، وأرسلهما إلى روميه ليقصدا مع الرومانيين عهد الموالدة والمناصرة (أمل 8: 17).
(4) يوحنا الملقب "هوكانس". وهو ابن سمعان المكابى ابن متيا، وقد عينه أبوه سمعان قائداص على جميع الجيوش (1 مك 13: 53, 54). وقد انتصر انتصاراً ساحقاً على كندباوس قائداً لملك انطيكوس، رغم ضخامة الجيوش التى كانت مع كندباوس (1مك 16: 5- 24). وقد تزوج ابنه الكاهن العظيم، ثم تولى هوا أيضاً رئاسة الكهنوت، فجمع بين الرياستين الحربية والدينية (135- 105 ق.م). وبعد موت الملك انطيوكس، استطاع يوحنا توسيع مملكته فاحتل السامرة وأدوم، وجدد تحالفه مع الرومان.
(5) يوحنا الذى أرسله يهوذا المكابى مع آخر اسمه أبشالوم إلى ليساس وكيل الملك لعقد معاهدة سلام (2مل 11: 17)؟
ويوحنا فى أسفار العهد الجديد :
(i) يوحنا الممدان : وهو يوحنا بن زكريا الكاهن، وقد ظهر ليمهد الطريق أمام الرب يسوع، كما تبنأ عن ذلك أشعياء البنى (40: 3، مت 3: 3) وكذلك تنبأ عنه ملاخى البنى (3: 1). (أ) وكان يوحنا المعمدان من العائلة الكهنوتية، فعد كان أبوه زكريا كاهنا من فرقة أبيا، وكانت أمه اليصابات من نبات هرون (لو 1: 5). وكان زكريا واليصابات متقدمين فى الأيام دون أن يكون لهما ولد. وكان كلاهما باين أمام الله". وبيما كان زكريا "يمكن فى نوبه فرقته أمام الله ودخل إلى الهيل ليبخر، "ظهر له ملاك الرب واقفاً عن يمين مذبح البخور، فلما رآه زكريا، اضطرب ووقع عليه خوف. فقال له الملاك: لا تخف يازكريا لأن طلبتك قد سمعت، وامرأتك اليصابات ستلد لك ابنا وتسميه يوحنا" (لو 1: 5- 13). فلم يصدق زكريا أن يكون له ذلك، فقال له الملا: "ها أنت تكون صامتا ولا تقدر أن تتكلم إلى اليوم الذى يكون فيه هذا" (لو 18-22). وقد وُلد يوحنا المعمدان فى جبال اليهودية قبل مولد الرب يسوع بستة أشهر (ربما فى 5 ق.م).
(ii) بداية خدمته: فى السنة الخامسة عشرة من سلطنة طيباريوس قيصر (أى فى نحو 25م.) بدأ يوحنا "يركز بمعمودية التوبة لمغرفة الخطايا".فتقاطر إليه الناس من أورشليك وكل اليهودية وجميع الكورة المحيطة بالأردن"، بسبب ما عرفوه عن معجزة مولده وحياة التقشف التى عاشها، وتوقعات الشعب لاقتراب ظهور شخصية عظيمة تحقيقاً للنبوات (إش 40: 3-5، ملا 3: 1، 4: 6.5، مت 3: 3، لو 7: 27) فإننا نقرأ أن يوحنا لم يفعل آية واحدة" (يو 10: 41). فنادى يوحنا لتلك الجموع قائلاً: توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السموات" (مت 3: 2-5).
(iii) تقابله مع المسيح: جاء إليه الرب يسوع ليعتمد منه، فأبى يوحنا أولا، فقال له الرب يسوع: "لأنه هكذا يليق بنا أن نكمل كل بر" (مت 3: 15). حينئذ عمده، "وإذا السموات قد انفتحت له فرأى روح الله نازلاً مثل حمامة وآتيا عليه، وصوت من السموات قائلاً: "هذا هو ابنى الحبيب الذى به سررت" (مت 3: 17.16). وشهد يوحنا قائلاً: "إنى لم أكن أعرفه لكن لُيظهر لإسرائيل، لذلك حيث أعمد بالماء.. إنى قد رأيت الروح نازلاً مثل حمامة من السماء، فاستقر عليه وأنا لم أكن أعرفه، لكن الذى أرسلنى لأعمد بالماء ذاك قال لى الذى ترى الروح نازلاً ومستقراً عليه، فهذا هو الذى يعمد بالروح القدس، وأنا قد رأيت وشهدت أن هذا هو ابن الله" (يو 1: 31- 34).
(iv) خدمته التالية: بمعمودية الرب يسوع، انتهت خدمة يوحنا المعمران الأساسية، فقد جاء الملك الذى أتى يوحنا ليعد له الطريق. ولكن يوحنا وتلاميذه واصلوا خدمتهم فى تعميد من يأتون إليهم، حتى بعد أن بدأ الرب يسوع خدمته (لو 3: 23، 4: 1). وقد علَّم يوحنا تلاميذه أن يصدموا (هت 9: 14، لوه : 33)، وأن يصلوا (لو 11: 1، وواصل شهادته للرب يسوع قائلاً عنه: هو ذا حمل الله الذى يرفع خطيه العالم" (يو 1 : 36.29)، حتى إن اثنين من تلاميذه تركاه، وتبعاً يسوع (يو 1 : 35-40).
(v) سجنه واستشهاده: بعد ذلك تقليل، بلغت خدمته غايتها، إذ كان هيروس انتيباس قد أخذ هيروديا، امرأة أخيه فيلبس، فونجه يوحنا لأجل ذلك ولأجل جميع الشرور التى كان هيرودس يفعلها، مما جعل هيرودس يلقبه فى السجن فى قلعة "ماخروس" على الساحل الشرقى للبحر الميت. وأرسل يوحنا- وهو فى السجن- اثنين من تلاميذه ليسأله: "أنت هو الآتى، أم ننتظر أخر؟ (مت 10: 32، لو 7: 19-23).
وكان هذا- بلا شك- ليجعل تلميذه يريان يسوع ويؤمنا به، فقد الرب يسوع نفسه، عن يوحنا قائلاً: "الحق أقول لكم: لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان" (مت 11: 11، لو 7: 28).
وقد خنقت عليه هيروديا، وعرفت على التخلص منه، ولكنها لم تقدر" لأسهيرودس كان يهاب يوحنا عالما أنه رجل باروقديس" (مرقس 6: 20.19)، كما أنه خاف من الشعب" (مت 5014). ولكن وانتها الفرصة أخيراص، عندما صنع هيرودس فى عيد ميلاده، وليمه كبيرة، ورقصت ابنه هيروديا رقصا سرت به هيرودس والمتكئين معهن فقال لها: مهما أردت، اطلبى فاعطيك.. حتى نصف مملكتى" فلما استشارت أمها، طلبت من الملك" أن تعطى حالا رأس يوحنا المعمدان على طبق". فحزن الملك، ولكنه لم يستطع أن يتراجع عن وعده، فأمر أن يؤتى برأس سوحنا، فقطعوا راس يوحنا وقدموها للصبية على طبيعة كطلبها. فأعطته لامها. ولما سمع تلاميذه، جاءوا ورفعوا جثته، ووضعوها فى قبر، ثم اتوا وأخبروا الرب يسوع (مت 14: 3-12، مرقس 6: 17-29).
(vi) شخصيته: كان يوحنا المعمدان يتصف بالجرأة، فهو إيليا الثانى وكانت حياته تتميز بنكران الذات والتواضع والشجاعة المقدسة. وكان شديد التقشف، حتى قالوا عنه: "إن به شيطان" (مت 11: 18). وفى تواضعه، استنكر كل ما أرادوا أن يخلعوه عليه من كرامة، وأعلن أنه مجرد "صوت صارخ"، يدعو الناس ليستعدوا لاستقبال الآتى بعده، الذى قال عنه: "لست أهلاً أن أنجى وأحل سيور حذائه" (مر 1: 6، لو 3: 16).
وعندما جاء المسيح، شجع يوحنا تلاميذه على الارتباط به، ضارباً مثلاً قوياً فى نكران الذات، إذ قال : "ينبغى أن ذلك يزيد وأنى أنا أنقص (يو 3: 30): وفى سبيل قول الحق دون مواربة، عرض نفسه للسجن ثم القتل.
(2) يوحنا الرسول: وهو ابن زبدى وأحد التلاميذ الاثنى عشر، وكان أبوه صياداً للسمك فى بحر الجليل (مر 1: 20.19) لوه : 10). وكانت أمه سالومة (مت 27: 56، مرقس 15: 40).(كما ذكر في المقدمة)
(3) يوحنا مرقس: وقد ورد ذكره عشر مرات فى العهد الجديد، وكان ابن أخت برنابا (كو 4: 10)، وهو مرقس البشير وكاتب انجيل مرقس .
(4) يوحنا أحد أفراد عشيرة رؤساء الكهنة، وكان أحد الذين جلسا مع حنان رئيس الكهنة وقيافا لمحاكمة الرسولين بطرس ويوحنا بعد شفائهما للرجل الأعرج من بطن أمه، وكرازتهما بالإنجيل فى الهيكل (أع 4: 6). ويقول عنه ليفوت إنه هو يوحانان بن زكاى الذى عاش فى أورشليم قبل تدمير الهيكل بأربعين سنة واصبح رئيساً للمجمع بعد انتقاله إلى "يمنة"، وكان معروفاً عند الكتاب اليهود باسم يوحنا الكاهن".
(5) يوحنا أو "يونا"، أبو الرسولين بطرس وأندراوس .
 
قديم 16 - 01 - 2015, 03:00 PM   رقم المشاركة : ( 7113 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,078

