فترة التأهيل في علاج المدمنين
رابعًا : فترة التأهيل Rehabilitation
خلال فترة التأهيل يجب الالتفات إلى الأمور الآتية:
1 - مشكلة الإدمان تمثل مشكلة صعبة لأنها متفرعة ومتشعبة، فالشق الطبي ليس هو الشق الوحيد للمشكلة، فالذين يتم علاجهم طبيًا فحسب تبلغ نسبة الانتكاسة إلى 80% ولكن هناك أمور أخرى يجب الالتفات إليها خلال فترة التأهيل مثل الشق النفسي، والشق الاجتماعي، والشق الأسرى التربوي، والشق القانوني، والتقصير في علاج أحد هذه الفروع يقود إلى الانتكاسة، وبسبب تشعب مشكلة الإدمان صدر القرار الجمهوري رقم 450 لسنة 1986م الخاص بتشكيل المجلس القومي لمكافحة المخدرات وعلاج الإدمان.
2- يمر المدمن بعدة مراحل نفسية وهي:
أ- مرحلة التقرير: وتبدأ باللحظة التي يقرّر فيها المدمن أنه محتاج للمساعدة والعلاج للخروج من الورطة التي تواجهه، وقد تأتي هذه المرحلة بمساعدة الآخرين ومحاولتهم في إقناع المدمن بضرورة بدء العلاج، والعودة للحياة الطبيعية.
ب - مرحلة اتخاذ قرار العلاج: حيث يتقدم المدمن بإرادته لعلاج أعراض الانسحاب. ثم اجتياز مرحلة التأهيل بإرادته، وقد يقضيها المدمن في بيته أو في أحد بيوت التأهيل.
ج - مرحلة الاستقلال عن المواد المخدرة: حيث يعيش الإنسان حرًا، ويستمر في حياته بدون حاجة إلى المخدر.
د - مرحلة الانتكاسة: التي قد يتعرض لها المدمن في لحظات الضعف، وهي ليست نهاية المطاف إنما هي مرحلة من مراحل العلاج، فيجتازها الإنسان ويستكمل مشوار العلاج.
3- تبدأ فترة التأهيل بعد انتهاء مرحلة علاج أعراض الانسحاب، وتستمر فترة التأهيل عدة أشهر وقد تصل إلى عدة سنوات، وهي بمثابة ولادة جديدة لينزل الإنسان إلى الحياة بعقل جديد وفكر جديد، وتشمل فترة التأهيل تأهيل أسرة المدمن لتتعلم كيف تتعامل معه، وكيف تقدم له أقصى طاقات الحب، وتشجعه على الاستمرار في النجاح، ولا تجرح مشاعره ولا تحتقره ولا تزدري به لئلا يعود إلى ما كان عليه، وفي نفس الوقت تكون حذرة فيما يصل إليه من نقود لئلا يعود إلى شراء المواد المخدرة.
4- خلال فترة التأهيل قد يحتاج الإنسان إلى تغيير البيئة التي يعيش فيها، والأصدقاء الذين اعتاد عليهم ولاسيما أصدقاء الإدمان، فقد حكى أحد الأطباء المتخصصين في مجال مكافحة وعلاج الإدمان عن شخص كان يسكن في منطقة موبوءة بالمخدرات، فبدأ يدخن السجائر في الصف الثاني الإعدادي، ورغم إن والده كان يعاقبه على التدخين إلاَّ أنه لم يقلع عنه بسبب تمسكه بأصدقاء السوء، وعندما وصل إلى الصف الأول الثانوي التجاري كان يشرب البيرة مرتين في الأسبوع، ويتعاطى الحشيش، وكان يعمل بجوار دراسته في مجال النقاشة! وكان يكسب ولكن كل ما يكسبه بالإضافة إلى المصروف الذي كان يأخذه من والده لم يكفي مصاريف الإدمان..
مرت الأيام وتطور به الأمر إلي السرقة من جيب والده ومحفظة والدته، وكل ما تصل إليه يده لا يكاد يكفيه للصرف على المزاج اليومي. إذ كان يشرب كل ليلة خمسة زجاجات بيرة بالإضافة إلي ربع أو نصف لتر من الخمور، علاوة على علبتين سجائر يوميًا.
وعندما وصل إلى التاسعة والعشرين من عمره انحرف أكثر وبدأ يتعاطى برشام أبو صليبه، وعندما ساءت حالته دخل إلي مستشفي خاص وأمضى بها فترة علاج أعراض الانسحاب، وخرج منها إلى أحد الأديرة حتى أمضى عشرة أيام. ثم ذهب إلى مزرعة الدير لمدة أربعين يومًا، وجاهد كثيرًا حتى توقف عن الإدمان، وتزوج وسكن مع أسرته وأنجب طفلًا ولكنه مات. ثم رُزِق بطفل آخر كان يحبه ويهتم به كثيرًا.