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

شدرخ وميشخ وعبد نغو . الفتيان الثلاثة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
مقدمة
لست أعلم لماذا يطلق الناس عليهم على الدوام الثلاثة فتية ؟ ... من الحق أنهم وصلوا إلى بابل ، وهم فتيان صغار فى طراوة العمر وربيع الحياة ، لكن من المؤكد أنهم تقدموا مع الزمن ، وتجاوزوا - على الأغلب - الخامسة والثلاثين ، عندما واجهوا امتحانهم الأعظم أمام أتون نبوخذ ناصر ، ولقد وصفوا فى القصة سبع مرات بأنهم « رجال » ... ومع ذلك فأنت لا تكاد تذكرهم رجالاً أو شيوخاً ، بل هم فى ذهنك مع الدوام الفتيان الثلاثة هل توقف الزمن هنا ليمنحهم شباباً خالداً لا يمكن أن ينال منه الضعف أو الوهن أو العجز بأية صورة من الصور !!؟ فى الحقيقة ، إن الشباب روح قبل أن يكون جسداً ، وما أكثر الذين يعيشون فى جسد الشباب وهم شيوخ ، … وما أكثر الشيوخ الذين يحملون روح الشباب مهما امتدت بهم الحياة أو ناء ما تحت الوهن أو الضعف الجسدى !! … والثلاثة الفتية كانت أسماؤهم العبرية مرتبطة باللّه – فحنانيا يعنى « اللّه حنان » ، وميشائيل يعنى « من مثل اللّه !!؟ .. » وعزريا « اللّه يعين». وحاول السبى أن ينسيهم هذا الارتباط بتغيير أسمائهم ، وإضافة آلهة الكلدانيين إلى أسمائهم الجديدة ، فأخذ حنانيا اســـــــم « شدوخ » أو « أمر آخ » وآخ كان معبود القمر عند البابليين أو كما ندعوه الآن « سدراك » وميشائيل أضحى « ميشخ » أو تحول : « من مثل اللّه » إلى « من مثل آخ » وهو عندنا الآن ميخائيل ، والثالث وكان اسمه « عزريا » وقد أعطى « عبد نغو » وعبد نغو معبود العلم عند البابليين،... على أن هذا التغيير فى الأسماء ، لم يغير نبضة واحدة من نبضات قلوبهم التى تنبض باسم إلههم الواحد القديم ، وبارتباطهم به فى الحياة أو الموت على حد سواء!! .. ولقد اكتسب هولاء الرجال شبابهم الخالد ، فى قصة التاريخ ، وها نحن نتابعهم اليوم فيما يلى :
الثلاثة الفتية وسبب ظهورهم
لسنا بحاجة إلى تكرار ما أشرنا إليه فى الحديث عن دانيال - ونحن نتحدث عن شخصيته - إذ أنه الفتى الأول إلى جانب هؤلاء الثلاثة فى المسرحية التى ظهرت على أرض بابل عندما سار هذا الفوج الأول من المسبيين إلى السبى ، وعلى الأغلب ما بين عامى 605 و 604 ق.م. ، وكان الغلمان الأربعة فى سن واحدة قدرها البعض بخمسة عشر عاماً ، وقدرها آخرون بسبعة عشر عاماً ، فإذا كان الأمر كذلك ، وعلى ما تتجه إليه الترجمة السبعينية ، أن أتون النار حدث فى العام الثامن عشر من حكم نبوخذ ناصر عندما صنع الملك البابلى تمثال الذهب تخليداً لانتصاراته العظيمة ، وتمجيداً لآلهته « بيل » ، فإن الفتيان الثلاثة يكونون قد واجهوا التجربة بعد سماعهم بخراب أورشليم ومجئ الفوج الكبير اللاحق لهذا الخراب من المسبيين أى حوالى عام 685 ق.م. ، أو بعد الخامسة والثلاثين من أعمارهم ، فى سن الرجولة الواعية الكاملة ، وقد أخذ إلى السبى الملكان يهوياكين وصدقيا ، وكان إرميا فى أورشليم ، ودانيال فى بابل ، ويبدو أنه كان غائباً فى مهمة ما عن المدينة !! ..
ولعله من اللازم أن نشير إلى أن إرميا كان قد تنبأ بأن مدة السبى ستكون سبعين عاماً ، وقد حذر الشعب من الإصغاء إلى الأنبياء العرافين المدعين كذباً الذين دأبوا على خداعهم بأن اللّه سيرجعهم سريعاً إلى بلادهم ، وطلب إليهم أن يبنوا بيوتاً ويغرسوا جنات ، ويتزوجوا ، ويصلوا لأجل البلاد التى هم فيها لأن وقتاً متسعاً لهذه كلها ، لابد أن ينقضى قبل رجوعهم .. كان الكثيرون من المسبيين ينظرون إلى السبى كشر مطلق سمح به اللّه الذى تركهم ونسيهم ، ولكن الحقيقة كانت على عكس ذلك ، إذ أنه سباهم لأنه يفكر فيهم ويحبهم ويقصد لهم آخرة فياضة بالسلام والرجاء : « لأنه هكذا قال الرب . إنى عند تمام سبعين سنة لبابل أتعهدكم وأقيم لكم كلامى الصالح بردكم إلى هذا الموضوع لأنى عرفت الأفكار التى أنا مفتكر بها عنكم يقول الرب ، أفكار سلام لا شر لأعطيكم آخرة ورجاء ، فتدعوننى وتذهبون وتصلون إليّ فأسمع لكم. وتطلبوننى فتجدوننى إذ تطلبوننى بكل قلبكم ، فأوجد لكم يقول الرب وأرد سبيكم وأجمعكم من كل الأمم ومن كل المواضع التى طردتكم إليها يقول الرب ، وأردكم إلى الموضع الذى سبيتكـم منـه » " إر 29 : 10 - 14 " .
على أنه من الواجب مع ذلك ، أن نتعرف على حياة المسبيين وشعورهم العميق فى السبى ، ولسنا نظن أن هناك مزموراً حزيناً يضارع فى حزنه ، المزمور المائة والسابع والثلاثين ، ومع أن كاتبه مجهول ( ويعتقد البعض أنه من سبط لاوى ) .. ومع أننا لا نستطيع أن نقبل بحال ما روح العنف والقسوة التى كانت سمة العهد القديم فى الانتقام ، والتى جاءت فى ختام المزمور :
«أذكر يارب لبنى أدوم يوم أورشليم القائلين هدوا هدوا حتى إلى أساسها يابنت بابل المخربة طوبى لمن يجازيك جزاءك الذى جازيتنا طوبى لمن يمسك أطفالك ويضرب بهم الصخرة » ... إلا أننا مع ذلك ندرك إحساس المسبيين ، والعواطف الوحشية التى تتملك الأسير وهو يرى رد فعل المعاناة التى عاناها ، واشتدت عليه ، ... غير أن روح االمسيح يمنعنا الآن من مثل هذا الأسلوب ، وقد صلى هو لصالبيه من فوق الصليب ، مرتفعاً فوق الحقد والضغينة باسمى لغة سمعها الإنسان على الأرض : «إغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون » " لو 23 : 34 ".
وفى الوقت عينه ، من اللازم أن نتحسس مشاعر الفتية الثلاثة من هذا المزمور ، ... لقد كانوا على ولاية بابل ، وعندما بلغهم خراب مدينتهم علقوا أعوادهم على الصفصاف ، ولم تنقطع الدموع من عيونهم !! ... ومع أن بابل كانت أجمل مدينة فى الدنيا فى ذلك التاريخ ، كانت مدينة الحدائق المعلقة التى جمعت أبهج ما يمكن أن تمتلئ به العين ، وكانت المدينة الممتلئة بالأنهار والغدر ان تتدفق منها الحياة تدفقاً ، وأشجار الصفصاف ترتفع عالية شامخة ترسل ظلالها البعيدة هنا وهناك ، لكن جمال المدينة نفسه ، كان عذاباً لمشاعرهم وعواطفهم ، كلما ذكروا بلادهم الخربة التعسة التى أضحت أطلالا وأنقاضاً !! ... لقد كانت بابل قفصاً من ذهب ، طلب إلى الطائر السجين أن يغرد ويرفع صوته وهو داخله بالأغنية والطرب !! ..
ولم تكن المأساة أن يمتنع الطائر الأسير المهاجر عن الغناء ، ... بل طلب إليه أن يغنى أغنية لإله غريب ، وهنا الطامة الكبرى ، بل هنا البلاء الذى لا يعد له بلاء آخر ، لقد كان على الثلاثة الفتية ، أن يستبدلوا أعوادهم بأعواد أخرى ، ومزاميرهم بمزامير أخرى ، ويهللوا فى وقت نكبتهم ، بالترنيم لإله غريب !! ..
صنع نبوخذ ناصر تمثالا عظيما من ذهب ، تصوره البعض ذهباً خالصاً ، وتصوره آخرون خشباً مغشى كله بالذهب ، وارتفاعه ستون ذراعاً أو ما يقرب من ثلاثين متراً ، وعرضه ستة أذرع أو ما يقرب من ثلاثة أمتار ، وقد ظن البعض أنه تمثال نبوخذ ناصر نفسه ، والأرجح أنه تمثال لآلهته ، وقد دعى لتدشين التمثال القادة والرؤساء وحكام الولايات ، فاجتمع جمع غفير من كل القبائل والأمم والألسنة ، وكان لابد أن يكون الثلاثة الفتية الموكلون على أعمال ولاية بابل ، بين الحاضرين !! .. ومن الواضح أن دانيال لم يكن بالمدينة ، وإلا لكان القائد أو رجل الطليعة .. وكان على زملائه الآخرين أن يواجهوا الامتحان هذه المرة بمفردهم ، ... وواجهوه على النحو العظيم الذى أثار التاريخ بأكمله !! .
الثلاثة فتية والشكوى ضدهم
عند سماع الموسيقى لامست جميع الرؤوس الأرض ، إلا ثلاثة رؤوس لم تنحن للتمثال لأنها لا يمكن أن تنحنى إلا للّه وحده ، وسارع الكلدانيون بالشكوى لنبوخذ ناصر ، ولعل هناك أكثر من سبب لهذه الشكوى ، بل لعل بعضها يختفى وراء البعض الآخر ، ومع أنها قد تكون الأسباب الحقيقية ، لكنها مع ذلك تلبس مسوح غيرها من الأسباب ، ... ولو أننا حاولنا أن نحلل أسباب الشكوى لرأيناها أولا غيظ الرأس المنحنى من الرأس الذى لا يعرف الانحناء لبشر ، والناس دائماً يبحثون عن الرؤوس المتساوية ولا يقبلون رأساً يرتفع فوق رؤوسهم ليكشف ضعفهم ونقصهم وهزالهم وهزيمتهم ، .. ولو أننا بحثنا الصراعات القاسية فى كل العصور والأجيال ، لرأينا الكثير منها لا يزيد عن تناطح الرؤوس ، وتصارع الرياسات ، وتقاتل المناصب ، ... وما من شك بأن الحسد لعب دوره العظيم فى هذا المجال ، فالثلاثة الفتية ليسوا كلدانيين وأعمال ولاية بابل بين أيديهم ، هم غرباء أجانب ، لم يكتفوا بأن يزاحموا الوطنيين فى مراكزهم ، بل أكثر من ذلك يرأسونهم ويسودون عليهم ، ... فإذا أضفنا إلى ذلك أنهم عقبة كأداء فى طريق الفساد والرشوة والانتهازية والوصولية التى عاشوا عليها ، أو يحلمون باستغلالها ، والكسب الحرام من ورائها ، ... تبين لنا مدى االحنق والغيظ ، وانتهاز الفرص للاضرار بهم والإيقاع بأشخاصهم ، والأمل فى إسقاطهم من الحياة العالية المرتفعة التى وصلوا إليها !! ... ومن المتصور أيضاً أن هذا كله استتر وراء الغيرة على الدين ، فمن هم هؤلاء الذين يجرؤون على رفع رؤوسهم تجاه « بيل » معبود نبوخذ ناصر ومعبودهم ؟! .. وأنهم ينبغى أن يكونوا أوفياء أمناء تجاه آلهتهم العظيمة التى ينبغى أن ترتفع على كل الآلهة التى يتعبد الناس لها فى الأرض !! .. كانت شكوى الكدانيين على الثلاثة الفتية خليطاً من البواعث الدفينة والظاهرة ، التى تمتزج فى حياة الناس ، وتكون حقدهم وتعصبهم وضغينتهم وانتقامهم دروا بها أو لم يدروا على حد سواء !! ..
الثلاثة الفتية وولاؤهم للّه
كان ولاء الثلاثة الفتية للّه نموذجاً من أروع نماذج الولاء فى كل العصور ويخيل إلى أن هناك علاقة بين أسمائهم العبرية ، وهذا الولاء ، ويمكن أن نأخذ صورة منها ، فاسم أحدهم « ميشائيل » ... أو « من مثل اللّه !! ؟ أو من هو الإله الذى يمكن أن يكون نداً ومثيلا للّه !!؟ لا أحد !! ... وهيهات أن يكون له مثيل بين الآلهة أو تماثيلها وأنصابها أيضاً !! .. فليصنع نبوخذ ناصر تمثالا لبيل ، وليطلق على ميشائيل اسم ميشخ أو من هو مثل « آخ » معبود القمر ، ... فهذا أمر لا يقبله ميشائيل ، حتى ولو تحول أشلاء تذروها الرياح ، فمن مثل اللّه عنده ؟!! .. ومن فى السماء أو الأرض يدانى اللّه أو يقاربه ؟..!! ألم يغن موسى فى بركته التليدة : « ليس مثل اللّه يايشورون. يركب السماء في معونتك والغمام فى عظمته . الإله القديم ملجأ والأذرع الأبدية من تحت » " تث 33 : 26 و 27 " ... وألم يقل إشعياء : « فبمن تشبهوننى فأساويه يقول القدوس » " إش 40 : 25 " بمن تشبهوننى وتسووننى وتمثلوننى لنتشابه " " إش 46 : 5 " .. وألم يهتف ميخا : « من هو إله مثلك غافر الإثم ، وصافح عن الذنب لبقية ميراثه ، » " ميخا 7 : 18 " ... وقد كان ممتنعاً على الإسرائيلى لهذا السبب أن يحاول تصوير اللّه فى أية صورة أو نصب أو تمثال يتقرب به إليه ، ومن ثم جاءت الوصية : لا تصنع لك تمثالا منحوتاً ولا صورة ما مما فى السماء من فوق ، وما فى الأرض من تحت ، وما فى الماء من تحت الأرض ، لا تسجد لهن ولا تعبدهن ، لأنى أنا الرب إلهك إله غيور أفتقد ذنوب الآباء فى الأبناء فى الجيل الثالث والرابع من مبغضى » "خر 20 : 4 و 5 " ... والعبرانى بهذا المعنى لا يقبل أن يرى آلهة بجانب اللّّه ، أو تمثالا أو صورة يتقرب بها إليه ، مهما بلغت ذروة الفن أو الجمال ، ... لأنها - فى أفضل الحالات - ليست إلا مسخاً لجلاله الفائق الحدود !! ... فإذا أضفنا اسم «حنانيا » إلى اسم ميشائيل ، نعرف سبباً آخر للولاء للّه ، فنحن لا نعظم اللّه لمجرد أن عظمته لا تحاكيها أو تدانيها أية عظمة أخرى ، وهو أعلى من السموات التى ليست بطاهرة أمام عينيه وإلى ملائكته ينسب حماقه !! ... إن السبب الثانى للولاء هو حنوه ومحبته وجوده وإحسانه ، إذ أنه اللّه الحنان المشفق الرحيم الجواد ، الذى يمطر علينا بالإحسان والعطف والمحبة والرأفة !! .. لقد أدرك الثلاثة الفتية حنان إلههم فى قلب الأسر والسبى والمتاعب والالام ، فهو لم يكتف أن يجنبهم أهوال الاستعباد التى كان يمكن أن تطحنهم طحناً ، كعبيد أسروا فى الغزو والحرب ، بل رفعهم وعظمهم وجعلهم سادة على مستعبديهم ، وقادة فى ولاية بابل ، ... فإذا جئنا إلى عزريا أو « اللّه يعين » أدركنا أن اللّه لم يتخل عن شعبه فى وقت المأساة والضيق ، بل كان على العكس ، أقرب ما يكون إليهم ، وهم لا يدرون ، ... : « وقالت صهيون قد تركنى الرب وسيدى نسينى . هل تنسى المرأة رضيعها فلا ترحم ابن بطنها ؟ حتى هؤلاء ينسين وأنا لا أنساك . هوذا على كفى نقشتك . أسوارك أمامى دائما » .. " إش 49 : 14 - 16 "