وبسبب أصدقاء السوء تعرض للانتكاسة وعاد إلي الإدمان فاختل حاله وماله، وساءت علاقته مع زوجته وأسرته، وأهمل ابنه الذي كان يحبه كثيرًا، وكفَّ عن الصرف على احتياجات البيت مما دفع الزوجة إلى ترك البيت مرارًا وتكرارًا، ورغم محبته الشديدة لها إلاَّ إن المخدر كان الأقوى فخلعه بسهولة من وسط أسرته.. حقًا إنه كان إنسانًا رقيق المشاعر للغاية، ولكن الإدمان دمر هذه المشاعر الرقيقة.. انظر يا صديقي إلي ما كتبه لزوجته:
"ومرَّ الزمان.. وفات الشباب رضَّيًا حبيبًا..
وخلف للقلب أجمل ذكرى..
وجاءت كأجمل ما في الحياة.. عبيرًا يرد ربيع الحياة..
شبابًا يفور بنار ونور..
وقالت لي العين أقوالها.. وزلزلت الروح زلزالها..
أتاك الشباب بأيامه العاطرات.. وأتاك الربيع بأزهاره اليانعات..
وقالت وقلت وشبَّ الهوى.. وهبَّ بقلبي أريج روى..
وقالت حبيبتك، واستضحكت.. ولولا مشيبي ما أفصحت..
فلم تدري إن الهوى قصتي.. وإن الأسى فيه من متعتي.. وأن الهوى حيث كنا يكون..
وإن كنت منتظرًا للرحيل..
حبيبتك. إني أحبُ الحياة.. وفيك عبدتُ جمال الإله.. فما الحبُّ إن عفَّ إلاَّ صلاة..
فكوني كما شئت يا حلوتي.. نعيمًا آتي أم لظا جفوني.. سعادة حبي أم شقوتي..
فإنك للعين إنسانها.. وإنك للروح بنيانها.. وأنت بقلبي سويداءه..
وإن كنت منتظرًا للرحيل..
فإن هز قلبك غصن ذوى.. وأجرى دموعك طير هوى..
فإن فؤادًا هناك انطوى.. على جرحه وطواه الرحيل".
وفي لحظة اتخذ الزوج قراره بالتوقف عن الإدمان.. فلماذا؟ لأن والدته سافرت إلى أمريكا بعد أن مات والده، وضج أخوته من سوء تصرفاته إلى الدرجة التي طردوه من بينهم إلى الشارع، وها زوجته وابنه قد فارقاه.. وجد نفسه في الشارع وحيدًا شريدًا فصمَّم على التوقف عن الإدمان، وفضل الموت عن حياة الدمار التي يعيشها.. توجه إلى جمعية كاريتاس لبدء العلاج، فأرسلوه إلى مستشفي المعمورة حيث أمضى شهرًا تعالج خلاله من أعراض الانسحاب.. لم يزوره أحد غير شقيقه الصغير الذي حضر له بعد 21 يومًا من دخول المستشفي وأحضر له علبة سجائر فرفضها بشدة بعد أن انقطع عنها، وقال بعزة نفس عندما أخرج وأشتغل أشترى السجائر التي أريدها، وكان الأخصائي النفسي قد قدم له سجائر من قبل فرفضها بإيباء وشمم.
وبعد أن خرج من المستشفي جاء قراره الصائب بتغيير البيئة التي يعيش فيها، والهروب من الأصدقاء الذين اعتاد عليهم، فذهب إلى منطقة برج العرب وبدأ حياة جديدة مستقرة، وعادت إليه زوجته وابنه وعادت إليه بسمة الحياة بعد أن نجا من موت الإدمان.
5 - خلال فترة التأهيل يبرز دور المجموعة العلاجية التي ينضم إليها المريض حيث يكوّن الجميع صداقات قوية عوضًا عن صداقات المخدرات التي خلع الإنسان نفسه منها، وفي الجلسات الجماعية يحكي كل عضو ما بداخله فيستريح، ويشعر أنه ليس وحيدًا ولكن هناك من يسير معه في نفس الاتجاه، كما ذكرنا أيضاً هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى.فالفريق المعالج بجواره يعرف مشاعره وأحاسيسه وما يمر به من أزمات، ويرى زملائه يتلقون العلاج والتأهيل مثله، ويعرف طريق التأهيل عدَّة مراحل لا تنتهي بين عشية وضحاها، وأيضًا في المجموعة العلاجية يتم تبادل الخبرات مع التوجيه والإرشاد والمساندة من جانب الفريق المعالج، ومما هو جدير بالذكر أن البرنامج العالمي في تأهيل المدمنين يعتمد على نشر روح المحبة والإخاء بين فريق المعالجين وفريق المدمنين، وتكوين صداقة بينهم لا تنتهي بانتهاء فترة التأهيل بل تنمو وتستمر وتزداد.
ويحكي الأستاذ الدكتور فيكتور سامي عن شاب كان عمره أربعة وعشرون عامًا، وكان يعمل مع والده في معرض سيارات، ويتمتع بشخصية قوية، وبينما كان يزور أحد التجار في مكتبه، ولكيما يحتفي به هذا التاجر قدم له تذكرة هيروين، وأراد هذا الشاب أن يظهر بمظهر المجرّب الخبير فاستنشق الهيروين وسقط في الإدمان، وبدأ يستنزف رأس مال والده.. أدخله والده إلى المستشفيات المختلفة عدة مرات بدون إرادته فكان يأخذ معه الهيروين بطرق مختلفة إلى داخل المستشفي، ولكن عندما اقتنع هذا الشاب بضرورة التوقف عن الإدمان دخل المستشفي بإرادته، وعندما أنهى مرحلة الانسحاب انضم إلى مجموعة علاجية من الذين قرروا التوقف عن الإدمان، فتصادقوا معه وأحبوه وأحبهم، وصاروا يمثلون عنصر ضغط عليه، فأخذ يجاهد ويسقط ويقوم، والمجموعة تشجعه ولا تتخلى عنه، فهي خير معين له، وهو في تحسن مستمر(2).
6 - في خلال فترة التأهيل يتلقى المدمن العلاج النفسي سواء عن طريق الجلسات الفردية مع الطبيب النفسي، أو عن طريق الجلسات الجماعية مع المدمنين الذين يتلقون العلاج، فمثلًا مدمن الحشيش الذي اعتاد نفسيًا على جلسات الحشيش وما يدور فيها من ضحكات وقفشات يحتاج أن يتعلم التخلي عن هذه الجلسات، ويستعيض عنها بالجلسات النظيفة مع أصدقائه من المجموعة العلاجية.
في العلاج النفسي أيضًا يتعلم المدمن كيف يعمل جرد ذاتي لأخطائه كتابة، وكيف يحصي الخسائر.. الناس الذين أساء إليهم، وأخطأ في حقهم، وسرق منهم، وجار عليهم، وكذب عليهم، وأجرم في حقهم، ومثل هذه الأخطاء المكتوبة يعود المدمن إلى قراءتها في وقت الزمَّة واللهفة إلي المخدر فيعود إلى عقله، وتصبح هذه الأخطاء المكتوبة بمثابة سيفًا معه يحارب به الإدمان. بل إن الإنسان المدمن الذي تعافي يستطيع أن يواجه ضعفاته ويذكرها بشجاعة أمام أي إنسان آخر ولا يخفي هذه الأخطاء الماضية ولا ينكرها.. حقيقة إن المدمن عندما يتعافي يكون أفضل كثيرا من أي شخص آخر.
وفي العلاج النفسي يتعلم الإنسان كيف يكتشف أخطائه ويستفيد منها، ولا يلقي باللوم على الآخرين، ويتعلَّم أيضًا من خلال التدريبات العملية كيف يتخذ القرار الصحيح في الوقت المناسب، وكيف يتصدى للمشاكل والضغوط اليومية بطريقة صحيحة ولا يهرب منها.
وفي العلاج النفسي يجب احترام المدمن حتى لو كان صبيًا عاطلًا بلا عمل، ولا يجب احتقاره والازدراء به كمجرم بل يجب معاملته بلطف وحزم كمريض، ومن هذا المنطلق يجب إشراكه في خطة العلاج، ويقوم الطبيب بمساعدته على التعرف على مشكلته وأبعادها المختلفة، ويوقظ فيه الإرادة التي تآكلت.
ومن طرق العلاج النفسي السلوكي المشهورة طريقة بودن H.M. Boudin التي تعتمد على:
أ - تدريب المدمن على مراقبة نفسه، ورصد كل ما يصدر عنه.
ب - تدريب المدمن على تقييم أفكاره وتصرفاته تقييمًا صحيحًا.
ج - تدريب المدمن على تعديل السلوك الخاطئ واستبداله بسلوك صحيح.
وقد تم تطبيق هذا البرنامج على عدد من مدمني الهيروين الذين صدرت ضدهم أحكام قضائية بالعلاج في مدينة جينزفيل بولاية فلوريدا في أمريكا في السبعينيات وكانت النتائج مشجعة.
ومن أمثلة الجلسات الفردية مع المدمن أن الطبيب المعالج يقوم بالاستماع للمريض الذي يقدم تقرير شفاهي عن الأيام السابقة، ويحاول الطبيب أن يلخص أقوال المريض ويعيدها على مسامعه لكيما تمثل بالنسبة له مبادئ ثابتة ترسخ في ذهنه، فإذا قال المريض: إن الهيروين حطمني، وحطم أسرتي، وأضاع ممتلكاتي، وتسبب في ديوني، وجعل الحياة بالنسبة لي سجنًا.. يقول له الطبيب المعالج: حسنًا قلت، وحسنًا شخصت جميع المشاكل التي نجمت عن الهيروين وهي كذا وكذا وكذا..