ولست أظن أن الولاء المسيحى للّه يعرف أسباباً أفضل من عظمة اللّه ، وحنوه ، وعنايته التى ظهرت فى شخص يسوع المسيح مخلصنا ، وعندما أوقد الشيطان أتونه العظيم ضد الكنيسة ، وأثار عليها أرهب وأشنع صور الاضطهاد عادت مرة أخرى بطولة ميشائيل وحنانيا وعزريا فى آلاف الآلاف الذين غنوا فى قلب الأتون المحمى سبعة أضعاف وصار ناراً مشتعلة بحبهم العظيم للّه فى يسوع المسيح الرب والمخلص!! .
فإذا تحولنا من سر الولاء إلى مظهره ، رأيناه أولا فى الشجاعة الخارقة ، وهل يمكن أن يعرف العالم شجاعة أعلى وأسمى من شجاعة الشهيد الذى تبدو الصورة الأولى لشجاعته فى انتصاره على نفسه ، قبل أن ينتصر على إنسان أو مخلوق آخر ؟!، وعندما ينتصر الإنسان على نفسه فإن ألف نبوخذ ناصر لا يستطيعون أن يفعلوا معه شيئاً . عندما هدد الإمبراطور يوحنا فم الذهب ، قائلا إنه يستطيع أن يفعل ضده الكثير ، قال له القديس القديم ، : إنه أعجز من أن يفعل معه شيئاً ، وإذ قال هل : أنفيك... قال الذهبى الفم : إن أى مكان ترسلنى إليه ، سأجد هناك صديقى الذى لا تستطيع أن تفصلنى عنه ! .. وإذ قال له : آخذ ثروتك أجابه : إنك لا تستطيع ، لأن لى كنزاً فى السماء لا تصل إليه يدك !! .. وإذ قال له : أقطع عنقك ... كان الجواب : يوم تفعل ذلك فإنما أنت تحرر الطائر السجين من القفص الذى حبس فيه ... وأدرك الإمبراطور أن إنساناً كهذا لا يمكن قهره على الإطلاق ، .. كان انتصار الفتية الثلاثة ، أولا وقبل كل شئ ، انتصاراً على النفس ، فلم يعد واحد منهم يفكر فى الشباب الذى يترصده الموت على أرهب صورة ، ... ولم يعد واحد منهم يفزع من أجل المنصب الذى يوشك أن يضيع ، ولم تعد الحياة بجملتها ، بما فيها من متعة وجلال ، ومجد أرضى ، تساوى قلامة ظفر ، تجاه مجد اللّه وجلاله وعظمته وخدمته !! .. ألم يأت بعدهم بمئات السنين من قال : « والآن ها أنا أذهب إلى أورشليم مقيداً بالروح لا أعلم ماذا يصادفنى هناك ، ولكننى لست أحتسب لشئ ولا نفسى ثمينة عندى حتى أتمم بفرح سعيى والخدمة التى أخذتها من الرب يسوع لأشهد ببشارة نعمة اللّه » " أع 20 : 22 - 24 " ؟! ...
عندما انتصر الفتية الثلاثة على أنفسهم ، استطاعوا الانتصار على الامبراطور العظيم الطاغية ، ... ومن العجيب أن ثلاثة عزل من كل سلاح ، يقفون أمام أعظم إمبراطور فى عصره ، الامبراطور الذى دانت له الدنيا ، وقهر الممالك ، وأذل أعناق الرجال ، ... ولعل هذا الامبراطور فى معركته مع الفتية لم تقع عينه قط على من هو أجرأ أو أشجع منهم على الإطلاق ، كيف لا ، وهم ينادونه باسمه دون تملق أو زلفى أو خوف أو فزع أو مداهنة أو رياء ، ومن غير إضافة أى لقب ، ... وفى الواقع ، لا يمكن أن تعرف الدنيا فى كل الأجيال ، جرأة كجرأة الشهيد الذى يخوض معركة الحق من أجل اللّه !! ..
كانت المعركة بين نبوخذ ناصر والفتية ، هى ذات المعركة القديمة ، بين المنظور وغير المنظور ، بين الحق والباطل ، بين الخير والشر ، بين الأمانة والحماقة ، ومن المؤكد أنه لم يكن هناك تكافؤ بين الطرفين ، فحسب النظرة البشرية كانت الكفة أرجح بما لا يقاس نحو رجل يملك قوة الدنيا بأكملها بين يديه ، وبين ثلاثة من الأسرى المنبوذين الذين لا حول لهم ولا قوة وما هم إلا ثلاث من النمل تحت أقدام فيل رهيب ضخم ولكن حسب النظرة الأعمق ، هم المسلحون بقوة رب الجنود إله إسرائيل !! ..
فإذا عدنا ننظر إلى القوة التى يمتلكونها نجدها أشبه بدرجات سلم متصاعدة ، أما الدرجة الأولى التى تمس الأرض فهى أنهم ثلاثة معاً وليسوا واحداً ، ... ومع أن كثيرين من أبطال التاريخ ذهبوا إلى معاركهم منفردين وراء ذاك الذى قال « دست المعصرة وحدى » " إش 63 : 3 " ... لكن المسيح نفسه ، وهو القادر على كل شئ وله فى جثسيمانى أن يحس بوجود تلاميذه معه ، وقال لبطرس وابنى زبدى ، : « أمكثوا هنا واسهروا معى » " مت 26 : 38 " .. « أهكذا ما قدرتم أن تسهروا معى ساعة واحدة ؟ " مت 26 : 40 " كان من أقسى ما عانى فى جثسيمانى وحدته تجاه أكبر معركة مرت فى التاريخ ، ... وما أجمل أن يجد الإنسان منا فى لحظات المحن والمتاعب والتجارب والآلام ، من يؤنسه بكلمة أو يبتسم له أو يشجعه أو يعينه بأية صورة من الصور ، ... وقد وجد الفتية الثلاثة هذا التشجيع فى الشركة التى تربطهم فى الإيمان والمصير !! .. عندما وقف لاتيمار مع صديقه ردلى وقد حكم عليها بالموت حرقاً ... قال لاتيمار لزميله : تشدد فإننا سنضئ اليوم فى انجلترا كمشعل بنعمة اللّه لن ينطفىء أبداً !! ..
وكانت الدرجة الثانية من السلم يقين الفتية بأنهم يدخلون معركة نبيلة شجاعة من أعظم وأروع المعارك على ظهر هذه الأرض ، وقد سبق فى دراستنا للشخصيات أن أشرنا إلى ما قاله جورج فرند سبرج وهو قائد من أعظم القواد الألمان لمارتن لوثر ، وهو يدخل باب مجمع ورمس لمحاكمته التليدة الرهيبة : « أيها الراهب المسكين ... إنك ذاهب إلى معركة أنبل وأعظم من كل المعارك التى خضتها أنا ، أو أى واحد من القادة ، فإذا كانت قضيتك عادلة فتقدم باسم اللّه » ... وكما تقدم الثلاثة الفتية العظام ، تقدم مارتن لوثر إلى معركة الإصلاح التى لم تغير تاريخ أوربا فحسب ، بل غيرت التاريخ المسيحى كله !! ..
على أن الدرجة العليا فى السلم ، كانت يقين الفتية أنهم لا يدخلون المعركة منفردين،... إذ لم يكن هذا هو الاختبار الأول لهم ، فقد سبقت لهم النجاة من يد الرجل البطاشة ، عندما أعلن اللّه لدانيال على صورة معجزية خارقة للعادة حلم نبوخذ ناصر وتفسيره ، ... إنهم يؤمنون بإله قوى قادر على كل شئ ، وعندما يرون نبوخذ ناصر أمامهم ، فى ضوء اللّه ، يضحى العاتية الجبار أقل من نملة تدب على الأرض ، وهم لذلك يخاطبونه بدون لقبه ، قائلين : « يانبوخذ نصر لا يلزمنا أن نجيبك عن هذا الأمر، هوذا يوجد إلهنا الذى نعبده يستطيع أن ينجينا من أتون النار المتقدة وأن ينقذنا من يدك أيها الملك ، وإلا فليكن معلوماً لك أيها الملك أننا لا نعبد آلهتك ولا نسجد لتمثال الذهب الذى نصبته » ... " دا 3 : 17 و 18 " وجند الطاغية كل قواه وسلطته ، فالأتون يحمى سبعة أضاف ، الفتية يقيدون ، وأقوى رجال الحرب يقذفون بهم فى قلب الأتون ، والنار الملتهبة فى شدتها وعنفها تقضى على القاذفين !! ..
الثلاثة الفتية ونصرهم العظيم
فى معسكرات الاعتقال الشيوعية ، قبض على جمع من الشباب ، وكانوا عشرين على ما أتذكر ، ودخل الضابط الشيوعى ، وعدهم قائلا أنتم عشرون وقال شاب : لا ، بل نحن واحد وعشرون ، وعد الضابط مرة أخرى ، ... وقال : أنتم عشرون . ورد عليه نفس الشاب : بل واحد وعشرون ، وإذ أعاد العد ، قال : ومن هو الواحد والعشرون !! فأجاب الشاب : إنه الرب يسوع المسيح !! .. وإذا كان المسيح معنا فى كل وقت ، فإنه أدنى إلينا وألصق بنا ونحن فى الأتون ، ... ومن اللازم أن نشير إلى أن الثلاثة الفتية كانوا يؤمنون بالنصر ، سواء عاشوا أو ماتوا !! .. فإذا عاشوا فهم شهود قدرته ، وإذا ماتوا فهم أوفياء لمحبته ، ومن المثير أن نبوخذ نصر قذف بهم موثقين ، فإذ به يراهم محلولين يتمشون فى وسط الزتون ، وما بهم ضرر ومعهم رابع شبيه بابن الآلهة ، ... لقد أخطأ الرجل أعمق الخطأ ، سواء فى فهم قيودهم ، أو فى فك هذه القيود ، ... لقد ظن أن يقيدهم بحبال البشر وما درى أن قيدهم الحقيقى هو حب اللّه، الذى يعيشون من أجله ، ويموتون فى سبيله ، ... ولقد ظن أن النار ستأتى عليهم وعلى قيودهم معاً ، وما عرف أو أدرك أنهم أحرار ، يتمتعون بأكمل صور الحرية رغم قيودهم ، أحرار فى ذلك الذى حل قيودهم وفكها ، وسار معهم داخل الأتون الملتهب ، دون أن ينالهم أدنى ضرر ، إذ هو القائل : « فإن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحراراً » " يو 8 : 36 " ..
ولا حاجة إلى القول إن القصة تتكرر فى كل عصور التاريخ بهذه الصورة أو تلك ، من أتون التجارب ونيران الاضطهاد والمصاعب ، ولكن ابن اللّه يظل هناك على الدوام ، لا يتغير ولا يتبدل ، مهما كانت النتائج التى تتمخض عنها الأحداث ، وقد اشتعلت النيران طوال ثلاثة قرون فى مطلع التاريخ المسيحى ، وحمى الأتون سبعة أضعاف ، ... ولكن المسيحية خرجت من قلبه ، وجوليان الإمبراطورى يصيح : لقد غلبت أيها الجليلى !! ... إن الدرس العظيم الذى يعطيه الثلاثة الفتية للعالم ، إلى جانب الولاء المطلق للسيد ، هو اليقين الذى لا يتزعزع فى جوده وحبه ، ... وفى وجوده على صورة خارقة عجيبة تفوق الإدراك والوصف ، وتحير العقول وتذهلها كما تحير نبوخذ نصر وتعجب هو والمرازبة والشحن والولاة ومشيرو الملك وهم يرون « هؤلاء الرجال الذين لم تكن للنار قوة على أجسادهم ، وشعرة من روؤسهم لم تحترق وسراويلهم لم تتغير ورائحة النار لم تأت عليهم " دا 3 : 27 " !! ..
هل لنا مثل هذا الإيمان ، مهما تغيرت أو تلونت ظروف الحياة ... ومهما أحاطت بنا الصعاب والمتاعب ؟!! .. تحدث هنرى ورد بيتشر عن أبيه ، وكان خادماً للّه ، وقد مرت به ظروف قاسية صحية ومادية فى كثير من الأوقات ، قال الابن : لا أنسى أننا كنا نتناول الشاى فى المطبخ ، وإذا بأمى تقول لزوجها ، وكانت هادئة وديعة ، ... لا أعلم كيف نواجه المصروفات والفواتير ، وهى تخشى أن تموت فى بيت من بيوت العجزة المسنين ، ... وأجاب الزوج قائلا : ياعزيزتى : لقد وثقت باللّه طوال أربعين عاماً خلت ، ولم يخذلنى قط طوال هذه السنين ، ... وأنا لست مستعداً بعد أن أبدأ الآن بعدم الثقة فيه !! .. وقال بيتشر الابن : لقد أيقظتنى هذه العبارة ، وكانت لى أفضل قانون للإيمان ، ... لقد اجتزت فى بكور أيامى بين المرض والفقر وألوان المتاعب والضيقات ، دون أن تغيب عن ناظرى ، أو يتباعد رنينها عن أذنى : « لقد وثقت باللّه أربعين عاماً ، ولست مستعداً بعد أن أبدأ الآن بعدم الثقة فيه » !! ..
إنحنى نبوخذ نصر ، إنحنى الملك العظيم أمام ملك الملوك ورب الأرباب ، وسجل أمام اللّه والتاريخ فى مواجهة الأتون : « تبارك إله شدرخ وميشخ وعبد نغو ، الذى أرسل ملاكه وأنقذ عبيده الذين اتكلوا عليه وغيروا كلمة الملك وأسلموا أجسادهم لكيلا يعبدوا أو يسجدوا لإله غير إلههم . فمتى قد صدر أمر بأن كل شعب وأمة ولسان يتكلمون بالسوء على إله شدرخ وميشخ وعبد نغو فإنهم يصيرون إرباً إباًً وتجعل بيوتهم مزبلة إذ ليس إله آخر يستطيع أن ينجى هكذا .. حينئذ قدم الملك شدوخ وميشخ وعبد نغو فى ولاية بابل » " دا 3 : 28 - 30 " ..
نعم ، وليكن اسمه مباركاً إلى أبد الآبدين آمين فآمين !! ...
 