وفي هذه الجلسة الفردية يسأل الطبيب المريض الأسئلة التي تساعده على الإفصاح عما بداخله، فإذا حاول المريض إخفاء الحقيقة، فقد يسلك معه الطبيب مسلك محامي الشيطان فيقول له مثلًا: حقًا لا توجد أية مشاكل تذكر مادام الإنسان يتعاطى الهيروين بتحفظ، فيعترض هذا المريض قائلًا: لا وألف لا.. هذا مستحيل، لأن مشاكله لا تعد ولا تحصى.
فيطالبه الطبيب بذكر بعض الأمثلة لهذه المشاكل، فيتحدث المريض باستفاضة عن هذه المشاكل..
فيسأله الطبيب: هل اختبرت هذا بنفسك؟
فيجيب المريض: نعم.. أنا أتكلم من واقع الخبرة.
وفي نهاية الجلسة يكون قد تم الاتفاق بين الطبيب والمريض على الاعتراف بوجود مشكلة حقيقية للإدمان، ولا بد من مواجهتها والتخلص منها، والعزم على تغير السلوك الخاطئ، مع الاستعداد الكامل لتحمل التضحية اللازمة للخلاص من هذا الموت.
وتتراوح مدة الجلسة بين 30، 45 دقيقة، وتتم بواقع ثلاث مرات أسبوعيًا مع الطبيب النفسي والأخصائي النفسي والأخصائي الاجتماعي، وفي الجلسات التالية يخبر المريض الطبيب عن سلوكياته في الفترة السابقة والطبيب يناقشها معه، فيؤكد على الصحيح منها، ويكشف القناع عن الخطأ، ويترك للمريض الحكم على الخطأ، ويظل الطبيب ينمي في المريض هذه المقدرة على مراقبة نفسه، مع قبول التصرف الصحيح ورفض التصرف الخاطئ، حتى يصبح ضمير الإنسان هو الحكم والقاضي والميزان الحساس والترمومتر الذي يميز بين الصح والخطأ، ويظل الطبيب أيضًا يعلم المريض كيف يرفض الأمور الخاطئة، ويقول للخطأ: لا.. لا..
ومع تكرار الجلسات قد يحتاج الطبيب إلي تذكرة المريض بالأحداث المؤلمة التي مرت عليه بسبب الإدمان، ويعمل الطبيب على تحطيم الأفكار التي تدفع المريض للعودة إلى الإدمان، ويذكي فيه المشاعر والأفكار التي تقاوم الإدمان وترفضه، وينمي الطبيب أيضًا في المريض الثقة بالنفس، ويسهل له طريق النجاة، ويزرع الأمل أمامه ويشدد الركب المرتعشة والأيادي المخلعة حتى يشعر المريض في نهاية الجلسة أنه قد تغيَّر كثيرًا عن بدايتها، وربما تستمر هذه الجلسات ستة أشهر بمعدل ثلاث جلسات أسبوعيًا. ثم بعد ذلك يكون هناك جلسة كل أسبوعين. ثم كل شهر أو كل شهرين، وأخيرًا في مرحلة المتابعة يكون اللقاء مرتين في العام.
7 - خلال فترة التأهيل يتلقى المريض العلاج الاجتماعي عن طريق الأخصائي الاجتماعي الذي يعتبر أحد الأعمدة الهامة في الفريق العلاجي، فيتولى علاج المدمن اجتماعيًا، ويشمل هذا العلاج:
أ - إعادة التأهيل
ب - إعادة الاستيعاب الاجتماعي
أ- إعادة التأهيل:
أي إعادة تأهيل المدمن ليعود إلى عمله مع توجيهه وإرشاده حتى يؤدى نفس العمل بنفس الكفاءة التي كان يعمل بها قبل الإدمان، وإذا لم يمكنه العودة إلى هذا العمل بسبب ارتباطه بأصدقاء السوء مثلًا أو قربه من المخدرات أو ارتباطه بمشاكل يصعب التغلب عليها، فإنه يتم تأهيل المدمن على عمل جديد.
ب- إعادة الاستيعاب الاجتماعي:
أي تدريب المدمن في فترة التأهيل على التخلص من العادات والسلوكيات التي اكتسبها خلال فترة الإدمان، مع التدريب على اكتساب عادات جديدة حسنة، فمثلًا إذا كان المدمن قد تعود على جلسات الحشيش، حتى أصبحت هذه الجلسات في حد ذاتها ولو بدون مخدر هي نوع من الإدمان فيجب على الإنسان أن يتخلص منها، فلا يأخذه الحنين إليها، وإنما يتعود على جلسات جديدة نظيفة مع أصدقاء مخلصين. كما يجب خلال هذه الفترة أن يتم علاج الأسباب التي قادت المدمن إلي الإدمان.
وبعد أن خلع المدمن نفسه من أسرته، وترك أصدقائه المخلصين الملتزمين، وانزوى عن المجتمع، يعود يصل الحلقات التي تحطمت ويبني الجسور التي انهارت، ويعيد العلاقات الأسرية القوية متحملًا واجباته التي أهملها، ويعود إلى أصدقائه الأولين ويرتبط بهم أكثر، ويعود إلى مجتمعه مشاركًا كمواطن صالح في بناء بلده، وبعد أن تعود المدمن الحياة بالمخدر يتعود على الحياة بدون مخدر، وأيضًا خلال هذه الفترة يتم عمل اجتماع أسبوعي لعائلات المدمنين التي عانت كثيرًا من متاعب الإدمان، وخلال هذا الاجتماع يتم تأهيل الأسر للتعامل مع المريض، وكيفية مواجهة أي أمر طارئ إذا عاد المريض للإدمان، وسرعة الاتصال بمركز العلاج.. الخ.
8 - خلال فترة التأهيل يمارس المدمن الرياضة التي تقوي عضلة القلب، وتقوي الإرادة، وتمنحه الثقة بالنفس، وتعطيه إمكانية التحدي مع الإحساس بالرضا، ويشعر أنه ما دام قد استطاع ممارسة النشاط البدني فهو يستطيع أن يمتنع عن الإدمان، ولا سيما أنه بعد عشرة أيام فقط من ممارسة الرياضة يستطيع الإنسان أن يسجل تقدمًا ملحوظًا في لياقته البدنية، كما إن ممارسة المدمن للتمرينات الخاصة بالتنفس تجعله يشعر بالتحسن، فبعد أن كان يعاني من صعوبة التنفس ولا سيما عقب بذل مجهود ولو قليل فإنه يشعر إنه صار للأفضل.
9 - في فترة التأهيل لا نهمل العلاج الروحي، فإثارة الوازع الديني في نفس المدمن - بعد أن يتقدم في طريق العلاج وتتحسن حالته - تقوي الضمير الذي يعتبر رقيبًا على تصرفات الإنسان، ويقول د. نبيل صبحي " إن تجاهل الجانب الديني في محاربة الإدمان يُضيّع علينا فرصة استخدام دواء فعال للمقاومة والعلاج والوقاية في نفس الوقت. ذلك إن الناس يثقون في دور العبادة وفيما يقوله رجال الدين، ويعدلون سلوكهم وفقًا لما يثقون أنه يرضي الله، ومن المعروف أن هناك كثيرون يمتنعون عن الخمور وغيرها استجابة لوازع ديني لا أكثر.. ويمكن أن يؤدى المفهوم الديني عن قيمة الإنسان إلى استعداد أكبر لبذل الجهد من أجل النفوس التي تحتاج أن يرعاها ويبذل من أجلها الجهد لكي تخرج من سجنها الإدماني، ويتحرر الإنسان من أن يصبح حبيس قطعة حشيش أو زجاجة خمر طوال عمره. إن تقديرنا لقيمة الإنسان الذي فداه الله يساعدنا على أن ندرك المعاناة التي يعيشها المدمن وتعيشها أسرته، فنبذل الجهد من أجل أن نشاركهم الحل" (1).
ويقول أ. د. فيكتور سامي إن أحد المدمنين الذين ذهبوا إلى بيت التأهيل أمضى ثلاثة أشهر ، ولم يجد الدافع الذي يدفعه للتغير، ولكنه بعد هذه الفترة حلَّ أسبوع الآلام واستمع إلي لحن "كي بيرتو" بنغمة الحزن فخلق داخله الدافع القوي للتحرر من الإدمان، وأيضًا يقول الدكتور فيكتور إننا لو علَّمنا المدمن كيف يقرأ الكتاب المقدَّس ويتفاعل معه، فإن الكتاب سيعلمه كيف يقلع عن الإدمان، وفي السويد يوصون المدمن بأن لا يحتفظ بأي سر مع نفسه، ولذلك يحضر لهم الأب الكاهن في بيت التأهيل ليعطيهم فرصة الاعتراف بكل ما في نفوسهم كنوع من العلاج الروحي.
فالحب والعلاج الروحي قادر على تحويل تاجر المخدرات إلي خادم عظيم يكافح ضد الإدمان، فقد حكى لنا أ. د. فيكتور سامي في مؤتمر الإدمان بالفيوم 26، 27 /11/ 2001 عن زيارته لمركز علاج الإدمان في سانت أنطونيوس بتكساس، وهذا المركز يقع في منطقة موبوءة بالمخدرات مثل حي الباطنية في القاهرة.. البيت مكوَّن من دورين، عليه من الخارج لافتة كبيرة رُسِم عليها صليب يقطر دمًا، وقطرات الدم تتقاطر على يد مكبلة بالحديد، فتحطم نقطة الدم القيد الحديدي، وفي الداخل مُعلَق لوحة رُسِم عليها ثلاث كلاب ضالة تعبر عن الحياة السابقة لصاحب هذا البيت وشقيقاه إذ كان ثلاثتهم يتاجرون في المخدرات. ثم قُبض على هذا الرجل ودخل إلى السجن، وكان عنيفًا جدًا، وكان يذهب للسجن أحد الخدام كل يوم أحد يجتمع مع المسجونين ويقرأ معهم كلمة الحياة، فكان هذا الرجل يستخف بذاك الخادم ويستهزء بالمجتمعين.