قديم 16 - 01 - 2015, 03:03 PM   رقم المشاركة : ( 7114 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,078

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

القدّيس أوغسطينس المسيحيّ الجزائريّ



وُلد "أوريليوس أوغسطينُس" في 13 تشرين الثّاني 354م، في مدينة "ثاغاست" في "نوميديا"، وهي اليوم "سوق أهراس" في الجزائر. كان والده وثنيًّا. وكانت والدته "مونيكا"، وبحسب "اعترافاته"، مسيحيّة مؤمنة مكرّسة ولها تأثير قويّ وواضح في حياة ابنها. درس "أوغسطينُس" عِلم البيان في جامعة "ثاغاست"، ثمّ درّسه في جامعة "قرطاج"، وفي "روما"، و"ميلانو". عاش "أوغسطينُس" الشّابّ حياة انفلات بعيدة عن الإيمان، واتّخذ له عشيقة ساكنها وأنجب منها طفلاً.
في العام 374م، وفي أثناء وجوده في جامعة "قرطاج"، اعتنق "أوغسطينُس" المذهب "المانويّ" (أتباع "ماني" الفارسيّ). لكنّه رجع إلى الكنيسة المسيحيّة في العام 387م، وذلك تحت تأثير الأسقف "أمبروز" في "ميلانو"، وبعد صراع فكريّ وعاطفيّ طويل. عاد إلى وطنه في إفريقيا حيث سيم قسّيسًا، ثمّ أسقفًا على مدينة "هيبو" في العام 395م. وقد حافظ على مركزه هذا حتّى وفاته في 28 آب 430م.
عُرف "أوغسطينُس" بوفرة مواعظه ونتاجه الأدبيّ من رسائل وأبحاث فلسفيّة، ونقده اللاّذع للهراطقة، وأيضًا كتاباته حول أساليب التّربية المسيحيّة؛ حتّى أنّه عُرف بأنّه اللاّهوتيّ الأكثر تأثيرًا في الكنيسة الغربيّة. ومن أهمّ أعماله المعروفة: "مدينة الله" و "الاعترافات" الّتي وصف فيها حياته قبل أن يصير مسيحيًّا، وصار هذا الكتاب الأخير مرجعًا كلاسيكيًّا للرّوحانيّة المسيحيّة. ويسرّ مجلّة "رسالة الكلمة" أن تقدّم ملخّصًا عن اعترافات القدّيس "أوغسطينُس" بحسب أجزائها الثّلاثة عشر.

محتويات كتاب "الاعترافات" للقدّيس أوغسطينُس

الجزء الأوّل: اعترافات "أوغسطينُس" بعظمة الله الّذي لا يمكن أن يُسبَر غوره، وبمراحمه عليه في أيّام الطّفولة والصِّبا، وبتصلّبه وعناده. اعترافاته بخطاياه وتبطّله، وبسوء استخدامه لواجباته وللمواهب الّتي منحها له الله قبل سنّ الخامسة عشرة.
الجزء الثّاني: الغاية من كتابة اعترافاته. المزيد من حياة التّبطّل والخطيّة في سن السّادسة عشرة. رسالته حول شرور المجتمع القاسي الّذي أودى به إلى عالم السّرقة.

الجزء الثّالث: مكوثه في "قرطاج" من سنّ السّابعة عشرة إلى التّاسعة عشرة من عمره. أسباب الفوضى في سلوكه. شغفه بالمسرح. تقدّمه في دراساته وحبّه للحكمة. نفوره من الأسفار المقدّسة. ضلالته وقبوله المذهب "المانويّ". دحضه لبعض معتقدات هذا المذهب. حزن والدته "مونيكا" على هرطقته، وصلاتها لتوبته. رؤيا أمّه، واستجابتها من خلال أسقف.
الجزء الرّابع: حياة أوغسطينُس منذ التّاسعة عشرة وحتّى الثّامنة والعشرين من عمره؛ اعتناقه المذهب "المانويّ" وإغراء الآخرين بقبول هذه الفلسفة الفارسيّة الّتي علّمت بعقيدة الثّنويّة الّتي قوامها الصّراع بين النّور والظّلمة؛ سلوكه السّيّئ وخطاياه؛ استشارته للمنجّمين، وتعرّضه للصّدمات الفكريّة والرّوحيّة؛ فقدانه لصديق قديم؛ ملاحظاته حول الحزن، والصّداقة الحقيقيّة والمزيّفة، وحبّ الشّهرة؛ رسالته حول "العادِل والصّالِح"، على الرّغم من آرائه الخاطئة من نحو الله.
الجزء الخامس: أوغسطينُس في سنّ التّاسعة والعشرين. لقاؤه "فاوستوس"، الّذي كان بمثابة أداة شيطانيّة بالنّسبة إلى كثيرين، أمّا بالنّسبة إليه فأداة خلاص، وإظهاره جهل "المانويّين" على الرّغم من ادّعائهم بحصولهم على الحكمة الإلهيّة. تخلّي أوغسطينُس عن أفكار المانويّين، وذهابه إلى "روما" و"ميلانو" حيث تعرّف إلى القدّيس "أمبروز". تركه المذهب "المانويّ"، وتلقّيه التّعليم المسيحيّ من جديد في الكنيسة.
الجزء السّادس: مجيء والدته "مونيكا" إلى "ميلانو"، وتقديمها الطّاعة للقدّيس "أمبروز" وتقديره لها؛ سلوك القدّيس "أمبروز" وطباعه؛ تخلّي أوغسطينُس التّدريجيّ عن الخطايا والأخطاء، واعترافه بظُلمِه للكنيسة؛ رغبته في معرفة الحقيقة المطلقة؛ مقدار صدمته في أثناء سعيه للعالميّات؛ إرشاد الله لصديقه "أليبيوس"؛ مناظرته مع نفسه وأصدقائه حول أسلوب حياتهم؛ خطاياه المتأصّلة فيه، وخوفه من الدّينونة.
الجزء السّابع: أوغسطينُس في سنّ الواحدة والثّلاثين، وتخلّصه التّدريجيّ من أخطائه، على الرّغم من استمرار أفكاره المادّيّة حول الله؛ اكتشافه أنّ الخطيّة سببها إرادة الإنسان الحرّة عبر مساعدة "نبريديوس" له من خلال حججه وبراهينه، ورفضه هرطقة "المانويّين" بشكل قاطع؛ شفاؤه من الإيمان بعلم التّنجيم، وارتباكه في شأن أصل الشّرّ في العالم؛ اكتشافه جذور عقيدة ألوهيّة "الكلمة" من خلال الفلسفة الأفلاطونيّة، وعدم توصّله إلى اكتشاف سرّ تواضع المسيح وكونه الشّفيع الوحيد، وبقاؤه بعيدًا منه؛ زوال كلّ شكوكه بعد دراسته للأسفار المقدّسة، وخصوصًا رسائل القدّيس بولس.
الجزء الثّامن: بلوغ أوغسطينُس سنّ الثّانية والثّلاثين. استشارته لـ"سيمبليسيانوس" الّذي عرّفه إلى قصّة اهتداء "فيكتورينوس"، ثمّ توقه إلى تكريس حياته بالتّمام إلى الله، ووقوف عاداته القديمة عائقًا أمام تحقيقه الأمر. تأثير قصّة حياة القدّيس "أنطونيوس" في حياته، وقصّة تجديد رجلين من الحاشية الملكيّة. اختباره الخلاص في أثناء معاناته لصراع داخليّ عنيف وسماعه صوتًا من السّماء دفعه إلى فتح الكتاب المقدّس.
الجزء التّاسع: تصميم أوغسطينُس على تسليم حياته كلّيًّا للرّبّ، وتخلّيه عن مهنة الخطابة؛ عودته إلى بلده واستعداده لقبول نعمة المعموديّة، ثم معموديّته مع "أليبيوس" وابنه "أديوداتوس". وفاة والدته "مونيكا" في "أوستيا"، في طريق عودته إلى إفريقيا. حياة والدته وشخصيّتها.
الجزء العاشر: اعتراف أوغسطينُس بحقيقة حياته قبل تجديده ومعموديّته. بحثه في كيفيّة معرفة الله، وتوسّعه في موضوع ميزة الذّاكرة وغموضها، وفي التّجارب الّتي تعرّض لها من قبل الشّهوات الثّلاث: شهوة العيون وشهوة الجسد وتعظّم المعيشة، وما يمكن تعلّمه عن "كبح النّفس"، وبخاصّة عن الشّهوة الجنسيّة، في الحياة المسيحيّة. رسالته حول يسوع المسيح، الشّفيع الوحيد الّذي يشفي كلّ وهن وعيب.
الجزء الحادي عشر: اتّجاه أوغسطينوس إلى الرّهبنة، واعترافه بمراحم الله الّذي فتح له الأسفار المقدّسة. رسالته في أنّ كتب موسى لا يمكن فهمها إلاّ من خلال المسيح، وبخاصّة الكلمات الأولى في سفر التّكوين: "في البدء خلق الله السّماوات والأرض"، وإجابته على المعترضين الّذين سألوا: "ماذا عمل الله قبل خلقه السّماوات والأرض؟". بحثه في طبيعة الزّمن.
الجزء الثّاني عشر: تفسير أوغسطينُس للإصحاح الأوّل من سفر التّكوين، وشرحه بأنّ "السّماوات" هي الخليقة الرّوحيّة وغير المادّيّة المعتمدة على الله من دون انقطاع، وأنّ "الأرض" هي تلك المادّة الخربة حيث شُكّلت فيها الخليقة في ما بعد. اعترافه بأنّه بالإمكان استخلاص أفكار متعدّدة ومنوّعة من تفسيره عن الخلق، على الرّغم من عدم اعتراضه على وجود تفاسير أخرى.
الجزء الثّالث عشر: متابعة تفسيره تكوين 1؛ شرحه سرّ الثّالوث؛ رؤيته لتأسيس الكنيسة وتوسّعها ودعمها
 
قديم 16 - 01 - 2015, 03:05 PM   رقم المشاركة : ( 7115 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,078

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

مارتن لوثر

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
كان "مارتن لوثر" أحد أبرز قادة الإصلاح الإنجيليّ في ألمانيا. كان والده من طبقة الفلاّحين، ثمّ تحوّل إلى صناعة المعادن حيث نجح وحصّل مداخيل عالية سمحت له بتأمين تعليم ممتاز لولده. درس "لوثر" في مدرسة الكاتدرائيّة في "ماغدبورغ"، حيث وقع تحت تأثير جماعة "أخوة الحياة المشتركة". ثمّ تابع دراسته الثّانويّة في مدرسة "أيزناخ" قبل ذهابه إلى جامعة "إيرفورت" في العام 1501، حيث حصّل شهادة البكالوريوس في العام 1502، والماجستير في العام 1505. درس "لوثر" الحقوق تلبية لأمنية والده. إلاّ أنّ صاعقة برق ضربت قربه، فأرعدته وجعلته يقطع نذراً أن يصير راهباً، وذلك في تمّوز 1505.
وفيما هو في الدّير، بدأ "لوثر" في دراسة اللاهوت بجديّة في جامعة "إيرفورت". وفي العام 1508، أُرسِل إلى "ويتنبرغ" حيث كان يُحاضر في الفلسفة الأخلاقيّة في جامعتها الجديدة. وفي العام 1509 عاد إلى "إيرفورت" حيث تابع دراسته وراح يُحاضر في اللاهوت. أمّا أساتذته في "إيرفورت" فكانوا من أتباع مدرسة اللاهوت الإسميّ (Nominalist) الّتي أنشأها "وليام أوكهام" وتلميذه "كابريال بيال"، الّتي قللّت من دور العقل في الوصول إلى الحقائق اللاهوتيّة وشدّدت على دور الإرادة الحرّة للإنسان في تحقيق خلاصه. في العام 1510-1511، سافر "لوثر" إلى روما بمهمّة تخصّ رهبنته. وبينما هو هناك، صُدِمَ بما رآه من دُنيويّة لدى الإكليروس الّذي كان غير مبالٍ بالحياة الدّينيّة. وفي العام 1511 أُرسِل من جديد إلى "ويتنبرغ" حيث أكمل دروسه العليا ونال الدّكتوراه في اللاهوت في تشرين الأوّل 1512. وفي العام نفسه عُيِّنَ رئيساً لقسم دراسات الكتاب المقدّس في الجامعة.
وبين الأعوام 1507-1512 اختبر لوثر صراعاً روحيّاً عنيفاً بينما كان يسعى إلى تتميم خلاصه، عبر التّدقيق في حفظ القواعد الرّهبانيّة، والاعتراف المتواتر، وإماتة الذّات. وربّما بسبب تأثير التّقوى الشّعبيّة وتعليم لاهوت "أوكهام"، كان "لوثر" يرى في الله قاضياً غضوباً يتوقّع من النّاس أن يُحصِّلوا تبريرهم بأنفسهم. إلاّ أنّ "لوثر" غيّر تدريجيّاً نظرته إلى التّبرير، وذلك بفضل مساعدة الرّئيس العامّ لرهبنته "يوحنّا فون ستوبيتز"، وقراءاته لكتابات القدّيس "أوغسطينوس"، ودراسته للكتاب المقدّس بشكل أساسيّ بينما كان يُحضّر محاضراته لصفوفه في الجامعة. نما مفهوم "لوثر" اللاهوتيّ تدريجيّاً من الإيمان بدور الإنسان في خلاص نفسه، كما علّم "أوكهام"، إلى تبنّي التّعليم "الأوغسطيني" القائل: إنّ الله بنعمته المجّانيّة يُبادر إلى تخليص الإنسان بالإيمان فقط، وبعد هذا الاختبار، يبدأ الإنسان بالتّعاون مع الله في حياته الرّوحيّة. قد يكون "لوثر" اختبر الخلاص شخصيّاً بين العامين 1517-1518، وهو ذَكَر في موعظته حول "التّبرير المُثلّث"، كيف أنّ الله يُبرِّر الخاطئ بفضل ذبيحة المسيح الكفّاريّة بشكل آنيّ وكامل، ومن دون أيّ جهد أو استحقاق بشريّ.
ابتدأ الإصلاح الإنجيليّ في تشرين الأوّل من العام 1517، عندما احتجّ "لوثر" على بيع صكوك الغفران، وذلك عبر أطروحة ضمّت خمسة وتسعين بنداً، علّقها على باب كنيسته في "ويتنبرغ" عشيّة عيد جميع القدّيسين. وقد تُرجمت الأطروحة إلى لغة الشّعب في اليوم التّالي، ووُزِّعت في كافّة أرجاء ألمانيا، الأمر الّذي أثار عاصفة من الاحتجاج ضدّ بيع صكوك الغفران. عندما تضرّرت عمليّة بيع الغفرانات، حاولت السّلطات البابويّة إسكات "لوثر"، فوُوجِهَ أوّلاً داخل رهبنته في "هايدلبرغ" وذلك في 26 نيسان 1518، إلاّ أنّ المناظرة تحولّت فرصة "للوثر" ليُدافع عن لاهوته وليربح مُهتَدين جدد. وفي آب 1518 استُدعيَ "لوثر" إلى روما ليَردّ على الاتّهامات المرفوعة ضدّه والّتي تتّهمه بالهرطقة، على الرّغم من أنّه لمّا يكن قد علّم صراحة ضدّ أيّ من العقائد الرّائجة في القرون الوسطى. وخوفاً من عدم حصول "لوثر" على محاكمة عادلة في روما، تدخّل الأمير "فريدريك الحكيم" طالباً من السّلطات البابويّة أن تُرسِل مُمثّلين عنها لإجراء المحاكمة في ألمانيا. تمّ الاجتماع الأوّل برئاسة الكاردينال "كاجيتان" في تشرين الأوّل 1518، والثّاني برئاسة "كارل فون ميلتِتس" في كانون الثّاني 1519، وفي كلا الاجتماعَين رفض "لوثر" أن يتنكّر لمعتقداته، واستمرّ في إظهار كلّ احترام للبابا ولمُمثّليه.
في تمّوز 1519، عُقِدت مناظرة في "لايبزغ"، حيث شكّك "لوثر" بالسّلطة البابويّة وبعِصمَة المجامع الكنسيّة، مُشدّداً على أولويّة الكتاب المقدّس، الأمر الّذي دفع بخصمه "يوهان إيك" إلى نَسْبِهِ إلى المُصلِح البوهيمي "جون هوص" (الّذي عاش في القرن الخامس عشر وحُكِم عليه كهرطوقيّ)، وذلك في محاولة لتحقيره. خرج "لوثر" من هذه المناظرة أكثر تيقّناً من معتقداته وتصميماً على المجاهرة بها.
وفي العام 1520 كتب "لوثر" ثلاثة كُتيّبات مهمّة للغاية. الأوّل كان "خطاباً للنّبلاء المسيحيّين في الأمّة الألمانيّة"، يدعوهم فيه إلى إصلاح الكنيسة والمجتمع، الأمر الّذي عجزت البابويّة عن إتمامه. الثّاني دعاه "الكنيسة في السّبي البابليّ"، الّذي هاجم فيه النّظام الأسراريّ لكنيسة القرون الوسطى، الأمر الّذي أدّى إلى تصنيف "لوثر" مع المُنحَرِفين عن الإيمان المستقيم. وقد حَصَر "لوثر" في هذا الكُتيّب الأسرار الكنسيّة في اثنتين: المعموديّة وعشاء الرّبّ، وقد زاد سرّ التّوبة إليهما، فيما نَكَر عقيدة الاستحالة وذبيحة القدّاس. أمّا الكُتيّب الثّالث، وهو لاهوتيّ غير وعظيّ بعنوان "حريّة الرّجل المسيحيّ"، فقد وجّهه إلى البابا، وعلّم فيه عقيدة التّبرير بالإيمان فقط.
ومن الجدير ذكره، أنّه قبل نشره هذه الكتيّبات الثلاثة، صدر حكم بابويّ بِحَرْم "لوثر" وبِفَصْله عن الكنيسة الكاثوليكيّة، إلاّ أنّ "لوثر" أظهر عدم خضوعه للسّلطة البابويّة بحرْقِهِ قرار الحَرَم علانية، وذلك في كانون الأوّل 1520، قبل شهر من وضع هذا القرار قيد التّنفيذ في حال رفض "لوثر" التّراجع عن إيمانه. وعلى الرّغم من إدانة "لوثر" من قِبَل الكنيسة، إلاّ أنّه أُعطيَ حقّ الدّفاع عن نفسه أمام محكمة "وورمز" الأمبراطوريّة في نيسان 1521. وفي هذه المُحاكمة طُلِب من "لوثر" التّراجع عن تعاليمه، إلاّ أنّه تمسّك بها بشدّة قائلاً: "أنا لا أتراجع عمّا كَتَبت، فضميري أسيرُ كلمة الله. هنا أقِف، وليُعينَني الله". وبموقفه هذا، تحدّى "لوثر" سلطة الأمبراطور الّذي وضعه تحت الحَرَم وأمر بحرق جميع كتاباته. وفي طريق العودة إلى المنزل، خَطَفَه أصدقاؤه وأخذوه إلى قلعة "وارتبورغ"، حيث بقي مختبئاً حوالى السّنة، وكتب عدداً من المناشير الّتي هاجم فيها المُمارسات الكاثوليكيّة، وابتدأ بترجمة الكتاب المقدّس إلى الألمانيّة. وفي العام 1522 عاد "لوثر" إلى "ويتنبرغ" ليُرتّب الأمور بعد أن عمّت الفوضى في أثناء غيابه، وبقي هناك حتّى نهاية حياته.
تزوّج "لوثر" في العام 1525 من الرّاهبة السّابقة "كاثرين فون بورا"، الّتي أنجبت له ستّة أولاد، وكانت حياته العائليّة سعيدة للغاية، لم يُعكّر صفوَها إلاّ المرض المتكرّر والمشادّات العقائديّة الحادّة.
تميّز "لوثر" بكونه رجل العمل المتواصل. كان يقضي أوقاته يكتب ويُعلّم ويُنظّم شؤون الكنيسة الجديدة، ويقود حركة الإصلاح في ألمانيا. ومن أهمّ كتاباته: "اعتراف الإيمان"، الّذي وضعه في العام 1538، والّذي أظهر بوضوح خلافه اللاهوتيّ مع الكنيسة الكاثوليكيّة. كما اشتهر "لوثر" بكونه صعب المِراس، وباستخدامه لغة وعظيّة قاسية في مواجهة خصومه. ففي العام 1525، عند اندلاع ثورة الفلاّحين في جنوب ألمانيا ورفضهم الاستجابة إلى ندائه بالتّروّي والسّماح له بمعالجة الأمور بهدوء، هاجمهم "لوثر" في منشور دعاه: "ضدّ عصابات الفلاّحين القَتَلَة".
لكنّ الحقّ يُقال إنّ "مارتن لوثر" لم ينظر إلى نفسه كمؤسِّس كنيسة جديدة، بل كمُصلِح كرَّس نفسه لإصلاح الكنيسة وإعادة عقيدة التّبرير بالنّعمة، الّتي نادى بها بولس الرّسول، إلى الموقع المركزيّ في اللاهوت المسيحي. وفي العام 1522، عندما بدأ أتباعه يُطلقون على أنفسهم اسم "اللوثريّين"، كتب إليهم ناهياً إيّاهم عن ذلك، قائلاً لهم: "دعونا نتخلّص من كلّ الأسماء الفِئويّة وندعُ أنفسنا مسيحيّين، على اسم ذاك الّذي نتمسّك بتعليمه ... فانا أتمسّك، مع الكنيسة الجامعة، بتعليم المسيح الجامِع، الّذي هو سيّدنا الوحيد". إلاّ أنّ "لوثر" عاد وقَبِلَ التّسمية عندما هاجم الأعداء أتباعه مُعيّريهم باللّوثريّة، الأمر الّذي أخافهم، فقال لهم "لوثر": "إنْ كنتم مقتَنِعين بأنّ تعليم لوثر يتوافق مع تعليم الإنجيل ... فلا تتنكّروا للوثر بالكامل، لئلاّ تتنكّروا أيضاً لتعليمه، الّذي تعترفون بأنّه تعليم المسيح أيضاً".
مات "مارتن لوثر" في "آيسلوبن" في 18 شباط 1546، في أثناء رحلة لمُصالحة اثنين من النّبلاء اللوثريّين، ودُفِن في كنيسة قلعة "وتنبرغ"، إلاّ أنّ الإصلاح الإنجيليّ استمرّ بعده ونما وغيّر وجه أوروبّا والعالم الغربيّ.
 