وفي يوم قال في نفسه أميل من بعيد لأسمع ما يقوله هذا الرجل ، فسمعه يتكلم عن محبة المسيح للكل حتى للخطاة والزناة، وفي الأحد الثاني حاول أن يسترق السمع أكثر، وفي نهاية الاجتماع سأل الخادم: هل تقول إن المسيح يحب الخطاة؟ فقال له الخادم: نعم، ومهما كانوا، ومهما كانت أخطاءهم فهو يحبهم فعلًا.
فطلب هذا الرجل من ذلك الخادم أن يترك له الإنجيل لمدة أسبوع واحد، فقال له الخادم: إنني أتركه لك ليكون معك إلي الأبد.
وفي الأسبوع التالي كانت نهاية فترة العقوبة لهذا الرجل، فخرج مع الخادم ولم يشاء أن يذهب إلي بيته بل ذهب إلي الكنيسة وسجد وصلى بدموع حارة، وبدأ خدمته للمدمنين في هذا البيت، فالمدمن في أمريكا يظل هائما على وجهه ليس له من يسأل عنه، فيستقبله هذا الرجل ويستضيفه ليقضي ليلته بالدور العلوي، ويستيقظ ليأخذ دشًا ويقدم له الطعام ويقرأ معه إصحاح من الإنجيل ويطلب منه يأتي ثانية، فيتردد عليه ويومًا فيومًا يتغير حال المدمن ويقلع عن الإدمان الذي سيقوده إلي الجحيم.
وأيضًا الحب والعلاج الروحي حوَّل الشخص السيكوباتي الذي يصعب شفائه إلي خادم يكافح الإدمان، فقد حكى لي الأستاذ الدكتور فيكتور سامي هذه القصة عن شاب وحيد لأمه الأرملة مع ثلاث أخوات بنات، وكانت شخصية هذا الشاب سيكوباتية، والطب يقول أنه من الصعب جدًا علاج مثل هذه الشخصية، فكان قاسي القلب بلطجي يضرب أخوته وأمه، ويتعدى على الآخرين، بالإضافة إلي انحرافه للإدمان منذ السادسة عشر من عمره وكان يساعده في هذه البلطجة بنيته القوية.. تعثر في دراسته الثانوية العامة، وانحرف أكثر فأكثر إذ صار موزعًا للمخدرات على أقرانه من الطلبة، وكان يرفض أي فكرة للعلاج، والأم لا تكف عن الشكوى والبكاء.
وفي أحد الأيام التف حوله بعض الأشخاص الذين عقدوا العزم على مساعدته، وهو لا يعرف شخصياتهم، فظن أنهم من رجال الأمن، وأنهم سيسحبونه إلى قسم الشرطة، فأخذوه وذهبوا به إلى المستشفي، وهناك أحاط به الخدام يخدمونه، والطبيب المعالج أخذ يحدثه عن الله، وتم تكثيف الخدمة خلال فترة علاج أعراض الانسحاب التي استمرت ثلاثة أسابيع، وعندما انتهت هذه الفترة، اقترح عليه الطبيب إن كان يريد أن يكمل علاجه فإنهم سيساعدونه للذهاب إلى بيت التأهيل، وأفهمه الطبيب أن هذا البيت ليس سجنًا إنما يذهب إليه الإنسان بكامل رغبته، وفي أي وقت يرغب فيه الإنسان أن يترك البيت ويقرّر هذا، يصطحبه المشرف إلى وسيلة المواصلات ويقدم له تذكرة العودة أيضًا.. فتشجع هذا الشاب وذهب إلى بيت التأهيل، والتزم بالبرنامج التأهيلي، وانتقل من مرحلة إلى أخرى بنجاح كبير، حتى تخرج من البيت بعد ثمانية عشر شهرًا حصل خلالها على الثانوية العامة، والتحق بمعهد سنتين..
وبعد أن أنهى فترة علاجه بالكامل طلب من الفريق المعالج أن يخدم معهم في مجال مكافحة وعلاج الإدمان فقبلوه معهم، وصار خادمًا ممتازًا له خبرته في هذا المجال، والأمر المدهش أن شخصيته قد تغيرت تمامًا، فبعد أن كان قاسي القلب عنيف فظ أصبح رقيقًا حتى إن دموعه صارت قريبة جدًا، وامتلأ قلبه بالحنان وفاض على الكثيرين ممن يساعدهم في العلاج.. خطب وتزوج، ومازال يعمل في هذا المجال الإنساني، وأصبحت أمه التي أصابها الكثير من أذاه في الماضي فخورة به في الحاضر.