قديم 16 - 01 - 2015, 03:11 PM   رقم المشاركة : ( 7116 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,078

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

راحاب

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
اسم عبرى بمعنى "رحب أو سعة" وهو اسم امرأة كنعانية كانت تعيش فى مدينة أريحا فى زمن دخول بنى إسرائيل إلى أرض كنعان . ونقرأ قصتها فى سفر يشوع (2: 1- 22، 6: 17- 25)، كما نقرأ عنها فى رسالة يعقوب (2: 25)، والرسالة إلى العبرانيين (11: 31) كمثال للخلاص بالإيمان.
وتوصف راحاب عادة "بالزانية" ، ولكن الكلمة العبرية المترجمة "زانية" وصفا لها ، تعنى امرأة تتعامل مع الرجال، ومن هنا يرى البعض أنها تعنى امرأة صاحبة خان أو فندق، وبخاصة عند من يعتقدون أنها صارت زوجة ليشوع نفسه. وقد جاء فى قوانين حمورانى أن الخان هو المكان الذى يستطيع المسافرون أن يقيموا أو يجتمعوا فيه، ولكن يجب تبليغ القصر الملكى عن أى خارج على القانون. ويقولون إن عبارة "بيت امرأة زانية" (يش 2: 1) تعنى فى حقيقتها "خانا" ولكن فى الإشارة إلى راحاب فى الرسالة إلى العبرانيين وفى رسالة يعقوب، توصف بكلمة "بورنيه" اليونانية (Porné) التى تعنى "زانية" بالتحديد، وفى هذا فصل الخطاب.
وهناك مشكلة أخرى تتعلق براحاب، وهل هى نفسها راحاب المذكورة فى انجيل متى (1: 5) ، حيث أن العهد القديم لم يذكر شيئاً عن زواجها من سلمون، ولكن يبدو أنه لم يكن ثمة داع لذكر اسمها فى سلسلة نسب الرب يسوع لو أنها كانت راحاب أخرى لم تذكر بالمرة فى العهد القديم، كما أن ما جاء عنها فى سفر يشوع (6: 17- 25) يدل تماما على أن راحاب وجدت كل ترحيب وإكرام من بنى إسرائيل ، فلا غرابة فى أن تتزوج رجلاً من أسرة كريمة، كما أن لا مشكلة من جهة الزمن، وكل هذا يدعونا إلى القول بأن راحاب سفر يشوع هى نفسها راحاب التى يورد اسمها متى البشير فى سلسلة نسب الرب يسوع.
ومع أننا تقبل وصفها "بالزانية" فى ضوء ما جاء عنها فى العهد الجديد، إلا أن هذا لا ينفى احتمال أن بيتها كان "خانا" فهذا يفسر لنا لماذا اختار الجاسوسان بيتهما ليقيما فيه، ربما لم يكن أفضل اختيار أن يقيما فى بيتها مباح للجميع ، ولكنه كان البيت المتاح والملائم لأنه كان بحائط سور المدينة. ومن الواضح أن بيتها كان مراقباً من رجال الملك، ولذلك سرعان ما علم الملك بوجود الجاسوسين، فأرسل إليها طالباً تسليمهما ، مما دفعها إلى التصرف السريع، فخبأتهما بين عيدان الكتان المنضدة على السطح لتخفيهما عن أعين رجال الملك. ثم وجهت رجال الملك إلى مخاوض الأردن سعياً وراء الجاسوسين اللذين كانا ما زال مختبئين فوق سطح بيتها.
وصعدت راحاب إلى الرجلين وأعلنت لهما إيمانها باله العبرانيين بناء على ما بلغها عن أعماله العجيبة فى إنقاذ شعبه من مصر، وهزيمة ملوك شرقى الأردن، وكشفت لهما عن الرعب الذى وقع على جميع سكان الأرض وأذاب قلوبهم، والتمست منهما أن يستحيياها وكل أسرتها، وقد ودعها الجاسوسان بذلك، وقد نفذ يشوع هذا الوعد تماما (يش 6: 17 و 23 و25) وكانا قد طلبا منها أن تربط حبلاً من خيوط القرمز فى كوة بيتها (يش 2: 18) وبعدها أنزلتهما بحبل من الكوة وطلبت منهما أن يذهبا إلى الجبل حتى لا يصادفهما رجال الملك . ويجب ألا يزعجنا كذبها على رسل الملك (يش 2: 3-6)، إذ علينا أن نذكر أنها كانت وثنية أصلاً، ولم يمضى عليها فى الإيمان باله إسرائيل إلا القليل. وما قبولها "أما فى إسرائيل" وذكر اسمها فى سلسلة نسب الرب يسوع ، إلا دليل على غنى نعمة الله.
ولا يفوتنا أن نذكر ما كتبه عنها كاتب الرسالة إلى العبرانيين: "بالإيمان راحاب الزانية لم تهلك مع العصاة إذ قبلت الجاسوسين بسلام" (عب 11: 31)، وما كتبه الرسول يعقوب: "كذلك راحاب الزانية أيضا أما تبررت بالأعمال إذ قبلت الرسل وأخرجتهم فى طريق آخر؟ " (يع 2: 25) فأولهما يؤكد خلاصها بالإيمان الذى دفعها إلى عمل ما عملت مع الجاسوسين، وثانيهما يبرز ما عملته كتعبير عملى عن "الإيمان العامل بالمحبة" (غل 5: 6).
 
قديم 16 - 01 - 2015, 03:14 PM   رقم المشاركة : ( 7117 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,078