ونعود ونؤكد نفس المعنى من خلال القصة الثالثة، فقد استطاع الحب والعلاج الروحي أن يحول المدمن إلى... فحكى لي أحد الآباء الكهنة قصة مؤثرة عن ابن وحيد لأسرة تقية تعيش في أحد أحياء القاهرة الراقية توفي والده وله من العمر خمس سنوات، وتعلم الابن في إحدى مدارس اللغات، وكان مرتبطًا بالكنيسة، وخلال الفترة من الثانوية العامة للجامعة تسلط عليه مجموعة من الأشرار وأخذوا يشككونه في نسبه لهذه العائلة العظيمة، فكانوا يداومون الاتصال به تليفونيًا ويؤكدون له أنه ليس ابنا لهذه الأسرة لكنه لقيط، وقد تبنته هذه الأسرة، فانزوى هذا الابن وانطوى على نفسه وكان على مشارف الجامعة سنة 1975، ولكيما يهرب من هذه المتاعب القاسية إذ فقد هويته ولا يعرف أين أبوه وأين أمه وأين إخوته؟ وكيف تخلوا عنه؟ ولماذا..؟
ولكيما يخلص من كل هذه الهموم لجأ إلى المخدرات، وساءت حالته النفسية حتى أنه أمسك في إحدى المرات سكينًا وجرح نفسه، وبدأ حاله يتغير إلى الأسوأ فأصيب بهزال ورعشة وصارت عيناه غائرتان. أما أمه فكانت تتمثل بالقديسة مونيكا التي لم تكف عن ذرف الدموع والصلاة من أجل ابنها أغسطينوس حتى قال لها القديس امبروسيوس "ثقي يا مرأة. لا يمكن أن يهلك ابن هذه الدموع" كانت الأم تطلب من الله أن يشفيه، وأن يقبله قربانًا إليه.. لم تتمنى أن يتزوج وتفرح بأولاده ولا سيما أنه الابن الوحيد الذي يحمل اسم الأب الغالي، بل طلبت من الله أن يقتنيه له.
اصطحبه أحد الخدام إلي الدير، وهناك أمضى فترة الانسحاب، واستعاد ثقته بنفسه وبأسرته، وبعد أن كان يقول: أنا لا أريد أن يعطف أحد علىَّ.. أين هي أسرتي؟ اقتنع أنه ابن حقيقي لهذه الأسرة المباركة، وكل الذين وسوسوا إليه ما هم إلا زمرة من الأشرار.. عاد إلى دراسته وواصل نجاحه حتى تخرج وعمل، واستجاب الله لطلبة الأم وقبل قربانها إذ تقدم هذا الشاب لحياة الرهبنة وقدم ذاته قربانًا حيًّا لله، فصار راهبًا فاضلًا نطلب صلواته عنا.. هذه هي قوة الصلاة وثمارها.
10 - وفي فترة التأهيل لا نهمل العمل كعامل مساعد في العلاج، فحكت لي تاسوني ففيان (الأسماء مستعارة) وهي إحدى التاسونات المكرسات عن شاب يُدعى بيتر، وهو شاب في الصف الأول بكلية السياحة والفنادق انتقل والده الطبيب البيطري بجلطة في القلب بينما كان بيتر في الصف الأول الإعدادي، وانتقلت أمه بمرض الفردوس وهو في الصف الأول الثانوي، وله أخ أكبر منه، وخمسة أخوات تزوجن جميعهنَّ بعد أن أكملن تعليمهنَّ وإحداهنَّ تعمل طبيبة، والباقيات في وظائف مرموقة، وكان بيتر يشعر بمدى الصدمة من جراء موت والديه، فكان كثيرًا ما يتغيب عن المدرسة وانحرف إلي تدخين السجائر والبانجو وليس من رقيب .
طلبت منه تاسوني ففيان أن يشاركهم في خدمة المكفوفين، وتساءل بيتر: كيف أخدم وأنا ليس لي أي خبرة في الخدمة.. فقالت له: فقط يوم الاجتماع تحضر أحد المكفوفين من بيته إلى الكنيسة، وبعد الاجتماع تعيده إلى بيته، ولا سيما أنك تمتلك سيارة.
فرح بيتر إذ وجد من يسأل عنه ويكلفه بعمل ولو بسيط، وأدى هذا العمل بأمانة كاملة وحب كبير كما أنه وجد كل الحب من الخدام والخادمات، ولكنه مازال مرتبطًا بالمخدرات.
وكان لبيتر صديق يدعى مجدي وُلِد في ألمانيا من أبوين مصريين، وكان هناك خلافات أسرية دائمة بين أبيه المهندس وأمه المهندسة، فلم يرَ مجدي والده إلاَّ بعد ولادته بعشر سنوات، لأن الأب كان قد ترك الأم مع ابنه مجدي في ألمانيا وسافر إلى أمريكا، وكان مجدي عنيفًا في تصرفاته بعض الشيء بينما يتمتع بيتر بالهدوء والصراحة، وكان بيتر قد تعرف على صديقه مجدي عن طريق الكلية.
وفي يوم طلبت تاسوني ففيان بيتر فلم تجده، فطلبت صديقه مجدي على التليفون المحمول، فحضر بيتر ومجدي، وقال لها بيتر الذي تعود على الصراحة "في الوقت الذي ضرب فيه الموبايل كان مجدي يكشف ذراعه ليجربوا فيه حقنة ماكس فورت" وكانت نحو الخامسة بعد الظهر فقالت لهما: إنني ذاهبة إلى دير مارمينا.. هل تأتون معي..؟ فوافقاها.
وفي الدير جلسوا مع أحد الآباء المحبين فسأله بيتر: هل الحشيش والبانجو حرام يا أبونا؟ ووقف مجدي مرعوبًا.. فما كان من الأب الراهب إلا أنه نهض وأخذهما في أحضانه، وهو يخفي فزعه مما سمعه.
وجلس بيتر يعترف علنًا، وقد رفض أن تغادر تسوني ففيان المكان " كنا ماشين غلط.. بنأجر شقق مفروشة ونأخذ معانا مجموعة أولاد وبنات مسيحيين وغير مسيحيين.. ندخن سجائر، ونشرب بيرة وخمور، وبانجو وحشيش، بالإضافة إلى الانحرافات الجنسية.. إلخ " وإستغرقت الجلسة نحو ساعتين.. كان اعتراف كامل من بيتر الذي امتلك شجاعة الاعتراف العلني، وصمت مجدي علامة الموافقة والإقرار بكل ما قيل، وقدم لهما الأب الراهب الحب والنصيحة والإرشاد، وصلى لهما وقرأ لهما الحل.
وبعد عودتهما اجتهد بيتر أن يصحح موقفه، ولكن كان الأصدقاء يضغطون عليه، وفي أحد الأيام عاد بيتر إلى بيت أخته الذي يقيم فيه الساعة الثالثة فجرًا، وهو مخمور وفاقد الوعي، فضاقت أخته به، واتصلت في الصباح بتسوني ففيان تعلمها بما كان، وتطلب منها التدخل لعلاج بيتر، فقالت لها تسوني: لا بد أن بيتر نفسه هو الذي يطلب العلاج بكامل رغبته حتى لا يضيع المجهود هدرًا.
وبعد ساعات قليلة اتصل بيتر بتسوني ففيان يؤكد رغبته في العلاج، فاصطحبته إلى جمعية كاريتاس، وهناك تأكد أيضًا الطبيب المعالج من رغبته الجادة في العلاج، فكتب له أسماء الأدوية التي تساعده على قضاء فترة الانسحاب وقد أراد بيتر أن يبتعد عن الإسكندرية بالكامل، وبعيدًا عن صديقه مجدي الذي يربطه بالمخدرات، وفي أثناء هذه اللحظات اتصل الأب الراهب بتسوني ففيان ليطمئن على بيتر ومجدي، وعلم بما حدث، وعندئذ طلب من تسوني أن تحضر بيتر إلى الدير بدلًا من بيت التأهيل، ففرح بيتر بهذا، وبينما اتخذ بيتر مع تسوني طريقهما للدير كان مجدي مشغولًا بذكرى أربعين والده الذي انتقل إثر حادث أليم وهو على مشارف الإسكندرية عائدًا من غربته في أمريكا.
واتصل مجدي بتسوني ففيان وهى في الدير مع بيتر، فصارحته إنه لا بد أن يبتعد عن بيتر خلال هذه الفترة الحساسة، فقال مجدي: وأنا كمان أريد أن أتلقى العلاج، وفرصة أقضي فترة الانسحاب مع بيتر في الدير، فوافق الأب الراهب على حضوره، وحضر مجدي، واتصل الأب الراهب بالطبيب المعالج يسأله عما إذا كان علاج بيتر يصلح لمجدي، فأجابه الطبيب بالإيجاب.
وظل الصديقان بيتر ومجدي في الدير خمسة عشر يومًا يواظبان على العلاج والصلوات والعمل والجلسات الروحية المفيدة، وشتان بين هذا الجو المقدس المُشبَّع بالروحانية وبين جو الأصدقاء القدامى المُشبَّع بالدخان الأزرق، وما يحطم النفس ويهد الجسد.. مضت فترة الانسحاب وعاد الصديقان إلى الإسكندرية يستكملان العلاج التأهيلي لدى جمعية كاريتاس في جلسات نفسية مع الطبيب المعالج، والأب الراهب كان دائب الاتصال بهما، يطلب منهما إنهاء أعمال خاصة بالدير حتى أنهما كان يذهبان للدير أحيانًا مرتين في اليوم، وبفضل هذا الحب الأبوي وتحميلهما مسئولية أعمال كثيرة والعلاج الصحيح بدءا يتماثلا للشفاء.