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

ليدية بياعة الارجوان

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
مقدمة
لست أظن أن في الوجود قصة أبدع وأجل وأجمل من قصة تجديد القلب البشري، قصة المعركة الخفية بين المسيح والشيطان، بين النور والظلمة، بين الحق والباطل، بين السماء والجحيم. هي القصة التي تقف الملائكة والشياطين جميعًا شهودها المترقبين القلقين المتحفزين، هي القصة التي تهتف لها ملائكة الله ويندب لها الشيطان وأتباعه وزبانيه الجحيم، من لنا بالقلم الخفي العظيم يقص علينا قصة كل قلب غزته نعمة المسيح؟ من لنا بمن يقص علينا أطرف قصة وأروعها!؟ قصة الأزلي يتعقب النفوس البشرية، قصة السيد يقف على الباب في حنان ولطف وعطف وصبر وجود، دون كلل أو ملل أو إعياء. سائلاً الدخول والضيافة والبقاء. كلنا نهيم على وجوهنا في هذا الكون لا نعرف راحة أو غرضًا أو معنى أو هدفًا منشودًا، كلنا على الجبال بين الشوك والضيعة والهلاك خراف ضالة يسعى وراءها الراعي العظيم، كلما جوابون أفاقون ضالون تمتد وراءنا في الأفق البعيد عينا الأب القلق الحزين تنتظر رجوعنا من أرض الجوع ومرعى الخنازير.. ها الابن في طريقه إلى العودة! وها الأب لا يكاد يصبر حتى يجيء، إنه بشوق عميق يسعى إليه ويركض للقائه إنه يحتضنه ويقبله ويلبسه الثوب والخاتم والحذاء، يذبح العجل المسمن والبيت كله يموج بالفرح والرقص والغناء.
قصة ليدية بياعة الأرجوان قصة جميلة نموذجية لسعي الله الحثيث وراء القلب البشري، السعي الذي لا يتعب أو يكل أو ينتهي، السعي الذي يسخر الشوق والتعب، المادة والعاطفة، الإنسان والطبيعة، الليل والنهار، النوم واليقظة، الخفي والمنظور، حتى يغزوه ويمتلكه،... منع الروح بولس من أن يوغل في آسيا ويتكلم فيها بكلمة الله، وبعث إليه وهو قلق مرتبك حائر لا يدري كيف يتوجه برجل مكدوني يستغيث: ان «اعبر إلى مكدونية وأعنا» وعبر بولس إلى هناك، عبر ليغزو القلب الأول في أوربا للمسيح، ومن جمال التوفيق أن يكون هذا القلب قلب امرأة لا رجل.
هذه هي المرأة التي أرجو أن نتأملها الآن من نواح ثلاث: المرأة التي فتح الرب قلبها، كيف فتح الرب هذا القلب، الثمار الحلوة لهذا القلب المفتوح.
المرأة التي فتح الرب قلبها
لست أدري لم هفا بالنفس وأنا أذكر ليدية أن أتذكر أنها أسيوية المولد شرقية؟ أهو نازع من نوازع الأثرة يهتف بنا نحن الشرقيين أن نفخر أن القلب الأول للمسيح في أوروبا كان قلبًا شرقيًا خالصًا محضًا؟ أم هي الحقيقة العظمى تتابعنا بفيض من الفرح والجزل عميق أن الشرق دائمًا أستاذ الغرب وملقنه الدين؟ على إنه ينبغي أن نذكر أيضًا في روح من الحق والامتنان أن الغرب قد رد الوفاء جميلاً في جيوش مرسليه العظام البواسل حين أصيب الشرق بمحنته الكبرى التي تركته في أشد ظلام وأتعس فوضى... ولا أنسى أيضاً أن ليدية لم تكن رجلاً بل امرأة، وأن ازدهار المدنية الأوروبية، يرجع قبل كل شيء وأول كل شيء، إلى أن المرأة فيها سبقت الرجل إلى معرفة المسيح، وستظل الكنيسة في أوروبا وسائر أرجاء المعمورة شامخة قوية موطدة الأركان طالما كانت المرأة فيها قبل الرجل ومن ورائه المسيح.. إنها عندئذ ستقدم لنا أنجب الأطفال وأكمل الرجال، بل إنها يومئذ ستنفث في كل شيء روحًا سحرية ماجدة عظيمة،... ولدت ليدية في مدينة ثياتيرا في مقاطعة تحمل اسمها، وكانت لثياتيرا شهرة بالغة في الصباغة وصناعة الحرير، ونحن نعلم من قصة الكتاب أن ليدية كانت تتجر في الارجوان لكننا لا نعلم شيئًا عن السبب الذي دعاها إلى هجرة بلدها والانتقال إلى فيلبي، ألأنها لم تصب حظًا أوفر من النجاح رجته في مكان آخر؟ أم لأنها كما يظن البعض قد قضى زوجها في ثياتيرا، فآثرت المرأة أن تبتعد ما أمكن ببيتها وتجارتها في المكان الذي فجعت فيه بوفاة زوجها، تتلمس شيئًا من الراحة والنسيان والعزاء،لا نعلم! الله وحده يعلم. كما ولا نعلم فيما أظن ماذا يقصد الكتاب بعبارة «أهلها» أهم أولادها وهل كان لها أولاد؟ أم هم خدمها؟ أم العمال المساعدون الذين كانوا معها في تجارتها؟
على مسرح الحياة تقف أمامنا هذه المرأة جريئة قوية باسلة لا تروعها غربة أو يهزمها بعد، أو يقهرها كفاح الحياة، فهي تنأى عن أهلها ومدينتها وعشيرتها لتطلب الحياة والتجارة في بلد بعيد، كما أنها كانت قوية التفكير بارعة الاقناع سديدة الحجة ولعلها قد اكتسبت الشطر الأكبر في هذه الخلة مما ألفته من التعامل التجاري مع الناس، فقد استطاعت بأسلوب جميل رقيق لبق أن تقنع بولس الأبي أن يدخل بيتها، ويخيل إلينا أيضاً أنها كانت قوية الشخصية من أولئك اللواتي يستطعن أن يفرضن شخصيتهن على الآخرين لا بالاستبداد والتحكم والعنف بل بسحر الإعجاب والجاذبية والتقدير، وهذا يبرز جلياً في تأثيرها على بيتها ومن معها، لأن الكتاب يبين أنها ما أن اعتمدت حتى اعتمد أهل بيتها معها، وهل ننسى أنها كانت امرأة كريمة فاض كرمها وتابع بولس أينما ذهب نسيم رائحة طيبة في المسيح يسوع.
كيف فتح الرب هذا القلب؟
نستطيع أن نفهم كيف فتح الرب قلبها اذا تأملنا في أمرين: الممهدات لهذا الفتح، طريق هذا الفتح.
الممهدات لهذا الفتح
وهذا يقتضينا رجعة قليلة إلى الوراء، هل كان حقًا وفاة زوجها أول نداء وجهه الله لهذا القلب، كما يريدنا أحد المفسرين ممن تناولوا شخصيتها أن نفهم؟ وهل كان الحزن ذلك الصوت القوي العميق الذي يرسله الله إلى نفوس الناس لينفض عنهم غبار المادة، وما يرين على قلوبهم من زهو وكبر واعتداد، هو أول رسول سماوي؟ أم أن نفسها كانت من تلك النفوس التي تستجيب لنداءات أعلى مما يبكي الناس ويدعوهم نداء السمو عن الاسفاف الذي هوى إليه الأمم، نداء الشبع والري الذي لا تجده في معبودات ثياتيرا وآلهتها وأصنامها.. الذي نعلمه أنها صدفت عن هذه الوثنية، ونزعت عن خرافاتها، وبحثت عن جناحين تحلق بهما إلى الإله العلي إله السماء: «قد جعلتنا لنفسك وقلوبنا لن تجد الراحة إلا بين يديك» هكذا صاح أوغسطينوس المتعطش إلى الله. ولقد وجدت - وعلى الأرجح جدًا في مدينة ثياتيرا - ما يرضي رغائبها وأشواقها في الديانة اليهودية فتهودت، وسارت في الحياة شديدة الورع متعبدة لإله إسرائيل، ولما ذهبت إلى مدينة فيلبي، وبحثت عن مجمع أو يهود يصلون فلم تجد - وقد كان التقليد اليهودي يجيز لعشرة من الرجال على الأقل أن ينشئوا مجمعًا، إذا جمعهم مكان ما، ويظهر أن فيلبي لم يكن بها هذا العدد - اجتهدت أن تجتمع كل سبت مع أترابها في مكان هاديء منعزل خارج المدينة على ضفة نهر حيث جرت العادة أن تكون صلاة، وحيث يسهل عليهن العبادة والاغتسال والتطهير، إلى هذا المكان جاء بولس، جاء ليغزو القلب الأول للمسيح في أوروبا، جاء ليضع قدم الفادي للمرة الأولى على الأرض الأوروبية العظيمة ومن استطاع أن يدرك عظمة هذه الساعة الخالدة في تاريخ أوروبا والغرب، من استطاع أن يستوعب ما فيها من بذرة الحق والنور والحرية والمدنية والخلود. هذا الرجل الصغير القزم المريض كما كان يحلو لرينان أن يدعوه أشعل في تلك اللحظة أوهج شعلة في تاريخ الحضارة والرقي الإنساني. على ضفاف هذا النهر حدثت معركة من أهم المعارك الحاسمة في التاريخ الروماني. المعركة التي وطدت أسس الإمبراطورية الرومانية العظيمة حين هزم اكتافيوس وانطونيوس بروتس وكاسيوس، لكن هذه الإمبراطورية رغم امتدادها وعظمتها، كان يطل عليها في الأفق البعيد وجه الريك القوطي الذي داس مجدها وهوى بعظمتها إلى التراب والحضيض.. أجل انتهت روما وتلاشى ذكرها بين الناس، وعفا الزمان على كاسيوس وبروتس واكتافيوس وانطونيوس وأباطرة الرومان أجمعين، وتبقى فقط على وجه التاريخ ذلك الرجل العظيم الهائل بولس، ورسالته التي غيرت معالم أوروبا، وشادت إمبراطورية أروع وأجل تتحدى البلى والفناء والانهيار.
طريقة هذا الفتح
ان لله طرقًا عجيبة في فتح القلب، ولعله لم يعامل أبدًا قلبين معاملة واحدة، فهناك قلوب صلدة صلبة، وأخرى هادئة وادعة ساكنة، هناك قلوب تهرع إلى الله مدفوعة بنداء الجمال، وأخرى تأتيه فزعة مروعة من مخاوف الموت، وهناك قلوب تأتي إليه لأنها تحن إلى السماء وموسيقى السماء ومجد السماء، بينما تقرب منه أخرى خوفًا من الجحيم وعذاب الجحيم ورهبة الجحيم.. تقترب منه بعض القلوب إذ ترى نورًا أبهر من الشمس يرهبها كبولس، وأخرى إذ تفزع من زلزال يروعها ويقض مضجعها كسجان فيلبي، وثالثة إذ يأتيها صوت عميق يناديها بتفاهة الدنيا وأوهامها وأباطيلها وغرورها... رأى الأخ لورنس شجرة يعمل فيها الذبول، تساقطت أوراقها وبدت جرداء، ففزع إذ رأى في هذه الشجرة صورة حياته تتجرد من كل جمال، فقدم نفسه لله ليضحى شجرة مغروسة عند مجاري المياه التي تعطي ثمرها في أوانه وورقها لا يذبل، وكل ما يصنعه ينجح، أجل هناك ملايين الوسائل المختلفة التي يستعملها المولى في جذبنا إليه، فأي طريقة بلغ بها قلب ليدية؟ استعمل لوقا في الكلمة «فتح» لفظا فريدا انفرد به وحده في العهد الجديد، والكلمة تعني في الأصل «حل» أو «سرح» أو «فصل» ولعلك قد رأيت الصوف أو الشعر المتشابك يشط ويسرح ويرتب، هذا هو المعنى الدقيق للكلمة. كانت الحقائق أمام ليديه مختلطة يأخذ بعضها برقاب بعض، فجاءها بولس ليفصل بين الحق والباطل، بين النور والظلمة، بين القبح والجمال جاءها بولس ليرسم لها الطريق الفاصل بين الله والشيطان، وما أن وضح أمامها هذا الطريق حتى سارت وراء الله، وآمنت واعتمدت.
لعل صديقنا القديم الذي هتف: «امتحني يا الله واعرف قلبي. اختبرني واعرف أفكاري، وانظر إن كان في طريق باطل واهدني طريقًا أبديا». كان رجلاً يحس صعوبة الفصل بين مسالك الموت وطرق الحياة، بين مواقع النور وأوضاع الظلال. نورًا أكثر!! تلك صرخة جوتة في ضجعة الموت. وهي أبدًا صرخة النفس البشرية الفزعة المروعة في دنيا الأشباح والظلام، الدنيا التي تلبس القبح ثوب الجمال، وتعلو بالرذيلة على هامة الفضيلة، وتضع للشر والأثم والفساد والطمع والحقد وما أشبه من الرذائل أسماء ذاهية ماجنة خليعة، وفي الوقت عينه تلقي بالمحبة والبر والطهارة والخير والوداعة واللطف واليثار والإحسان وكل فضيلة تحت أقدام الأشرار المستهزئين العابثين الدائسين.. ما رسالة المسيحية لدنيا كهذه؟ هي رسالة بولس التي أجملها السيد له وهو على أبواب دمشق: «لتفتح عيونهم كي يرجعوا من ظلمات إلى نور ومن سلطان الشيطان إلى الله حتى ينالوا بالإيمان بي غفران الخطايا ونصيبا مع القديسين» ولقد كشفت هذه الرسالة الأوضاع الحقيقية للآلاف والملايين من الناس، فجعلتهم ينحون مع تشارلس كنجسلي لحكمة وعظمة الثالوث الأقدس، ويتمشون في سفوح الجبال مع وردثورت كمن يتمشى مع الله في معبد، ويصيحون مع صموئيل رزر فورد: إن العالم كله لا يقوم في ضوء النفس الخالدة بأكثر من مليمين. ويغنون مع يوناثان ادواردز لكل جميل في الطبيعة لأنه خلق بابن الله ولمجده، ويصرخون في حزن وألم مع نيوتن وهويتفيلد واسبرجن ومودي والجنرال بوث والوعاظ قديمًا وحديثًا لأجل خلاص الآخرين وفداء النفس البشرية.
الثمار الحلوة لهذا القلب المفتوح
وما أجمل حقًا هذه الثمار وأسرعها وأنضجها وأكملها، إنها لم تظهر فقط في أهل بيتها الذين ترسموا خطى إيمانها فتبعوها، بل في كونها أيضًا قد جعلت من بيتها مكان الاجتماع والعبادة وحين خرج بولس وسيلا من السجن ذهبا إلى هناك ووجدًا الأخوة مجتمعين، كما أنها لفرط تعلقها بالله تعلقت بخدامه، جاهدت مع بولس ورفاقه حتى أقنعتهم بقبول ضيافتها، وأظنه من المفيد والطريف معاً أن نتذكر أن الكلمة «فألزمتنا» المعبرة عن ضيافة ليدية، وردت مرة أخرى فقط في العهد الجديد حين جاهد تلميذا عمواس في اقناع السيد بأن يمكث معهما «فألزماه قائلين امكث معنا لأنه نحو المساء وقد مال النهار» وهل قصد الوحي بهذا أن يرينا صورة حلوة للضيافة بالنسبة للضيف والمضيف معًا، أن بولس كان سيده أبيًا عزيز النفس رقيق الشعور دقيق الإحساس، وهو يرهق نفسه ويثقل عليها حتى لا تبدو - أو على الأقل يظن - أنها ثقيلة على الآخرين، وفي الوقت ذاته نرى ليدية كتلميذي عمواس تعبر عن روح الضيافة الحقة التي يجب أن تسود أتباع المسيح وتلاميذه جميعًا. كانت ضيافتها ضيافة النفس الكريمة الملحة المشوقة التواقة إلى استجابة طلبها كما أنها لم تحسب هذه الضيافة تفضلا منها بل امتياز لها: «إن كنتم قد حكمتم أني مؤمنة بالرب فادخلوا بيتي وامكثوا». لقد اعتقدت أن قبول بولس دخول بيتها مغنم كبير لها وبركة لا تعوض.. أجل أنها لم تكن تنظر إلى الرسول بل إلى ما ورائه. إلى الرب الذي تكرمه في شخص رسوله.. ما أحوجنا كشرقيين ومسيحيين معًا أن نستعيد هذه الروح التي أخذت للأسف تذبل وتتلاشى بفعل المدنية الغربية وتأثيرها فينا.
لا أود أن أختم الحديث عن ليدية دون أن أذكر أنها ومدينتها أشتهرتا بروح السخاء في العطاء والتوزيع. كان القلب الفيلبي أفضل القلوب وأكرمها من هذه الناحية. لقد عبر عن شكره لله بما يعد في الواقع المقياس الحقيقي للحياة المتعبدة. بتقدمة المال.. وها نحن نرى بولس يذكرهم بكل ثناء في ختام رسالته إليهم: «ثم أني فرحت بالرب جدًا لأنكم الآن قد أزهر أيضاً مرة اعتناؤكم بي الذي كنتم تعتنونه وأنتم تعلمون أيها الفليبيون أنه في بداءة الإنجيل لما خرجت من مكدونية لم تشاركني كنيسة واحدة على حساب العطاء والأخذ إلا أنتم وحدكم. فإنكم في تسالونيكي أيضًا أرسلتم إلى مرة ومرتين لحاجتي، ليس أني أطلب العطية بل أطلب الثمر المتكاثر لحسابكم ولكني قد استوفيت كل شيء واستفضلت. قد امتلأت إذ قبلت من ابفرودتس الأشياء التي من عندكم نسيم رائحة طيبة وذبيحة مقبولة مرضية عند الله. فيملأ إلهي كل احتياجاتكم بحسب غناه في المجد في المسيح يسوع ولله وأبينا المجد إلى دهر الداهرين. آمين»...
 
قديم 16 - 01 - 2015, 03:20 PM   رقم المشاركة : ( 7118 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,078

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

سَنة جَدِيدَة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
مثلي كمثل الكثيرين والكثيرات، راودتني الكثير من الأفكار خلال اليوم الأخير من السنة المنتهية 2014. شعرت بالتخمة لكثرة التداول بموضوع التمنيات للسنة الجديدة وما تحمله لنا. نفس الكلمات المتكررة كل سنة مع تغيير الرقم بزيادة واحد كل سنة. ومثال على ذلك: "نتمنى لكم سنة مليئة بالصحة والعافية وهداة البال والمحبة والفرح والسعادة والسلام والخير... الخ"
وبدأت كعادتي أحلل الأمور وأتساءل: الى أي مدى نحن نؤمن أن هذه التمنيات ستتحقق؟ وإن كنا نؤمن بدرجة كبيرة فعلامَ نعتمد في ذلك؟: هل على شيء ما سنفعله (أو نتوقف عن عمله) أو شخص ما أو على الظروف المحيطة بنا أو الأحداث العالمية أو على شيء آخر؟
وكم فرحت بمشاركة لصديقة لي على الفيسبوك تقول : "لا تطلبوا من السنوات أن تكون َ أفضل كونوا أنتم الأفضل فيها فنحن من نتغير أمّا هِي فتزدادُ أرقاماً فقط". فهذا برأيي كلام مقنع.
يقول سليمان الحكيم (في سِفر الجامعة):" الشَّمسُ تُشرِقُ والشَّمسُ تَغرُبُ وتُسرِعُ إلى مَوضِعِها حَيثُ تُشرِقُ... ما كانَ فهوَ الّذي سيكُونُ، وما صُنِعَ فهوَ الّذي سيُصنَعُ فما مِنْ جديدٍ تَحتَ الشَّمسِ. خُذْ أيَّ شيءٍ يُقالُ فيهِ أنظرْ هذا جديدٌ، فتجِدَهُ كانَ في الزَّمانِ قَبلَنا..."
بما أن المستقبل مجهول ولا يمكن لأحد أن يعرف ما سيكون في غده. وبما أن الأحداث حولنا لا تُبَشِّر خيراً وبما أننا نتقدم ونكبر بالعمر ولا أحد يضمن الصحة أو جودة الحياة، فمن الحكمة الأخذ بتوصيات من يعرف. تحمل لنا كلمة الله، الكتاب المقدس فَكر الله الموحى به فتقول: "... لأني عرفت الأفكار التي أنا مفتكر بها عنكم يقول الرب أفكار سلام لا شر، لأعطيكم آخرة ورجاء."(سفر إرميا 29: 11)
وفي رسالة تيموثاوس الأولى:"... وعلَيكَ أنْ توصِيَ أغنِياءَ هذِهِ الدُّنيا بِأنْ لا يَتكَبَّروا ولا يَتَّكِلوا على الغِنى الزّائِلِ، بَلْ على اللهِ الذي يُفيضُ علَينا بِكُلِّ ما نَنعَمُ بِه، وأنْ يَعمَلوا الخَيرَ ويكونوا أغنِياءَ بِالأعمالِ الصّالِحَةِ، وأنْ يُحسِنوا بِسخاءٍ ويُشارِكوا غَيرَهُم في خَيراتِهِم. وهكذا يَخزِنونَ لأنفُسِهِم كَنزًا يكونُ أساسًا جيِّدًا لِلمُستَقبَلِ، فَيَنالونَ الحياةَ الحَقيقيَّةَ."
كما يكتب الرسول بطرس:" فبما أن هذه كلها تنحل أي إناس يجب أن تكونوا انتم في سيرة مقدسة وتقوى منتظرين وطالبين سرعة مجيء يوم الرب الذي به تنحل السموات ملتهبة والعناصر محترقة تذوب. ولكننا بحسب وعده ننتظر سموات جديدة وأرضا جديدة يسكن فيها البر".
أقول عن اختبار وتجربة: ما أشقاها من حياة نحياها من غير الإيمان بالله الخالق، الذي كان من البدء وما أروع حياة الإيمان بالله الحي الذي لا يتغيّر والاتكال على وعوده الأمينة ف"... هو هو أمسا واليوم وإلى الأبد".
سنين طويلة مضت والرب معتني بيّ *** وكل يوم محمول عالأذرع الأبدية
 
قديم 16 - 01 - 2015, 03:22 PM   رقم المشاركة : ( 7119 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,078

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

الغيرة الحسنة

"حَسَنَةٌ هِيَ الْغَيْرَةُ فِي الْحُسْنَى كُلَّ حِينٍ" غلاطية 4: 18
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
هل الغيرة جيدة؟

الحقيقة أن الغيرة نوعان أساسيان، وهما:
1. الغيرة المرّة: وهي الغيرة السلبية التي تنافس الحسد، مشاعر مريضة ومريرة تؤذي صاحبها أولا قبل أن تؤذي المحيطين به، تـُعمي البصيرة حتى تصبح الشكوك والظنون مكان الحقيقة والواقع، ويتحدث عنها الكتاب المقدس بقوله "ولكن إن كان لكم غيرة مرة وتحزب في قلوبكم فلا تفتخروا وتكذبوا على الحق" يعقوب 3: 14. فحذار من مرارة هذه الغيرة وضراوتها فهي تنهش العظام وتتفشى في الجسم دون سابق إنذار كالسرطان.
2. الغيرة الحسنة: وهي أن ترجو الخير لنفسك كما تتمناه للآخرين. فتنظر إلى السلوك الايجابي للآخرين، تتحدى ذاتك والصعوبات من أجل الوصول إلى الهدف السامي الموضوع أمام ناظريك. يعجبك تصرف وسلوك أحدهم، صموده في الظروف الضاغطة، اجتهاده وتحديه للصعاب، نظرته الايجابية للحياة، رؤيته دائما لنصف الكأس الممتلئة، يسعى نحو الغرض دائما وإن تعثر يقوم ويتابع المسير، فتغار منه للحسنى، أي تتمنى أن تتحلى بما يتحلى به، وأن تكتسب الصفات والسلوكيات الايجابية المميزة فتكون من نصيبك. وكل هذا نابع من احترامك وتقديرك العلني والخفي لما لدى الآخر، وما يمكنك أن تتعلم منه وتقتدي به، فأنت هنا لا تطلب سلب ما للآخر أو تقليل قيمته، بل تنظر إلى جوانب القوة والنجاح لديه، وتتمنى وتنوي وتعمل لتصبح مثله في هذا الأمر أو الجانب، تحتذي حذوه في النجاح والتقدم، في الحياة السعيدة والسلام الداخلي، في خدمة الآخرين والأمانة..
يؤكد لنا الرسول بولس أهمية هذا النوع من الغيرة واستحسانه له بقول الوحي: "حسنة هي الغيرة في الحسنى كل حين.." غلاطية 4: 18.
فليتنا جميعا نترك الغيرة الحسودة المرّة المؤذية، وندرب أنفسنا وأذهاننا على الغيرة البناءة التي تكرّم وتحترم، تتعلم وتقتدي بسلوك وانجازات ونجاحات الآخرين، وتركز طاقاتها لتحقيق أهداف إيجابية بناءة، للانطلاق والتحليق في فضاء مشورة وخطة الله الرائعة، الكاملة والصالحة تجاهنا.
قل لي: ما نوع "غيرتك"؟ أقول لك من أنت!
 
قديم 16 - 01 - 2015, 03:24 PM   رقم المشاركة : ( 7120 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,078

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

معنى الميلاد

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
ها نحن على أبواب استقبال مناسبة من أجمل المناسبات، حقًا ليست مجرد حَدث من الماضي أو في المخيّلة انتقشت كذكريات. الميلاد ليس فقط فرصة لتبادل التحيات والمعيادات، وليس بابًا ذهبيًا للربح والمبيعات. إنه يسمو ببعدٍ آخر فوق المرئيات، إنه تدبير للخلاص من إله السماوات، فيه تمت الوعود وتجسدت النبوءات، ورنمت الملائكة بأجمل الترنيمات.
حقًا انَّ حادثة الميلاد فريدة، أنها إعلان المحبة الأكيدة. ميلاد المسيح قَسّمَ التاريخ إلى نصفين، قسم البشر إلى نوعين: الأول اعلنَهُ ربًا، والثاني أرادَ موتَهُ صلبًا!
واليوم أصبح شهر الميلاد، شهرٌ من التجهيز والإعداد لجذب أكبر عدد من السُّواح. ويا للأسف، فإنك بصعوبة تجد أيَّ ذكر لمعنى العيد الحقيقي، وها هو اسم صاحب العيد يُخبأ في ستار التعايش والمجاملات. فالعيد أصبحَ عيد التآخي وبناء جسور وعلاقات! وصاحب العيد يتساءل: "أينَ مكاني وسط كل هذه الإعتبارات"؟
دعني أخبرك صديقي بمعنى العيد الجوهري والحقيقي:
في كل حرف من احرف كلمة "ميلاد"، يختبأ معنى وإعلان بين الطّيات:
"م"- مغفرة: عِندما ظهرَ الملاك ليوسف في حلم، أعلَنَ لهُ عن إسم المولود: "وتَدعو اسمه يسوع، لأنه يُخلص شعبه من خطاياهم"(متى 1: 21). والإسم في الكتاب المقدس يحمل شخصية صاحبه. إسم "يسوع" معناه المُخلّص. فميلاده كان المحطة الأولى في رحلة الصليب. نعم، يسوع لم يولد كأي طفل، ولم يُسَمى أحد بهذا الإسم سواه، لأنه هو المخلص ومانح الغفران.
لَقَد خلَّصنا وغفر خطايانا وغطاها بدم الصليب. وقد أوصانا أن نغفر للآخرين كما غَفرَ هو لنا (إغفروا يُغفَر لكم- لوقا 6: 37). وإذا أردتَ أن تتمتع بميلاد حقيقي، تَيَقّن من غفران خطاياك، كذلك اترك للآخرين زلّاتهم، واطلب من الرب قُوّة لتغفر لكل من أساء اليك.
"ي"- يقين: فقد تَمَّت النبوءات المتعلقة بمجيء المسيا في الميلاد، لقد جاء اليوم الذي وعَد به الرب الآباء والأجداد، رغم الإنتظار الطويل، لكن أخيرًا جاء الميعاد. إنه إله اليقين وكل كلمة خرجت من شفتيه خاليه من الشبهات والتشكيكات. "في ملىء الزمان"، في الوقت المُعيّن لإعلان محبة القدير، وبعد شَق وتهيئة الطريق والظروف لاستقبال المولود السماوي، تَمَّ الأمر أخيرًا. لربما تنتظر تحقيق وعدٍ وعدك به الرب منذ سنوات طويلة، وانتظرت ليالي ولم تظهر أي علامة وليس باليد حيلة، وقلت في نفسك: "إن طلبتي للتحقيق مستحيلة". أشجعك أن ترفع أعينك الى السماء وتلتمس من الرب الرجاء. ففي الوقت المعَيَّن سيأتي إليك مُختَرقًا ظروفك، مانحاً لك العزاء. فهو لا يُغَيّر ما خَرَج من شفتيه (مزمور 89: 34) "لأنَّ مهما كانت مواعيد الله فهوَ فيه النَّعَم وفيه الآمين" (2 كورنثوس 1: 20). إنه إلإله الأمين، إنه إله اليقين.
"ل"- لمسة إلهية: بميلاد المسيح، لامَسَت السماء الأرض! وخلال حياته، جالَ يصنع خيرًا ويشفي الناس، يلمس بيديه الحنونة والقديرة أعين العميان فتُفتح، والمرأة المنحنية فتنتصب، يلمس النعش فيقوم الميت. إن لمسته فيها شفاء، قوة وحياة. قد تحتاج إلى لمسة إلهيه اليوم: لمسة للشفاء، للقوة، لبناء علاقاتك، ولعملك، أو لمسه لإحياء قلبك وحياتك الروحية. أطلبهُ، إنه حي، وحتمًا لن يَرُدّك خائبًا. أطلبه ليلمسك لمسه حقيقية في هذا الميلاد، ويعطيك سؤل قلبك في الميعاد!
"أ"-أمل: بعد 400 سنة فاصلة بين العهد القديم والعهد الجديد، 400 سنة لم يكن فيها أي كلمة أو إعلان من السماء، وبعد فشل كل محاولات الإنسان البائسة بإصلاح نفسه وبالتقرب إلى الله، لاح نور الأمل في الأرجاء، وسَطَع مجد الرب في السماء، مُعلنًا الأخبار السارة لرعاة فقراء وبسطاء! "ولدَ لكم اليوم مُخلص"، هذا المُخلص أدخَل الأمل إلى العالم اليائس، الأمل بالخلاص، الأمل لحياة أفضل وعهدٍ أفضل. قد تكون ظروفك قاسية، وحاولتَ محاولات عديمة الجدوى لتغييرها، تعَثّرتَ مرة تلو الأخرى، لقد جاء المسيح ليعطيك الأمل والرجاء. إنه رجاءٌ حي يتجدد في كل يوم، ويغلب كل تعبٍ ويأسٍ وَهَم. إن كنت تجتاز في ضيق وتصرخ:"ما العَمل"؟ إلتفت اليه، فتجد الراحة والسلام والأمل.
"د"- دفئ: يمتاز موسم الميلاد بأجوائه الدافئة، المملوءة والمشحونة بالمحبة والتَوَدُّد. لكن ماذا مع القلب؟ هل اختبر دفئ محبة الله؟ أم ما زال مُجمّدًا ببرودة العالم والخطية. لقد ولدَ المسيح في مذوذ، ولم يكن له ما يُدَفّئهُ سوى أنفاس الحيوانات! اختبر البرد، لذالك فإنه يعرف جيدًا معنى هذا الشعور.
إن كانت محبتك للرب قد بَرَدت، ومحبتك للآخرين كذلك، وإن كنتَ قد فقدت حرارتك وحماسك في الخدمة، في العمل أو في العلاقات، اقترب منه، وأطلب بأن يسطع بنور محبته ويذيب كل جليد في داخلك، وشعاعه يحيي كل مجالاتك.
وفي النهاية، أتركك مع هذا السؤال: "ما الذي تحتاجه في هذا الميلاد؟ اهو الغفران، أم اليقين، أو أنت بحاجة ماسة للمسة إلهية؟ أو أن يَدُبَّ في قلبك الأمل من جديد؟ هل تشتاق ان تختبر دفئه؟
لتكن صلاتك في هذا الميلاد:"أتوجك يا رب ملكًا على حياتي وقلبي، على فكري وجسدي، أنا لك طول الزمان، يا من تَجَسدت في صورة إنسان"!
 
موضوع مغلق


الانتقال السريع


الساعة الآن 04:41 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024